بررسی کلمات مفسرین در احکام و تفصیل قرآن کریم




تفسير مقاتل بن سليمان    ج‏2    271
تفسير مقاتل بن سليمان، ج‏2، ص: 271
بسم الله الرحمن الرحيم‏ الر كتاب أحكمت آياته‏ من الباطل يعنى آيات القرآن‏ ثم فصلت‏ يعنى بينت: أمره، و نهيه، و حدوده، و أمر ما كان، و ما يكون‏

تفسير التسترى       78
بسم الله الرحمن الرحيم‏
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1)
قوله تعالى: فصلت من لدن حكيم خبير [1] أي بين فيها الوعد على الطاعة، و الوعيد بالعقاب على المعصية و الإصرار عليها.

تفسير القمي    ج‏1    321
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع‏ «الر كتاب أحكمت آياته‏» قال هو القرآن «من لدن حكيم خبير» قال من عند حكيم خبير «و أن استغفروا ربكم‏» يعني المؤمنين- قوله «و يؤت كل ذي فضل فضله‏» فهو علي بن أبي طالب ع و قوله‏ و إن تولوا- فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير قال الدخان و الصيحة و قوله‏ ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه‏ يقول يكتمون ما في صدورهم من بغض علي.

معانى القرآن    ج‏2    3
قوله: الر كتاب أحكمت آياته‏ [1].
رفعت الكتاب بالهجاء الذي قبله، كأنك قلت: حروف الهجاء هذا القرآن. و إن شئت أضمرت له ما يرفعه؛ كأنك قلت: الر هذا الكتاب.
و قوله‏ (ثم فصلت) بالحلال و الحرام. و الأمر و النهى. لذلك جاء قوله‏ (ألا تعبدوا) [2]
ثم قال‏ (و أن استغفروا ربكم) [3].
أي فصلت آياته ألا تعبدوا و أن استغفروا. فإن فى موضع نصب بإلقائك الخافض‏ .

تفسير غريب القرآن       175
1- أحكمت آياته‏ فلم تنسخ.
ثم فصلت‏ بالحلال و الحرام. و يقال: فصلت: أنزلت شيئا بعد شي‏ء و لم تنزل جملة.
من لدن حكيم خبير أي من عند حكيم خبير.

تفسير القرآن العزيز المسمى تفسير عبدالرزاق    ج‏1    263
1179- حدثنا سلمة قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت: [الآية: 1]، قال: أحكمها الله عن الباطل، و فصلها يقول: بينها.

مجاز القرآن    ج‏1    285
«الر» (1) ساكن، مجازه مجاز فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي، و مجازه فى المعنى. ابتداء فواتح سائر السور.
«الر كتاب» (1): مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقوله: هذا كتاب.

جامع البيان فى تفسير القرآن    ج‏11    122
القول في تأويل قوله تعالى:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير قال‏
جامع البيان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 123
أبو جعفر: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله‏ الر و الصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع و قوله: كتاب أحكمت آياته‏ يعني: هذا الكتاب الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم، و هو القرآن. و رفع قوله:" كتاب" بنية: هذا كتاب. فأما على قول من زعم أن قوله: الر مراد به سائر حروف المعجم التي نزل بها القرآن، و جعلت هذه الحروف دلالة على جميعها، و أن معنى الكلام: هذه الحروف كتاب أحكمت آياته، فإن الكتاب على قوله ينبغي أن يكون مرفوعا بقوله: الر و أما قوله: أحكمت آياته ثم فصلت‏ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله: أحكمت آياته بالأمر و النهي، ثم فصلت بالثواب و العقاب. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرني أبو محمد الثقفي، عن الحسن‏، في قوله:
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏ قال: أحكمت بالأمر و النهي، و فصلت بالثواب و العقاب‏ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن‏: الر كتاب أحكمت آياته‏ قال: أحكمت في الأمر و النهى و فصلت بالوعيد حدثني المثني، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد اله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن رجل، عن الحسن‏: الر كتاب أحكمت آياته‏ قال: بالأمر و النهي‏ ثم فصلت‏ قال: بالثواب و العقاب و روي عن الحسن قول خلاف هذا. و ذلك ما: حدثنا القاسم، قال:
ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي بكر، عن الحسن، قال: و حدثنا عباد بن العوام، عن رجل، عن الحسن‏: أحكمت‏ بالثواب و العقاب‏ ثم فصلت‏ بالأمر و النهي و قال آخرون: معنى ذلك: أحكمت آياته من الباطل، ثم فصلت، فبين منها الحلال و الحرام ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه، فبين حلاله و حرامه و طاعته و معصيته‏ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أحكمت آياته ثم فصلت‏ قال: أحكمها الله من الباطل، ثم فصلها: بينها و أولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: أحكم الله آياته من الدخل و الخلل و الباطل، ثم فصلها بالأمر و النهي. و ذلك أن إحكام الشي‏ء إصلاحه و إتقانه، و إحكام آيات القرآن إحكامها من خلل يكون فيها أو باطل يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها من قبله. و أما تفصيل آياته فإنه تمييز بعضها من بعض بالبيان عما فيها من حلال و حرام و أمر و نهي. و كان بعض المفسرين يفسر قوله: فصلت‏ بمعنى: فسرت، و ذلك نحو الذي قلنا فيه من القول ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ثم فصلت‏ قال: فسرت‏ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فصلت‏ قال: فسرت‏ حدثنا ابن وكيع قال: ثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد: ثم فصلت‏ قال: فسرت‏ حدثني المثني، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. و قال قتادة: معناه: بينت، و قد ذكرنا الرواية بذلك قبل، و هو شبيه المعنى بقول مجاهد. و أما قوله: من لدن حكيم خبير فإن معناه: حكيم بتدبير الأشياء و تقديرها، خبير بما يؤول إليه عواقبها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: من لدن حكيم خبير يقول: من عند حكيم خبير

تفسير القرآن العظيم    ج‏6    1994
تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 1994
سورة هود
11 تفسير السورة التي يذكر فيها هود صلى الله عليه و سلم‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏
قوله تعالى: الر
[الوجه الأول‏]
[10631]
حدثنا أبي، ثنا أبو عمارة، ثنا شريك، عن عطاء بن السائب، قال شريك: لا أراه إلا عن أبي الضحى يعني: مسلم بن صبيح، عن ابن عباس‏ الر قال: أنا الله أرى‏ و روى، عن الضحاك مثله‏.
الوجه الثاني:
[10632]
حدثنا علي بن الحسين، ثنا هدبة بن عبد الوهاب، ثنا علي بن الحسين ابن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس‏ الر حروف الرحمن معروفة فحدثت به الأعمش فقال: عندك مثل هذا و لا تخبرنا و روي، عن سالم بن عبد الله أنه قال‏ الر رحم و نور اسم الرحمن مقطع.
الوجه الثالث:
[10633]
حدثنا أبي، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة الر قال: من اسماء القرآن.
و الوجه الرابع:
[10634]
حدثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيي بن أبي زائدة، قال ابن جريج: قال مجاهد: الر قال: هذا فواتح يفتح الله بها القرآن قال: قلت:
الم* لم تكن تقل هي أسماء قال: لا.
قوله تعالى: كتاب أحكمت آياته‏
[الوجه الأول‏]
[10635]
حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبد الحميد الحماني أبو يحيي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن‏ الر كتاب أحكمت آياته‏ قال أحكمت بالأمر و النهي.
تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 1995
الوجه الثاني:
[10636]
حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالح، ثنا سعيد و خليد، عن قتادة في قول الله: كتاب أحكمت آياته‏ قال: أحكمه الله من الباطل ثم فصله.
[10637]
أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلى، ثنا أصبغ قال‏ سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قرأ: الر كتاب أحكمت آياته‏ قال: هي كلها محكمة يعني: سورة هود.
قوله تعالى: ثم فصلت‏
[الوجه الأول‏]
[10638]
حدثنا حجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ثم فصلت‏ يقول: فسرت.
و الوجه الثاني:
[10629]
حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبد الحميد الحماني، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن‏ ثم فصلت‏ قال: بالوعد و الوعيد.
[10630]
حدثنا أبي، ثنا محمد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان، عن رجل، عن الحسن‏ فصلت‏ قال: بالثواب و العقاب.
الوجه الثالث:
[10631]
حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد و خليد، عن قتادة في قول الله: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير قال: ثم فصلت بعلمه فبين حلاله من حرامه و طاعته من معصيته.
و الوجه الرابع:
[10632]
أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلى، ثنا أصبغ بن الفرج قال:
سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏ يعني: قوله: فصلت‏ قال: ثم ذكر محمدا صلى الله عليه و سلم فحكم فيها بينة و بين من خالفه، و قرأ: مثل الفريقين‏ الآية كلها ثم ذكر قوم نوح فقال و عذبهم بعد طول نظره ثم هود و قرأ: نجينا هودا و الذين آمنوا معه برحمة منا فكان هذا تفصيل ذلك و كان أوله محكما قال: و كان أبي يقول ذلك يعني: زيد بن أسلم.
تفسير القرآن العظيم، ج‏6، ص: 1996
قوله تعالى: من لدن‏
[10633]
حدثنا محمد بن يحيي، ثنا أبو غسان زنيج، ثنا سلمة قال يعني: محمد ابن إسحاق، ثنا محمد بن جعفر بن الزبير قوله: حكيم‏ قال: حكيم في عذره و حجته إلى عباده.
قوله تعالى: خبير
[10634]
حدثنا محمد بن يحيي، ثنا العباس بن الوليد النرسي، ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، قوله: حكيم خبير قال: خبير بخلقه.
[10635]
حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: حكيم‏ قال: حكيم في امره.

بحر العلوم    ج‏2    137
قال الله تعالى: الر قال ابن عباس يعني: أنا الله أرى، و يقال: الألف الله آلاؤه، و اللام لطفه، و الراء ربوبيته. كتاب‏ يعني: هذا الكتاب، و هو القرآن‏ أحكمت آياته‏ من الباطل، فلم يوجد فيه عوج و لا تناقض. ثم فصلت‏ يعني: بين أمره و نهيه. و قال الحسن: أحكمت آياته‏ بالأمر و النهي، و فصلت بالوعد و الوعيد، و الثواب و العقاب. و قال مجاهد: فصلت‏ أي: فسرت. و قال القتبي: أحكمت‏، فلم تنسخ، ثم‏ فصلت‏ بالحلال و الحرام. و يقال:
فصلت‏ يعني: أنزلت شيئا بعد شي‏ء، فلم تنزل جملة. من لدن حكيم خبير يعني: أنزل جبريل على محمد صلى الله عليه و سلم من عند الله تعالى قال: حكيم‏ في أمره، خبير بالعباد و بأعمالهم‏

التفسير الكبير: تفسير القرآن العظيم (الطبرانى)    ج‏3    415
الر؛ قال ابن عباس: (معناه أنا الله الرحمن). و قوله: كتاب أحكمت آياته؛ و قيل: (كتاب) بدل من قوله (الر) لأنه خبره، كأنه قال: هذه الحروف كتاب.
قوله تعالى: (أحكمت آياته) أي أحكمت بالأمر و النهي، ثم فصلت؛ بالثواب و العقاب، و قال قتادة: (أحكمت عن الباطل بالحجج و الدلائل، ثم فصلت بأن أنزلت شيئا فشيئا) . و قال الكلبي: (كتاب أحكمت آياته لم ينسخ بكتاب، كما نسخت الكتب و الشرائع به، (ثم فصلت) بينت بالأحكام من الحلال و الحرام، و الوعد و الوعيد). و قوله: من لدن حكيم خبير (1)؛ أي من عند حكيم في خلقه و تدبيره، خبير بمن يصدق و يكذب به.

الواضح فى تفسير القرآن الكريم    ج‏1    354
الر يقول: أنا الله أرى، و يقال: قسم أقسم به‏ كتاب‏ أن هذا كتاب، يعنى القرآن‏ أحكمت آياته‏ بالحلال و الحرام، و الأمر و النهى فلم تنسخ‏ ثم فصلت‏ بينت‏  من لدن‏ من عند حكيم‏ حاكم أمر أن لا يعبد غيره‏ خبير (1) بمن يعبد و بمن لا يعبد

تأويلات أهل السنة    ج‏6    94
قوله- عز و جل-: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏:
قال الحسن: أحكمت آياته‏ بالأمر و النهي‏ ، ثم فصلت‏ بالوعد و الوعيد.
و قال بعضهم: أحكمت آياته‏ بالوعد و الوعيد، ثم فصلت‏ بالأمر و النهي.
و قال بعضهم: أحكمت آياته‏ حتى لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها ، و لا يملك أحد التبديل، ثم فصلت‏ بينت ما يؤتى و [ما]  يتقى، أو بينت ما لهم و ما عليهم و ما لله عليهم.
و قال بعضهم: أحكمت آياته‏ فلم تنسخ‏ ، ثم فصلت‏ بالحلال و الحرام. و قيل:
فصلت‏ أي: فرقت في الإنزال أنزل شي‏ء بعد شي‏ء على قدر  النوازل و الأسباب فلم ينزل جملة؛ لأنه لو أنزل جملة لاحتاجوا إلى أن يعرفوا الكل بسببه و شأنه و خصوصه و عمومه، فإذا أنزل متفرقا في أوقات مختلفة على النوازل و الأسباب عرفوا ذلك على غير إعلام و لا بيان، و التفصيل هو اسم التفريق و اسم التبيين، و ذلك يحتمل المعنيين جميعا، و الله أعلم.
و قوله- عز و جل-: أحكمت آياته‏: أي: أحكمت حتى لا يرد عليها النقض‏
تأويلات أهل السنة، ج‏6، ص: 95
و الانتقاض، أو أحكمت حتى لا يملك أحد التبديل و التغيير، أو أحكمت عن أن يقع فيها الاختلاف.
و قال بعضهم: أحكمت آياته بالفرائض، و فصلت بالثواب و العقاب.
ثم‏ آياته‏ تحتمل وجوها:
أحدها: العبر.
و الثاني: الحجج.
و الثالث: العلامة.
ثم الآية كل كلمة في القرآن تمت فهي [عبرة أو حجة]  أو علامة لا تخلو عن أحد هذه الوجوه الثلاثة.
و قوله- عز و جل-: من لدن حكيم خبير: من عند حكيم عليم جاءت هذه الآيات.

اعراب القرآن    ج‏2    160
كتاب‏ بمعنى هذا كتاب‏ أحكمت آياته‏ في موضع رفع نعت لكتاب و أحسن ما قيل في معنى «أحكمت» جعلت محكمة كلها لا خلل فيها و لا باطل و في‏ ثم فصلت‏ آياته جعلت متفرقة ليتدبر من لدن‏ في موضع خفض إلا أنها مبنية على السكون لأنها غير متمكنة و ما بعدها مخفوض بالإضافة، و حكى سيبويه‏ : لدن غدوة يا هذا لما كان يقال: لد، كما أنشد سيبويه: [الرجز] 206-
من لد شول فإلى إتلائها

صارت النون مثلها في عشرين فنصبت ما بعدها حكيم‏ أي في أفعاله‏ خبير أي بمصالح خلقه.

التبيان في تفسير القرآن    ج‏5    445
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1)
روى الكسائي عن أبي بكر «من لدن حكيم» هاهنا و في النمل، بسكون الدال و اشمامها الضم و كسر النون. الباقون بضم الدال و اسكان النون. و لم يعد أحد من القراء (الر) آية كما عد قوم (طه) و (الم) و (حم) آية، لان ثانيه لا يشبه رؤس الاي بنفس الحرف و لا بالردف. و قد بينا في أول سورة البقرة اختلاف المفسرين في هذه الحروف و أمثالها و أن الأقوى أن يقال إنها أسماء للسور.
و روي عن الحسن أنه قال: ما أدري تأويل (الر) غير ان المسلمين كانوا يقولون: هي اسماء للسور و مفاتحها. و خرجت هذه الحروف على وجه التهجي لا يعرب شي‏ء منها، لأنها حروف و لو كانت اسماء لدخلها الاعراب. و قال الفراء «الر كتاب» رفع بحروف الهجاء. و قال غيره «كتاب» رفع بأنه خبر المبتدأ و تقديره هو كتاب او هذا كتاب و المراد ب (كتاب) القرآن.
التبيان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 446
و قوله‏ «أحكمت آياته ثم فصلت» قيل في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها- قال الحسن: أحكمت بالأمر و النهي، و فصلت بالثواب و العقاب.
الثاني- قال قتادة أحكمت آياته من الباطل. ثم فصلت بالحرام و الحلال.
الثالث- قال مجاهد «أحكمت آياته» على وجه الجملة «ثم فصلت» اي بينت بذكرها آية آية. و الأحكام منع الفعل من الفساد، قال الشاعر:
أبني حنيفة احكموا سفهاءكم‏        إني أخاف عليكم أن أغضبا
        

و قوله‏ «من لدن حكيم خبير» معناه من عند حكيم عليم. و قوم يجعلون في (لدن) ضميرا فينصبون ما بعده فيقولون لدن غدوة. و قوم يجعلونه غاية و لا يضمرون فيه شيئا بعينه فيرفعون ما بعده لان ما بعد الغاية مرفوع، فيقولون لدن غدوة.
و روي عن عكرمة انه قرأ «فصلت» بفتح الفاء و الصاد و تخفيفها- و هي شاذة لم يقرأ بها احد.

