رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 495

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 495‌

(12) عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال

تأليف استاد كلّ وحيد بهبهانى قدّس سرّه (م 1205)

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 497‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 499‌

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و به ثقتي الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة على محمّد و آله الطاهرين.

مسألة: إذا رئي الهلال قبل الزوال،

فالمشهور بين الفقهاء (رضوان الله عليهم) عدم الفرق بينه و بين أن يرى بعد الزوال، بل هذا هو المعروف منهم، إلّا ما نقل عن السيّد رحمه اللّه أنّه إذا رئي قبل الزوال، فهو للّيلة الماضية. «1» و ظاهره وجوب الإتمام لو كان صائما في يوم الثلاثين من شعبان، و وجوب الإفطار في يوم الثلاثين من رمضان.

و ما قيل: «2» إنّ الصدوق أيضا قائل وهم؛ لأنّه لا يقول بالرؤية، بل يقول بالعدد «3»، كما هو معروف.

حجّة المشهور وجوه:

الأوّل: ظاهر قوله تعالى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «4». خرج ما خرج بالدليل و بقي الباقي.

الثاني: الأخبار المتواترة، حيث أمروا فيها بالصوم بالرؤية مطلقا أعمّ من أن يكون قبل‌

______________________________
(1). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126.

(2). نسبه السيّد بحر العلوم في المصابيح- المخطوط بعد- إلى ظاهر الصدوق، و انظر الفقيه، ج 2، ص 169، ذيل الحديث 2040: «و إذا رئي هلال شوّال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان».

(3). انظر الفقيه، ج 2، ص 169- 171، ح 2042- 2046.

(4). البقرة (2): 187.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 500‌

الزوال أو بعده، و أمروا بالإفطار بالرؤية «1» كذلك، من غير تفصيل بين قبل الزوال و بعده، كما يقول به الخصم.

و بالجملة، التفصيل المذكور خلاف ظاهر تلك الأخبار المتواترة؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الصوم للرؤية على نهج واحد لا تفصيل فيه، و كذلك الفطر، فالظاهر كونها بنسق واحد.

و تخصيصها بالرؤية قبل الزوال فاسد قطعا، بل القطع حاصل بدخول الرؤية بعد الزوال فيها، بل في كثير منها الأمر بإنشاء الصوم بعد تحقّق الرؤية. «2»

بل من المسلّمات أنّ المطلق منصرف إلى الشائع، و الشائع وقوع الاستهلال بعد الزوال، و الغالب الرؤية ذلك الوقت، فتعيّن أن يكون المراد الصوم غدا و الفطر غدا مشروطين بالرؤية المتعارفة، و المشروط عدم عند عدم شرطه.

مع أنّ الصوم حقيقة في الكفّ المعهود من ابتداء الفجر إلى الغروب، و ظاهر في ذلك، فالأمر بإنشاء الصوم بعد الرؤية في غاية الظهور في أنّ المراد غدا.

و امتداد وقت نيّة الصوم إلى الزوال في بعض الأحوال لا يقتضي وجود صوم بعض اليوم، بل الإجماع و الأخبار ظاهران في كون المكلّف صائما في مجموع اليوم لا في بعضه، و المعصوم عليه السلام أمر في تلك الأخبار بنفس الصوم، لا بإيجاد نيّته.

سلّمنا، لكنّه ليس من الأفراد المتبادرة من الإطلاق؛ فإنّ الظاهر من إيجاد الصوم إيجاد النيّة من أوّل اليوم.

و أيضا الظاهر من إيجاد الصوم إيجاد صوم اليوم، لا صوم بعض اليوم، فظاهر هذه الأخبار أنّ وجوب الصوم مشروط بتحقّق الرؤية قبله حتّى يقع بعدها، لا تحقّق الرؤية في الأثناء أيضا و وقع بعض الصوم قبل الرؤية.

و أيضا كلمة «الفاء» تفيد التعقيب، و الأمر يكون بالصوم بعد الرؤية، بل ظاهرها الأمر بالصوم غدا بعد رؤية الهلال، لا الصوم حين الرؤية و بعدها بلا فصل. كما لا يخفى على المتأمّل، فكذلك الأمر بالإفطار بقرينة السياق؛ و لعدم القول بالفصل.

فالظاهر منها: إذا رأيتم الهلال فصوموا غدا مطلقا، و إذا رأيتم الهلال فأفطروا غدا مطلقا،

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 252، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3.

(2). وسائل الشيعة، ج 10، ص 278، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 501‌

و هذا هو المنساق إلى الأذهان.

و لو لم ترد الرواية المتضمّنة لكون الرؤية قبل الزوال لليلة الماضية و بعده لليلة المستقبلة، لما كان الخصم يفهم من الروايات المتواترة سوى الذي ذكرناه من دون تأمّل و تزلزل، كما لا يخفى، و ليس هذا إلّا من جهة الدلالة، كما أنّه يحكم بعدم الفرق بين قبل العصر و بعده، و قبل الغروب و بعده، إلى غير ذلك.

بل قال جدّي العلّامة المجلسي رحمه اللّه: إنّ دلالتها على ما ذكرنا قطعي. «1»

و لا يخلو عن وجاهة؛ لأنّ حمل المتواترة على خصوص ما قبل الزوال فاسد قطعا، و إرادة ما بعده فيها قطعيّة، و الصوم و الإفطار لهذه يكون من الغد قطعا بالضرورة من الدين، فأمر الشارع- لأصل هذه الرؤية- يكون بالصوم غدا و الفطر غدا، و يكون هذا المتبادر، و هو الظاهر، و هو المراد.

فكيف يفهم من عبارة واحدة معنيين متفاوتين!؟ بل هو أيضا فاسد قطعا، فتأمّل جدّا.

الثالث: الاستصحاب، و قولهم عليهم السلام: «لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله». «2»

الرابع: قولهم عليهم السلام في خصوص المقام: «لا يدخل الشكّ في اليقين» «3» و قولهم عليهم السلام:

«لا يجوز الصوم و الإفطار بالتظنّي» «4»، لكن ما ذكرت مضمون الأخبار، و متنها ليس ببالي.

و معلوم أنّ الرؤية قبل الزوال لا تقتضي كون الهلال من الليلة الماضية قطعا؛ لأنّ خروج الشعاع إذا وقع قبل المغرب بمقدار لا تتحقّق الرؤية به ليلا جزما، يرى الهلال من الغد قبل الزوال قطعا، بل إذا وقع خروج الشعاع عند المغرب أيضا يرى من الغد قبله قطعا، بل إذا وقع بعد المغرب أيضا بدرجات يرى قبل الزوال قطعا، كما لا يخفى على المطّلع، و لذا كثيرامّا لا يرى الهلال بلا غيم و لا غبار و لا شبهة، و مع ذلك يرى من الغد قبل الزوال.

و القطع حاصل بأنّه تعالى جعل الأهلّة مواقيت للناس و الحجّ، و ورد في غير واحد من‌

______________________________
(1). لم نعثر عليه في مظانّه.

(2). تهذيب الأحكام، ج 1، ص 8، ح 11، و فيه: «و لا تنقض اليقين أبدا بالشكّ، و إنّما تنقضه بيقين آخر».

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 445، و فيه: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ».

