تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات (ص: 37)
نعمان بن محمود الألوسي (المتوفى: 1317هـ)
أدلة المخالفين:
فإن قيل: يظهر من النقول التي ستأتي في الرسالة عن العلماء أن المسألة خلافية فلا بد أن المخالفين فيها أدلة استندوا إليها
فأقول: لم أر فيها من صرح بأن الميت يسمع سماعا مطلقا عاما كما كان شأنه في حياته ولا أظن عالما يقول به وإنما رأيت بعضهم يستدل بأدلة يثبت بها سماعا لهم في الجملة وأقوى ما استدلوا به سندا حديثان:
الأول: حديث قليب بدر المتقدم وقد عرفت مما سبق بيانه أنه خاص بأهل القليب من جهة وأنه دليل على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون من جهة أخرى وأن سماعهم كان خرقا للعادة فلا داعي للإعادة
والآخر: حديث: " إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا ". وفي رواية " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع
[37]
نعالهم أتاه ملكان. . . " الحديث (انظر ص 55، 56، 57، 82) من " الآيات "
وهذا كما ترى خاص بوقت وضعه في قبره ومجيء الملكين إليه لسؤاله " فلا عموم فيه وعلى ذلك حمله العلماء كابن الهمام وغيره كما سيأتي في " الآيات " (ص 56، 59، 73)
ولهم من هذا النوع أدلة أخرى ولكن لا تصح أسانيدها وفي أحدها التصريح بأن الموتى يسمعون السلام عليهم من الزائر وسائرها ليس في السماع وبعضها خاص بشهداء أحد وكلها ضعيفة وبعضها أشد ضعفا من بعض كما ستراه في التعليق (ص 69)
وأغرب ما رأيت لهم من الأدلة قول ابن القيم رحمه الله في " الروح " (ص 8) تحت المسألة الأولى: هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟ فأجاب بكلام طويل جاء فيه ما نصه:
ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرا ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائرا فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال: زاره () هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم وكذلك السلام عليهم أيضا فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال () وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار
وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد وإن لم يسمع المسلم الرد "
أقول وبالله تعالى التوفيق:
رحم الله ابن القيم فما كان أغناه من الدخول في مثل هذا الاستدلال العقلي الذي لا مجال له في أمر غيبي كهذا فوالله لو أن ناقلا نقل هذا
[38]
الكلام عنه ولم أقف أنا بنفسي عليه لما صدقته لغرابته وبعده عن الأصول العلمية والقواعد السلفية التي تعلمناها منه ومن شيخه الإمام ابن تيمية فهو أشبه شيء بكلام الآرائيين والقياسيين الذين يقيسون الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق وهو قياس باطل فاسد طالما رد ابن القيم أمثاله على أهل الكلام والبدع ولهذا وغيره فإني في شك كبير من صحة نسبة " الروح " إليه أو لعله ألفه في أول طلبه للعلم. والله أعلم
ثم إن كلامه مردود في شطريه بأمرين:
تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات (ص: 91)
وفي ذلك كله رد قوي على قول ابن القيم في " الروح " (ص 8) وقد ذكر السلام على الأموات -:
فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال
قال: " وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويرد "
وكأنه رحمه الله لم يستحضر خطاب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في التشهد: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " خلفه في المدينة وبعيدا عنه في سائر البلاد بحيث لو خاطبوه بذلك جهرا لم يسمعهم صلى الله عليه وسلم فضلا عن جمهور المسلمين اليوم وقبل اليوم الذي يخاطبونه بذلك أفيقال: إنه يسمعهم؟ أو أنه من المحال السلام عليه وهو لا يشعر بهم ولا يعلم؟ وكذلك لم يستحضر رحمه الله قول شيخ الإسلام ابن تيمية في توجيه هذا السلام ونحوه فقال في " الاقتضاء " (ص 416) وقد ذكر حديث الأعمى المشار إليه آنفا:
وقوله:
يا محمد " هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادي في القلب فيخاطب لشهوده بالقلب كما يقول المصلي: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " والإنسان يفعل هذا كثيرا يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من سمع الخطاب "
[الصفحة 95]
موسوعة الألباني في العقيدة (3/ 757)
[252] باب تحقيق أن الموتى لا يسمعون
[قال الإمام في مقدمة تحقيق "الآيات البينات في عدم سماع الأموات "الآلوسي]:
اعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله عز وجل, فلا يجوز الخوض فيه بالأقيسة والآراء, وإنما يوقف فيه مع النص إثباتاً ونفياً, وسترى المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر في الفصل الأول كلام الحنفية في أنهم لا يسمعون, وفي الفصل الثاني نقل عن غيرهم مثله, وحكى عن غير هؤلاء أنهم يسمعون, وليس يهمني أن هؤلاء قلة وأولئك الكثرة فالحق لا يعرف بالكثرة ولا بالقلة وإنما بدليله الثابت في الكتاب والسنة مع التفقه فيهما وهذا ما أنا بصدده إن شاء الله تعالى؛ فأقول:
موسوعة الألباني في العقيدة (3/ 785)
نقول: أولئك المشركين في القليب سمعوا قول الرسول عليه السلام، لكن ما كان يجري حولهم من أحاديث الصحابة وحينما قال عمر: يا رسول الله! إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها، ما نقول أنهم سمعوا قول عمر؛ لأن سماعهم لقول الرسول معجزة للرسول فيوقف عندها، كذلك في هذا الحديث يسمع الميت قرع نعالهم وفقط، وما نزيد على ذلك لسببين اثنين:
أولًا: أنه خلاف الأصل، أن الموتى لا يسمعون، ثانيًا وأخيرًا: أن الأمور الغيبية، وهذا من الغيب في البرزخ لا يتوسع فيها أبدًا، والحق الوقوف عند النص وعدم التزيد عليه