الكشف و البيان (تفسير ثعلبى)    ج‏5    156
الر كتاب‏ قيل‏ الر مبتدأ و كتاب‏ خبره، و قيل: كتاب‏ رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره: هذا كتاب‏ أحكمت آياته‏ قال ابن عباس: أحكمت آياته‏: لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب و الشرائع بها ثم فصلت‏ بينت بالأحكام و الحلال و الحرام، قال الحسن و أبو العالية:
فصلت‏: فسرت‏ من لدن حكيم خبير

لطائف الإشارات    ج‏2    120
الألف إشارة إلى انفراده بالربوبية.
و اللام إشارة إلى لطفه بأهل التوحيد.
و الراء إشارة إلى رحمته بكافة البرية.
و هى فى معنى القسم: أي أقسم بانفرادى بالربوبية و لطفى بمن عرفنى بالأحدية، و رحمتى على كافة البرية- إن هذا الكتاب أحكمت آياته.
و معنى‏ «أحكمت آياته»: أي حفظت عن التبديل و التغيير، ثم فصلت ببيان نعوت الحق فيما يتصف به من جلال الصمدية، و تعبد به الخلق من أحكام العبودية، ثم مالاح لقلوب الموحدين و المحبين من لطائف القربة، فى عاجلهم البشرى بما وعدهم به من عزيز لقائه فى آجلهم، و خصائصهم التي امتازوا بها عمن سواهم.

تلخيص البيان في مجازات القرآن    النص    158
قوله تعالى: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير [1] و هذه استعارة. لأن آيات القرآن لما ورد فى بعضها ذكر الحلال و الحرام، و استمرت على ذلك بين وعد مقدم، و وعيد مؤخر، و نذارة مبتدأ بها، و بشارة معقب بذكرها شبه القرآن- لذلك- بالعظائم المفصلة، التي توافق فيها بين الأشكال تارة، و تؤلف بين الأضداد تارة ليكون ذلك أحسن فى التنضيد، و أبلغ فى الترصيف. و هذه من بدائع الاستعارات.

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز    ج‏1    512
(1) الر أنا الله الرحمن‏ كتاب‏ هذا كتاب‏ أحكمت آياته‏ بعجيب النظم، و بديع المعاني و رصين اللفظ ثم فصلت‏ بينت بالأحكام من الحلال و الحرام، و جميع ما يحتاج إليه من‏ لدن حكيم‏ في خلقه‏ خبير بمن يصدق نبيه و بمن يكذبه.

الهداية إلى بلوغ النهاية    ج‏5    3342
قوله: كتاب أحكمت- آياته ثم فصلت‏- إلى قوله- على كل شي‏ء قدير. [1- 4]
المعنى: هذا الكتاب الذي أنزلناه‏  أحكمت- آياته‏: أي: بالأمر و النهي‏ ، ثم فصلت‏ بالثواب، و العقاب. قاله الحسن‏ . و عنه‏ ثم فصلت‏ أي:
الهداية إلى بلوغ النهاية، ج‏5، ص: 3343
بالوعد، و الوعيد .
و عنه أيضا: أحكمت‏ أي: بالثواب و العقاب‏  ثم فصلت‏ بالأمر، و النهي.
و قال قتادة: أحكمها الله عز و جل‏ ، من الباطل، ثم فصلها، و  بين الحلال، و الحرام‏ .
و قال مجاهد: أحكمت‏: لم ينسخها شي‏ء .
ثم فصلت‏ نزلت شيئا بعد شي‏ء . و قيل: فصلت‏: فسرت و بينت: قاله مجاهد، و ابن جريج‏ .
من لدن حكيم‏: أي: من عند حكيم‏  في أفعاله، خبير بجميع الأشياء، و بمصالح عباده.
و قيل: أحكمت عن أن يدخل فيها الفساد. يقال: أحكمته‏  الآيات‏ .
الهداية إلى بلوغ النهاية، ج‏5، ص: 3344
و حكمته لغتان: أي: منعنه‏ ، و منه حكمت‏  اللجام لأنها تمنع الفرس الجماح. و أصله كله من إحكام الشي‏ء، و هو: إبرامه‏ ، و إتقانه، عن أن يفسده شي‏ء .
و الوقف على‏ الر حسن‏  إلا قول من جعله مبتدأه و كتاب خبره.

درج الدرر فى تفسير القرآن العظيم    ج‏2    95
1- قوله: أحكمت‏ بمعنى: الخصوص، و هو إحكام التلاوة، و تهذيبها (158 و) مما يلقي الشيطان في الأمنية.
ثم فصلت‏ من عنده بلا وساطة، أو التفصيل: هو تفسير رسول الله مجملات الآي.

مجمع البيان في تفسير القرآن    ج‏5    213
قد بينا تفسير «الر» و الأقاويل التي فيها في أول البقرة فلا معنى لإعادته‏ «كتاب» يعني القرآن أي هو كتاب‏ «أحكمت آياته ثم فصلت» ذكر فيه وجوه (أحدها) أن‏
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 214
معناه‏ «أحكمت آياته» فلم ينسخ منها شي‏ء كما نسخت الكتب و الشرائع‏ «ثم فصلت» ببيان الحلال و الحرام و سائر الأحكام عن ابن عباس (و ثانيها) أن معناه‏ «أحكمت آياته» بالأمر و النهي‏ «ثم فصلت» بالوعد و الوعيد و الثواب و العقاب عن الحسن و أبي العالية (و ثالثها) «أحكمت آياته» جملة ثم فرقت في الإنزال آية بعد آية ليكون المكلف أمكن من النظر و التدبر عن مجاهد (و رابعها) أحكمت في نظمها بأن جعلت على أبلغ وجوه الفصاحة حتى صار معجزا ثم فصلت بالشرع و البيان المفروض فكأنه قيل محكم النظم مفصل الآيات عن أبي مسلم (و خامسها) أتقنت آياته فليس فيها خلل و لا باطل لأن الفعل المحكم ما قد أتقنه فاعله حتى لا يكون فيه خلل ثم فصلت بأن جعلت متتابعة بعضها إثر بعض‏ «من لدن حكيم» أي إن هذا الكتاب أتاكم من عند حكيم في أحواله و تدابيره‏ «خبير» أي عليم بأحوال خلقه و مصالحهم و في هذه الآية دلالة على أن كلام الله سبحانه محدث لأنه وصفه بأنه أحكمت آياته ثم فصلت و الإحكام من صفات الأفعال و كذلك التفصيل ثم قال‏ «من لدن حكيم» و هذه الإضافة لا تصح إلا في المحدث لأن القديم يستحيل أن يكون صادرا من غير

روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن    ج‏10    226
قوله تعالى: الر كتاب أحكمت آياته‏، اقوال مفسران گفتيم در اول سورة البقره در حروف مقطع، و قول درست‏تر آن است كه: نام سورت است، و بعضى نحويان گفتند: الر، در محل رفع است به ابتدا، و گفتند: نام قرآن است، تقدير چنان بود :
هذا القرآن‏ كتاب أحكمت آياته‏، اين كتابى است كه آيات او محكم بكرده‏اند.
عبد الله عباس گفت: معنى آن است كه، اين را منسوخ بنكنند به كتابى دگر چنان كه دگر كتب را. ثم فصلت‏، اى بينت بالحلال و الحرام و الشرايع و الاحكام. حسن بصرى گفت: اين كتاب‏  محكم بكردند [به امر و نهى و تفصيل دادند او را به ثواب‏
روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 227
و عقاب. قتاده گفت: محكم بكردند]  اين كتاب را از باطل، و آنگه تفصيل دادند به حلال و حرام. مجاهد گفت: آياتش بر جمله محكم بكردند آنگه آن را تفصيل دادند آيت آيت. و احكام، منع فعل باشد از آن كه فساد به او راه يابد. من لدن حكيم خبير، اى من عند رب حكيم عليم.

المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز    ج‏3    148
تقدم استيعاب القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، و تختص هذه بأن قيل إن الرحمن فرقت حروفه فيها و في‏ حم* [غافر: 1، فصلت: 1، الشورى: 1، الزخرف: 1، الدخان: 1، الجاثية: 1، الأحقاف: 1] و في‏ ن و القلم‏ [القلم: 1].
و كتاب‏ مرتفع على خبر الابتداء، فمن قال الحروف إشارة إلى حروف المعجم كانت الحروف المبتدأ، و من تأول الحروف غير ذلك كان المبتدأ «هذا كتاب»؛ و المراد بالكتاب القرآن.
و أحكمت‏ معناه أتقنت و أجيدت شبه تحكم الأمور المتقنة الكاملة، و بهذه الصفة كان القرآن في الأزل ثم فصل بتقطيعه و تنويع أحكامه و أوامره على محمد صلى الله عليه و سلم في أزمنة مختلفة ف ثم‏ على بابها، و هذه طريقة الإحكام و التفصيل إذ الإحكام صفة ذاتية، و التفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، و الكتاب بأجمعه محكم مفصل و الإحكام الذي هو ضد النسخ و التفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. و حكى الطبري عن بعض المتأولين: أحكمت بالأمر و النهي و فصلت بالثواب و العقاب؛ و عن بعضهم: أحكمت من الباطل، و فصلت بالحلال و الحرام و نحو هذا من التخصيص الذي‏
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج‏3، ص: 149
هو صحيح المعنى و لكن لا يقتضيه اللفظ، و قال قوم: فصلت‏ معناه فسرت، و قرأ عكرمة و الضحاك و الجحدري و ابن كثير- فيما روي عنه-: «ثم فصلت» بفتح الفاء و الصاد و اللام، و يحتمل ذلك معنيين:
أحدهما: «فصلت» أي نزلت إلى الناس كما تقول فصل فلان لسفره و نحو هذا المعنى. و الثاني فصلت بين المحق و المبطل من الناس.

كشف الاسرار و عدة الابرار    ج‏4    350
قوله: الر روايت كنند از ابن عباس الر و حم و نون‏  الرحمن متفرقة.
كشف الاسرار و عدة الابرار، ج‏4، ص: 351
قال الضحاك: معناه انا لله ارى. و قال الحسن هو اسم من اسماء الله عز و جل. و گفته‏اند:
الر كتاب‏ اى- هذه الحروف الثمانية و العشرون مجموعة كتاب، ميگويد: اين حروف تهجى كه عدد آن بيست و هشت است كتاب خداوند است، نامه وى، سخن وى، برين معنى‏ الر ابتداست و ما بعد خبر ابتدا، آن گه صفت نامه كرد أحكمت آياته‏ اى- احكمها الله عن التناقض و الكذب و الباطل و اتقنها بالنظم العجيب و اللفظ الرصين و المعنى البديع فما يقدر ذو زيغ ان يطعن فيها. و قيل: احكمت بالحجج و الدلايل. و قيل: احكم القرآن من ان ينسخ بكتاب سواه كما نسخ ساير الكتب به‏ ثم فصلت‏ اى- فصلها الله يعنى- بينها بالاحكام من الامر و النهى و الحلال و الحرام و الوعد و الوعيد و الثواب و العقاب. و قيل: القرآن مفصل يكون كل معنى من معانيه منفصلا عن غيره. و قيل: فصلت‏ اى- انزلت فصلا فصلا و نجما نجما فى عشرين سنة كما دعت الحاجة اليه. من لدن حكيم‏ اى- هذا الكتاب من عند الله الحكيم العدل فى قضائه يضع الشي‏ء موضعه‏ خبير باعمال عباده يعلم ما كان و ما يكون.

زاد المسير فى علم التفسير    ج‏2    356
قال الفراء: و كتاب‏ مرفوع بالهجاء الذي قبله، كأنك قلت: حروف الهجاء هذا القرآن، و إن شئت رفعته بإضمار: هذا كتاب، و الكتاب: القرآن. و في قوله: أحكمت آياته‏ أربعة أقوال: أحدها:
أحكمت فلم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتاب و الشرائع، قاله ابن عباس، و اختاره ابن قتيبة. و الثاني:
أحكمت بالأمر و النهي، قاله الحسن، و أبو العالية. و الثالث: أحكمت عن الباطل، أي: منعت، قاله قتادة، و مقاتل. و الرابع: أحكمت بمعنى جمعت، قاله ابن زيد. فإن قيل: كيف عم الآيات ها هنا بالإحكام، و خص بعضها في قوله: منه آيات محكمات‏ ؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أن الإحكام الذي عم به ها هنا، غير الذي خص به هناك. و في معنى الإحكام العام خمسة أقوال، قد أسلفنا منها أربعة في قوله: أحكمت آياته‏. و الخامس: أنه إعجاز النظم و البلاغة و تضمين الحكم المعجزة. و معنى الإحكام الخاص: زوال اللبس، و استواء السامعين في معرفة معنى الآية.
و الجواب الثاني: أن الإحكام في الموضعين بمعنى واحد. و المراد بقوله: أحكمت آياته‏:
أحكم بعضها بالبيان الواضح و منع الالتباس، فأوقع العموم على معنى الخصوص، كما تقول العرب:
قد أكلت طعام زيد، يعنون: بعض طعامه، و يقولون: قتلنا و رب الكعبة، يعنون: قتل بعضنا، ذكر ذلك ابن الأنباري.
و في قوله: ثم فصلت‏ ستة أقوال: أحدها: فصلت بالحلال و الحرام، رواه أبو صالح عن ابن عباس. و الثاني: فصلت بالثواب و العقاب، رواه جسر بن فرقد  عن الحسن. و الثالث: فصلت بالوعد و الوعيد، رواه أبو بكر الهذلي عن الحسن أيضا. و الرابع: فصلت بمعنى فسرت، قاله مجاهد.
و الخامس: أنزلت شيئا بعد شي‏ء، و لم تنزل جملة، ذكره ابن قتيبة. و السادس: فصلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلالة على التوحيد، و تثبيت نبوة الأنبياء، و إقامة الشرائع، قاله الزجاج. قوله تعالى: من لدن حكيم‏ أي: من عنده.

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل    ج‏2    377
أحكمت آياته‏ نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض و لا خلل، كالبناء المحكم المرصف.
و يجوز أن يكون نقلا بالهمزة، من «حكم» بضم الكاف، إذا صار حكيما: أى جعلت حكيمة، كقوله تعالى‏ آيات الكتاب الحكيم* و قيل: منعت من الفساد، من قولهم: أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح. قال جرير:
أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم‏        إنى أخاف عليكم أن أغضبا
        

و عن قتادة: أحكمت من الباطل‏ ثم فصلت‏ كما تفصل القلائد بالفرائد، من دلائل التوحيد، و الأحكام، و المواعظ، و القصص. أو جعلت فصولا، سورة سورة، و آية آية. و فرقت في التنزيل و لم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد: أى بين و لخص. و قرئ:
أحكمت آياته ثم فصلت: أى أحكمتها أنا ثم فصلتها. و عن عكرمة و الضحاك: ثم فصلت، أى فرقت بين الحق و الباطل. فإن قلت: ما معنى ثم؟ قلت: ليس معناها التراخي في الوقت، و لكن في الحال، كما تقول: هي محكمة أحسن الأحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل. و فلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل. و كتاب: خبر مبتدإ محذوف. و أحكمت: صفة له. و قوله‏ من لدن حكيم خبير صفة ثانية. و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، و أن يكون صلة لأحكمت و فصلت، أى: من عنده إحكامها و تفصيلها. و فيه طباق حسن، لأن المعنى: أحكمها حكيم و فصلها: أى بينها و شرحها خبير عالم بكيفيات الأمور.

تفسير جوامع الجامع    ج‏2    134
«أحكمت آياته»: نظمت محكما لا نقص‏  فيه و لا خلل، كالبناء المحكم، أو جعلت آياته حكيمة، من «حكم»: إذا صار حكيما، كقوله: «آيات الكتاب الحكيم»* ، أو منعت من الفساد، من «أحكم الدابة»: وضع عليها الحكمة  لتمنعها  من الجماح، قال جرير :
أ نى حنيفة أحكموا سفهاءكم‏        إنى أخاف عليكم أن أغضبا
        

. «ثم فصلت»- كما تفصل القلائد- بدلائل التوحيد و المواعظ و الأحكام و القصص، أو جعلت فصولا: آية آية و سورة سورة، أو فرقت فى التنزيل فلم تنزل‏  جملة واحدة، و  معنى‏ «ثم»: التراخى فى الحال لا فى الوقت، كما تقول: هى محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل، و «كتاب»: خبر مبتدإ محذوف، «من لدن حكيم» أحكمها و  «خبير»: عالم فصلها، أي بينها و شرحها.

تفسير البغوى    ج‏2    438
الر كتاب‏، أي: هذا كتاب، أحكمت آياته‏، قال ابن عباس: لم ينسخ بكتاب كما نسخت الكتب و الشرائع به، ثم فصلت‏، بينت بالأحكام و الحلال و الحرام. و قال الحسن: أحكمت بالأمر و النهي، ثم فصلت بالوعد و الوعيد. قال قتادة: أحكمت أحكمها الله فليس فيها اختلاف و لا تناقض.
و قال مجاهد: فصلت أي: فسرت. و قيل: فصلت أي: أنزلت شيئا فشيئا، من لدن حكيم خبير.

خلاصه تفسير ادبى و عرفانى قرآن مجيد    ج‏1    445
الر. الف نشان الفت و امر به توحيد. لام نشانه لؤم و سرزنش. راء نشانه رفق و لطف.
پير طريقت گفت: خدايا، گاه مى‏گوئى: فرود آى، گاه مى‏گوئى: گريز، گاه فرمائى بيا، گاه گوئى پرهيز. خدايا، اين نشان قربت است؟ يا محض رستاخيز؟ هرگز بشارت نديدم تهديدآميز! اى مهربان بردبار، اى لطيف نيك يار، آمدم به درگاه، خواهى به نازدار و خواهى خوار دار.
حقيقت اين كار همه نياز است و حسرتى بى‏كران و دردى مادرزاد، در آن هم ناز است و هم گداز! هم رستخيز نهان و هم زندگانى جاودان و بى‏قرارى دل واجدان، بلاى جان مقربان، حيرت علم محققان، احتراق عشق عارفان و سرگردانى جوان‏مردان. سرگردانى آنان درين راه چنان است كه كسى در چاهى بى‏ته افتد هرچند كه در آن بيشتر مى‏شود آن چاه بى‏ته‏تر مى‏شود! كه هرگز او را پاى بر زمين نيايد! همچنين روندگان درين راه هميشه روانند، افتان‏وخيزان كه هرگز ايشان را نه وقفتى، و در اين راه نه سلوتى، و نه اين دريا را قعرى، و نه اين حديث را غايتى.