(4). الكافي، ج 4، ص 77، باب الأهلّة و الشهادة عليها، ح 6؛ الفقيه، ج 2، ص 76، ح 334؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 156، ح 433.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 502‌

الأخبار أن المراد من مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ «1» المواقيت لصومهم و فطرهم، أو أنّهما داخلان فيها البتّة «2»، و لا شكّ في أنّه لا يصير الهلال هلالا ما لم يخرج عن الشعاع، بل و ما لم يصر إلى حدّ الرؤية، و لا شكّ في أنّ لفظ «الهلال» في لغة العرب اسم للقدر الخارج من الشعاع من القمر في الليلة الأولى و الثانية و الثالثة. «3»

الخامس: رواية جرّاح المدائني عن الصادق عليه السلام: «من رأى هلال شوّال بنهار في [شهر] رمضان فليتمّ صيامه» «4». و السند منجبر بالشهرة التي كادت أن تكون إجماعا.

السادس: ما رواه الشيخ عن كتاب عليّ بن حاتم الثقة الجليل، بسنده الصحيح إلى محمّد بن عيسى، قال: كتبت إليه عليه السلام: جعلت فداك، ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد [الهلال] قبل الزوال، و ربّما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ إلى الليل؛ فإنّه إن كان تامّا لرئي قبل الزوال». «5»

قوله عليه السلام: «فإنّه إن كان»- إلى آخره- ينادي بأنّ المراد هلال شوّال، و يؤيّده أيضا قوله:

«فترى أن نفطر» مع أنّ الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة.

مع أنّ هذه الرواية في الاستبصار هكذا: «ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان» «6» و لا شكّ في أنّه هو الصواب.

و حمل ما في التهذيب على السهو حتّى القائل باعتبار الرؤية قبل الزوال مثل صاحب الوافي. «7»

و يؤيّده أنّ الشيخ استدلّ به في التهذيب «8» على مطلوبه، و أنّ ما في الاستبصار أضبط ممّا‌

______________________________
(1). البقرة (2): 189.

(2). وسائل الشيعة، ج 10، ص 252، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3، ح 1 و 3 و 7 و 18 و 21 و 22 و 23 و 27.

(3). الصحاح، ص 1851، «ه‍ ل ل»؛ مجمع البحرين، ج 5، ص 499، «ه‍ ل ل».

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 492؛ الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 223.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490.

(6). الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 221.

(7). الوافي، ج 11، ص 148، ح 10585، باب فرض الصيام ...، ح 5.

(8). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 503‌

في التهذيب في جميع المواضع، كما لا يخفى، و أنّه صنّف بعده، و في الغالب أنّ ما بعد أضبط، و وجهه واضح.

السابع: ما رواه- في الصحيح- عن محمّد بن قيس، عن الباقر عليه السلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين، و إن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل، و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة، ثمّ أفطروا». «1»

و لا يخفى الدلالة على المطلوب من قوله: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا» بعد ما قلناه في دلالة الأخبار المتواترة؛ لأنّ العبارة واحدة.

مع أنّه عليه السلام تعرّض لذكر النهار، فتعيّن كون المراد الرؤية المعهودة.

مع أنّ قوله عليه السلام: «أو شهد عليه عدل»- إلى آخره- أيضا قرينة؛ لأنّ المتبادر الشهادة بالنحو المتعارف.

مع أنّ قوله عليه السلام: «إلّا من وسط النهار» أعمّ من كونه قبل الزوال أو بعده بلا شبهة، بل ظهوره فيما قبل الزوال بخصوصه محتمل؛ بقرينة الأخبار، مثل موثّقة بن عمّار الآتية، و أنّ ما قبل الزوال لم يتعرّض المعصوم عليه السلام لذكره مع أنّ التعرّض له أهمّ، سيّما و أن يتعرّض لذكر ما بعد الزوال و آخر النهار كلّ واحدة منهما على حدة على حدة، مع عدم تفاوت بينهما أصلا، لا من جهة الأخبار و لا من جهة الأقوال، بل عدم التفاوت بديهي الدين، فظهر أنّ التعرّض للآخر إنّما هو لإظهار كون حال قبل الزوال حاله من دون تفاوت، كما صار المتعارف أنّهم يذكرون المسلّم المعروف مع غير المسلّم على نحو سواء؛ إظهارا لاستواء الحكم، و مبالغة في ذلك.

و ظهر أيضا أنّ عدم التعارض لذكر الأوّل من جهة عدم تحقّق الرؤية فيه عادة؛ لأنّ المتبادر من آخر النهار هو ما قارب الغروب، و أنّ ما قبل الآخر داخل في وسط النهار الممتدّ المتّصل بأوّل النهار الذي لم يذكر، فظهر- بقرينة المقابلة و المقايسة الظاهرة من الرواية- أنّ مقدار أوّل النهار هو مقدار آخر النهار، و نسبته إلى طلوع الشمس نسبة آخر النهار إلى الغروب، و معلوم عدم إمكان الرؤية فيه؛ إذ لا بدّ من بعد تامّ عن الشمس حتّى يخرج عن الشعاع، سيّما و أن يرى من الغد مع وجود الشمس في غاية شعاعه، و بعده عنها زيادة بعد.

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 158، ح 440.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 504‌

و إنّما تعرّض لذكر الوسط و قيّد النهار به خوفا من أن ينصرف الذهن من إطلاق رؤية النهار إلى الرؤية المتعارفة، كما هو متعارف، مع أنّ النكتة في التعرّض لعلّها النكتة في تقييد الغنم بالسائمة في قوله عليه السلام: «في الغنم السائمة زكاة». «1»

على أنّا إن سلّمنا إمكان الرؤية في أوّل النهار، نقول: هي من الفروض النادرة، فعلى هذا، يكون الشرط في قوله عليه السلام: «و إن لم يروا»- إلى آخره- واردا مورد الغالب، فلا عبرة [به]، مع أنّ المفهوم لا يعارض المنطوق، سيّما إذا كان ضعيفا من جهة أخرى أيضا.

مع أنّ الصغرى إنّما هي إذا كان للمفهوم عموم، و لا شكّ في عدم معارضته لعموم المنطوق، سيّما ما أشرنا إليه من القوّة الزائدة في المنطوق، و كذلك الضعف في المفهوم.

مضافا إلى أنّ الظاهر من قوله: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا» وجوب الإفطار غدا، كما مرّ تحقيقه.

مع أنّ المفهوم مفهوم القيد، فلا عبرة به، كما هو مسلّم.

و المعنى- و الله يعلم-: إذا رأيتم الهلال على نحو الشائع الغالب من رؤيته حين غيبوبة الشمس و بعدها فأفطروا، و إن لم تروا كذلك- سواء كان وسطه أو آخره- فلا تفطروا برؤيته من جهة ما سمعتم من الأمر بالإفطار وقت رؤيته، بل لا بدّ من الإتمام إلى الليل؛ لأنّ هذه الرؤية ليست داخلة فيها، بل المراد منها ما هو المتعارف، و يشير ذلك إلى ما ذكرناه في الدليل الثاني، فلاحظ.

و النكتة في عدم التعرّض للرؤية أوّل النهار في هذا الخبر هي النكتة في عدم التعرّض لها في سائر الأخبار، و هي عدم تحقّق هذه الصورة، أو كون تحقّقها في غاية الشذوذ و الندرة، و لا عبرة بالنادر في المنطوق، فما ظنّك بالمفهوم، و المتعارف في الأخبار عدم التعرّض لأمثالها، كما لا يخفى على المتتبّع.

الثامن: ما رواه- في الموثّق كالصحيح- عن إسحاق بن عمّار قال:

سألت الصادق عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال:

«لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه، و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «2».

