الطبقات الكبرى - (2 / 169)
(سرية علي بن أبي طالب رحمه الله إلى اليمن يقال مرتين)
ثم سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن يقال مرتين إحداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وقال امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فخرج في ثلاثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك وجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله وجمع علي الغنائم فجزأها على خمسة أجزاء فكتب في سهم منه لله وأقرع عليها فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم علي على أصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر
تاريخ الطبري، ج 3،ص:132
سريه على بن ابى طالب الى اليمن
قال: وفيها وجه رسول الله ص على بن ابى طالب في سريه الى اليمن في رمضان فحدثنا ابو كريب ومحمد بن عمرو بن هياج، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الازجى، قال: حدثنا ابراهيم بن يوسف، عن ابيه، عن ابى إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: بعث
تاريخ الطبري، ج 3،ص:132
سنه 10 رسول الله ص خالد بن الوليد الى اهل اليمن يدعوهم الى الاسلام فكنت فيمن سار معه، فأقام عليه سته اشهر لا يجيبونه الى شيء، فبعث النبي ص على بن ابى طالب، وامره ان يقفل خالدا ومن معه، فان اراد احد ممن كان مع خالد بن الوليد ان يعقب معه تركه.
قال البراء: فكنت فيمن عقب معه، فلما انتهينا الى اوائل اليمن، بلغ القوم الخبر، فجمعوا له، فصلى بنا على الفجر، فلما فرغ صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله واثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله ص، فاسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك الى رسول الله ص، فلما قرأ كتابه خر ساجدا، ثم جلس، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان! ثم تتابع اهل اليمن على الاسلام
المغازي - (1 / 453)
سرية على بن أبي طالب عليه السلام إلى اليمن
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب عليه السلام في رمضان سنة عشر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعسكر بقباء، فعسكر بها حتى تتام أصحابه، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لواء، أخذ عمامةً فلفها مثنية مربعة فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه وقال: هكذا اللواء! وعممه عمامةً، ثلاثة أكوار، وجعل ذراعاً بين يديه وشبراً من ورائه، ثم قال: هكذا العمة!
المغازي - (1 / 454)
قال: فحدثني أسامة بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع، قال: لما وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: امض ولا تلتفت! فقال علي عيه السلام: يا رسول الله، كيف أصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فر تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً، فإن قتلوا منكم قتيلاً فلا تقاتلهم، تلومهم ترهم أناه، ثم تقول لهم: هل لكم إلى أن تقولوا لا إله إلا الله؟ فإن قالوا نعم فقل: هل لكم أن تصلوا؟ فإن قالوا نعم فقل: هل لكم أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردونها على فقرائكم؟ فإن قالوا نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك. والله، لأن يهدي الله علي يدك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت! قال: فخرج في ثلاثمائة فارس، فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد، فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد - وهي أرض مذحج - فرق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك. فجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقاهم جمع، ثم لقي جمعاً فدعاهم إلى الإسلام وحرض بهم، فأبوا ورموا في أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمى فتقدم به، فبرز ورجل من مذحجٍ يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن الخزاعي السلمى، فتجاولا ساعة وهما فارسان، فقتله الأسود وأخذ سلبه. ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائماً، فكف عن طلبهم ودعاهم إلىالإسلام، فسارعوا وأجابوا، وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام، فسارعوا وأجابوا، وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله! قال: فحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، قال: وجمع علي عليه السلام ما أصاب من تلك الغنائم فجزأها خمسة أجزاء؛ فأقرع عليهان فكتب في سهم منها لله فخرج أول السهام سهم الخمس، ولم ينفل أحداً من الناس شيئاً. فكان من قبله يعطون أصحابهم الحاضر دون غيرهم من الخمس. ثم يخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فر يرده عليهم، فطلبوا ذلك من علي عليه السلام فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى فيه رأيه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافي الموسم، ونلقاه ويصنع فيها ما أراه الله. فانصرف راجعاً، وحمل الخمس وساق معه ما كان ساق، فلما كان بالفتق تعجل. وخلف على أصحابه والخمس أبا رافع، فكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن، أحمال معكومة، ونعم تساق مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم.