إيجاز البيان عن معاني القرآن    ج‏1    406
1 أحكمت‏: بالأمر و النهي، ثم فصلت‏: بالوعد و الوعيد ، أو أحكمت آياته من الباطل ثم فصلت بالأحكام‏ .

متشابه القرآن و مختلفه    ج‏2    129
قوله سبحانه- كتاب أحكمت آياته‏ و قوله‏ كتابا متشابها و قوله‏ آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات‏ أما قوله‏ أحكمت‏ أي المنتخب من تفسير القرآن    ج‏1    394
فصل: قوله‏ «الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت» الاية: 1.
قيل: في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها: قال الحسن: أحكمت بالأمر و النهي، و فصلت بالثواب و العقاب.
الثاني: قال قتادة: أحكمت آياته من الباطل، ثم فصلت بالحلال و الحرام.
و قال الجبائي: في الاية دلالة على أن كلام الله محدث، لأنه وصفه بأنه أحكمت آياته، و الأحكام من صفات الافعال. و لا يجوز أن يكون أحكامه غيره، لأنه لو كان أحكامه غيره لكان قبل أن يحكمه غير محكم، و لو كان كذلك كان باطلا، لان الكلام متى لم يكن محكما وجب أن يكون باطلا فاسدا.
و هذا باطل.

وضح البرهان فى مشكلات القرآن    ج‏1    429
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. (1)
أحكمت بالأمر و النهي، ثم فصلت‏ بالوعد و الوعيد .

التفسير الكبير    ج‏17    312
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن قوله‏ الر اسم للسورة و هو مبتدأ و قوله‏ كتاب‏ خبره، و قوله: أحكمت آياته ثم فصلت‏ صفة للكتاب. قال الزجاج: لا يجوز أن يقال: الر مبتدأ، و قوله: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏ خبر، لأن‏ الر ليس هو الموصوف بهذه الصفة و حده؛ و هذا الاعتراض فاسد، لأنه ليس من شرط كون الشي‏ء مبتدأ أن يكون خبره محصورا فيه، و لا أدري كيف وقع للزجاج هذا السؤال، ثم إن الزجاج اختار قولا آخر و هو أن يكون التقدير: الر هذا كتاب أحكمت آياته، و عندي أن هذا القول ضعيف لوجهين: الأول:
أن على هذا التقدير يقع قوله: الر كلاما باطلا لا فائدة فيه، و الثاني: أنك إذا قلت هذا كتاب، فقوله: «هذا» يكون إشارة إلى أقرب المذكورات، و ذلك هو قوله: الر فيصير حينئذ الر مخبرا عنه بأنه كتاب أحكمت آياته، فيلزمه على هذا القول ما لم يرض به في القول الأول، فثبت أن الصواب ما ذكرناه.
المسألة الثانية: في قوله: أحكمت آياته‏ وجوه: الأول: أحكمت آياته‏ نظمت نظما رصيفا محكما لا يقع فيه نقص و لا خلل، كالبناء المحكم المرصف. الثاني: أن الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشي‏ء فقوله: أحكمت آياته‏ أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب و الشرائع بها.
و اعلم أن على هذا الوجه لا يكون كل الكتاب محكما، لأنه حصل فيه آيات منسوخة، إلا أنه لما كان الغالب كذلك صح إطلاق هذا الوصف عليه إجراء للحكم الثابت في الغالب مجرى الحكم الثابت في الكل.
الثالث: قال صاحب «الكشاف» أحكمت‏ يجوز أن يكون نقلا بالهمزة من حكم بضم الكاف إذا صار حكيما، أي جعلت حكيمة، كقوله: آيات الكتاب الحكيم‏ [يونس: 1] الرابع: جعلت آياته محكمة في أمور:
أحدها: أن معاني هذا الكتاب هي التوحيد، و العدل، و النبوة، و المعاد، و هذه المعاني لا تقبل النسخ، فهي في غاية الإحكام، و ثانيها: أن الآيات الواردة فيه غير متناقضة، و التناقض ضد الإحكام فإذا خلت آياته عن التناقض‏
التفسير الكبير، ج‏17، ص: 313
فقد حصل الإحكام. و ثالثها: أن ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة و الجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة، و هذا أيضا مشعر بالقوة و الإحكام. و رابعها: أن العلوم الدينية إما نظرية و إما عملية أما النظرية فهي معرفة الإله تعالى و معرفة الملائكة و الكتب و الرسل و اليوم الآخر، و هذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم و لطائفها، و أما العملية فهي إما أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظاهرة و هو الفقه، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة و هي علمي التصفية و رياضة النفس، و لا نجد كتابا في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب، فثبت أن هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الروحانية و أعلى المباحث الإلهية، فكان كتابا محكما غير قابل للنقض و الهدم. و تمام الكلام في تفسير المحكم ذكرناه في تفسير قوله تعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات‏ [آل عمران: 7].
المسألة الثالثة: في قوله: فصلت‏ وجوه: أحدها: أن هذا الكتاب فصل كما تفصل الدلائل بالفوائد الروحانية، و هي دلائل التوحيد و النبوة و الأحكام و المواعظ و القصص. و الثاني: أنها جعلت فصولا سورة سورة، و آية آية. الثالث: فصلت‏ بمعنى أنها فرقت في التنزيل و ما نزلت جملة واحدة، و نظيره قوله تعالى:
فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم آيات مفصلات‏ [الأعراف: 133] و المعنى مجي‏ء هذه الآيات متفرقة متعاقبة. الرابع: فصل ما يحتاج إليه العباد أي جعلت مبينة ملخصة. الخامس: جعلت فصولا حلالا و حراما، و أمثالا و ترغيبا، و ترهيبا و مواعظ، و أمرا و نهيا لكل معنى فيها فصل، قد أفرد به غير مختلط بغيره حتى تستكمل فوائد كل و احد منها،/ و يحصل الوقوف على كل باب و احد منها على الوجه الأكمل.
المسألة الرابعة: معنى‏ ثم‏ في قوله: ثم فصلت‏ ليس للتراخي في الوقت، لكن في الحال كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، و كما تقول: فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
المسألة الخامسة: قال صاحب «الكشاف»: قرئ‏ أحكمت آياته ثم فصلت‏ أي أحكمتها أنا ثم فصلتها، و عن عكرمة و الضحاك‏ ثم فصلت‏ أي فرقت بين الحق و الباطل.

أنوار التنزيل و أسرار التأويل    ج‏3    127
الر كتاب‏ مبتدأ و خبر أو كتاب‏ خبر مبتدأ محذوف. أحكمت آياته‏ نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ و المعنى، أو منعت من الفساد و النسخ فإن المراد آيات السورة و ليس فيها منسوخ، أو أحكمت بالحجج و الدلائل أو جعلت حكيمة منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية و العملية. ثم فصلت‏ بالفوائد من العقائد و الأحكام و المواعظ و الأخبار، أو بجعلها سورا أو بالإنزال نجما نجما، أو فصل فيها و لخص ما يحتاج إليه. و قرئ «ثم فصلت» أي فرقت بين الحق و الباطل و أحكمت آياته‏ ثم فصلت‏ على البناء للمتكلم، و ثم‏ للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار. من لدن حكيم خبير صفة أخرى ل كتاب‏، أو خبر بعد خبر أو صلة ل أحكمت‏ أو فصلت‏، و هو تقرير لأحكامها و تفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره و ما خفي.

الجامع لأحكام القرآن    ج‏9    2
قوله تعالى: (الر). تقدم القول فيه‏ . (كتاب) بمعنى هذا كتاب." (أحكمت آياته)" في موضع رفع نعت لكتاب. و- أحسن ما قيل في معنى" أحكمت آياته‏" قول قتادة، أي جعلت محكمة كلها لا خلل فيها و- لا باطل. و- الإحكام منع القول من الفساد، أي نظمت نظما محكما لا يلحقها تناقض و لا خلل. و- قال ابن عباس: أي لم ينسخها كتاب، بخلاف التوراة و- الإنجيل. و- على هذا المعنى، أحكم بعض آياته بأن جعل ناسخا غير منسوخ. و قد تقدم القول فيه‏ .
الجامع لأحكام القرآن، ج‏9، ص: 3
و قد يقع اسم الجنس على النوع، فيقال: أكلت طعام زيد، أي بعض طعامه. و- قال الحسن و- أبو العالية:" أحكمت آياته‏" بالأمر و- النهي. (ثم فصلت) بالوعد و- الوعيد و- الثواب و- العقاب. و- قال قتادة: أحكمها الله من الباطل، ثم فصلها بالحلال و- الحرام. مجاهد: أحكمت جملة، ثم بينت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد و- النبوة و- البعث و غيرها. و قيل: جمعت في اللوح المحفوظ، ثم فصلت في التنزيل. و قيل:" فصلت" أنزلت نجما نجما لتتدبر. و قرأ عكرمة" فصلت" مخففا أي حكمت بالحق." (من لدن)" أي من عند." (حكيم)" أي محكم للأمور. (خبير) بكل كائن و- غير كائن‏

عرائس البيان فى حقائق القرآن    ج‏2    104
الر: الألف إشارة جميع التأويلات التي جرت في سوابق الأزل الألوهية، و اللام إشارة جميع لوازمات العبودية التي وجبت أحكامها في الأزل على أهل العبودية، و الراء إشارة إلى راحات مشاهدة الذات، و الصفات للأرواح و الأشباح.
قوله تعالى: كتاب أحكمت آياته‏: مخبرات الكتاب من عيون الصفات، و الذات نزهت عن تغاير الحدثان؛ لأن أصلها صفة القدم، و ليس في القدم تبديل و تغيير،
عرائس البيان فى حقائق القرآن، ج‏2، ص: 105
ثم فصلت‏: أي: بينت للأرواح العارفة و القلوب الشائقة مصارفها و حقائقها، و تلك الايات معرفة الصفات و الذات لأهل المشاهدات و المكاشفات تعرف لهم أحكام الربوبية و العبودية؛ ليشهدوا بأنوارها شهود أنوار الحق، و يعلموا ما يجري من أحكام الغيب القدري على الخلق.
قوله تعالى: من لدن حكيم خبير: هو من كلام أزلي حكيم؛ إذ حكم باصطفائية عرفانه بمعرفته‏ خبير باستعدادهم و قبولهم بوصف محبة عبوديته.
قال بعضهم: أحكمت آياته‏ في قلوب العارفين، ثم فصلت‏ أحكامه على أبدان العاملين.
قيل: أحكمت آياته‏ بالكرامات و فصلت بالبينات.
قال الأستاذ في قوله: أحكمت‏: حفظت عن التغيير التبديل، ثم فصلت تبيان نعوت الحق فيما يتصف به من جلال الصمدية، و ما يعبد به الخلق من أحكام العبودية.

تفسير ابن عربى (تأويلات عبد الرزاق)    ج‏1    293
الر كتاب‏ مر ذكره‏ أحكمت آياته‏ أي: أعيانه و حقائقه في العالم الكلي بأن أثبتت دائمة على حالها لا تتبدل و لا تتغير و لا تفسد محفوظة عن كل نقص و آفة ثم فصلت‏ في العالم الجزئي و جعلت مبينة في الظاهر معينة بقدر معلوم‏ من لدن حكيم‏ أي: أحكامها و تفصيلها من لدن حكيم بناها على علم و حكمة لا يمكن أحسن منها و أشد أحكاما خبير بتفاصيلها على ما ينبغي في النظام الحكمي في تقديرها و توقيتها و ترتيبها.
[2]

تفسير القرآن العظيم    ج‏4    262
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هنا و بالله التوفيق.
و أما قوله: أحكمت آياته ثم فصلت‏ أي هي محكمة في لفظها مفصلة في معناها فهو.
كامل صورة و معنى، هذا معنى ما روي عن مجاهد و قتادة و اختاره ابن جرير و معنى قوله‏ من لدن حكيم خبير أي من عند الله الحكيم في أقواله و أحكامه خبير بعواقب الأمور

الإشارات الالهية الى المباحث الاصولية       337
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1) [هود: 1] يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، إذ ظاهره تراخي التفصيل عن وقت إنزاله؛ لأن (ثم) تقتضي التراخي، و يحتمل أنها لمجرد العطف كالواو أو تنبيها على تعظيم المنة أو العناية بالتفصيل كما تقول: أطعمت فلانا ثم كسوته و آويته، ثم زوجته، و نحو ذلك فلا يدل على المدعى.

تفسير الثعالبى    ج‏3    272
قوله عز و جل: الر كتاب أحكمت آياته‏ أي: أتقنت و أجيدت، و بهذه الصفة كان القرآن في الأزل، ثم فصل بتقطيعه، و تبيين أحكامه و أوامره على محمد نبيه عليه السلام في أزمنة مختلفة؛ ف «ثم» على بابها،/ فالإحكام صفة ذاتية، و التفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، و الكتاب بأجمعه محكم و مفصل، و الإحكام الذي هو ضد النسخ، و التفصيل الذي هو خلاف الإجمال، إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك.
قال* ص*: ثم فصلت‏: «ثم» لترتيب الأخبار؛ لا لترتيب الوقوع في الزمان، و لدن‏ بمعنى: «عند». انتهى.
قال الداودي: و عن الحسن: أحكمت آياته‏: قال: أحكمت بالأمر و النهي، ثم فصلت بالوعد و الوعيد، و عنه: فصلت بالثواب و العقاب. انتهى. و قدم النذير؛ لأن التحذير من النار هو الأهم‏

تبصير الرحمن و تيسير المنان    ج‏1    337
(بسم الله) المتجلى بجمعيته فى كتابه الجامع‏ (الرحمن) باحكام آياته لنفع الكل‏ (الرحيم) بتفصيلها لنفع الخواص المطلعين عليه‏
(الر) اى أجلى لوامع الرشد أو أعلى لواء رفيع الدرجات أو أجل لطائف الربوبية أو أتم لباب الرحمة (كتاب)
تبصير الرحمن و تيسير المنان، ج‏1، ص: 338
(أحكمت آياته) بجعلها يقينية بموادها و صورها أو باعجازها الرافع شأنها أو تقوية أصولها بالحجج القاطعة و رفع الشبه تربية لها أو بمنع نسخها لكونها لباب الرحمة (ثم فصلت) بجعل نتائجها مقدمات لأخر أو ببيان مراتب القرب من رفيع الدرجات أو بتكثير الفروع تربية للاصول وراء تقويتها أو ابراز ما أبهم فى الكتب السالفة لمزيد الرحمة بهذه الامة (من لدن حكيم) لا يستعمل الا اليقينيات و يأتى بما يعجز الكل و يبنى الفروع على أقوى الاصول و يبلغ الى الخير المطلق‏ (خبير) لا يلتبس عليه الوهميات باليقينيات مطلع على أسرار الاعجاز و القرب و البناء و الخيرية المطلقة

عيون التفاسير    ج‏2    191
(الر كتاب أحكمت آياته) نزل بعد ختم يونس بالأمر بالإيمان و اتباع الموحى و الصبر عليه لنفي الشرك و بيان الموحى المحكم المفصل و العمل به، أي أنا الله الرقيب على كل شي‏ء هذا المنزل كتاب أحكمت آياته، أي من الاختلاف و التناقض أو أحكمتها بالأمر و النهي و بما يحتاج إليه العباد (ثم فصلت) أي بينت و شرحت بدلائل التوحيد و أحكام الحلال و الحرام و المواعظ و القصص و الأمثال أو فرقت في التنزيل آية فآية و سورة فسورة، و لم تنزل جملة واحدة، و «ثم» لتراخي الوصف لا لتراخي الوقت كما يقال فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل، قوله‏ (من لدن حكيم خبير) [1] يتعلق ب «أحكمت» و «فصلت»، أي أتقنت و فسرت من عند إله حكيم في الاتقان خبير في التفسير و البيان.