______________________________
(1). عوالي اللآلي، ج 1، ص 399، ح 50. و فيه: «في الغنم السائمة الزكاة».

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493؛ الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 224.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 505‌

وجه الدلالة أنّه عليه السلام منعه من الصوم مطلقا إلّا أن يراه، و الظاهر الرؤية المتعارفة، لا مطلق الرؤية؛ لما عرفت من أنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف، و لأنّ المعصوم ما فصّل بين الليل و الزوال، و أمره بالقضاء إن شهد أهل بلد آخر، فمع هذين كيف يقول له: «و إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل»!؟ إذ ليس هاهنا صوم متحقّق أو مفروض التحقّق حتّى يقول له:

أتمّه إلى الليل؛ لأنّه منعه عن صوم ذلك اليوم، مع أنّه أمره بالقضاء في صورة خاصّة، فالظاهر- من جهة ما ذكره من ملاحظة الخبر الآخر- أنّ مراده عليه السلام: و إذا رأيته في صورة كونك صائما و صومك صحيحا فأتمّ، يعني لو وقع هذا الاشتباه في آخر رمضان حين كنت صائما لصحّته، فتأمّل.

فإن قلت: في آخر الخبر هكذا يعني بقوله عليه السلام: «أتمّ صومه إلى الليل» على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان، لعلّه من كلام الراوي، فلعلّ الراوي فهم من المعصوم عليه السلام ذلك.

قلت: فعلى هذا يكون دلالة الرواية على المطلوب أوضح.

التاسع: رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان، فإذا صمت تسعة و عشرين [يوما] ثمّ تغيّمت السماء، فأتمّ العدّة ثلاثين. «1»

وجه الدلالة أنّ إطلاقها يشمل ما إذا تغيّمت ليلة الثلاثين، فأمر عليه السلام بالإتمام مطلقا، سواء رئي الهلال قبل الزوال أم لا.

و مثل هذه الرواية رواية عبيد بن زرارة، عن الصادق عليه السلام: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان، فإن تغيّمت السماء يوما فأتمّوا العدّة» «2»، بل هذه أوضح دلالة منها، كما لا يخفى.

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 155، ح 429؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 261، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، ح 1. و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 157، ح 435؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 264، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 5، ح 10.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 506‌

و مثل الروايتين صحيحة هارون بن خارجة، قال:

قال أبو عبد الله عليه السلام: «عدّ شعبان تسعة و عشرين يوما، فإذا كانت متغيّمة فأصبح صائما، و إن كانت مصحيّة و تبصّرت و لم تر شيئا فأصبح مفطرا». «1»

و مثل هذه رواية الربيع بن ولّاد عن الصادق عليه السلام: «إذا رأيت هلال شعبان فعدّ تسعة و عشرين يوما، فإن صحت فلم تره فلا تصم، و إن تغيّمت فصم». «2»

هذا، و ربّما تؤيّدهم مؤيّدات، مثل قولهم عليهم السلام: «صلاة العيدين لا أذان فيها و لا إقامة؛ أذانها طلوع الشمس، فإذا طلعت خرجوا». «3» إلى آخره، و غير ذلك، فلاحظ مظانّها، مثل بعض مستحبّات العيد، و بعض أحكام الفطرة، و دعاء الهلال، و تأمّل هل فيها تأييد أم لا؟

حجّة القول الآخر:

حسنة إبراهيم بن هاشم أنّ الصادق عليه السلام قال: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوا بعده فهو للّيلة المستقبلة». «4»

و موثّقة ابن بكير عنه عليه السلام: «إذا رئي الهلال قبل الزوال، فذلك اليوم من شوّال، و إذا رئي بعد الزوال فهو من شهر رمضان». «5»

و تؤيّده رواية داود الرقّي عنه عليه السلام: «إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو هاهنا هلال جديد، رئي أو لم ير». «6»

و يظهر من الصدوق «7» أنّه وافق السيّد رحمه اللّه.

______________________________
(1). الكافي، ج 4، ص 77، باب الأهلّة و الشهادة عليها، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 447؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 299، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 16، ح 4.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 165، ح 469، و فيه «أصحت»؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 298، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 16، ح 2.

(3). الكافي، ج 3، ص 459، باب صلاة العيدين، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 129، ح 276؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 429، أبواب صلاة العيد، الباب 7، ح 5. و فيها: «ليس يوم الفطر و لا يوم الأضحى أذان و لا إقامة، أذانهما طلوع الشمس».

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 488.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 176، ح 489.

(6). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 333، ح 1047.

(7). انظر: الفقيه، ج 2، ص 169، ذيل الحديث 2040؛ و لا حظ ما سبق في أوّل هذه الرسالة.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 507‌

و العلّامة في المختلف قال: «الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر». «1»

و المحقّق في بعض كتبه توقّف في ذلك في الصوم، و في الفطر حكم بعدم الاعتبار. «2»

و يتوجّه على الاستدلال بهذه الأخبار أنّها ليست بصحيحة و إن كان بعضها كالصحيح؛ لأنّ كالصحيح لا يقاوم الصحيح، و ليست بصريحة في الدلالة، فلا تعارض الصحيح، و يضعّفها الأمور الخارجة.

و بالجملة، إنّها لا تقاوم أدلّة المشهور؛ لأنّ فيها الصحيح، بل الصحاح، و الكثرة فيها، بل و غاية الكثرة، بل و تواترها بلا شبهة؛ و لذا اعترف المحقّقون بالتواتر، مع أنّ هذه الأخبار قليلة.

و لموافقة ظاهر القرآن فيها و المخالفة في هذه الأخبار، و ورد في الأخبار المتواترة الأمر بما وافق القرآن، و الترك لما خالفه «3».

و القرآن قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «4» و قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «5». و تقريب الدلالة ما ذكرناه في بيان دلالة الأخبار المتواترة.

و أيضا أخبار المشهور موافقة لأصل البراءة، و لاستصحاب الفطر في أوّل الشهر و الصوم في آخره، و لاستصحاب بقاء شعبان و عدم رمضان، و أصل تأخّر الحادث، و لذا نحكم بأنّ يوم الشكّ من شعبان لا يمكننا صومه إلّا بقصد شعبان.

و لما ورد في أخبار كثيرة من قولهم: «لا تنقض اليقين بالشكّ، و إلّا باليقين» «6»، و الإجماع المنقول، كما ستعرف، و مخالفة هذه الأخبار لجمع ذلك، و الشهرة بين الأصحاب فيها و الندرة في هذه الأخبار.

______________________________
(1). مختلف الشيعة، ج 3، ص 358، المسألة 89.

(2). المعتبر، ج 2، ص 689.

(3). وسائل الشيعة، ج 27، ص 106، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

(4). البقرة (2): 187.

(5). البقرة (2): 185.

(6). تهذيب الأحكام، ج 1، ص 8، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 245، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، ح 1.

و فيهما: «و لا تنقض اليقين أبدا بالشكّ، و إنّما تنقضه بيقين آخر».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 508‌

و لموافقة تلك الأخبار للاعتبار، كما نصّ عليه في رواية «1» محمّد بن عيسى، و مخالفة هذه الأخبار للاعتبار؛ لما عرفت.

و لتصريح العلماء و العارفين بأنّه إذا كان خروج الشعاع بعد المغرب، يرى قبل الزوال البتّة، بل لا شكّ في ذلك، بل إذا كان الخروج في المغرب بل قبل المغرب أيضا، لا يرى الهلال؛ إذ الهلال اسم- لغة و عرفا- للقدر المرئي من القمر، و هو المعتبر، و ورد في الآيات «2» و الأخبار «3» الأمر بمتابعة العقل و كونه حجّة، و ورد: «عليكم بالدرايات دون الروايات» «4». و «إنّ لكلّ حقّ حقيقة، و لكلّ صواب نورا» «5» و أجمع الفقهاء على أنّ الحديث الموافق للعقل مقدّم و راجح.

