تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات (ص: 91)
فإن قيل: إذا كان مذهب الحنفية وكثير من العلماء المحققين على عدم السماع فما فائدة السلام على الأموات وكيف صحة (2) مخاطبتهم عند السلام؟
قلت: لم أجد فيما بين يدي الآن من كتبهم جوابهم عن ذلك ولا بد أن تكون لهم أجوبة عديدة فيما هنالك والذي يخطر في الذهن ويتبادر إلى الخاطر والفهم أنهم لعلهم أجابوا بأن ذلك أمر تعبدي وبأنا نسلم سرا في آخر صلاتنا إذا كنا مقتدين وننوي بسلامنا الحفظة والإمام وسائر المقتدين مع أن هؤلاء القوم لا يسمعونه لعدم الجهر به فكذا ما نحن فيه. (3) على أن السلام هو الرحمة للموتى وننزلهم منزلة المخاطبين السامعين وذلك شائع في العربية كما لا يخفى على العارفين فهذه العرب تسلم على الديار وتخاطبها على بعد المزار (4)
(1) يعني كلام الطحطاوي
(2) كذا الأصل ولعل الصواب " صحت "
(3) قلت: ومن هذا القبيل قول الضرير في حديثه المشهور: " يا محمد إني توجهت بك إلى ربي. . . " الحديث وهو مخرج في رسالتي " التوسل " (ص 67 - 68) . وهذا إذا افترض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعيدا أو غائبا عنه لا يسمعه وأما إذا كان ذلك في حضوره صلى الله عليه وسلم فلا إشكال
(4) قلت: ومن ذلك مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم الهلال حين يراه بقوله: ". . . ربنا وربك الله " ونحوه مما جاء في عدة أحاديث مخرجة في " المشكاة " (2428 و 2451) و " الكلم الطيب " (ص 91 / 161) و " الصحيحة " (1816) . و " الضعيفة " (1506)
ومثله ما روي عن ابن عمر مرفوعا: " كان إذا سافر فأقبل الليل قال: يا ارض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك. . . " الحديث وقد صححه بعضهم لكن في إسناده جهالة كما بينته في " الكلم الطيب " (99 / 180) و " المشكاة " (3439 - التحقيق الثاني)
وفي ذلك كله رد قوي على قول ابن القيم في " الروح " (ص 8) وقد ذكر السلام على الأموات -:
فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال
قال: " وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويرد "
وكأنه رحمه الله لم يستحضر خطاب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في التشهد: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " خلفه في المدينة وبعيدا عنه في سائر البلاد بحيث لو خاطبوه بذلك جهرا لم يسمعهم صلى الله عليه وسلم فضلا عن جمهور المسلمين اليوم وقبل اليوم الذي يخاطبونه بذلك أفيقال: إنه يسمعهم؟ أو أنه من المحال السلام عليه وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ وكذلك لم يستحضر رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية في توجيه هذا السلام ونحوه فقال في " الاقتضاء " (ص 416) وقد ذكر حديث الأعمى المشار إليه آنفا:
وقوله:
يا محمد " هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادي في القلب فيخاطب لشهوده بالقلب كما يقول المصلي: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " والإنسان يفعل هذا كثيرا يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من سمع الخطاب "