الدر المنثور فى التفسير بالماثور    ج‏3    320
قوله تعالى‏ الر كتاب أحكمت آياته‏ الآيات‏
أخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد رضى الله عنه‏ انه قرأ الر كتاب أحكمت آياته‏ قال هي كلها مكية محكمة يعنى سورة هود ثم فصلت‏ قال ثم ذكر محمدا صلى الله عليه و سلم فحكم فيها بينه و بين من خالفه و قرا مثل الفريقين‏ الآية كلها ثم ذكر قوم نوح ثم قوم هود فكان هذا تفصيل ذلك و كان أوله محكما قال و كان أبى رضى الله عنه يقول ذلك يعنى زيد بن أسلم‏
و أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبى حاتم و أبو الشيخ عن الحسن رضى الله عنه‏ في قوله‏ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏ قال أحكمت بالأمر و النهى و فصلت بالوعد و الوعيد
و أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبى حاتم و أبو الشيخ عن مجاهد رضى الله عنه‏ في قوله‏ ثم فصلت‏ قال فسرت‏
و أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبى حاتم و أبو الشيخ عن قتادة رضى الله عنه‏ في قوله‏ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏ قال أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه فبين حلاله و حرامه و طاعته و معصيته و في قوله‏ من لدن حكيم‏ يعنى من عند حكيم و في قوله‏ يمتعكم متاعا حسنا قال فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله و معرفة حقه فان الله منعم يحب الشاكرين واهل الشكر في مزيد من الله و ذلك قضاؤه الذي قضى و في قوله‏ إلى أجل مسمى‏ يعنى الموت في قوله‏ و يؤت كل ذي فضل فضله‏ أى في الآخرة

الفواتح الإلهية و المفاتح الغيبية    ج‏1    346
الر ايها الإنسان الأحق الأليق لإعلاء لواء لوامع أنوار الألوهية و ارتفاع رايات رموز اسرار الربوبية بين الأنام بالبيان و التبيان هذا كتاب‏ انزل إليك لتأييدك في أمرك و شأنك و مصدق لعموم ما في الكتب السالفة جامع لأحكامها و حكمها قد أحكمت‏ ضممت و نظمت‏ آياته‏ أشد تنظيم و تضميم و ابلغ احكام و إتقان بحيث لا يعرضه خلل و اختلال أصلا لا في معناه و لا في لفظه لذلك عجزت عن معارضته عموم ارباب اللسان و البيان مع وفور دواعيهم‏ ثم‏ بعد أحكامه لفظا و معنى قد فصلت‏ و أوضحت فيه المعارف و الحقائق و الاحكام المتعلقة بالعقائد و العلوم اليقينية و القصص المشيرة الى العبر و المواعظ و الأمثال المشعرة الى الرموز و الإشارات الصادرة من لدن حكيم‏ متقن في أفعاله‏ خبير تصدر منه الأفعال على وجه الخبرة و الاعتبار

منهج الصادقين فى إلزام المخالفين    ج‏4    413
بسم الله الرحمن الرحيم الر بعضى از علما در حروف مقطعه فرموده‏اند كه آن سر مكتوم است و كس را بر حقيقت آن راه نيست چه آن نسبت باصطلاح وضعى و عرفى مفهوم المراد نيست و مرويست كه شعبى را از معنى مقطعات پرسيدند جواب داد كه سر الله فلا تطلبوه و قول مشهور آنست كه الر بمعنى ان الله ارى است يعنى منم خداى كه مى‏بينم طاعت مطيعان را و معصيت عاصيان را و هر كس را مناسب عمل او جزا خواهم داد پس اين كلمه مشتملست بر وعد و وعيد و قوله‏ كتاب‏ خبر مبتداى محذوفست يعنى اين كتابيست صفة
منهج الصادقين فى إلزام المخالفين، ج‏4، ص: 414
او اينكه‏ أحكمت آياته‏ استوار كرده شده است آيتهاى او بحجج و دلايل يا منتظم گشته است بنظمى محكم كه اختلاف در نظم و معنى او معترى نشود مانند بناى محكم كه نقص و خللى بدو راه نيابد و يا گردانيده شده است حكم كننده ميان حق و باطل چه او مشتملست بر امهات حكم نظريه و عمليه و بنا بر اين اشتقاق او از حكم باشد بضم كه بمعنى صار حكيما است و ابن عباس فرمود كه محكم است از نسخ يعنى هرگز بكتاب ديگر منسوخ نگردد و تا انقراض عالم باقى باشد بر خلاف كتب سابقه كه باين كتاب رقم نسخ بر آنها كشيده شده‏ ثم فصلت‏ پس جدا كرده شده است سوره سوره و آيه آيه يا مفصل و مبين شده در او آنچه بندگان بدان محتاج‏اند از عقايد و احكام و مواعظ و اخبار و ثم براى تفاوتست در حكم يا براى تراخى در اخبار و قوله‏ من لدن حكيم خبير صفة بعد از صفة كتابست و يا خبر بعد از خبر و يا صله احكمت يا فصلت و بر هر تقدير معنى آنست كه اين كتاب نازل گشته است و يا محكم شده و يا مفصل شده از نزديك خداوند حكم كننده و يا حكمت بخشنده كه دانا است بهمه چيز و ذكر ايندو صفة بجهة تقرير احكام و تفصيل آنست بر اكمل وج

سواطع الالهام فى تفسير كلام الملك العلام    ج‏3    52
سواطع الالهام فى تفسير كلام الملك العلام، ج‏3، ص: 52
بسم الله الرحمن الرحيم الر الله أعلم ما أراد و هو محكوم محموله‏ كتاب‏ مرسل أو هو محمول طرح محكومه‏ أحكمت‏ رصع و رصص‏ آياته‏ و سوره‏ ثم فصلت‏ أحكامه و مواعده و دواله‏ من لدن‏ صدد إله‏ حكيم‏ مراع لحكم و اسرار خبير (1) لمصالح الكل.

حاشيه محيى الدين شيخ زاده على تفسير القاضى البيضاوى    ج‏4    614
الر كتاب‏ مبتدأ و خبر و «كتاب» خبر مبتدأ محذوف‏ أحكمت آياته‏ نظمت نظما محكما لا يعتريه اختلاف من جهة اللفظ و المعنى أو منعت من الفساد و النسخ فإن المراد آيات السورة و ليس فيها منسوخ أو أحكمت بالحجج و الدلائل. أو جعلت حكيمة سورة هود عليه السلام مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: (الر كتاب) إن كان‏ «الر» اسم السورة يكون مبتدأ و «كتاب» خبره و إن كان مذكورا على نمط تعديد الحروف للتحدي و الإعجاز من حيث دلالته على أن المتحدى به مؤلف من جنس ما يركبون منه كلامهم، فلو لا أنه من عند الله تعالى لما عجزوا عن الإتيان بمثله يكون «كتاب» خبر مبتدأ محذوف. و ذكر في أحكام الآيات أربعة معان: الأول أنها نظمت نظما محكما لا يقع فيه نقض و لا خلل كالبناء المحكم، و الثاني كونها ممنوعة من الفساد بأن ينسخ شي‏ء منها. و الثالث أن أحكامها عبارة عن تحقق مدلولاتها بالحجج و الدلائل. و الرابع أن المعنى جعلت حكيمة أي مشتملة على أمهات الحكم النظرية و العملية.
فإن الحكم الدينية إما نظرية لا تعلق لها بالعمل بل المقصود بها مجرد الاعتقاد كمعرفة الصانع بأنه واحد أزلا و أبدا و وحدته و سائر صفات جلاله و جماله و معرفة الملائكة و الكتب‏
حاشيه محيى الدين شيخ زاده على تفسير القاضى البيضاوى، ج‏4، ص: 615
منقولة من حكم بالضم إذا صار حكيما لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية و العملية. ثم فصلت‏ بالفرائد من العقائد و الأحكام و المواعظ و الأخبار أو بجعلها سورا أو بالإنزال نجما أو فصل فيها و لخص ما يحتاج إليه. و قرى‏ء «ثم فصلت» أي فرقت بين الحق و الباطل و أحكمت آياته ثم فصلت على البناء للمتكلم، و ثم للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الإخبار من لدن حكيم خبير (1) صفة أخرى «لكتاب» أو و الرسل و اليوم الآخر و ما فيه من نحو الصراط و الميزان. و إما عملية متعلقة بكيفية العمل و هي قسمان: أحدهما ما يتعلق بتهذيب الأعمال الظاهرة و بالأحوال الباطنة و هو علم التصفية و رياضة النفس و لا يوجد في العالم كتاب يساوي القرآن الكريم و الكتاب الحكيم في بيان هذه المطالب المهمة. قوله: (ثم فصلت بالفرائد من العقائد) بالفرائد متعلق «بفصلت» و من العقائد بيان للفرائد يقال: عقد مفصل إذا جعل بين كل لؤلؤتين خرزة فمعنى قوله تعالى:
ثم فصلت‏ أن آياته زينت بالفرائد كما زينت القلائد بالفرائد.
قوله: (أو بجعلها سورا) معنى جعل آيات هذه السورة الكريمة سورا ذكر معاني هذه السورة و آياتها في سور متفرقة و آيات متعددة من التفصيل بمعنى التفريق. و كذا إذا كانت «فصلت» بمعنى أنزلت نجما نجما أي وقتا وقتا، فإن النجم في الأصل اسم للكوكب الطالع ثم نقل إلى الوقت لأنهم يعرفون أوقات بطلوع النجم. و منه قول الإمام الشافعي: أقل التأجيل نجمان أي شهران. قوله: (أو فصل فيها) أي بين و لخص فيها ما يحتاج إليه العباد، فإن التفصيل يستعمل بمعنى التبيين أيضا. قوله: (و ثم للتفاوت في الحكم) أي للتراخي في الرتبة لا للتراخي في الوقوع في الزمان، فإن تفصيل آياتها ليس متراخيا عن أحكامها بحسب الزمان بل هو متراخ عنه بحسب الرتبة. فإن التفصيل بأي معنى كان أقوى و أدخل في المدح بالنسبة إلى الأحكام. قوله: (أو للتراخي في الإخبار) فإن الشائع في الجمل أن يراد بها نفس مفهومها إلا أنه قد يراد بها الإخبار بمفهومها كما سبق في جزاء الشرط. و الظاهر أن المراد من التراخي هو مجرد الترتيب فظهر أن حقيقة التراخي منتفية بين الإخبارين ضرورة أن الإخبار بالتفصيل وقع عقيب الإخبار بالأحكام. قوله: (صفة أخرى لكتاب) فإن «أحكمت» في محل الرفع على أنه صفة «لكتاب» فيكون تقدير الكلام: الر كتاب من لدن حكيم خبير.
و إن كان خبرا بعد خبر يكون التقدير: الر من لدن حكيم خبير. و إن كان صلة أي معمولا لأحد الفعلين من حيث صناعة الإعراب على سبيل التنازع يكون متعلقا بهما من حيث المعنى و يكون المعنى: أحكمها حكيم و فصلها أي شرحها و بينها خبير عالم بكيفيات الأمور. و على كل تقدير يكون المقصود منه تقرير أحكامها و تفصيلها. فإنه لما وصف من أنزلها و أحكمها و فصلها بأنه رب حكيم أي محكم للأمور واضع كل شي‏ء موضعه، و بأنه خبير لا يعزب عنه‏
حاشيه محيى الدين شيخ زاده على تفسير القاضى البيضاوى، ج‏4، ص: 616
خبر بعد خبر أو صلة «لأحكمت» أو «فصلت» و هو تقرير لأحكامها و تفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره و ما خفي.
ألا تعبدوا إلا الله‏ لأن لا تعبدوا. و قيل: «أن» مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول. و يجوز أن يكون كلاما مبتدأ للإغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل: ترك عبادة غير الله بمعنى الزموه أو اتركوها تركا إنني لكم منه‏ من الله‏ نذير و بشير (2) بالعقاب على الشرك و الثواب على التوحيد و أن استغفروا ربكم‏ عطف على «أن لا تعبدوا» ثم توبوا إليه‏ ثم توصلوا إلى مطلوبكم بالتوبة، فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع. و قيل: استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى الله بالطاعة. و يجوز أن يكون «ثم» لتفاوت ما بين الأمرين‏ يمتعكم متاعا حسنا الأخبار الباطنة فلا يجري شي‏ء في الملك و الملكوت إلا و يكون عنده خبره، فإن الخبير بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة يسمى خبرة و يسمى صاحبه خبيرا، و لكون الخبير أبلغ من العليم أورد ذكر الخبير بعد ذكر العليم في قوله تعالى: و هو العليم الخبير.

تفسير الصافي    ج‏2    430
الر سبق تأويله في أول سورة يونس‏ كتاب أحكمت آياته‏ نظمت نظما محكما لا نقص فيه و لا خلل كالبناء المحكم‏ ثم فصلت‏ بدلائل التوحيد و المواعظ و الأحكام و القصص و معنى ثم‏  التراخي في الحال لا في الوقت.
القمي عن الباقر عليه السلام: هو القرآن‏ من لدن حكيم خبير قال من عند حكيم خبير.

تفسير شريف لاهيجى    ج‏2    409
الر كتاب‏ خبر محذوف المبتدا است، اى القرآن كتاب، يعنى قسم به پيغمبر آخر الزمان كه قرآن كتابى است كه‏ أحكمت آياته‏ استوار كرده شده آيات او بحجتهاى روشن و يا منظم گشته بنظمى محكم كه اصلا اختلال عارض او نگردد ثم فصلت‏ پس تفصيل داده شده بثواب و عقاب و وعد و وعيد من لدن حكيم خبير اى من عند حكيم خبير، يعنى از نزد حكم كننده بغايت دانا، كلمه «ثم» بواسطه تراخى اخبار حال تفصيل آياتست از اخبار حال احكام آيات و انتظام آن زيرا كه اصل احكام و تفصيل در لوح المحفوظ متحقق شده و تراخى در آن نيست‏

عناية القاضى و كفاية الراضى    ج‏5    114
اعلم أنه لما ختم سورة يونس بنفي الشرك و اتباع الوحي افتتح هذه ببيان الوحي و التحذير من الشرك و هي مكية عند الجمهور، و قيل إلا قوله فلعلك تارك الآية. قوله: (مبتدأ الخ) فالر اسم السورة أو القرآن و كذا إن جعل خبر مبتدأ مقدر أي هو أو هذا و قد تقدم تفصيله في أول سورة البقرة. قوله: (نظمت نظما محكما الخ) فسره بقوله لا يعتريه اختلال أي لا يطرأ عليه ما يخل بلفظه و معناه، و عبر بالمستقبل لأن الماضي و الحال مفروغ عنه، و ذكر فيه وجوها أربعة أولها أن يكون مستعارا من أحكام البناء، و اتقانه فلا يكون فيه تناقض أو تخالف للواقع و الحكمة أو ما يخل بالفصاحة و البلاغة الثاني أن يكون من الأحكام، و هو المنع من الفساد، و فسره بالنسخ لبعضه من غيره أو لكله كالكتب السالفة فعطفه عليه تفسيري فلذا بينه بقوله فإن الخ. فهو من أحكمه بمعنى منعه و منه حكمة الدابة لحديدة في فمها تمنعها الجماح، و منه أحكمت السفيه إذا منعته من السفاهة كما قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم‏        إني أخاف عليكم أن أغضبا
        

قيل فكان ما فيه من بيان المبدأ و المعاد بمنزلة دابة منعتها حكمتها من الجماح فهي تمثيلية أو مكنية، و هو ركيك فإن تشبيهه بالدابة مستهجن لا داعي له و بعد تفسيره بالنسخ لا يرد عليه ما قيل إنه يوهم قبوله للفساد و هو لا يليق بالقرآن و لم يجوز في هذا أن يراد بالكتاب القرآن و المراد عدم نسخة كله أو بعضه بكتاب آخر لأنه خلاف الظاهر و إن صح، و الثالث من المنع أيضا لمنعه من الشبه بالأدلة الظاهرة، و الرابع من حكمته أي جعلته حكيما أو ذا حكمة و المراد حكيم قائلها كما في الذكر الحكيم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد و قوله من حكم بالضم إشارة إلى أن الهمزة فيه للنقل من الثلاثي بخلاف ما قبله، و ذلك لاشتماله على أصول‏
عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏5، ص: 115
ثم فصلت‏ بالفرائد من العقائد و الأحكام و المواعظ و الأخبار، أو بجعلها سورا، أو بالانزال نجما نجما أو فصل فيها، و لخص ما يحتاج إليه، و قرى‏ء: ثم فصلت أي فرقت بين الحق و الباطل، و أحكمت آياته ثم فصلت على البناء للمتكلم، و ثم للتفاوت في الحكم، أو للتراخي في الأخبار من لدن حكيم خبير صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر العقائد و الأعمال الصالحة، و النصائح و الحكم و أمهات بمعنى أصول، و قواعد يتولد منها غيرها. قوله: (بالفرائد من العقائد) قال الراغب الفصل إبانة أحد الشيئين عن الآخر حتى يكون بينهما فرجة و منه المفاصل و فصل عن المكان فارقه و منه فصلت العير و في الكشاف فصلت كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد و الأحكام و المواعظ و القصص أو جعلت فصولا سورة سورة و آية آية أو فرقت في التنزيل فلم تنزل جملة واحدة ليسهل حفظها أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد أي بين و لخص و عن عكرمة و الضحاك ثم فصلت أي فرقت بين الحق و الباطل يعني أنه إما استعارة من العقد المفصل بفرائده أي كباره التي تجعل بين اللآلئ التي تغاير حجمه أو لونه فشبهت الآيات بعقد فيه لآلئ و غيرها لتغاير النفائس التي اشتملت عليها إلى قصص و أحكام، و مواعظ و غيرها، و قوله من دلائل الخ متعلق بقوله فصلت لا بيان للفرائد حتى يقال إن الصواب ما وقع في بعض النسخ فوائد بالواو و التقدير فصلت لأنواع من دلائل التوحيد الخ، و هي في حواشي المصنف رحمه الله تعالى بالراء أو أنها جعلت فصلا فصلا من السور أو الآيات أو فرقت في النزول أو هو من الإسناد المجازي و المراد فصل ما فيها، و بين فهذه أربعة وجوه في التفصيل أيضا و التلخيص بمعنى التبيين لا بمعنى الاختصار كما بين في اللغة، و على هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى إلا أنه على إرادة التفصيل بجعلها سور المراد بالكتاب القرآن و بالآيات آياته، و إن قيل إنه يصح أن يراد السورة على أن المعنى جعلت معاني آيات هذه السورة في سور، و لا يخفى أنه تكلف ما لا حاجة إليه، و قوله و قرئ ثم فصلت أي بفتحتين خفيفتين و هي قراءة ابن كثير، و معناه فرقت كما ذكره المصنف رحمه الله و قيل معناه انفصلت و صدرت كما في قوله و لما فصلت العير و سيأتي بيانه. قوله: (و ثم للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار) لما كان التفصيل و الأحكام صفتين لشي‏ء واحد لا تنفك إحداهما عن الأخرى لم يكن بينهما ترتب و تراخ فلذا جعلوه إما لتراخي الرتبة، و هو المراد بقوله في الحكم أو للتراخي بين الإخبارين و قد أورد عليه أنه إذا أريد بتفصيلها إنزالها نجما نجما تكون ثم على حقيقتها فمع تحقق الحقيقة لا وجه للحمل على المجاز و بأن الأخبار لا تراخي فيه إلا أن يراد بالتراخي الترتيب مجازا أو يقال بوجود التراخي باعتبار ابتداء الجزء الأول و انتهاء الثاني و لا يخفى عليك أن الآيات نزلت محكمة مفصلة فليست ثم للترتيب على كل حال كما صرح به العلامة في شرحه، و ليس النظر إلى فعل الأحكام و التفصيل، و أما التراخي بين الإخبارين فلما مر في أوائل سورة البقرة في ذلك الكتاب من أن الكلام إذا انقضى فهو في حكم البعيد ففيه ترتيب اعتباري و هو المراد كما أشار إليه الشارح المدقق إذا عرفت هذا فاعلم أنه قال في‏
عناية القاضى و كفاية الراضى، ج‏5، ص: 116
أو صلة لأحكمت أو فصلت، و هو تقرير لأحكامها، و تفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره، و ما خفي‏
ألا تعبدوا إلا الله‏ لأن لا تعبدوا و قيل أن مفسرة، لأن في‏ الكشف إن أريد بالأحكام أحد الأولين و بالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبي لأن الأحكام بالمعنى الأول راجع إلى اللفظ و التفصيل إلى المعنى و المعنى الثاني و إن كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال، و إن أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأن الأحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها، و جعلها فصولا بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأن كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصعة، و هذا تراخ وجودي، و لما كان الكلام من السيالات كان زمانيا أيضا، و لكن المصنف رحمه الله آثر التراخي في الحكم مطلقا حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع و ليظهر وجه العدول عن الفاء إلى ثم و إن أريد الثالث و بالتفصيل أحد الطرفين فرتبي و إلا فإخباري، و الأحسن أن يراد بالإحكام الأول و بالتفصيل أحد الطرفين و عليه تنطبق المطابقة بين حكيم و خبير، و أحكمت و فصلت، و هي ثابتة على الوجوه الثلاثة في من لدن لكن جعلها صلة للفعلين أرجح، و ذلك لتعلق أن لا تعبدوا بهما على الوجهين، و أفاد سلمه الله أن أصل الكلام أحكم آياته حكيم ثم أحكمها حكيم على نحو:
ليبك يزيد ضارع لخصومة