بل و مخالفتها للوجدان؛ إذ كثيرا ما يرى الهلال قبل الزوال، مع أنّ الليلة السابقة الدنيا صحو، لا غيم و لا غبار أصلا و لم يره أحد، و بالعكس؛ إذ كثيرا ما يرى الهلال في الليلة الماضية إلّا أنّه ضعيف غاية الضعف، فلا يرى في الغد إلّا بعد الزوال، و ربّما قبل الزوال، و يصير الشهر ثلاثين يوما، فيلزم أن يصير أحدا و ثلاثين، و ربّما يرى بعد الزوال و يصير تسعة و عشرين.

و بالجملة، الفرق بين الجنوبي و الشمالي، و عالي الدرجة و خلافه محسوس، و مجرّد التفاوت بين [أن] يرى و لا يرى عند خروج الشعاع لا يجعل الأمر- كما في هذه الأخبار- دائما، و ذلك ظاهر بلا شبهة.

و على أيّ حال، كيف يقول المعصوم عليه السلام ما قال!؟ بل يحصل في كلامهم التدافع، مضافا إلى مخالفة الوجدان، مع أنّ موضوعات الأحكام إذا لم تكن عبادات لم تكن وظيفة الشرع، كما حقّق في محلّه.

و بالجملة، كلّ هذا مضعّف للدلالة، فلا يقاوم غير المضعّف.

______________________________
(1). تقدّمت في ص 8.

(2). سورة البقرة (2): 73، 76 و 242؛ سورة آل عمران (3): 118؛ سورة الأنعام (6): 151، و غيرها.

(3). الكافي، ج 1، ص 10، كتاب العقل و الجهل.

(4). بحار الأنوار، ج 2، ص 160، ح 12.

(5). بحار الأنوار، ج 2، ص 165، ح 25.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 509‌

على أنّ ما ذكر قرينة على أنّه عليه السلام مراده المظنّة و الظهور؛ لأنّ كلمة «إذا» من أداة الإجمال، فينصرف إلى الأفراد الغالبة، كما هو محقّق و مسلّم، و لأنّه الغالب و الأكثر كما ذكر في هذه الأخبار، فلعلّ مراده عليه السلام اعتبار ذلك في مقام اعتبار الظنّ و الظهور لا اليقين، و لذا لم يأمروا بصوم و لا فطر، بل قالوا في غير واحد من الأخبار: «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله، فلا تؤدّوا بالتظنّي» «1». و قالوا: «لا تصومنّ الشكّ، أفطر لرؤيته، و صم لرؤيته» «2».

و قالوا: «اليقين لا يدخل فيه الشكّ، صم لرؤيته» «3». إلى غير ذلك.

فعلى هذا، لو كان مراده عليه السلام الصوم و الفطر أيضا بمجرّد الرؤية قبل الزوال، فلعلّه محمول على التقيّة؛ لمناسبته لقواعد العامّة، و لهذا حمل بعض الأصحاب هذه الأخبار على التقيّة قائلا إنّه لعلّه مذهب لبعض العامّة «4».

على أنّه ورد في غير واحد من الأخبار المعتبرة السند أنّ غيبوبة الهلال بعد الشفق علامة لكونه لليلتين، و كذا التطوّق، و أنّ رؤية ظلّ الرأس علامة ثلاث ليال «5»، و هم لا يقولون بمضمون هذه الأخبار. فما يقولون في الجواب عنها فهو الجواب عن تلك الأخبار أيضا.

نعم، الصدوق رحمه اللّه في المقنع اعتبر الغيبوبة بعد الشفق، و رؤية ظلّ الرأس «6». و رواية أبي عليّ بن راشد «7» ردّ عليه، مضافا إلى الإطلاقات و العمومات و غيرهما ممّا أشرنا.

و الاحتياط واضح. و الحمد للّه.

فإن قلت: يمكن أن يكون مراد المعصوم عليه السلام أنّه [إذا] رئي الهلال قبل الزوال يكون شرعا حكمه حكم ما إذا رئي في الليلة الماضية، و إن كان خروج الشعاع بعد المغرب.

قلت: الهلال اسم للقمر الخارج عن الشعاع، أي القدر الخارج عنه المضي‌ء في الليلة الأولى و الثانية و الثالثة. و هذا أمر واقعي، و كذا قوله: «فهو لليلة الماضية» فإنّ الضمير راجع‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 160، ح 451.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 446.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 159، ح 445.

(4). مشارق الشموس، ص 468.

(5). وسائل الشيعة، ج 10، ص 281- 282، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 9، ح 2- 3.

(6). المقنع، ص 183.

(7). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 167، ح 475.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 510‌

[إلى الهلال]، و «اللام» للاختصاص، و معنى الليلة الماضية أيضا معلوم. و كلّ ذلك معان واقعيّة.

و ليس ما ذكرت من قولك: «حكمه حكمه» و كذا قولك: «شرعا» مذكورين في العبارة، و لا مدلولين لتلك العبارة لا مطابقة و لا تضمّنا و لا التزاما بحسب اللغة و لا بحسب العرف، و إن شئت فاعرض العبارة على أهل العرف حتّى يحصل اليقين بما ذكرنا.

نعم، ربّما يكون ما ذكرت تأويلا آخر و توجيها ثالثا بملاحظة ما ذكرناه من أنّه ليس كذلك بحسب الواقع- على حسب ما عرفت- على حسب ما حكم به الوجدان، و أقوال جميع العلماء و العارفين، و غير ذلك من جميع ما مرّ.

و مع ذلك، التوجيهان اللذان ذكرتهما- أعني الحمل على التقيّة أو المظنّة و الغلبة- أقرب من هذا التوجيه.

أمّا الأوّل فظهر وجهه، و أيّده جدّي رحمه اللّه «1» بإيهام المعصوم عليه السلام و كلامه كما هو عادتهم في التقيّة.

مع أنّه يظهر من رواية العبيدي «2» و رواية جرّاح «3» و صحيحة محمّد بن قيس «4»، و رواية إسحاق «5» وجود هذا القول في العامّة، بل و كونه قولا مشهورا بينهم، مع أنّ العامّة مدارهم على الظنون في الأحكام الفقهيّة رأسا و كيف كانت، سيّما في الهلال، كما هو مشاهد محسوس منهم في الأعصار و الأمصار، و ظاهر أنّه برؤية الهلال قبل الزوال يحصل ظنّ أقوى من سائر ظنونهم الّتي يعتبرونها.

و يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الصادق عليه السلام قال: «أفطرت مع السلطان، و أنا- و الله- أعلم أنّه من شهر رمضان» «6» و هذا ينادي بأنّ السلطان و الناس كانوا يبنون أمرهم على ظنّيّ، و إلّا فمن البديهيّات أنّهم ما كانوا يفطرون جهارا من غير عذر أصلا، مع أنّه لو كانوا يفعلون‌

______________________________
(1). انظر روضة المتّقين، ج 3، ص 346.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 177، ح 490.

(3). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 492.

(4). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 158، ح 440 و ص 177، ح 491.

(5). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493.

(6). وسائل الشيعة، ج 10، ص 131، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 511‌

كذلك في بعض الأحيان فيكون اعتمادهم على الظنّ أيضا بطريق الأولى كما لا يخفى.

بل ما ورد في الأخبار المتواترة من قصر الصوم في الرؤية و عدم جواز التظنّي «1» ردّ على العامّة، كما لا يخفى، و ورد في المتواتر أنّ الرشد في مخالفة العامّة، و أنّ ما ذا قدّم [فقهاؤهم] يجب تركه «2»، و هذا يقتضي الحكم بما هو مستند المشهور؛ لأنّ هذه الأخبار موافقة لهم، و مستند المشهور مخالف لهم، بل ليس إلّا ردّا عليهم.

