تفسير ابن كثير ط العلمية (6/ 291)
فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (52) وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (53) الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (54)
[سورة الروم (30) : الآيات 52 الى 53]
فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (52) وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (53)
يقول تعالى: كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون وهم مع ذلك مدبرون عنك، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق وردهم عن ضلالتهم بل ذلك إلى الله، فإنه تعالى بقدرته يسمع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء وليس ذلك لأحد سواه، ولهذا قال تعالى: إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون أي خاضعون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتبعونه وهذا حال المؤمنين، والأول مثل الكافرين، كما قال تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون [الأنعام: 36] .
وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية فإنك لا تسمع الموتى على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر بعد ثلاثة أيام ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم، حتى قال عمر: يا رسول الله ما تخاطب من قوم قد جيفوا؟
فقال «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون» «1» وتأولته عائشة على أنه قال «إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق» «2» . وقال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعا وتوبيخا ونقمة.
والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا «ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام» .
[سورة الروم (30) : آية 54]
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (54)
ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالا بعد حال، فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، ثم يصير عظاما، ثم تكسى العظام لحما، وينفخ فيه الروح، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفا واهن القوى، ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرا، ثم حدثا ثم مراهقا شابا. وهو القوة بعد الضعف، ثم يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم، وهو
__________
(1) أخرجه مسلم في الجنة حديث 77، والنسائي في الجنائز باب 117، وأحمد في المسند 1/ 72، 3/ 104، 172، 220، 263.
(2) أخرجه أحمد في المسند 6/ 170.
الكتاب: تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)
المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
المحقق: محمد حسين شمس الدين
الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة: الأولى - 1419 هـ
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]
مختصر تفسير ابن كثير (2/ 59)
فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (52) وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (53)
- 52 - فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعآء إذا ولوا مدبرين
- 53 - ومآ أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون
يقول تعالى: كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها، ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون، كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق وردهم عن ضلالتهم، بل ذلك إلى الله فإنه تعالى بقدرته يسمع الأموات إذا شاء، ويهدي من يشآء، ويضل من يشاء، وليس ذلك لأحد سواه، ولهذا قال تعالى: {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} أي خاضعون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذين يسمعون الحق ويتبعونه، وهذا حال المؤمينين، والأول مثل الكافرين، كما قال تعالى: {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون}، وقد تواترت الآثار (أورد ابن كثير عن ابن أبي الدنيا آثارا كثيرة عن السلف الصالح تدل على اجتماع أرواح الموتى واستبشارهم بزيارة أخوانهم وأقربائهم لهم وأنهم يحسون ويشعرون بذلك ويأنسون بزيارة الأحياء، وقد ضربنا صفحا عنها خشية الإطالة) بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر؛ فروى ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم»، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام» وقد شرع السلام على الموتى، والسلام على من لم يشعر ولا يعلم بالمسلم محال، وقد علم النبي صلى اله عليه وسلم أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنآ إن شآء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، فهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد وإن لم يسمع المسلم الرد، والله أعلم.