قال أبو سعيد الخدري وكان معه في تلك الغزوة قال: وكان علي عليه السلام ينهانا أن نركب على إبل الصدقة؛ فسأل أصحاب علي عليه السلام أبا رافع أن يكسوهم ثياباً فكساهم ثوبين ثوبين. فلما كانوا بالسدرة داخلين مكة، خر علي عليه السلام يتلقاهم ليقدم بهم فينزلهم، فرأى علي أصحابنا ثوبين ثوبين على كل رجل، فعرف الثياب فقال لأبي رافع: ما هذا؟ قال: كلموني ففرقت من شكايتهم، وظننت أن هذا يسهل عليك، وقد كان من كان قبلك يفعل هذا بهم. فقال رأيت إبائي عليهم ذلك! وقد أعطيتهم، وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت، فتعطيهم! قال: فأبى علي عليه السلام أن يفعل ذلك حتى جرد بعضهم من ثوبيه، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا، فدعا علياً فقال: ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم؟ قسمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى يقدم عليك وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أموراً، ينفلون من أرادوا من الخمس، فرأيت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك. فسكت النبي صلى الله عليه
المغازي - (1 / 455)
لما ظهر علي عليه السلام على عدوه ودخلوا في الإسلام، جمع ماغنم واستعمل عليه بريدة بن الحصيب، وأقام بين أظهرهم، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره أنه لقى جمعاً من زبيد وغيرهم، وأنه دعاهم إلى الإسلام وأعلمهم أنهم إن أسلموا كف عنهم، فأبوا ذلك وقاتلهم. قال علي عليه السلام: فرزقني الله الظفر عليهم حتى قتل منهم من قبل. ثم أجابوا إلى ما كان عرض عليهم، فدخلوا في الإسلام وأطاعوا بالصدقة، وأتى بشر منهم للدين، وعلمهم قراءة القرآن. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافيه في الموسم، فانصرف عبد لله بن عمرو بن عوف إلى علي عليه السلام بذلك.
قال: فحدثني سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن يونس بن ميسرة ابن حليس، قال: لما قدم علي بن أبي طالب عليه السلام اليمن خطب به، وبلغ كعب الأحبار قيامه بخطبته، فأقبل على راحلته في حلة، معه حبر من أحبار اليهود، حتى استمعا له فواقفاه، وهو يقول: إن من الناس من يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار. قال كعب: صدق! فقال علي: وفيهم من لايبصر بالليل ولا يبصر بالنهار. فقال كعب: صدق! فقال علي عليه السلام: ومن يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة. فقال كعب: صدق! فقال الحبر: وكيف تصدقه؟ قال: أما قوله: " من الناس من يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار " فهو المؤمن بالكتاب الأول ولا يومن بالكتاب الآخر.
وأما قوله: منهم من ريبصر بالليل ولا يبصر بالنهار فهو الذي لا يؤمن بالكتاب الأول ولا الآخر. وأما قوله: من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة فهو ما يقبل الله من الصدقات. قال: وهو مثل رأيته بين! قالوا: وجاء كعباً سائل فأعطاه حلته، ومضى الحبر مغضباً؟ ومثلت بين يدي كعب امرأة تقول: من يبادل راحلةً براحلة؟ فقال كعب: وزيادة حلة؟ قالت نعم! فأخذ كعب وأعطى، وركب الراحلة ولبس الحلة، وأسرع السير حتى لحق الحبر وهو يقول: من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة! قال: فحدثني إسحاق بن عبد الله بن نسطاس، عن عمرو بن عبد الله العبسي، قال: قال كعب الأحبار: لما قدم علي عليه السلام اليمن، لقيته فقلت: أخبرني عن صفة محمد. فجعل يخبرني عنه، وجعلت أتبسم فقال: مم تتبسم فقلت: مما يوافق ما عندنا من صفته. فقال: ما يحل وما يحرم، فقلت: فهو عندنا كما وصفت! وصدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به. ودعوت من قبلنا من أحبارنا، وأخرجت إليهم سفراً فقلت: هذا كان أبي يختمه على ويقول: لا تفتحه حتى تسمع بنبى يخرج بيثرب. قال: فأقمت باليمن على إسلامي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه، فقدمت في خلافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وياليت أني كنت تقدمت في الهجرة!