بل يظهر من بعضها أنّ ما هو أوفق بمذهبهم و طريقتهم يجب تركه و ما إليه حكّامهم أميل و قضاتهم، و ما هو أبعد منهم يجب الأخذ به.

و أمّا الغلبة؛ فلبناء العرف غالبا على التغيير كذلك، يقول: «هذا كذا» و يريدون الغالب.

و أمّا الشرع فطريقة مكالماته طريقة العرف، أ لا ترى أنّه يقول: «المني دافق» «3» و: «الحيض أسود و الاستحاضة أصفر» «4» و «الوجه من قصاص شعر الرأس إلى الذقن» «5»، إلى غير ذلك ممّا لا يمكن إحصاؤه، يريد في كلّ ذلك أنّ الغالب كذا.

فلو قيل بأنّ مراده عليه السلام كون الهلال قبل الزوال لليلة الماضية بحسب الواقع، يلزم الكذب الصريح؛ لما عرفت- حاشاه عن ذلك- و لا شبهة في استحالته، فلا جرم إمّا هو تقيّة، أو الحكم على سبيل الغالب. و لا شكّ في أنّه إن قال صريحا: إنّه في الغالب لليلة، لم يكن إلّا إخبارا عمّا في الواقع، و لا يلزم أن يكون فيه ثمر شرعي أصلا، و على تقدير اللزوم فثمره ثمر المظنّة، كما عرفت، و لا شكّ في عدم اعتبارها، كالجدول و غيره من الظنون.

و على فرض التساوي، أيضا يكون حاله حالها. و على تقدير كونه أجود أيضا لا ينفع؛ لأنّ التوجيه و التأويل احتمال خلاف ظاهر كلام المعصوم عليه السلام، فكيف يكون حجّة!؟ إذ الحجّة إنّما هي الظاهر، بل الظهور في الجملة أيضا لا يكفي للمعارضة مع أدلّة المشهور و هي في غاية القوّة من الدلالة، على حسب ما عرفت، بل ربّما كانت قطعيّة كما عرفت، فلا بدّ أن تكون‌

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 252، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 3.

(2). الكافي، ج 1، ص 8، خطبة الكتاب.

(3). الكافي، ج 3، ص 48، باب احتلام الرجل و المرأة، ح 3.

(4). الكافي، ج 3، ص 91، باب معرفة دم الحيض ...، ح 1.

(5). الفقيه، ج 1، ص 44، ح 88.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 512‌

الدلالة هاهنا أقوى من أدلّة المشهور حتّى تغلب عليها و تقدّم عليها، مع أنّك عرفت أنّ ما ذكرت خلاف ظاهر عبارة المعصوم عليه السلام، فلا يكون حجّة قطعا، فضلا عن المقاومة، بل الاحتمال المساوي لا يمكن أن يصير دليلا بالبديهة، فكيف يصير المرجوح دليلا!؟ بل عرفت حال الرجحان، فكيف حال المرجوح!؟

على أنّا نقول: كون حكمه شرعا حكم ما إذا رئي في الليلة الماضية لا يلزم المشاركة في جميع الأحكام، بل المشاركة في الجملة كافية، و لذا لا يحكم في قولهم عليهم السلام: «الفقّاع خمر» «1»، و «تارك الصلاة كافر» «2»، و كذا «تارك الزكاة «3»، و الحجّ «4» و الجهاد [ظ]، كافر «5»» إلى غير ذلك من إطلاقاتهم التي لا تحصى المشاركة في جميع الأحكام، بل يبنون على الاحتمال.

فعلى هذا، لا يظهر من هذه الأخبار ما يعارض أدلّة المشهور، الصريحة في أنّ وجوب الصوم و الإفطار منحصر في الرؤية، فلا شكّ في أنّ المراد و المتبادر الرؤية حقيقة، لا حكم الرؤية.

و كذا الحال في ثبوت الرؤية بشهادة العدلين أو الشياع، سيّما مع صراحة بعض الأخبار «6» بعدم العبرة برؤية الهلال قبل الزوال في وجوب الإفطار و الصوم بالنسبة إلى الليلة الماضية، بل يجب الإبقاء إلى الليل.

و الباقي في غاية القوّة من الدلالة، بل لعلّه يحصّل اليقين، بل ربّما كان مراد السيّد رحمه اللّه أيضا ذلك، و لذا يحكم بكون المخالف كافرا حقيقيّا بالكفر الإسلامي، و مع ذلك لا يجري فيه جميع أحكام الكفر، بل أحكامه الظاهرة، مثل وجوب القتل و السبي و استحلال الأموال و أمثال ذلك، بل الأظهر أنّ مراده ذلك إن ثبت هذا القول منه؛ توفيقا بينه و بين تصانيفه المعروفة و أقوال الشيعة؛ لأنّه رحمه اللّه في جميع كتبه موافق للمشهور، إلّا أنّه نقل عنه أنّه قال ذلك في بعض مسائله،

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 25، ص 365، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 28.

(2). وسائل الشيعة، ج 4، ص 41، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

(3). وسائل الشيعة، ج 9، ص 34، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 4، ح 7.

(4). وسائل الشيعة، ج 11، ص 31، أبواب وجوب الحجّ، الباب 7، ح 3.

(5). وسائل الشيعة، ج 15، ص 27، أبواب جهاد العدوّ، الباب 5، ح 2.

(6). وسائل الشيعة، ج 10، ص 278، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 513‌

و قال: «إنّه مذهبنا» «1»، و الظاهر منه كونه مذهب الشيعة، و كيف يكون مذهب الشيعة، مع أنّه بنفسه لم يقل به في كتبه المعروفة!؟ فما ظنّك بغيره؛ إذ لم يوافقه أحد ممّن عاصره، و لا من تقدّم عليه، و لا من تأخّر عنه، بل ادّعوا الإجماع على خلاف ذلك!؟ و لا شكّ في أنّه في زمن السيّد رحمه اللّه لم يكن ذلك مذهب الشيعة حتّى يقول: «مذهبنا»؛ إذ لو كان كذلك، لشاركه واحد من الشيعة، بل هو ما شارك نفسه في كتبه، فتعيّن أنّ مراده رحمه اللّه إمّا ذلك، أو ما تقدّم من أنّ المراد الغالب كذا؛ لأنّ عنايته رحمه اللّه في كتبه المعروفة و عناية سائر الفقهاء إنّما هي بشأن الصوم و الفطر لا غير، و كلّهم متّفقون على حصول ظنون قويّة من الجدول أو غيره، و أنّه لا عبرة بها في الصوم و الفطر و إن جاز اعتبارها في حكاية أعمال الشهر، المستحبّة احتياطا أو غير ذلك ممّا تعتبر فيه المظنّة، و لعلّه لهذا ادّعوا الإجماع، و لم يتعرّضوا لمخالفته في بعض مسائله، و لم يعتنوا بشأنه أصلا.

و ممّا ذكرنا ظهر عدم التعارض أيضا لو كان مرادهم أنّه من الليلة الماضية بحسب الواقع؛ لأنّهم عليهم السلام جعلوا الرؤية شرطا لوجوب الصوم و الإفطار، كما صرّح به الأخبار المتواترة المعمول بها عند الفقهاء، و أنّه إن لم تتحقّق الرؤية يجب الإكمال ثلاثين يوما. فعلى هذا، تكون الرؤية من جملة الشرائط الشرعيّة، كالحضر و عدم المرض و عدم الضرر، إلى غير ذلك بالنسبة إلى الصوم و الفطر.