ثم من لدن حكيم كما يقال من جناب فلان لما في الكناية من المبالغة و إفادة التعظيم البليغ، و هو إشارة إلى الوجوه الستة عشر الحاصلة من ضرب معاني الأحكام الأربعة في معاني التفصيل الأربعة و هذا و إن احتاج إلى البسط و الإيضاح لكن الجدوى فيه قليلة فعليك باستخراجه بنظرك الصائب. قوله: (صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر الخ) أي هو صفة للنكرة أو خبر ثان للمبتدأ الملفوظ أو المقدر على الوجهين أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى و لذا قال تقرير لأحكامها و تفصيلها، و قوله على أكمل ما ينبغي أخذه من كون ذلك فعل الله الحكيم الخبير مع الجمع بين صيغتي المبالغة، و لا يحتاج إلى جعل الحكيم بمعنى المحكم كما قيل لأنه يكفي فيه أن يكون صائغها ذا حكمة بالغة، و قوله باعتبار ما ظهر أمره و ما خفي أخذه من أن الحكيم ما يفعل على وفق الحكمة و الصواب، و هو أمر ظاهر، و الخبير من له خبرة بما لا يطلع عليه غيره من الخفيات فهو لف و نشر، و جعله الزمخشري في النظم أيضا من اللف و النشر على أن تقديره أحكم آياته حكيم، و فصلها خبير و له وجه وجيه لكن المصنف رحمه الله لم ينظر إليه، و معنى كونه تقريرا أنه كالدليل المحقق له‏

البرهان في تفسير القرآن    ج‏3    77
بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أحكمت آياته‏- إلى قوله تعالى- كل في كتاب مبين‏ [1- 6]
5000/ - ابن بابويه: في رواية سفيان بن سعيد الثوري‏، في معنى‏ الر: قال الصادق (عليه السلام): «معناه:
أنا الله الرءوف».

تفسير روح البيان    ج‏4    90
بسم الله الرحمن الرحيم‏ قال فى التأويلات النجمية قوله‏ بسم الله‏ اشارة الى الذات‏ الرحمن‏ يشير الى صفة الجلال‏ الرحيم‏ الى صفة الجمال. و المعنى ان هاتين الصفتين قائمتان بذاته جل جلاله و باقى الأسماء مشتملة على هاتين الصفتين و همان من صفات القهر و اللطف‏ الر اى هذه السورة الر اى مسماة بهذا الاسم فيكون خبر مبتدأ محذوف او لا محل له من الاعراب مسرود على نمط تعديد الحروف للتحدى و الاعجاز و هو الظاهر فى هذه السورة الشريفة إذ على الوجه الاول يكون كتاب خبرا بعد خبر فيؤدى الى ان يقال هذه السورة كتاب و ليس ذاك بل هى آيات الكتاب الحكيم كما فى سورة يونس و حمل الكتاب على المكتوب او على البعض تكلف و هو اللائح بالبال قالوا الله اعلم بمراده من الحروف المقطعة فانها من الاسرار المكتومة كما قال الشعبي حين سئل عنها سر الله فلا تطلبوه و الله تعالى لا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول او وارث رسول. و فى الحديث (ان من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه الا العلماء بالله فاذا نطقوا به لا ينكره الا اهل الغرة بالله) رواه ابو منصور الديلمي و ابو عبد الرحمن السلمى كما فى الترغيب قال الرقاشي هى اسرار الله يبديها الى أمناء أوليائه و سادات النبلاء من غير سماع و لا دراسة و هى من الاسرار التي لم يطلع عليها الا الخواص كما فى فتح القريب و عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال حفظت من رسول الله و عاءين فاما أحدهما فبثثته فيكم و اما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم قال البخاري البلعوم مجرى الطعام كما فى شرح الكردي على الطريقة المحمدية و قال سلطان المفسرين و المؤولين ابن عباس رضى الله عنهما معنى الر أنا الله ارى [منم خداى كه مى‏بينم طاعت مطيعانرا و معصيت عاصيانرا و هر كس را مناسب عمل او جزا خواهم داد پس اين كلمه مشتمل است بر وعد و وعيد كما فى تفسير الكاشفى‏] و يقال الالف آلاؤه و اللام لطفه و الراء ربوبيته كما فى تفسير ابى الليث و سيأتى فى التأويلات غير هذا كتاب‏ اى هذا القرآن كتاب كما ذهب اليه غير واحد من المفسرين‏ أحكمت آياته‏ نظمت نظما محكما لا يعتريه نقض و لا حلل لفظا و معنى كالبناء المحكم المرصف او منعت من النسخ بمعنى التغيير مطلقا: و فى المثنوى‏
مصطفى را وعده كرد ألطاف حق‏        گر بميرى تو نميرد اين سبق‏
        

كس نتاند بيش و كم كردن درو        تو به از من حافظى ديگر مجو
        

هست قرآن مر ترا همچون عصا        كفرها را دركشد چون اژدها
        

تو اگر در زير خاكى خفته‏        چون عصايش دان تو آنچه گفته‏
        

قاصدانرا بر عصايت دست نى‏        تو بخسب اى شه مبارك خفتنى‏
        

ثم فصلت‏ يقال عقد مفصل إذا جعل بين كل لؤلؤتين خرزة. و المعنى زينت آياته بالفوائد كما تزين القلائد بالفرائد اى ميزت و جعلت تفاصيل فى مقاصد مختلفة و معان متميزة من العقائد و الاحكام و المواعظ و الأمثال و غير ذلك و ثم للتفاوت فى الحكم اى الرتبة لا للتراخى فى الوجود
تفسير روح البيان، ج‏4، ص: 91
و الوقوع فى الزمان او للتراخى فى الاخبار لا فى الوقت فان الشائع فى الجمل ان يراد بها نفس مفهومها الا انه قد يراد بها الاخبار. بمفهومها كما تقول فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل و المراد بالتراخي مجرد الترتيب مجازا لظهور ان حقيقة التراخي منتفية بين الاخبارين ضرورة ان الاخبار بالتفصيل وقع عقيب الاخبار بالاحكام او يقال بوجود التراخي باعتبار ابتداء الخبر الاول و انتهاء الثاني و الفعلان من قبيل قولهم سبحان من صغر البعوض و كبر الفيل يعنى انه لم يكن البعوض كبيرا اولا ثم جعله الله صغيرا لكنه كان ممكنا فنزل هذا الإمكان منزلة الوجود كما فى شرح الهندي على الكافي

روح المعاني    ج‏6    190
الر اسم للسورة على ما ذهب إليه الخليل و سيبويه و غيرهما أو للقرآن على ما روي عن الكلبي و السدي، و قيل: إنها إشارة إلى اسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته سبحانه، و قيل: هي إقسام منه تعالى بما هو من أصول اللغات و مبادئ كتبه المنزلة و مباني أسمائه الكريمة، و قيل و قيل، و قد تقدم الكلام فيما ينفعك هنا على أتم تفصيل، و اختار غير واحد من المتأخرين كونها اسما للسورة و أنها خبر مبتدأ محذوف أي هذه السورة مسماة- بالر- و قيل:
محلها الرفع على الابتداء أو النصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو اذكر أو اقرأ، و قوله سبحانه: كتاب‏ خبر لها على تقدير ابتدائيتها أو لمبتدإ محذوف على غيره من الوجوه، و التنوين فيه للتعظيم أي كتاب عظيم الشأن جليل القدر أحكمت آياته‏ أي نظمت نظما محكما لا يطرأ عليه اختلال فلا يكون فيه تناقض أو مخالفة للواقع و الحكمة أو شي‏ء مما يخل بفصاحته و بلاغته فالإحكام مستعار من إحكام البناء بمعنى إتقانه أو منعت من النسخ لبعضها أو لكلها
روح المعاني، ج‏6، ص: 191
بكتاب آخر كما وقع للكتب السالفة فالإحكام من أحكمه إذا منعه؛ و يقال: أحكمت السفيه إذا منعته من السفاهة، و منه قول جرير:
أبي حنيفة أحكموا سفهاءكم‏        إني أخاف عليكم إن أغضبا
        

و قيل: المراد منعت من الفساد أخذا من أحكمت الدابة إذا جعلت في فمها الحكمة و هي حديدة تجعل في فم الدابة تمنعها من الجماح، فكأن ما فيها من بيان المبدأ و المعاد بمنزلة دابة منعها الدلائل من الجماح، ففي الكلام استعارة تمثيلية أو مكنية. و تعقب بأن تشبيهها بالدابة مستهجن لا داعي إليه، و لعل الذوق يفرق بين ذلك و بين تشبيهها بالجمل الأنوف الوارد في بعض الآثار لانقيادها مع المتأولين لكثرة وجوه احتمالاتها الموافقة لأغراضهم.
و اعترض بعضهم على إرادة المنع من الفساد بأن فيه إيهام ما لا يكاد يليق بشأن الآيات الكريمة من التداعي إلى الفساد لو لا المانع، فالأول إذ يراد معنى المنع أن يراد المنع من النسخ و يراد من الكتاب القرآن و عدم نسخه كلا أو بعضا على حسب ما أشرنا إليه؛ و كون ذلك خلاف الظاهر في حيز المنع.
و ادعى بعضهم أن المراد بالآيات آيات هذه السورة و كلها محكمة غير منسوخة بشي‏ء أصلا، و روي ذلك عن ابن زيد و خولف فيه. و ادعى أن فيها من المنسوخ أربع آيات قوله سبحانه: إنما أنت نذير و الله على كل شي‏ء وكيل‏ [هود: 12]. و قل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون‏ [هود: 121] و التي تليها و نسخت جميعا بآية السيف و من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها [هود: 15] الآية و نسخت بقوله سبحانه: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [الإسراء: 18] و لا يخلو عن نظر، و يجوز أن يكون المعنى منعت من الشبه بالحجج الباهرة و أيدت بالأدلة الظاهرة أو جعلت حكيمة أي ذات حكمة لاشتمالها على أصول العقائد و الأعمال الصالحة و النصائح و الحكم، و الفعل على هذا منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما، و منه قول نمر بن تولب:
و أبغض بغيضك بغضا رويدا        إذا أنت حاولت أن تحكما
        

فقد قال الأصمعي: إن المعنى إذا حاولت أن تكون حكيما، و في إسناد الإحكام على الوجوه المذكورة إلى الآيات دون الكتاب نفسه لا سيما إذا أريد ما يشمل كل آية آية من حسن الموقع و الدلالة على كونه في أقصى غاياته ما لا يخفى‏ ثم فصلت‏ أي جعلت مفصلة كالعقد المفصل بالفرائد التي تجعل بين اللآلئ، و وجه جعلها كذلك اشتمالها على دلائل التوحيد و الأحكام و المواعظ و القصص أو فصل فيها مهمات العباد في المعاش و المعاد على الإسناد المجازي أو جعلت فصلا فصلا من السور و يراد بالكتاب القرآن، و قيل: يصح أن يراد به هذه السورة أيضا على أن المعنى جعلت معاني آياتها في سور و لا يخفى أنه تكلف لا حاجة إليه. أو فرقت في التنزيل فلم تنزل جملة بل نزلت نجما نجما على حسب ما تقتضيه الحكمة و المصلحة، و ثم‏ على هذا ظاهرة في التراخي الزماني لما أن المتبادر من التنزيل المنجم فيه التنزيل المنجم بالفعل، و إن أريد جعلها في نفسها بحيث يكون نزولها منجما حسب الحكمة فهو رتبي لأن ذلك وصف لازم لها حقيق بأن يرتب على وصف أحكامها، و هي على الأوجه الأول للتراخي الرتبي لا غير، و قيل: للتراخي بين الإخبارين. و اعترض بأنه لا تراخي هناك إلا أن يراد بالتراخي الترتيب مجازا أو يقال بوجوده باعتبار ابتداء الخبر الأول و انتهاء الثاني.
و أنت تعلم أن القول بالتراخي في الرتبة أولى خلا أن تراخي رتبة التفضيل بأحد المعنيين الأولين عن رتبة الاحكام أمر ظاهر و بالمعنى الثالث فيه نوع خفاء، و لا يخفى عليك أن الاحتمالات في الآية الحاصلة من ضرب معاني‏
روح المعاني، ج‏6، ص: 192
الاحكام الأربعة في معاني التفصيل كذلك و ضرب المجموع في احتمالات المراد- بثم- تبلغ اثنين ثلاثين أو ثمانية و أربعين احتمالا و لا حجر. و الزمخشري ذكر للاحكام ما في الكشف ثلاثة أوجه أخذه من أحكام البناء نظرا إلى التركب البالغ حد الإعجاز. أو من الاحكام جعلها حكيمة، أو جعلها ذات حكمة فيفيد معنى المنع من الفساد، و للتفصيل أربعة جعلها كالقلائد المفصلة بالفرائد لما فيها من دلائل التوحيد و أخواتها. و جعلها فصولا سورة سورة و آية آية و تفريقها في التنزيل و تفصيل ما يحتاج إليه العباد و بيانه فيها روي هذا عن مجاهد، و قال: إن معنى‏ ثم‏ ليس التراخي في الوقت و لكن في الحال كما تقول هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل، و فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
و الظاهر أنه أراد أنها في جميع الاحتمالات كذلك، و فيه أيضا أنه إذا أريد بالاحكام أحد الأولين و بالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبي لأن الاحكام بالمعنى الأول راجع إلى اللفظ و التفصيل إلى المعنى، و بالمعنى الثاني و إن كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال، و أن أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأن الاحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها و جعلها فصولا بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأن كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصفة و هذا تراخ وجودي، و لما كان الكلام من السائلات كان زمانيا أيضا، و لكن الزمخشري آثر التراخي في الحال مطلقا حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع و ليظهر وجه العدول من الفاء إلى ثم، و إن أريد الثالث و بالتفصيل أحد الطرفين فرتبي و إلا فإخباري، و الأحسن أن يراد بالاحكام الأول و بالتفصيل أحد الطرفين و عليه ينطبق المطابقة بين‏ حكيم‏ و خبير و أحكمت‏ و فصلت‏ ثم قال: و منه ظهر أن التراخي في الحال يشمل التراخي الرتبي و الأخباري انتهى فليتأمل، و قرئ «أحكمت» بالبناء للفاعل المتكلم و «فصلت» بفتحتين مع التخفيف و روي هذا عن ابن كثير، و المعنى ثم فرقت بين الحق و الباطل، و قيل: «فصلت» هنا مثلها في قوله تعالى:
و لما فصلت العير [يوسف: 94] أي انفصلت و صدرت‏ من لدن حكيم خبير صفة لكتاب وصف بها بعد ما وصف بأحكام آياته و تفصيلها الدالين على علو مرتبته من حيث الذات إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة أو خبر ثان للمبتدإ الملفوظ أو المقدر أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى أي من عنده أحكامها و تفصيلها و اختار هذا في الكشف. و في الكشاف أن فيه طباقا حسنا لأن المعنى أحكمها حكيم و فصلها أي بينها و شرحها خبير عالم بكيفيات الأمور ففي الآية اللف و النشر، و أصل الكلام على ما قال الطيبي: أحكم آياته الحكيم و فصلها الخبير ثم عدل عنه إلى أحكمت حكيم و فصلت خبير على حد قوله تعالى: يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال‏ [النور: 36، 37] على قراءة البناء للمفعول، و قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة        و مختبط مما تطيح الطوائح‏
        