أ لا ترى أنه إذا حصل لمنجّم اليقين من الجدول بأنّ الليلة من الشهر، فأيّ مانع في أنّه لا يجوز و لا يحلّ الصوم و الإفطار إلّا أن تتحقّق الرؤية أو تثبت بشياع أو عدلين؟

أ لا ترى أنّ القاضي إن كان له علم من الخارج بأنّ الحقّ مع [أحد] الخصمين، وقع النزاع في أنّه هل يجوز له أن يحكم بما هو يعلم، أو لا بدّ من أن يحكم بشهادة العدلين و غيرها من الظنون الشرعيّة؟

أ لا ترى أنّ المعصوم عليه السلام إذا صرّح بما ذكرناه في حديث واحد بأن قال: إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، إلّا أنّه لا يجوز لكم- بحسب الحكم من الشرع- أن تصوموا و تفطروا بذلك، بل لا بدّ عن الصوم و الإفطار من الليلة في الليلة، لم يعدّ الكلامان متناقضين،

______________________________
(1). المسائل الناصريات، ص 291، المسألة 126.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 514‌

بل و لا يقال: إنّ بين ظاهريهما تناقض؛ لأنّ كون الليلة أوّل الشهر، و كون وجوب الصوم و الإفطار مقصورا- بحسب حكم الشرع- في الرؤية أمر آخر، مع أنّ كلمة «إذا» من أدوات الإهمال لا تفيد العموم، كما هو المسلّم و المحقّق، فيرجع إلى الغالب، فيكون المعنى أنّه كذا غالبا، و ليس له معنى سوى ذلك، و لا تأمّل لأحد في أنّ الغالب كذا، إنّما [الكلام] في أنّ الغالبة تنفع أم لا.

مع أنّك عرفت الأدلّة على عدم الاعتبار بالمظنّة، و أنّ المعتبر هو الرؤية، و ليس الرؤية قبل الزوال بالنسبة إلى الليلة الماضية من جملتها؛ لما عرفت مشروحا.

و لأنّه على هذا يكون قوله عليه السلام: «من الليلة الماضية» أو «ذلك اليوم من شوّال» أو «من شهر رمضان» لغوا لا طائل تحته، بل ينادي ذلك بأنّ العبرة بالليلة الماضية، و كونه من شوّال، و كونه من رمضان، و الليلة الماضية لم تقع فيها الرؤية، و كذا أوّل شوّال و شهر رمضان، فتأمّل جدّا.

لكنّ الظاهر- بل المتعيّن- هو ما ذكرناه أوّلا؛ تنزيها للأئمّة عليهم السلام عن الكذب، و لأنّ الظاهر أنّ اعتبار الرؤية لأجل ثبوت الشهر، فتدبّر.

و خلاصة مرجّحات مستند المشهور تواتر الخبر، و الموافقة للقرآن متكرّرا، و الأخبار المتواترة في أنّ موافق القرآن حجّة، و مخالفه ليس بحجّة «1»، مضافا إلى الأخبار المتواترة في حجّيّة القرآن «2»، مضافا إلى أنّ القرآن متواتر في نفسه، سندا و متنا.

و من المرجّحات المخالفة لمذهب العامّة، و أنّه أبعد، بل و أنّه في مقام الردّ عليهم في مقام أنّ رمضان ليس بالعدد، و اعترف الخصم بأنّ الظاهر منها كون العدد مذهبا من العامّة في ذلك الزمان «3»، و كذا في مقام عدم جواز البناء على الظنّ، كما عرفت، بل و في خصوص كون رؤية قبل الزوال لا تصير منشأ للصوم و الفطر من الحين، كما عرفت.

و من المرجّحات ما ورد في الأخبار المتواترة من أنّ ما وافق [الكتاب فهو حجّة] كما أشرت.

و من المرجّحات الأصول التي عرفت، و أدلّة كلّها يقينيّة أو ظنّيّة مسلّمة ثابتة الحجّيّة.

و من المرجّحات كونها مشهورة بين الأصحاب، بل لعلّه لم يوجد مخالف، كما عرفت، مع‌

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 27، ص 106، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

(2). الكافي، ج 1، ص 59، باب الردّ إلى الكتاب، و ص 69، باب الأخذ بالسنّة و شواهد الكتاب.

(3). الحدائق الناضرة، ج 13، ص 279.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 515‌

ما ورد من الأمر بأخذ ما اشتهر بين الأصحاب في غير واحد من الأخبار «1»، و هو أيضا من المسلّمات، سيّما مع ما فيها من التعليل الظاهر.

و من المرجّحات الموافقة للإجماع المنقول.

و من المرجّحات العدالة و الأعدليّة، مضافا إلى الأخبار الواردة في اعتبارهما، «2» و خصوصا أنّ صحاحهم في غاية الكثرة بالصحّة المتّفق عليها، و مستند الخصم ليس فيه صحيح، فضلا عن الأعدليّة، فضلا عن المقابلة بالعدد.

و من المرجّحات قوّة الدلالة، بل صراحة بعضها، و كون ما بقي قريبا من القطع إن لم نقل قطعيّ، كما عرفت.

و من المرجّحات ما ورد منهم من الأخذ بمحكمات أخبارهم دون المتشابهات «3».

و مستند الخصم فكلّ واحد ممّا ذكر يضعّفه، و يمنع عن الاحتجاج، بل عرفت أنّه لا دلالة له أصلا؛ لاحتمال أنّهم كانوا يخبرون بالواقع، كما صرّح بذلك جدّي «4» رحمه اللّه. و عرفت الوجه. أو أنّ المراد الغالب، و عرفت الوجه أيضا. أو أنّ المراد المشاركة في الجملة، و عرفت الوجه.

و ممّا ذكر ظهر سرّ ما قال جدّي رحمه اللّه مع غير واحد من المحقّقين من عدم الدلالة أصلا على وجوب الصوم و الفطر.

هذا كلّه، مع احتمال كونه واردا على التقيّة لو لم نقل: إنّه أقرب، كما عرفت.

هذا، مع أنّ كثيرا من المرجّحات حجج شرعيّة بأنفسها، و لا يكاد توجد مسألة فقهيّة [ب‍] هذه المثابة من المتانة، كما لا يخفى على من له أدنى تأمّل.

فإن قلت: الاحتمال الأخير- و هو كون المراد أنّ حكمه حكم الرؤية في الليلة الماضية شرعا- له ظهور؛ لأنّ الظاهر المشاركة في جميع الأحكام، أو الأحكام الشائعة.

قلت: من قال بأنّ مثل ذلك مجمل، لا يمكنه دعوى الظهور، و من قال بما ذكرت فقد عرفت أنّ [مدلول] الأخبار المتواترة و كلام الفقهاء أنّ الرؤية الحقيقيّة- على حسب ما‌

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 27، ص 106، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

(2). وسائل الشيعة، ج 27، ص 106، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

(3). وسائل الشيعة، ج 27، ص 115، أبواب صفات القاضي، الباب 9، ح 22.

(4). روضة المتّقين، ج 3، ص 346.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 516‌

عرفت- شرط، لا الحكميّة، بل صريح بعضها ذلك، مثل رواية العبيدي «1» و ما ماثلها.

و أمّا الروايات المتواترة فقد عرفت دلالتها على ذلك أيضا، و كذا الإجماع و غيره.

على أنّه يحتمل أن يكون شرطا، فمع الاحتمال لا يمكن الاستدلال؛ إذ لعلّ حكم الليلة الماضية بالنسبة إلى الصوم و الفطر هو تلك الرؤية، كما اتّفق عليه الفقهاء من دون ظهور خلاف، بل ظهور عدم الخلاف كما عرفت، و اتّفقت عليه الأدلّة المذكورة التي لا يمكن التأمّل فيها.

فما صدر عن قليل من علماء أمثال زماننا ليس إلّا محض الغفلة، كما تنادي بذلك كلماتهم، فلاحظ و تأمّل. مع [أنّ هذا] الاحتمال مجرّد احتمال، بل الظاهر مرجوحيّته بالنسبة إلى الاحتمالين الآخرين، كما لا يخفى على الفطن.

ثمّ اعلم أنّ صاحب الوافي قال: يجب حمل رواية المدائني على خصوص ما بعد الزوال؛ حملا للمطلق على المقيّد. «2»

و فيه: أنّ ذلك موقوف على التقاوم و التكافؤ سندا، و قد عرفت المرجّحات للمطلق، و المضعّفات للمقيّد؛ إذ لا حدّ لها و لا إحصاء، بل لا يبقى بعد ذلك تسامح لما ذكره.

و أمّا المتن فلا بدّ من التكافؤ أيضا، بل كون المقيّد أقوى حتّى يقدّم على المطلق، و معلوم أنّ الأمر هنا بالعكس، بل و أيّ نسبة بينهما؟ لأنّ المطلق موافق للقرآن في موضعين، و للفتاوي، بل الإجماع و الأخبار المتواترة، بل و صريح بعضها إلى غير ذلك ممّا ذكرنا.

و أمّا المقيّد فمع مخالفته للجميع غير واضح الدلالة. و لو سلّم أن يكون فيها دلالة، ففي غاية الضعف.

و مع ذلك لو كان المراد من المطلق هو المقيّد، لكان التقييد ب‍ «نهار» لغوا بحسب الظاهر؛ لأنّ المتعارف الرؤية بالنهار لا بالليل، و مع ذلك كان حكمه من بديهيّات الدين في زمان النقي عليه السلام، فكيف بعده بمئات [السنين]! و النساء و الأطفال كانوا يعرفون أنّ بالرؤية المتعارفة لا يمكن الإفطار من الحين، بل لا بدّ من الإتمام إلى الليل، فأيّ حاجة إلى التنبيه على مثل هذا البديهي من دون التعرّض لحال قبل الزوال الذي هو محلّ الإشكال و هو المحتاج إلى التعرّض؟ و يظهر من غير واحد من الأخبار أنّه هو الذي كان محلّ إشكالهم، و كانوا يتعرّضون‌

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 279، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، ح 4.

(2). الوافي، ج 11، ص 148، ح 10584، باب فرض الصيام، ذيل الحديث 4.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 517‌

له في مقام الجواب و السؤال، بل البديهة حاكمة بأنّه كان داخلا في الجواب على أيّ حال.

و يظهر من الكلّ غاية الظهور وجود هذا القول- أي كون الرؤية قبل الزوال من الليلة الماضية- في ذلك الزمان، و لذا كثر التعرّض لذكره في الجواب و السؤال.

و من العجائب أنّه استدلّ بصحيحة محمّد بن قيس «1»، و رواية إسحاق بن عمّار «2» على مراده «3» مخالفا لما فعله الفقهاء من زمن الشيخ إلى الآن في الاستدلال بهما أيضا على مراد الصوم. و عرفت الوجه، و أنّ الحقّ معهم.

و نزيدك بالنسبة إلى رواية إسحاق أنّ المعصوم عليه السلام صرّح في صدر الرواية أنّه إذا غمّ في تسع و عشرين لا يجوز صوم الغد، و نهى عنه مطلقا، و جعل جواز الصوم مقصورا و منحصرا في الرؤية، و معلوم أنّ المراد من هذه الرؤية الرؤية المتعارفة [و] لا تشمل رؤية قبل الزوال أيضا؛ لما عرفت مشروحا، و لذكر «وسط النهار»، و لذكر «فإن شهد» إلى آخره، على حسب ما عرفت في صحيحة ابن قيس، فهذا يدلّ على مرادهم.

و لم يظهر من قوله عليه السلام: «و إذا رأيته»- إلى آخره- ما يخالف ذلك؛ و ذلك لأنّه يحتمل احتمالات:

الأوّل: ما هو بالنظر إلى ظاهر لفظ الحديث، و هو أنّه منع عن الصوم من تقييد و تخصيص، و لم يظهر أنّ الراوي كان يعلم جوازه بقصد شعبان، إلّا أنّه ما كان يعلم جوازه بقصد رمضان، و كان سؤاله عن الثاني خاصّة، و إلّا فهو كان عارفا بالأوّل البتّة؛ إذ لا شكّ في عدم ظهور ذلك من الرواية لو لم نقل بظهور العدم؛ لأنّ علم الراوي بجواز خصوص شعبان بلا تأمّل و عدم علمه بجواز رمضان بعيد جدّا، بل ربّما لا يتلائمان؛ لأنّ جواز شعبان يستلزم عدم جواز رمضان؛ إذ مع جواز رمضان و كونه منه يكون واجبا البتّة؛ إذ الوجوب لازم صوم رمضان بالضرورة من الدين، كما أنّ الاستحباب لازم صوم شعبان، و الواجب لا يجوز تركه، فكيف يجوز شعبان حينئذ، سيّما و أن يكون بحيث لا تأمّل للراوي فيه، و يكون متحيّرا في جواز صوم رمضان!؟ فتأمّل جدّا.

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 278، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، ح 1.

(2). وسائل الشيعة، ج 10، ص 278، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8، ح 3.

(3). الحدائق الناضرة، ج 13، ص 285- 286.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 518‌

مع أنّ الأصل العدم، و ليس ذلك من ضروريّات الدين، سيّما في ذلك الوقت حتّى نقول:

إنّ المعصوم عليه السلام اكتفى بذلك، كيف و صوم يوم الشكّ معركة للآراء بين المسلمين أنّه هل يجوز أم لا؟ و على تقدير الجواز هل يجوز بقصد شعبان، أو بقصد رمضان، أو متردّدا، أو لا يجوز بعض منه؟! و ما ذكرناه يظهر من الأخبار أيضا، و أنّهم كانوا يستشكلون فيسألون، فربّما أجيبوا بمرّ الحقّ، و ربّما أجيبوا بالتقيّة.

و بالجملة، الأخبار أيضا مضطربة فيما ذكرناه، و لعلّ عدم تعرّض المعصوم عليه السلام للقيد بناء على ذلك؛ و أنّه عليه السلام ما كان يرى المصلحة في التعرّض. فمع سماع الراوي النهي المطلق كيف يتأتّى منه الصيام!؟ لأنّه فرع قصد الامتثال. و مع ذلك، النهي في العبادة يقتضي الفساد، فكيف يفرض المعصوم عليه السلام أنّه صام صوما صحيحا حتّى يقول: أتمّ الصوم!؟ و كيف يقول له: لا تصم، لكن أتمّه بعد ما اتّفق أنّك رأيت الهلال!؟ فقبل الرؤية كيف يتحقّق الصوم؟!

و أيضا قوله عليه السلام: «فإن شهد فاقض» ظاهر في أنّه ما صام كما اقتضاه نهيه المطلق؛ لأنّ القضاء تدارك ما فات، و كونه صام بقصد رمضان لا يجمع مع نهيه قطعا، فكيف يفرض المعصوم عليه السلام صومه بعد ما نهاه عن الصوم بقصد رمضان على أيّ تقدير!؟ و مع ذلك، كيف يصير الفاسد صحيحا بمجرّد الرؤية، بل يصير تتمّة للصوم الصحيح، و لا شكّ في فساده؟!