ثم إلى ما في النظم الجليل لما في الكناية من الحسن مع إفادة التعظيم البالغ الذي لا يصل إلى كنهه وصف الواصف لا سيما و قد جي‏ء بالاسمين الجليلين منكرين بالتنكير التفخيمي‏

التحرير و التنوير    ج‏11    199
الر تقدم القول على الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور في أول سورة البقرة و غيرها من نظرائها و ما سورة يونس ببعيد.
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير القول في الافتتاح بقوله: كتاب‏ و تنكيره مماثل لما في قوله: كتاب أنزل إليك‏ في سورة الأعراف [2].
و المعنى: أن القرآن كتاب من عند الله فلما ذا يعجب المشركون من ذلك و يكذبون به. ف (كتاب) مبتدأ، سوغ الابتداء ما فيه من التنكير للنوعية.
و من لدن حكيم خبير خبر و أحكمت آياته‏ صفة ل (كتاب)، و لك أن تجعل‏ أحكمت آياته‏ صفة مخصصة، و هي مسوغ الابتداء. و لك أن تجعل (أحكمت) هو الخبر. و تجعل‏ من لدن حكيم خبير ظرفا لغوا متعلقا ب أحكمت‏ و فصلت‏.
و الإحكام: إتقان الصنع، مشتق من الحكمة بكسر الحاء و سكون الكاف. و هي إتقان الأشياء بحيث تكون سالمة من الإخلال التي تعرض لنوعها، أي جعلت آياته كاملة في نوع الكلام بحيث سلمت من مخالفة الواقع و من أخلال المعنى و اللفظ. و تقدم عند قوله تعالى: منه آيات محكمات‏ في أول سورة آل عمران [7]. و بهذا المعنى تنبئ المقابلة
التحرير و التنوير، ج‏11، ص: 200
بقوله: من لدن حكيم‏.
و آيات القرآن: الجمل المستقلة بمعانيها المختتمة بفواصل. و قد تقدم وجه تسمية جمل القرآن بالآيات عند قوله تعالى: و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا في أوائل سورة البقرة [39]، و في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.
و التفصيل: التوضيح و البيان. و هو مشتق من الفصل بمعنى التفريق بين الشي‏ء و غيره بما يميزه، فصار كناية مشهورة عن البيان لما فيه من فصل المعاني. و قد تقدم عند قوله تعالى: و كذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين‏ في سورة الأنعام [55].
و نظيره: الفرق، كنى به عن البيان فسمي القرآن فرقانا. و عن الفصل فسمي يوم بدر يوم الفرقان، و منه في ذكر ليلة القدر فيها يفرق كل أمر حكيم‏ [الدخان: 4].
و (ثم) للتراخي في الرتبة كما هو شأنها في عطف الجمل لما في التفصيل من الاهتمام لدى النفوس لأن العقول ترتاح إلى البيان و الإيضاح.
و من لدن حكيم خبير أي من عند الموصوف بإبداع الصنع لحكمته، و إيضاح التبيين لقوة علمه. و الخبير: العالم بخفايا الأشياء، و كلما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعز، فالحكيم مقابل ل أحكمت‏، و الخبير مقابل ل فصلت‏. و هما و إن كانا متعلق العلم و متعلق القدرة إذ القدرة لا تجري إلا على وفق العلم، إلا أنه روعي في المقابلة الفعل الذي هو أثر إحدى الصفتين أشد تبادرا فيه للناس من الآخر و هذا من بليغ المزاوجة.

بيان السعادة فى مقامات العبادة    ج‏2    318
سورة هود
مائة و ثلاث و عشرون آية و هي مكية كلها و قيل: سوى آية و أقم الصلاة؛ فانها مدنية بسم الله الرحمن الرحيم‏
الر قد سبق انها اشارة الى مراتب العالم أو مراتب وجوده (ص) و لذلك‏
ورد: ان الحروف المقطعة في أوائل السور أسماؤه‏
، و مضى انه في حال انسلاخه يشاهد من تلك الحروف ما لا يمكن التعبير عنه الا بالمناسبات و ان مراتب العالم أو مراتب وجوده (ص) كتاب حقيقى تكوينى و ان الكتاب التدوينى صورة تلك الكتاب‏ كتاب‏ خبر للحروف المقطعة أو خبر مبتدء محذوف‏ أحكمت آياته‏ في مقامه العالي من مراتب العقول المعبر عنها بالأقلام و في مراتب النفوس الكلية المعبر عنها بالالواح العالية، و اللوح المحفوظ و احكام الآيات في تلك المراتب عبارة عن عدم الخلل و البطلان و التغيير و النسخ فيها فانه في تلك المراتب لا يمسه الا المطهرون و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و هو في تلك المراتب محفوظ عن التشابه بالباطل و بكلام غير الحق تعالى و هو فيها بنحو الإجمال من غير تفصيل‏ ثم فصلت‏ بعد تلك المراتب في مراتب النفوس الجزئية المعبر عنها بالالواح الجزئية و كتاب المحو و الإثبات ثم في مراتب الأعيان المعبر عنها بكتاب المحو و الإثبات العينى ثم في مرتبة الأصوات و الحروف ثم في مرتبة الكتابة و النقوش، و ليست آيات الكتاب في تلك المراتب محكمات لتطرق المحو و الإثبات و النسخ و التبديل إليها و يتشابه حقها بباطلها لتشابه المظاهر الشيطانية بالمظاهر الإلهية و تشابه الأعمال و الأقوال و الأحوال و الأخلاق، فان المظاهر الشيطانية يعملون أعمالهم الشيطانية بصور الأعمال الالهية ثم يقولون هي بأمر الله و الحال انها بأمر الشيطان و يحسبون أنهم يحسنون صنعا، و يقرؤن الآيات القرآنية بألسنتهم و هي ألسنة الشيطان و يكتبون الآيات التدوينية بأيديهم و هي أيدى الشيطان ثم يقولون: هو من عند الله و ما هو من عند الله، بل من عند الشيطان غاية ما فيه انها مشابهة لما هو من عند الله صورة من لدن حكيم خبير كامل في العمل و العلم و ذكر الوصفين للاشارة الى ان كتابه التكوينى و التدوينى على كمال ما ينبغي فليس لأحد ان يرد شيئا منهما أو يلوم أحدا كما
ورد: لو اطلعتم على سر القدر لا يلومن أحدكم أحدا،
و لدن الله و عند الله عبارة عن عالم المجردات و تفصيل الكتاب نشأ منها و لذا
ورد، ان القرآن نزل جملة على البيت المعمور أو على قلب محمد (ص) ثم نزل منه نجوما على صدره‏

التفسير الكاشف    ج‏4    204
(الر) مثل ألم في أول سورة البقرة، فراجع. (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير). المراد بالكتاب القرآن، و المعنى ان هذا القرآن واضح المعاني محكم النظم، لا نقص فيه و لا خلل، لأنه ممن يقدر الأمور و يدبرها على أساس العلم و الحكمة، قال بعض العارفين: ان لله كتابين: واحد تكويني، و هو هذا الكون، و الآخر تدويني، و هو القرآن، و كل منهما محكم من جميع جهاته على أتم الوجوه و أكملها .. و تكلم العلماء من أديان شتى عن عظمة القرآن، نقلت طرفا من أقوالهم في كتاب «الإسلام و العقل» فصل «النبوة».
و من الصدف اني قرأت- و أنا أفسر هذه الآية- مقالا عن كتاب «محمد» للمستشرق الفرنسي مكسيم رودينسون، نشرته مجلة المصور المصرية في عدد 22 تشرين الثاني سنة 1968، و فيه: «يؤكد المؤلف ان القرآن نقل إلى الأجيال التالية رسالة الإنسان المقهور المستغل، ذلك الإنسان الثائر على الظلم و القهر، و زوده بحافز التسلح بالقوة لكي يقهر المستبدين و الظالمين و المنافقين- ثم قال المؤلف- ان الإسلام نظام و عقيدة و أسلوب حياة، و نظرة شاملة الى الكون و الإنسان».

تفسير المنار    ج‏12    3
بسم الله الرحمن الرحيم‏
(1) الر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (2) ألا تعبدوا إلا الله، إنني لكم منه نذير و بشير (3) و أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى، و يؤت كل ذي فضل فضله، و إن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير (4) إلى الله مرجعكم و هو على كل شي‏ء قدير
هذه الآيات الاربع في أصول الدعوة الى دين الله تعالى و هي القرآن و ما بينه من توحيد الله تعالى و عبادته وحده و الايمان برسله و بالبعث و الجزاء، و عمل الصالحات، خوطب بها الناس من قبل الرسول صلى الله عليه و سلم بدون ذكرهم، و لا ذكر لأمره تعالى له به، للعلم بكل منهما بالقرينة، و بنزول هذه السورة عقب سورة يونس التي افتتحت بمثل هذا
1- الر تقرأ كأمثالها بأسماء الحروف ساكنة لا بمسمياتها فيقال: ألف، لام، را، و مذهب الخليل و سيبويه انها اسم للسورة، أو للقرآن (و بينا حكمة الابتداء بها في أول تفسير سورة الاعراف) و محلها الرفع على الابتداء أو الخبرية عند الاكثر
كتاب أحكمت آياته‏ أي هذا كتاب‏  عظيم الشأن (كما أفاده‏
تفسير المنار، ج‏12، ص: 4
التنوين) جعلت آياته محكمة النظم و التأليف، واضحة المعاني بليغة الدلالة و التأثير، فهي كالحصن المنيع، و القصر المشيد الرفيع، في إحكام البناء، و ما يقصد به من الحفظ و الايواء مع حسن الرواء، فهي لظهور دلالتها على معانيها و وضوحها لا تقبل شكا و لا تأويلا، و لا تحتمل تغييرا و لا تبديلا، ثم فصلت‏ أي جعلت فصولا متفرقة في سوره ببيان حقائق العقائد، و الأحكام و الحكم و المواعظ، و سائر ما أنزل الكتاب له من الفوائد، كما يفصل الوشاح أو العقد بالفرائد، فالاحكام و التفصيل فيه مرتبتان من مراتب البيان مجتمعتان، لا نوعان منه متفرقان يختلفان في الزمان، أو فصلت بعد الاجمال، كما ترى في القصص القصار و الطوال، و قد أبهما ببناء فعليهما للمفعول، ثم بينا بجعلهما من لدن حكيم خبير و هو أبلغ من اسنادهما اليه ابتداء، أي من عند حكيم كامل الحكمة هو الذي أحكمها، و خبير تام الخبرة هو الذي فصلها، و لدن ظرف مكان أخص من «عند» و أبلغ. و هو بفتح فضم (كعضد) مبني على السكون‏
هذا ما يتبادر الى فهم العربي القح من عبارة الآية، فاذا عرضته على ما جاء في القرآن من حرفي الإحكام و التفصيل وجدت فيه من الحرف الاول ثلاث كلمات (الاولى) قوله تعالى في سورة الحج (22: 5 فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته‏) (و الثانية) قوله تعالى في سورة القتال (47: 20 و يقول الذين آمنوا لو لا نزلت سورة: فإذا أنزلت سورة محكمة و ذكر فيها القتال‏) الآية- و الثالثة قوله تعالى في سورة آل عمران (3: 7 هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات‏) و وجدت الإحكام في كل منهن بالمعنى اللغوي الذي بيناه آنفا. و قد حمل المقلدون المحكم في الآية الثانية على ما يقابل المنسوخ في اصطلاحهم، فقالوا سورة محكمة غير منسوخة، و هذا الحمل غير صحيح و ان كان المراد منه صحيحا، فان هذا الاصطلاح ليس من أصل اللغة و لا من عرف القرآن، بل وضع بعد عصر نزوله، و الآية الاولى حجة على هذا فان النسخ فيها غير النسخ الاصولى، و لا يصح ان يكون المعنى فاذا أنزلت سورة غير منسوخة لا كلها و لا بعضها، لان‏
تفسير المنار، ج‏12، ص: 5
إنزال سورة منسوخة محال في نفسه، فلا معنى اذا لنفيه، و حملوه في الثالثة على ما يقابل المتشابه و هو صحيح، و لكنهم اختلفوا في معنى كل منهما و أشهر الاقوال عند أهل الكلام و الاصول فيهما مخالف لمدلول اللغة و للمروي عن جمهور السلف الذي هو الحق. قال السيد الجرجاني في الاول: لمحكم ما أحكم المراد به عن التبديل و التغيير أي التخصيص و التأويل و النسخ، مأخوذ من قولهم: بناء محكم، أي متقن مأمون الانتقاض، و ذلك مثل قوله تعالى‏ (أن الله بكل شي‏ء عليم)* و النصوص الدالة على ذات الله و صفاته لان ذلك لا يحتمل النسخ، فان اللفظ إذا ظهر منه المراد فان لم يحتمل النسخ فهو محكم، و إلا فان لم يحتمل التأويل فمفسر، و إلا فان سيق الكلام لأجل ذلك المراد فنص، و إلا فظاهر، و إذا خفي لعارض أي لغير الصيغة فخفي، و ان خفي لنفسه أي لنفس الصيغة و أدرك عقلا فمشكل، أو نقلا فمجمل، أو لم يدرك أصلا فمتشابه ا ه و قال في الثاني: المتشابه ما خفي بنفس اللفظ و لا يرجى دركه أصلا كالمقطعات في أول السور، و قال التاج السبكي في جمع الجوامع: و المتشابه ما استأثر الله بعلمه و قد يطلع عليه بعض أصفيائه ا ه و كلا القولين خطأ كما يعلم مما فسرنا به الآية في الجزء الثاني.
و قال السيد في تعريف التأويل: هو في الاصل الترجيح و في الشرع صرف اللفظ عن معناه الظاهر الى معنى يحتمله اذا كان المحتمل الذي يراه موافقا بالكتاب و السنة مثل قوله تعالى‏ (يخرج الحي من الميت)* ان أراد به اخراج الطير من البيضة كان تفسيرا، و ان أراد اخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا ا ه و قال التاج السبكي: الظاهر ما دل دلالة ظنية، و التأويل حمل الظاهر على المحتمل المرجوح، فان حمل لدليل فصحيح أو لما يظن دليلا ففاسد، أولا لشي‏ء فلعب لا تأويل ا ه
هذا الاصطلاح المفصل لهذه الكلمات فيه ما ترى- في كتب الاصول- من قيل و قال، و مذاهب و جدال، و هو ما لم يكن يخطر في بال أحد من العرب عند قراءتها في كتاب الله تعالى، بل كانوا يفهمونها بمدلولها اللغوي المحض، فأما المحكم فهو ما تقدم‏
تفسير المنار، ج‏12، ص: 6
و أما التفصيل في الآية فقد جاء مكررا في أكثر من عشرين موضعا من عشر سور مكية، و في موضع واحد من سورة التوبة المدنية، و أكثرها في تفصيل الآيات القرآنية و العقلية، و بعضها في تفصيل الكتاب، و بعض آخر في تفصيل الأحكام، و نوع آخر أعم و هو (تفصيل كل شي‏ء) أي مما يتعلق بهداية الدين، و اصلاح أمور المكلفين، و كلها داخل في المعنى اللغوي الذي حررناه‏
بقي علينا المأثور في الكلمتين عن مفسري السلف، و هو قليل مختصر، فعن ابن زيد في هذه السورة (قال) انها كلها مكية محكمة، و ان التفصيل فيها هو الحكم بين محمد صلى الله عليه و سلم و من خالفه في قوله تعالى‏ (مثل الفريقين كالأعمى و الأصم) الآية، ثم ذكر قوم نوح و قوم هود (قال) فكان هذا تفصيل ذلك و كان أوله محكما ا ه بالمعنى و حاصله ان المحكم المجمل و أن المفصل ما يقابله بالمعنى اللغوي فيهما، و عن الحسن البصري: أحكمت بالامر و النهي، و فصلت بالوعد و الوعيد، و عن مجاهد (ثم فصلت) قال فسرت، و عن قتادة أحكمها الله من الباطل ثم فصلها الله بعلمه، فبين حلاله و حرامه، و طاعته و معصيته، و هذه الروايات كلها تدخل في المعنى اللغوي الذي بيناه و لا تحيط به‏
و القول الجامع أن تفصيل الاجمال في القرآن قسمان (الاول) تفصيل أصول العقائد و كليات التشريع العامة، و أكثره في السور المكية، كما بيناه متفرقا ثم مجملا في تفسير ما تقدم تفسيره منها، و هو الانعام و الاعراف و يونس (و الثاني) ما يعم تفصيل الاحكام العملية من العبادات و المعاملات السياسية و المدنية و الحربية كما بيناه في السور المدنية الطول المتقدمة أيضا

الميزان في تفسير القرآن    ج‏10    136
قوله تعالى: «الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير» المقابلة بين الإحكام و التفصيل الذي هو إيجاد الفصل بين أجزاء الشي‏ء المتصل بعضها ببعض، و التفرقة بين الأمور المندمجة كل منها في آخر تدل على أن المراد بالإحكام ربط بعض الشي‏ء ببعضه الآخر و إرجاع طرف منه إلى طرف آخر بحيث يعود الجميع شيئا واحدا بسيطا غير ذي أجزاء و أبعاض.
و من المعلوم أن الكتاب إذا اتصف بالإحكام و التفصيل بهذا المعنى الذي مر فإنما يتصف بهما من جهة ما يشتمل عليه من المعنى و المضمون لا من جهة ألفاظه أو غير ذلك، و أن حال المعاني في الإحكام و التفصيل و الاتحاد و الاختلاف غير حال الأعيان فالمعاني المتكثرة إذا رجعت إلى معنى واحد كان هذا الواحد هو الأصل المحفوظ في الجميع و هو بعينه على إجماله هذه التفاصيل، و هي بعينها على تفاصيلها ذاك الإجمال و هذا كله ظاهر لا ريب فيه.
و على هذا فكون آيات الكتاب محكمة أولا ثم مفصلة ثانيا معناه أن الآيات الكريمة القرآنية على اختلاف مضامينها و تشتت مقاصدها و أغراضها ترجع إلى معنى واحد بسيط، و غرض فارد أصلي لا تكثر فيه و لا تشتت بحيث لا تروم آية من الآيات الكريمة مقصدا من المقاصد و لا ترمي إلى هدف إلا و الغرض الأصلي هو الروح‏
الميزان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 137
الساري في جثمانه و الحقيقة المطلوبة منه.
فلا غرض لهذا الكتاب الكريم على تشتت آياته و تفرق أبعاضه إلا غرض واحد متوحد إذا فصل كان في مورد أصلا دينيا و في آخر أمرا خلقيا و في ثالث حكما شرعيا و هكذا كلما تنزل من الأصول إلى فروعها و من الفروع إلى فروع الفروع لم يخرج من معناه الواحد المحفوظ، و لا يخطي غرضه فهذا الأصل الواحد بتركبه يصير كل واحد واحد من أجزاء تفاصيل العقائد و الأخلاق و الأعمال، و هي بتحليلها و إرجاعها إلى الروح الساري فيها الحاكم على أجسادها تعود إلى ذاك الأصل الواحد.
فتوحيده تعالى بما يليق بساحة عزه و كبريائه مثلا في مقام الاعتقاد هو إثبات أسمائه الحسنى و صفاته العليا، و في مقام الأخلاق هو التخلق بالأخلاق الكريمة من الرضا و التسليم و الشجاعة و العفة و السخاء و نحو ذلك و الاجتناب عن الصفات الرذيلة، و في مقام الأعمال و الأفعال الإتيان بالأعمال الصالحة و الورع عن محارم الله.
و إن شئت فقل: إن التوحيد الخالص يوجب في كل من مراتب العقائد و الأخلاق و الأعمال ما يبينه الكتاب الإلهي من ذلك كما أن كلا من هذه المراتب و كذلك أجزاؤها لا تتم من دون توحيد خالص.
فقد تبين أن الآية في مقام بيان رجوع تفاصيل المعارف و الشرائع القرآنية إلى أصل واحد هو بحيث إذا ركب في كل مورد من موارد العقائد و الأوصاف و الأعمال مع خصوصية ذلك المورد أنتج حكما يخصه من الأحكام القرآنية، و بذلك يظهر:
أولا: أن قوله: «كتاب‏» خبر لمبتدإ محذوف و التقدير: هذا كتاب، و المراد بالكتاب هو ما بأيدينا من القرآن المقسم إلى السور و الآيات، و لا ينافي ذلك ما ربما يذكر أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ أو القرآن بما هو في اللوح فإن هذا الكتاب المقرو متحد مع ما في اللوح اتحاد التنزيل مع التأويل.
و ثانيا: أن لفظة «ثم‏» في قوله: «ثم فصلت‏» إلخ، لإفادة التراخي بحسب ترتيب الكلام دون التراخي الزماني إذ لا معنى للتقدم و التأخر الزماني بين المعاني المختلفة بحسب الأصلية و الفرعية أو بالإجمال و التفصيل.
الميزان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 138
و يظهر أيضا ما في بعض ما ذكره أرباب التفاسير في معنى الآية كقول بعضهم:
إن معناها أحكمت آياته فلم تنسخ منها كما نسخت الكتب و الشرائع ثم فصلت ببيان الحلال و الحرام و سائر الأحكام.
و فيه: أن الواجب على هذا المعنى أن يقيد عدم النسخ بعدم النسخ بكتاب غير القرآن ينسخ القرآن بعده كما نسخ القرآن غيره فإن وجود النسخ بين الآيات القرآنية نفسها مما لا ينبغي الارتياب فيه. و التقييد المذكور لا دلالة عليه من جهة لفظ الآية.
و كقول بعضهم: إن المراد أحكمت آياته بالأمر و النهي ثم فصلت بالوعد و الوعيد و الثواب و العقاب. و فيه أنه تحكم لا دليل عليه أصلا.
و كقول بعضهم: إن المراد إحكام لفظها بجعلها على أبلغ وجوه الفصاحة حتى صار معجزا، و تفصيلها بالشرح و البيان. و الكلام في هذا الوجه كسابقه.
و كقول بعضهم: المراد بإحكام آياته جعلها محكمة متقنة لا خلل فيها و لا باطل، و المراد بتفصيلها جعلها متتابعة بعضها إثر بعض. و فيه: أن التفصيل بهذا المعنى غير معهود لغة إلا أن يفسر بمعنى التفرقة و التكثير و يرجع حينئذ إلى ما قدمناه من المعنى.
و كقول بعضهم: إن المراد أحكمت آياته جملة ثم فرقت في الإنزال آية بعد آية ليكون المكلف أمكن من النظر و التأمل.
و فيه: أن الأحرى بهذا الوجه أن يذكر في مثل قوله تعالى‏: «إنا أنزلناه في ليلة مباركة:» الدخان:- 3، و قوله‏: «و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث و نزلناه تنزيلا:» إسراء:- 106 و ما في هذا المعنى من الآيات مما يدل على أن للقرآن مرتبة عند الله هي أعلى من سطح الأفهام ثم نزل إلى مرتبة تقبل التفهم و التفقه رعاية لحال الأفهام العادية كما يشير إليه أيضا قوله‏: «و الكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم:» الزخرف:- 4.
و أما آيتنا التي نحن فيها كتاب أحكمت آياته ثم فصلت‏» إلخ، فقد علق‏
الميزان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 139
فيها الإحكام و التفصيل معا على الآيات، و ليس ذلك إلا من جهة معانيها فتفيد أن الإحكام و التفصيل هما في معاني هذه الآيات المتكثرة فلها جهة وحدة و بساطة و جهة كثرة و تركب، و ينطبق على ما قدمناه من المعنى لا على ما ذكره الراجع إلى مسألة التأويل و التنزيل فافهم ذلك.
و كقول بعضهم: إن المراد بالإحكام و التفصيل إجمال بعض الآيات و تبيين البعض الآخر، و قد مثل لذلك بقوله تعالى في هذه السورة: «مثل الفريقين كالأعمى و الأصم و البصير و السميع:» الآية:- 24، فإنه مجمل محكم يتبين بما ورد فيها من قصة نوح و هود و صالح. و هكذا.
و فيه: أن ظاهر الآية أن الإحكام و التفصيل متحدان من حيث المورد بمعنى أن الآيات التي ورد عليها الإحكام بعينها هي التي ورد عليها التفصيل لا أن الإحكام وصف لبعض آياته و التفصيل وصف بعضها الآخر كما هو لازم ما ذكره.
و قوله تعالى: «من لدن حكيم خبير» الحكيم من أسمائه الحسنى الفعلية يدل على إتقان الصنع، و كذا الخبير من أسمائه الحسنى يدل على علمه بجزئيات أحوال الأمور الكائنة و مصالحها، و إسناد إحكام الآيات و تفصيلها إلى كونه تعالى حكيما خبيرا لما بينهما من النسبة.
قوله تعالى: «ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير و بشير و أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‏» الآية، و ما بعدها تفسير لمضمون الآية الأولى: «كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير» و إذ كانت الآية تتضمن أنه كتاب من الله إلى ... له آيات محكمة ثم مفصلة كانت العناية في تفسيرها متوجه إلى إيضاح هذه الجهات.
و من المعلوم أن هذا الكتاب الذي أنزله الله تعالى من عنده إلى رسوله ليتلوه على الناس و يبلغهم له وجه خطاب إلى الرسول ص و وجه خطاب إلى الناس بوساطته أما وجه خطابه إلى الرسول ص و هو الذي يتلقاه الرسول من وحي الله فهو أن أنذر و بشر و ادع الناس إلى كذا و كذا، و هذا الوجه هو الذي عني به في أول سورة يونس حيث قال تعالى‏: «أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس و بشر
الميزان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 140
الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم:» يونس:- 2.

من وحى القرآن    ج‏12    7
الر من الحروف المقطعة في القرآن التي تحدثنا عن الوجوه المتصورة فيها في أول تفسير سورة البقرة. كتاب أحكمت آياته‏ أي أحكمت آيات هذا الكتاب، و المراد بالإحكام- في ما يذكره صاحب تفسير الميزان- «ربط بعض الشي‏ء ببعضه الآخر، و إرجاع طرف منه إلى طرف آخر بحيث يعود الجميع شيئا واحدا بسيطا غير ذي أجزاء و أبعاض» . ثم فصلت من لدن حكيم‏ و المراد بالتفصيل- في رأيه- هو إيجاد الفصل بين أجزاء الشي‏ء
من وحى القرآن، ج‏12، ص: 8
المتصل بعضها ببعض، و التفرقة بين الأمور المندمجة كل منها في آخر. و قد أوضح ذلك بقوله: «و على هذا فكون آيات الكتاب محكمة أولا ثم مفصلة ثانيا، معناه أن الآيات الكريمة القرآنية على اختلاف مضامينها، و تشتت مقاصدها و أغراضها، ترجع إلى معنى واحد بسيط و غرض فارد أصلي لا تكثر فيه، و لا تشتت، بحيث لا تروم آية من الآيات الكريمة مقصدا من المقاصد، و لا ترمي إلى هدف إلا و الغرض الأصلي هو الروح الساري في جثمانه، و الحقيقة المطلوبة منه.
فلا غرض لهذا الكتاب الكريم على تشتت آياته و تفرق أبعاضه إلا غرض واحد متوحد، إذا فصل كان في مورد أصلا دينيا، و في آخر أمرا خلقيا، و في ثالث حكما شرعيا، و هكذا كل ما تنزل من الأصول إلى فروعها، و من الفروع إلى فروع الفروع لم يخرج من معناه الواحد المحفوظ، و لا يخطئ غرضه، فهذا الأصل الواحد بتركبه يصير كل واحد واحدا من أجزاء تفاصيل العقائد و الأخلاق و الأعمال، و هي بتحليلها و إرجاعها إلى الروح الساري فيها الحاكم على أجسادها تعود إلى ذاك الأصل الواحد.
فتوحيده تعالى بما يليق بساحة عزه و كبريائه- مثلا في مقام الاعتقاد- هو إثبات أسمائه الحسنى و صفاته العليا، و في مقام الأخلاق هو التخلق بالأخلاق الكريمة من الرضى، و التسليم، و الشجاعة، و العفة، و السخاء، و نحو ذلك، و الاجتناب عن الصفات الرذيلة، و في مقام الأعمال و الأفعال الإتيان بالأعمال الصالحة، و الورع عن محارم الله» .
من وحى القرآن، ج‏12، ص: 9
مناقشة مع صاحب الميزان‏
و قد يكون هذا التفسير جميلا، في ما يوحي به من ارتكاز الخط العقيدي، و الأخلاقي، و العملي، على قاعدة واحدة و هي التوحيد الخالص، و لكننا لا نجد في سياق الآيات ما يدل على تعيينه، كما لا نلاحظ في كلمتي الإحكام و التفصيل ما يوحي بذلك، لأن المفسر الجليل، لاحظ في الآية المقابلة بين الكلمتين، فاعتبر الإحكام في مقابل التفصيل، مما يعني أن هناك شيئا مجموعا أريد تفصيله، و ذلك من خلال تواردهما على موقع واحد.
و لكننا نستقرب تفسير كلمة الإحكام بالإتقان في ما يريده الله من عدم وجود خلل في ترتيب هذه الآيات و تنظيمها، و دلالتها على المعاني بوضوح كما يكون المراد من التفصيل- في ما يظهر- الأسلوب المبسط الذي يعمل على توضيح الأفكار و تنويعها، بطريقة واضحة لا مجال فيها للغموض و الإبهام الحاصل من الإجمال في عرض الفكرة. و بذلك تكون الآية- و الله العالم- واردة في سياق التعرض للجانب الفني للآيات، من حيث الشكل المتضمن في تركيب الكلمات و تأليفها، بالمستوى الذي لا يوجد فيها أية ثغرة لجهة توازن الحركة الفنية و تكاملها، و لجهة المحتوى، الذي يتضمن تفصيل الأفكار و توضيحها، في ما يريد القرآن أن يبلغه للناس من أحكام و مفاهيم بالطريقة التي لا لبس فيها و لا خفاء.
و قد تكرر الحديث في القرآن عن هاتين النقطتين، للإيحاء بمدى ما يتوفر عليه من عناصر البلاغة التي تجمع إلى جانب التماسك و الدقة في الأسلوب، الوضوح في العرض الحاصل من تفصيل الفكرة ... و الله العالم بحقائق آياته.

البلاغ فى تفسير القرآن بالقرآن       221
سورة هود
1- بسم الله الرحمن الرحيم. الر من الحروف الرمزية القرآنية التي لا يعرف معانيها إلا الرسول (ص) و ذوده‏ كتاب أحكمت آياته‏ إحكاما في مثل‏" الر" لرسول الهدى، أم ما أنزل عليه ليلة القدر و عله نفس هذه الحروف التلغرافية ثم‏ طوال البعثة فصلت من لدن حكيم خبير إحكاما بحكمة، و تفصيلا بخبرة.
2- و كلا الإحكام و التفصيل يرتكزان على‏ ألا تعبدوا إلا الله‏ سلبا لكل محظور أصلها المعبودون و المطاعون من دون الله، و إيجابا لكل محبور أصلها أن توحدوا العبادة و الطاعة لله‏ إنني لكم منه نذير و بشير بكلمة الإخلاص، نذارة للكل و بشارة لمن آمن.

تفسير الشعراوى    ج‏10    6285
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير و تبدأ الآية بحروف توقيفية مقطعة من الحروف التى تبدأ بها بعض سور القرآن الكريم، أى: أن كل حرف من تلك الحروف ينطق بمفرده، و الحرف- كما نعلم- له اسم، و له مسمى، و نحن حين نكتب أو نتكلم نكتب أو ننطق بمسمى الحرف لا باسمه.
و لكن بعض سور القرآن الكريم تبدأ بحروف نقرأها باسم الحرف، و ما عداها ينطق فيها بمسميات الحرف.
و إن أردنا معرفة الفارق بينهما، فنحن نقرأ فى أول سورة البقرة و نقول:
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6286
«ألف. لام. ميم» رغم أنها مكتوبة: الم‏ (1)  [البقرة]
إذن: فنحن ننطقها بمسميات الحروف عكس قراءتنا لقول الحق سبحانه:
أ لم نشرح‏  لك صدرك‏ (1) [الشرح‏]
و نحن ننطقها بأسماء الحروف .. لماذا؟
لأن الرسول صلى الله عليه و سلم سمعها هكذا من جبريل عليه السلام، و القرآن أصله سماع، و أنت لا تقرأ قرآنا إلا إذا سمعت قرآنا؛ لتعرف كيف تقرأ الحروف المقطعة بأسماء الحروف، و تقرأ بقية الآيات بمسميات الحروف.
و كنا قديما قبل أن نحفظ القرآن «نصحح» اللوح، أى: أن يقرأ الفقيه أولا ليعلمنا كيف نقرأ قبل أن نحفظ.
و الذى يتعب الناس أنهم يريدون أن يقرأوا القرآن الكريم دون أن يجلسوا إلى فقيه أو دون أن يستمعوا إلى قارى‏ء للقرآن.
و نقول لهم: إن القرآن ليس كتابا عاديا نقرأه، إن القرآن كتاب له خاصية مميزة، فصور الحروف تختلف، فمرة ننطق اسم الحرف، و مرة نقرأ مسمى الحرف.
و قول الحق سبحانه: الم‏ فى أول سورة هود؛ يجعلنا نلحظ أنه من العجيب فى فواتح السور- التى بدأت بهذه الحروف- أن القرآن مبنى على الوصل دائما، فأنت لا تأتى إلى آخر الآية و تقف، لا، بل كل القرآن وصل، مثلما نقرأ قول الله سبحانه:
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6287
مدهامتان‏  (64) فبأي آلاء  ربكما تكذبان (65) فيهما عينان نضاختان‏  (66) [الرحمن‏]
و إن كان هناك فاصل بين كل آية و غيرها، إلا أن الآيات كلها مبنية على الوصل.
و فى آخر سورة يونس يقول الحق سبحانه:
.. و هو خير الحاكمين‏ (109) [يونس‏]
فلو لم تكن موصولة لنطقت الحرف الأخير مبنيا على السكون، و لكنك تقرأه منصوبا بالفتحة. و هى موصولة بما بعدها (بسم الله الرحمن الرحيم‏).
و من العجيب أن فواتح السور مع أنها مكونة من حروف مبنية على الوصل إلا أننا نقرأ كل حرف موقوفا، فلا نقول: «ألف لام ميم» بل نقول: «ألف لام ميم».
و كذلك نقرأ فى أول سورة مريم «كاف هاء ياء عين صاد»، و لا نقرأ الحروف بتشكيلها الإعرابى، و هذا يدل على أن لها حكمة لا نعرفها.
و فى القرآن الكريم آيات بدئت بحرف واحد مثل قول الحق سبحانه:
ص و القرآن ذي الذكر (1) [ص‏]
و قول الحق سبحانه:
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6288
ق و القرآن المجيد (1) [ق‏]
و قول الحق سبحانه:
ن و القلم و ما يسطرون‏  (1) [القلم‏]
و نلحظ أن الحرف فى هذه السور ليس آية، و لكنك تقرأ قول الحق سبحانه: حم‏ (1)  [الشورى‏]
و هى آية، و كذلك تقرأ قول الحق سبحانه:
عسق‏ (2) [الشورى‏] كآية مع أنها حروف مقطعة، و تقرأ قول الحق سبحانه:
كهيعص‏ (1) [مريم‏] كآية بمفردها.
و تقرأ قول الحق سبحانه: طه‏ (1) [طه‏] كآية بمفردها.
و كذلك تقرأ قول الحق: يس‏ (1) [يس‏] كآية بأكملها.
و تجد أيضا: المص‏ (1) [الأعراف‏] كآية.
و طسم‏ (1) [الشعراء، و القصص‏] كآية.
و تجد أيضا المر .. (1) [الرعد] ملتحمة بما بعدها فى آية واحدة.
و تقرأ فى أول سورة النمل: طس‏ (1) ملتحمة بما بعدها فى آية واحدة.
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6289
إذن: فالمسألة لا نسق لها، و معنى ذلك أن لكل موقف و كل حرف حكمة، و الحكمة نجدها حين نتأمل العالم المادى فى الحياة، فنفطن إلى عبر الله سبحانه و تعالى فى آيات الكون المحسة، و يجد الدليل على صدق الله تعالى فيما لم نعلم.
و مثال ذلك: حين ينزل الإنسان فى فندق راق فهو يجد لكل غرفة مفتاحا، و هذا المفتاح لا يفتح إلا باب غرفة واحدة، و لكن فى كل طابق من طوابق الفندق هناك مفتاح مع المسئول عن الطابق يسمى «سيد المفاتيح» و هو يفتح كل غرف الطابق، و قد صنعوا ذلك؛ حتى لا يفتح كل نزيل غرفة الآخر.
و مع التقدم العلمى جعلوا الآن لكل غرفة بطاقة الكترونية، ما إن يدخلها الإنسان من فتحة معينة من باب الغرفة حتى ينفتح الباب، و كل غرفة لها بطاقة معينة، و أيضا يوجد مع مسئول الطابق فى الفندق بطاقة واحدة، تفتح كل غرف الطابق.
و أنت حين تقرأ فواتح السور فافهم أن كل آية لها مفتاح، و كل حرف فى هذه الفواتح قد يشبه المفتاح، و إن لم يكن معك المفتاح ذو الأسنان التى تفتح باب الغرفة؛ فلن تنفتح لك السورة.
إذن: فكتاب الله له مفاتيح، و نحن نقرأ حروفا مقطعة على أنها آية، أو نقرأها كجزء من آية.
و تقول من قبل القراءة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»  لتخلص نفسك من الأغيار المناقضة لمنهج قائل القرآن، ثم تضع البطاقة الخاصة مثل قول الحق سبحانه و تعالى: الم‏ (1) [البقرة]
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6290
فينفتح لك باب القراءة.
و هكذا نعرف أن هناك مفتاحا، و أن هناك فاتحا.
و خذ فواتح السور على أنها مفاتيح، و كل مفتاح له شكل و نحت معين، إن نقلته لسورة أخرى فهو لا يفتحها.
و هنا يقول الحق سبحانه و تعالى: الر و هى مكونة من ثلاثة حروف، مثل‏ الم،* و قد وردت فى خمس سور من القرآن الكريم هى:
يونس، و هود، و يوسف، و إبراهيم، و الحجر.
و لكن‏ الم* تقرأ كآية، و لكنها هنا فى مقدمة سورة «هود» جزء من آية رغم أنك تقرأها مثلها مثل سورة يونس، و سورة هود، و سورة يوسف و سورة إبراهيم، و تقرأها كآية.
و أيضا (المص) هى أربعة حروف تقرأها آية فى سورة الأعراف، و هناك أربعة حروف فى أول سورة الرعد، و تقرأها كجزء من آية فى سورة الأعراف.
إذن: فليس هناك قانون لهذه الحروف التى فى أوائل السور، بل كل حرف له خصوصية لم تتكشف كل أسرارها بعد ، لهذا ذهب بعض المفسرين إلى قولهم «الله أعلم بمراده».
و هنا يقول الحق سبحانه و تعالى:
الر كتاب أحكمت آياته‏ (1) [هود]
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6291
و الله سبحانه يقول مرة عن القرآن أنه: كتاب‏ و مرة يقول:
قرآن‏ (61) [يونس‏]
و القرآن يقرأ، و الكتاب يكتب، و شاء الحق سبحانه ذلك؛ ليدلك على أن الحافظ للقرآن مكانان: صدور، و سطور. فإن ضل الصدر، تذكر السطر.
و لذلك حين أراد المسلمون الأوائل جمع القرآن‏ ، و مطابقة ما فى الصدور على ما فى السطور، وضعوا أسسا لتلك العملية الدقيقة، من أهمها ضرورة وجود شاهدين على كل آية، و وقفوا عند آخر آيتين فى سورة التوبة ، و لم يجدوا إلا شاهدا واحدا هو «خزيمة»، و صدقوا «خزيمة» و كتبوا الآيتين عنه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قد منحه و ساما، حين قال عنه: «من شهد له خزيمة فهو حسبه» .
إذن: فإطلاق صفة الكتاب على القرآن، سببها أنه مكتوب، و هو قرآن؛ لأنه مقروء.
و لم تكن الكتابة فى الأزمنة القديمة مسألة سهلة، فلم يكن يكتب إلا النفيس من الأعمال، أو لأن القرآن كتاب؛ لأنه فى الأصل مكتوب فى اللوح المحفوظ.
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6292
و حين يقول الحق سبحانه و تعالى واصفا القرآن:
كتاب أحكمت آياته .. (1) [هود]
و مادة الحاء و الكاف و الميم‏  تدل على أمر محس و هو إتقان البناء، بحيث يمنع عنه الفساد؛ فلا خلل فيه، و لا تناقض، و لا تعارض و لا انهيار.
و لا بد من توازن هندسى لكل فتحة فى البناء؛ حتى لا تكون الفتحات التى فى البناء متوازية على خط واحد، فتحدث شروخ فى الجدران أو انهيار البناء كله. هذا هو إحكام البناء فى عالم المحسات.
و شاء الحق سبحانه أن يصف القرآن، و هو الجامع لكل المنهج بأنه:
كتاب أحكمت آياته .. (1) [هود]
فخذوا من هذا الإحكام‏  ما يمنع فسادكم؛ لأن القرآن جاء على هيئة تمنع الفساد فيه، و عقد منع الفساد يكون الإصلاح و الصلاح.
و لو نظرت إلى أن القرآن الكريم فى اللوح المحفوظ ستجده قد نزل جملة واحدة، من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، و جاء الوحى بعد ذلك حسب الأحداث التى تتطلب الأحكام، و قد نثر الحق سبحانه فى القرآن أحكاما و فصولا و نجوما.
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6293
إذن: فالقرآن قد أحكم أولا، ثم فصل‏ .
و لذلك يقول الحق سبحانه و تعالى:
كتاب أحكمت آياته ثم فصلت .. (1) [هود]
و الفواصل الكبيرة فى القرآن هى السور، و الفواصل الصغيرة هى الآيات، و أراد المسلمون أن يشجعوا حفظ القرآن، فقسموه إلى ثلاثين جزءا، و كل جزء قسموه إلى حزبين، و كل حزب قسموه إلى أربعة أرباع، لكن التفصيل الذى جاء لنا من القرآن أنه سور، و كل سورة هى مجموعة من الآيات.
و قد يكون المعنى أن القرآن قد أحكم و فصل؛ لأنه نزل منهجا جامعا من الله سبحانه و تعالى.
و حين تنظر إليه تجده منوعا، فمرة يتكلم فى العقيدة و قمتها، و مرة يتكلم فى النبوة و موكبها الرسالى، و المعجزات، و مرة يتكلم فى الأحكام، و مرة يتكلم فى القصص، و الأخلاقيات، و الكونيات. و مرة يتكلم فى علم الفرائض‏ .
إذن: فهو مفصل فى اللفظ أو فى المعنى، و هو يتناول معانى كثيرة، و كل معنى تتطلبه العقيدة، قمة فى الشهادة بأن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، و يتناول الجزئيات حتى أدق التفاصيل.
أو أحكم نزولا؛ لأنه قد نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم فصل حسب الحوادث، و هذا أدعى إلى أن تتعلق النفس بكل نجم من نجوم القرآن حين ينزل وقت طلبه.
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6294
و أنت حين تعد لنفسك صيدلية صغيرة فى البيت، قد تأتى فيها بكل الأدوية، لكن إن أصابك صداع، فقد تفتش عن أقراص «الأسبرين» فلا تجدها. أما إذا أرسلت إلى الصيدلية الكبيرة، فسوف تجد «الأسبرين» حين تحتاجه.
و كذلك حين تكون ظمآن، قد تفتح ثلاجة بيتك فلا تجد زجاجة الماء رغم أنها أمامك، و ذلك بسبب لهفة العطش.
إذن: فنزول القرآن منجما شاءه الحق- سبحانه- لتنتعش النفس الإنسانية و هى تعشق استقبال القرآن.
و لذلك يقول الحق سبحانه و تعالى:
و قرآنا فرقناه‏  لتقرأه على الناس على مكث‏  و نزلناه تنزيلا (106) [الإسراء]
و قد جاء فى القرآن على لسان الكافرين:
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6295
لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة .. (32) [الفرقان‏]
فيكون الرد من الحق سبحانه:
.. كذلك لنثبت به فؤادك و رتلناه ترتيلا (32) [الفرقان‏]
و لو كان القرآن قد نزل مرة واحدة على رسول الله صلى الله عليه و سلم لما التفت الناس إلى كل ما جاء فيه، و لكن شاء الحق سبحانه و تعالى أن ينزل القرآن منجما  على الرسول صلى الله عليه و سلم، ليكون فى كل نجم تثبيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم فى المواقف المختلفة، و الرسول صلى الله عليه و سلم و كذلك أمته من بعده فى حاجة إلى تثبيتات متعددة حسب الأحداث التى تعترضهم، و لذلك قال الحق سبحانه:
.. كذلك لنثبت به فؤادك و رتلناه ترتيلا  (32) [الفرقان‏]
فساعة أن يسمع المؤمنون نجما من نجوم القرآن، يكونون أقدر على استيعابه و حفظه و تطبيق الأحكام التى جاءت فيه.
و لم ينزل الحق سبحانه آية واحدة، بل أنزل آيات، بدليل أنهم إن جاءوا بحكم ما، فهو سبحانه و تعالى ينزل الحق فى هذا الحكم و أكثر تفصيلا؛ و لذلك يقول سبحانه:
و لا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا (33) [الفرقان‏]
و لو نزل القرآن جملة واحدة، فكيف يعالج أسئلتهم التى‏
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6296
جاءت فى القرآن: يسئلونك عن* .
و يضرب الله مثلا بالبعوضة، فيتساءلون ساخرين: كيف يضرب الله مثلا بالبعوضة؟
فينزل قول الحق سبحانه:
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها .. (26) [البقرة]
و لو كانوا عقلاء لتساءلوا: كيف ركب الحق سبحانه فى هذا الكائن الضئيل- البعوضة - كل أجزاء الكائن الحى؛ من محل الغذاء إلى قدرة الهضم، إلى محل التنفس، إلى محل الدم، إلى محل الأعصاب.
و كان يجب أن يأخذوا من هذا الخلق دلائل العظمة؛ لأن عظمة الصنعة تكون فى أمرين: إما ضخامة الشى‏ء المصنوع، و إما أن يكون الشى‏ء المصنوع تحت إدراك الحس.
و مثال ذلك- و لله المثل الأعلى- أن الفنيين حين صنعوا ساعة «بج بن» التفت الناس إلى ضخامة تلك الساعة، و دقة أدائها، و حين صنع الفنيون فى «سويسرا» ساعة دقيقة و صغيرة جدا فى حجمها، زاد إعجاب الناس بدقة الصنعة.
و هكذا نجد أن القدرة تتجلى فى صناعة الشى‏ء الكبير فى الحجم، أو صناعة الشى‏ء الدقيق جدا؛ فما بالنا بخالق الكون كله، بأكبر ما فيه و أصغر ما فيه.
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6297
و الحق سبحانه و تعالى يضرب المثل بالذبابة فيقول:
إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له .. (73)
[الحج‏]
فلو اجتمع الخلق المشركون أو المتجبرون و سألوا أصنامهم أن يخلقوا لهم ذبابة، أو حتى لو حاولوا هم خلق ذبابة لما استطاعوا، و لا يقتصر الأمر على ذلك العجز فقط، بل يتعداه إلى عجز آخر:
.. و إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب‏  و المطلوب‏ (73) [الحج‏]
فإن جاءت ذبابة على أى طعام، و أخذت بعضا من الطعام، فهل يستطيع أحد أن يستخلص من الذبابة ما أخذته؟
لا، و كذلك نرى ضعف الاثنين: الطالب و المطلوب.
و هنا يقول الحق سبحانه:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن‏  حكيم خبير (1) [هود]
فالإحكام‏  لا يتناقض مع التفصيل؛ لأن الحق سبحانه هو الذى‏
تفسير الشعراوى، ج‏10، ص: 6298
أحكم، و هو سبحانه الذى فصل، و هو سبحانه حكيم بما يناسب الإحكام، و هو سبحانه خبير بما يناسب التفصيل، بطلاقة غير متناهية.
و هو سبحانه حكيم يخلق الشى‏ء محكما لا يتطرق إليه فساد، و هو سبحانه خبير عنده علم بخفايا الأمور.
و يقول الحق سبحانه و تعالى فى آية أخرى:
لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف‏  الخبير (103) [الأنعام‏]
فالله سبحانه لا تدركه عين، و عينه- سبحانه و تعالى- لا تغفل عن أدق شى‏ء و أخفى نية.
إذن: فقول الحق سبحانه و تعالى:
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1) [هود]
يبين لنا أن القرآن كلام الله القدير الذى بنى على الإحكام، و نزل محكما جملة واحدة، ثم جاءت الأحداث المناسبة لينزل من السماء الدنيا نجوما مفصلة تناسب كل حدث.
و إحكام الكتاب ثم تفصيله له غاية، هى الغاية من المنهج كله، و يبينها الحق سبحانه فى الآية التالية:
ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير و بشير إذن: فقد أحكمت آيات الكتاب و فصلت لغاية هى: ألا نعبد إلا الله.

التفسير القرآنى للقرآن    ج‏6    1099
التفسير: تبدأ هذه السورة الكريمة بما بدأت به السورة التي قبلها، سورة «يونس» بذكر الكتاب الحكيم، الذي أوحى إلى الرسول، صلوات الله و سلامه عليه .. فهى تصف الكتاب بالحكمة، «كتاب أحكمت آياته» و قد وصفته السورة التي قبلها بأنه كتاب حكيم: «تلك آيات الكتاب الحكيم» ثم تعطيه وصفا آخر، هو أن الحكمة التي اشتمل عليها، لم تكن حكمة مجملة مغلقة،
التفسير القرآنى للقرآن، ج‏6، ص: 1100
بل هى حكمة مفصلة، واضحة مشرقة، تنالها أفهام الناس جميعا، و يشارك فيها الحكماء و غير الحكماء، لأن الذي أحكمها هو الذي فصلها .. فهو «حكيم» يملك الحكمة كلها .. «خبير» يضع كل شى‏ء موضعه ..
- و فى قوله تعالى: «الر» إشارة إلى أن هذه الكلمة، فى حروفها الثلاثة، الألف، و اللام، و الراء .. هى الكتاب كله، و هى الحكمة كلها ..
و لكنها غير مدركة لأفهام البشر، فهى مجمل المجمل من الحكمة، و علم مجملها و مفصلها عند «الحكيم» وحده، و هو الحق سبحانه و تعالى.
- و فى قوله تعالى: «أحكمت آياته» هو تفصيل مجمل لهذه الحكمة المجملة «فى الر».
- و فى قوله تعالى: «ثم فصلت من لدن حكيم خبير» هو تفصيل لمجمل هذه الحكمة المجملة، و قد فصلها حكيم خبير.
و قوله تعالى: «ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير و بشير».
هو من تفصيل هذه الحكمة التي حملها هكذا الكتاب الحكيم، و اشتمل عليها ..
فالدعوة إلى الإيمان بالله، و إخلاص العبادة له وحده، و التحذير من عقاب الله، و التبشير بثوابه- هى مضمون هذا الكتاب الحكيم، و محتواه!.
و الضمير فى «منه» يعود إلى الله سبحانه و تعالى: «ألا تعبدوا إلا الله. إنني لكم منه» أي من الله، «نذير و بشير» ..

أجملت لقوله‏ فصلت‏-
متشابه القرآن و مختلفه، ج‏2، ص: 130
و التفصيل يكون بعد الإجمال و أما قوله‏ متشابها يعني أن جميعها متشابه في حسن النظم و جودة اللفظ و في الإفادة و في كونه معجزا و حكمة و غير ذلك و أما قوله‏ متشابهات‏ أي يتشابه على الخلق فلا يعرفون تأويله و الغرض فيه كما قال‏ إن البقر تشابه علينا.

 

 

 











































فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است