و قوله عليه السلام: «أتمّ الصوم» صريح في أنّه صام، و هذا إتمام الصوم و عدم قطعه، لا أنّه إنشاؤه و إحداثه من أوّل الأمر، فبعد قوله عليه السلام: «إن كنت صمت قبله» لا بدّ منه قطعا، و لا شكّ في أنّ المراد إن كنت صمت على نهج الشرع؛ لما عرفت، و الصوم على نهج الشرع لا يتصوّر مع النهي المطلق، و البناء على أنّ الراوي كان يعلم قد علمت فساده، فينحصر عند الراوي في صوم آخر رمضان.

إلّا أن يقال: الظاهر كونه صوم يوم الشكّ.

ففيه أنّه لا يتصوّر إلّا أن يكون إمّا بقصد شعبان، و هو خلاف ظاهر الحديث على النهج الذي قرّر و إن كان ظاهرا من جهة كونه صوم الثلاثين.

و على هذا إمّا أن يكون المراد الإتمام كما هو بحاله و بحسب ما صامه من دون تغيير و تبديل، كما هو الظاهر من قول: «فأتمّ صومه إلى الليل» و هذا هو المطابق لما في آخر الرواية، و هو قوله: «يعني أنّه» إلى آخره، كما مرّ.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 519‌

و لعلّه كلام الراوي، مفهوما من المعصوم عليه السلام، كما قلنا، و صرّح بذلك بعض «1» المحقّقين.

و يؤيّده ذكر ذلك في التهذيب «2» و الاستبصار «3» جمعا. و يؤيّده أيضا أنّهم في مقام العدول كانوا يظهرون، و ما كانوا يكتفون بالأمر بالإتمام، كما لا يخفى على المطّلع.

مع أنّ الشيخ هو الذي استدلّ به، فكيف يقول: معناه كذا، في مقام استدلاله؟ فتأمّل جدّا.

مع أنّه عليه السلام لم يقل: أتمّ صومك، بل قال: «صومه». و الضمير- الهاء- راجع إلى شعبان أو إلى النهار، و المفروض أنّه محسوب من شعبان، فيصير المعنى: أتمّ صوم شعبان، يعني على أنّه شعبان؛ إذ إتمام شعبان ليس معناه النقل إلى ضدّ شعبان، بل انقلاب شعبان إلى ضدّه، مضافا إلى أنّ النقل خلاف الأصل.

فلعلّ المراد أنّه لا يحتاج إلى تحرّ و عدول إلى صوم آخر، و هو كونه من رمضان، أو رفع اليد عن الصوم السابق و إحداث صوم لاحق.

أو أنّ المراد على سبيل الاستحباب المؤكّد؛ إذا كون المراد من «وسط النهار» خصوص ما قبل الزوال- بحيث لا يدخل فيه شي‌ء ممّا بعد الزوال لو مدّ قبله [كذا]- فيه ما فيه.

و لعلّ المراد الرجحان، و إظهار كون وسط النهار حاله واحدا و على حدّ سواء.

و [الثاني]: يحتمل كون المراد وجوب الإتمام بعدول القصد، و جعل النيّة من رمضان، و يكون المراد من وسط النهار خصوص ما قبل الزوال، كما ذكره في الوافي. «4»

و من العجائب أنّه جعل وسط النهار في صحيحة ابن قيس خصوص ما بعد الزوال «5»، مع أنّه عليه السلام تعرّض لذكر آخر النهار، و أنّ من جملة البديهيّات عدم التفاوت فيما بعد على حسب ما مرّ، و في المقام جعله خصوص ما قبل.

و [الثالث]: يحتمل أن يكون قوله عليه السلام: إن كنت صمت صحيحا- المقدّر- إشارة إلى صوم يوم الثلاثين من رمضان، على حسب ما عرفت.

______________________________
(1). مشارق الشموس، ص 468.

(2). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 178، ح 493، باب علامة أوّل شهر رمضان ...، ذيل الحديث 65.

(3). الاستبصار، ج 2، ص 73، ح 224، باب حكم الهلال إذا رئي قبل الزوال ...، ذيل الحديث 4.

(4). الوافي، ج 11، ص 120- 121، ح 10525، باب علامة دخول الشهر ...، ذيل الحديث 9.

(5). الوافي، ج 11، ص 121- 122، ح 10527، باب علامة دخول الشهر ...، ذيل الحديث 11.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 520‌

و يؤيّده عدم لزوم خلاف الظاهر من جهة «أتمّه»، و من جهة «وسط النهار»، و غير ذلك.

و يؤيّده أيضا ملاحظة بعض الأخبار الأخر. «1» و كيف كان، لم يظهر من الذيل ما يخالف الصدر؛ لأنّ كلّ ذلك احتمال و إن لم نقل: إنّ خير الاحتمالات أوسطها.

و ممّا يضعّف الاحتمال الأخير فهم المشايخ و استدلالهم.

و يضعّفه- بل يمنع من التمسّك به- جميع ما ذكرناه في الروايات المتضمّنة لكون الهلال الذي يرى قبل الزوال فهو لليلة الماضية، فلاحظ و تأمّل.

و ممّا يضعّفه و يؤيّد الأوسط أنّ الأمر إذا ورد بعد الحظر لا يفيد سوى رفع المنع، كما حقّق في محلّه، فتأمّل في الدلالة. مع أنّه على هذا يضرّك مفهوم قوله: «و إذا رأيته» إلى آخره؛ إذ مقتضاه أنّه إذا لم ير وسط النهار، لا يتمّه.

و أجاب عن هذا بأنّ الرؤية بعد الزوال تجعله من الليلة المستقبلة، بدلالة صحيحة ابن قيس و غيرها، و أمّا قبل وسط النهار فيظهر حكمه بطريق أولى؛ لأنّ وسط النهار أخفى. «2»

و فيه: أنّ الراوي لو كان مطّلعا على صحيحة ابن قيس و غيرها و معتمدا عليها، فلم يسأل عن صوم يوم الشكّ؟ و لم أجيب مفصّلا مشروحا؟ و كيف يكون فهمه ممّا ذكر و من طريق أولى على حسب ما ذكرت!؟ مع أنّ وسط النهار، في صحيحة ابن قيس جعلته بعد الزوال خاصّة مع ذكر آخر النهار و في هذه لم يذكر آخر النهار.

[و] على هذا، كيف يفهم أنّ المراد من «وسط» في هذه الرواية خصوص قبل الزوال بدلالة صحيحة ابن قيس، من أين إلى أين؟

و ما ذكرت من الفهم بطريق أولى؛ لأنّه أخفى، ففيه: أنّ الراوي إن لم يكن مطّلعا على الأخبار المفصّلة، فقد عرفت أنّه لا يفهم تفاوتا أصلا، سيّما قبل الزوال بدقيقة بالنسبة إلى بعده بدقيقة.

و إن كان مطّلعا، فمع ما عرفت من المفسدة يفهم عدم التفاوت أيضا أصلا، كما لا يخفى.

مع أنّه على ما ذكرت كان المناسب أن يذكر حال ما لو أفطر قبل الرؤية وسط النهار.

و من العجائب أنّه جعله مدلولا للرواية «3»، كما هو ظاهر كلامه. و فيه ما فيه.

______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 278، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 8.

(2). الوافي، ج 11، ص 120- 121، ح 10525، باب علامة دخول الشهر ...، ذيل الحديث 9.

(3). الوافي، ج 11، ص 120- 121، ح 10525، باب علامة دخول الشهر، ذيل الحديث 9.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 521‌

(13) اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال

________________________________________
مختارى، رضا و صادقى، محسن، رؤيت هلال، 5 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق