حروف مقطعه در لسان العرب






لسان العرب، ج‏1، ص: 10
باب تفسير الحروف المقطعة
روى ابن عباس رضي الله عنهما في الحروف المقطعة، مثل الم* ... المص ... المر و غيرها، ثلاثة أقوال: أحدها أن قول الله عز و جل: الم* أقسم بهذه الحروف أن هذا الكتاب، الذي أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم، هو الكتاب الذي من عند الله عز و جل لا شك فيه، قال هذا في قوله تعالى: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه؛ و القول الثاني عنه: إن الر* ... حم ... ن اسم الرحمن مقطع في اللفظ، موصول في المعنى؛ و القول الثالث عنه إنه قال: الم ذلك الكتاب، قال: الم معناه أنا الله أعلم و أرى.
و
روى عكرمة في قوله: الم ذلك قال: الم قسم‏
؛ و
روي عن السدي قال: بلغني عن ابن عباس أنه قال: الم* اسم من أسماء الله و هو الاسم الأعظم‏
؛ و
روى عكرمة عن ابن عباس: الر* و الم* و حم* حروف معرقة «1» أي بنيت معرفة، قال أني فحدثت به الاعمش فقال: عندك مثل هذا و لا تحدثنا به!
و
روي عن قتادة قال: الم* اسم من أسماء القرآن، و كذلك حم* و يس*، و جميع ما في القرآن من حروف الهجاء في أوائل السور.
و سئل عامر عن فواتح القرآن، نحو حم* و نحو ص و الم* و الر*. قال: هي اسم من أسماء الله مقطعة بالهجاء، إذا وصلتها كانت اسما من أسماء الله. ثم قال عامر، الرحمن «2». قال: هذه فاتحة ثلاث سور، إذا جمعتهن كانت اسما من أسماء الله تعالى.
و
روى أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب و حكيم بن عمير و راشد بن سعد «3» قالوا: المر و المص و الم* و أشباه ذلك، و هي ثلاثة عشر حرفا، إن فيها اسم الله الأعظم.
و
روي عن ابي العالية في قوله: الم* قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة و العشرين حرفا ليس فيها حرف إلا و هو مفتاح اسم من أسماء الله، و ليس فيها حرف إلا و هو في آلائه و بلائه، و ليس فيها حرف إلا و هو في مدة قوم و آجالهم.
قال و قال عيسى بن عمر: أعجب أنهم ينطقون بأسمائه و يعيشون في رزقه كيف يفكرون به:
فالالف مفتاح اسمه الله، و لام مفتاح اسمه لطيف، و ميم مفتاح اسمه مجيد. فالالف آلاء الله، و اللام لطف الله، و الميم مجد الله، و الالف واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون.
و
روي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: الم* آية، و حم* آية.
و
روي عن أبي عبيدة أنه قال: هذه الحروف المقطعة حروف الهجاء، و هي افتتاح كلام و نحو ذلك.
قال الأخفش: و دليل ذلك أن الكلام الذي ذكر قبل السورة قد تم.
__________________________________________________
(1) قوله «حروف معرفة الخ» كذا بالأصول التي بأيدينا و لعل الأولى مفرقة.
(2) الرحمن «قال هذا الخ» كذا بالنسخ التي بأيدينا و المناسب لما بعده أن تكتب مفرقة هكذا الر* ... حم* ... ن قال هذه فاتحة ثلاث الخ.
(3) قوله «و راشد بن سعد» في نسخة و رائد بن سعد.


لسان العرب، ج‏1، ص: 11
و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: في كهيعص هو كاف، هاد، يمين، عزيز، صادق‏
؛ جعل اسم اليمين مشتقا من اليمن، و سنوسع القول في ذلك في ترجمة يمن إن شاء الله تعالى.
و زعم قطرب أن الر* و المص و الم* و كهيعص و ص و ق و يس و ن، حروف المعجم لتدل أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التي هي: حروف ا ب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، و جاء تمامها مؤلفا ليدل القوم، الذين نزل عليهم القرآن، أنه بحروفهم التي يعقلونها لا ريب فيه.
قال، و لقطرب وجه آخر في الم*: زعم أنه يجوز أن يكون لما لغا القوم في القرآن فلم يتفهموه حين قالوا: «لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه» أنزل عليهم ذكر هذه الحروف لأنهم لم يعتادوا الخطاب بتقطيع الحروف، فسكتوا لما سمعوا الحروف طمعا في الظفر بما يحبون، ليفهموا، بعد الحروف، القرآن و ما فيه، فتكون الحجة عليهم أثبت، إذا جحدوا بعد تفهم و تعلم.
و قال أبو اسحق الزجاج: المختار من هذه الأقاويل ما
روي عن ابن عباس و هو: أن معنى الم* أنا الله أعلم‏
، و أن كل حرف منها له تقسير. قال: و الدليل على ذلك أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة التي هو منها، و أنشد:
قلت لها قفي فقالت ق‏

فنطق بقاف فقط تريد أقف. و أنشد أيضا:
ناديتهم أن ألجموا ألا تا! قالوا، جميعا، كلهم: ألا فا!
قال تفسيره: نادوهم أن ألجموا أ لا تركبون؟ قالوا جميعا: ألا فاركبوا؛ فإنما نطق بتاء و فاء كما نطق الاول بقاف.
و قال: و هذا الذي اختاروه في معنى هذه الحروف، و الله أعلم بحقيقتها.
و
روي عن الشعبي أنه قال: لله عز و جل، في كل كتاب، سر، و سره، في القرآن، حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور.
و أجمع النحويون: أن حروف التهجي، و هي الالف و الباءو التاء و الثاء و سائر ما في القرآن منها، أنها مبنية على الوقف، و أنها لا تعرب. و معنى الوقف أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها، فالنطق بها: الم*.
و الدليل على أن حروف الهجاء مبنية على السكت، كما بني العدد على السكت، أنك تقول فيها بالوقوف «1»، مع الجمع، بين ساكنين، كما تقول، إذا عددت واحد اثنان ثلاثة أربعة، فتقطع ألف اثنين، و الف اثنين ألف وصل، و تذكر الهاء في ثلاثة و أربعة؛ و لو لا أنك تقدر السكت لقلت ثلاثة، كما تقول ثلاثة يا هذا، و حقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر.
و شرح هذه الحروف و تفسيرها: إن هذه الحروف ليست تجري مجرى الأسماء المتمكنة و الأفعال المضارعة التي يجب لها الإعراب، فإنما هي تقطيع الاسم المؤلف الذي لا يجب الإعراب إلا مع كماله، فقولك جعفر لا يجب أن تعرب منه الجيم و لا العين و لا الفاء و لا الراء دون تكميل الأمم؛ و إنما هي حكايات‏
__________________________________________________
(1) في نسخة بالوقف.


لسان العرب، ج‏1، ص: 12
وضعت على هذه الحروف، فإن أجريتها مجرى الأسماء و حدثت عنها قلت: هذه كاف حسنة، و هذا كاف حسن؛ و كذلك سائر حروف المعجم، فمن قال: هذه كاف أنث بمعنى الكلمة، و من ذكر فلمعنى الحرف، و الإعراب وقع فيها لأنك تخرجها من باب الحكاية. قال الشاعر:
كافا و ميمين و سينا طاسما

و قال آخر:
كما بينت كاف تلوح و ميمها «1»

فذكر طاسما لأنه جعله صفة للسين، و جعل السين في معنى الحرف، و قال كاف تلوح فأنث الكاف لأنه ذهب بها إلى الكلمة. و إذا عطفت هذه الحروف بعضها على بعض أعربتها فقلت: ألف و باء و تاء و ثاء إلى آخرها و الله أعلم.
و قال أبو حاتم: قالت العامة في جمع حم* و طس طواسين و حواميم. قال: و الصواب ذوات طس و ذوات حم* و ذوات الم*. و قوله تعالى يس كقوله عز و جل الم* و حم* و أوائل السور.
و
قال عكرمة معناه يا إنسان، لأنه قال: إنك لمن المرسلين.
و قال ابن سيده: الالف و الاليف حرف هجاء. و قال الأخفش هي من حروف المعجم مؤنثة و كذلك سائر الحروف. و قال: و هذا كلام العرب، و إذا ذكرت جاز.
و قال سيبويه: حروف المعجم كلها تذكر و تؤنث كما أن الإنسان يذكر و يؤنث.
قال: و قوله عز و جل الم* و المص و المر.
قال الزجاج: الذي اخترنا في تفسيرها
قول ابن عباس: إن الم* أنا الله أعلم؛ و المص أنا الله أعلم و أفصل؛ و المر أنا الله أعلم و أرى.
قال بعض النحويين: موضع هذه الحروف رفع بما بعدها أو ما بعدها رفع بها. قال: المص كتاب، ف كتاب مرتفع ب المص؛ و كأن معناه المص حروف كتاب أنزل اليك. قال: و هذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب، فقوله: الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم، يدل على أن الم رافع لها على قوله، و كذلك يس و القرآن الحكيم، و كذلك حم عسق، كذلك يوحي إليك، و قوله حم و الكتاب المبين إنا أنزلناه، فهذه الأشياء تدل على أن الأمر على غير ما ذكر. قال و لو كان كذلك أيضا لما كان الم* و حم* مكررين.
قال و قد أجمع النحويون على أن قوله عز و جل كتاب أنزل إليك مرفوع بغير هذه الحروف، فالمعنى هذا كتاب أنزل إليك.
و دكر الشيخ أبو الحسن علي الحرالي شيئا في خواص الحروف المنزلة أوائل السور و سنذكره في الباب الذي يلي هذا في ألقاب الحروف.
__________________________________________________
(1) قوله «كما بينت الخ» في نسخة كما بنيت.


لسان العرب، ج‏1، ص: 13
باب ألقاب الحروف و طبائعها و خواصها
قال عبد الله محمد بن المكرم: هذا الباب أيضا ليس من شرطنا لكني اخترت ذكر اليسير منه، و إني لا.
أضرب صفحا عنه ليظفر طالبه منه بما يريد، و ينال الإفادة منه من يستفيد، و ليعلم كل طالب أن وراء مطلبه مطالب أخر، و أن لله تعالى في كل شي‏ء سرا له فعل و أثر. و لم أوسع القول فيه خوفا من انتقاد من لا يدريه.
ذكر ابن كيسان في ألقاب الحروف: أن منها المجهور و المهموس؛ و معنى المجهور منها أنه لزم موضعه إلى انقضاء حروفه، و حبس النفس أن يجري معه، فصار مجهورا لأنه لم يخالطه شي‏ء يغيره، و هو تسعة عشر حرفا: الالف و العين و الغين و القاف و الجيم و الباء و الضاد و اللام و النون و الراء و الطاء و الدال و الزاي و الظاء و الذال و الميم و الواو و الهمزة و الياء؛ و معنى المهموس منها أنه حرف لان مخرجه دون المجهور، و جرى معه النفس، و كان دون المجهور في رفع الصوت، و هو عشرة أحرف: الهاء و الحاء و الخاء و الكاف و الشين و السين و التاء و الصاد و الثاء و الفاء؛ و قد يكون المجهور شديدا، و يكون رخوا، و المهموس كذلك.
و قال الخليل بن أحمد: حروف العربية تسعة و عشرون حرفا منها خمسة و عشرون حرفا صحاح، لها أحياز و مدارج، و أربعة أحرف جوف: الواو و الياء و الالف اللينة و الهمزة، و سميت جوفا لأنها تخرج من الجوف، فلا تخرج في مدرجة من مدارج الحلق، و لا مدارج اللهاة، و لا مدارج اللسان، و هي في الهواء، فليس لها حيز تنسب إليه إلا الجوف.
و كان يقول: الالف اللينة و الواو و الياء هوائية أي إنها في الهواء. و أقصى الحروف كلها العين، و أرفع منها الحاء، و لو لا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها منها، ثم الهاء، و و لو لا هتة في الهاء، و قال مرة اخرى ههة في الهاء، لأشبهت الحاء لقرب مخرجها منها، فهذه الثلاثة في حيز واحد، و لهذه الحروف ألقاب أخر؛ الحلقية: العين و الهاء و الحاء و الخاء و الغين؛ اللهوية: القاف و الكاف؛ الشجرية: الجيم و الشين و الضاد، و الشجر مفرج الفم؛ الاسلية: الصاد و السين و الزاي، لأن مبدأها من أسلة اللسان و هي مستدق طرفه؛ النطعية: الطاء و الذال و التاء، لأن مبدأها من نطع الغار الأعلى؛ اللثوية: الظاء و الدال و الثاء، لأن مبدأها من اللثة؛ الذلقية: الراء و اللام و النون؛ الشفوية: الفاء و الباء و الميم، و قال مرة شفهية؛ الهوائية: الواو و الالف و الياء. و سنذكر في صدر كل حرف أيضا شيئا مما يخصه.
و أما ترتيب كتاب العين و غيره، فقد قال الليث بن المظفر: لما أراد الخليل بن أحمد الابتداء في كتاب العين أعمل فكره فيه، فلم يمكنه أن يبتدئ في أول حروف المعجم، لأن الالف حرف معتل، فلما فاته أول الحروف كره ان يجعل الثاني أولا، و هو الباء، إلا بحجة و بعد استفصاء، فدبر و نظر إلى الحروف كلها و ذاقها، فوجد مخرج الكلام كله من الخلق، فصير أولاها، في الابتداء أدخلها في الحلق.
و كان إذا أراد أن يذوق الحروف فتح فاء بألف ثم أظهر الحروف ثم يقول: اب ات اث اج اع، فوجد العين أقصاها في الحلق، و أدخلها، فجعل أول الكتاب العين؛ ثم ما قرب مخرجه منها بعد العين الأرفع‏


لسان العرب، ج‏1، ص: 14
فالأرفع، حتى أتى على آخر الحروف، فقلب الحروف عن مواضعها، و وضعها على قدر مخرجها من الحلق.
و هذا تأليفه و ترتيبه: العين و الحاء و الهاء و الخاء و الغين و القاف و الكاف و الجيم و الشين و الضاد و الصاد و السين و الزاي و الطاء و الدال و التاء و الظاء و الذال و الثاء و الراء و اللام و النون و الفاء و الباء و الميم و الياء و الواو و الالف.
و هذا هو ترتيب المحكم لابن سيده، إلا أنه خالفه في الأخير، فرتب بعد الميم الالف و الياء و الواو.
و لقد أنشدني شخص بدمشق المحروسة أبيانا، في ترتيب المحكم، هي أجود ما قيل فيها:
عليك حروفا هن خير غوامض، قيود كتاب، جل، شأنا، ضوابطه‏
صراط سوي، زل طالب دحضه، تزيد ظهورا ذا ثبات روابطه‏
لذلكم نلتذ فوزا بمحكم، مصنفه، ايضا، يفوز و ضابطه‏
و قد انتقد هذا الترتيب على من رتبه. و ترتيب سيبويه على هذه الصورة: الهمزة و الهاء و العين و الحاء و الخاء و الغين و القاف و الكاف و الضاد و الجيم و الشين و اللام و الراء و النون و الطاء و الدال و التاء و الصاد و الزاي و السين و الظاء و الذال و الثاء و الفاء و الباء و الميم و الياء و الالف و الواو.
و أما تقارب بعضها من بعض و تباعدها، فان لها سرا، في النطق، يكشفه من تعناه، كما انكشف لنا سره في حل المترجمات، لشدة احتياجنا إلى معرفة ما يتقارب بعضه من بعض، و يتباعد بعضه من بعض، و يتركب بعضه مع بعض، و لا يتركب بعضه مع بعض؛ فإن من الحروف ما يتكرر و يكثر في الكلام استعماله، و هو: ا ل م ه و ي ن؛ و منها ما يكون تكراره دون ذلك، و هو: ر ع ف ت ب ك د س ق ح ج، و منها ما يكون تكراره أقل من ذلك، و هو: ظ غ ط ز ث خ ض ش ص ذ. و من الحروف ما لا يخلو منه أكثر الكلمات، حتى قالوا: إن كل كلمة ثلاثية فصاعدا لا يكون فيها حرف أو حرفان منها، فليست بعربية، و هي ستة أحرف: د ب م ن ل ف؛ و منها ما لا يتركب بعضه مع بعض، إذا اجتمع في كلمة، إلا أن يقدم، و لا يجتمع، إذا تأخر، و هو: ع ه، فإن العين إذا تقدمت تركبت، و إذا تأخرت لا تتركب؛ و منها ما لا يتركب، إذا تقدم، و يتركب، إذا تأخر، و هو: ض ج، فإن الضاد إذا تقدمت «1» تركبت، و إذا تأخرت لا تتركب في أصل العربية؛ و منها ما لا يتركب بعضه مع بعض لا إن تقدم و لا إن تأخر، و هو: س ث ض ز ظ ص، فاعلم ذلك.
و أما خواصها: فإن لها أعمالا عظيمة تتعلق بأبواب جليلة من أنواع المعالجات، و أوضاع الطلسمات، و لها نفع شريف بطبائعها، و لها خصوصية بالأفلاك المقدسة و ملائمة لها، و منافع لا يحصيها من يصفها، ليس هذا موضع ذكرها، لكنا لا بد أن تلوح بشي‏ء من ذلك، ننبه على مقدار نعم الله تعالى على من كشف له سرها، و علمه علمها، و أباح له التصرف بها. و هو أن منها ما هو حار يابس طبع النار، و هو:
الالف و الهاء و الطاء و الميم و القاء و الشين و الذال، و له خصوصية بالمثلثة النارية؛ و منها ما هو بارد يابس طبع التراب، و هو: الباء و الواو و الياء و النون و الصاد و التاء و الضاد، و له خصوصية بالمثلثة الترابية؛ و منها ما هو حار رطب طبع الهواء، و هو: الجيم و الزاي و الكاف و السين و القاف و الثاء و الظاء، و له‏
__________________________________________________
(1) قوله «فإن الضاد إذا تقدمت الخ»، الأولى في التفريع أن يقال فإن الجيم إذا تقدمت لا تتركب و إذا تأخرت تتركب و إن كان ذلك لازما لكلامه.


لسان العرب، ج‏1، ص: 15
خصوصية بالمثلثة الهوائية؛ و منها ما هو بارد رطب طبع الماء، و هو: الدال و الحاء و اللام و العين و الراء و الخاء و الغين، و له خصوصية بالمثلثة المائية.
و لهذه الحروف في طبائعها مراتب و درجات و دقائق و ثوان و ثوالث و روابع و خوامس يوزن بها الكلام، و يعرف العمل به علماؤه؛ و لو لا خوف الإطالة، و انتقاد ذوي الجهالة، و بعد أكثر الناس عن تأمل دقائق صنع الله و حكمته، لذكرت هنا أسرارا من أفعال الكواكب المقدسة، إذا مازجتها الحروف نخرق عقول من لا اهتدى إليها، و لا هجم به تنقيبه و بحثه عليها. و لا انتقاد علي في قول ذوي الجهالة، فإن الزمخشري، رحمه الله تعالى، قال في تفسير قوله عز و جل: و جعلنا السماء سقفا محفوظا، و هم عن آياتها معرضون، قال: عن آياتها أي عما وضع الله فيها من الأدلة و العبر، كالشمس و القمر، و سائر النيرات، و مسايرها و طلوعها و غروبها على الحساب القويم، و الترتيب العجيب، الدال على الحكمة البالغة و القدرة الباهرة.
قال و أي جهل أعظم من جهل من أعرض عنها، و لم يذهب به وهمه إلى تدبرها و الاعتبار بها، و الاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، و دبرها و نصبها هذه النصبة، و أودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو جلت قدرته، و لطف علمه. هذا نص كلام الزمخشري رحمه الله.
و ذكر الشيخ أبو العباس أحمد البوني رحمه الله قال: منازل القمر ثمانية و عشرون منها أربعة عشر فوق الأرض؛ و منها أربعة عشر تحت الأرض. قال: و كذلك الحروف: منها أربعة عشر مهملة بغير نقط، و أربعة عشر معجمة بنقط، فما هو منها غير منقوط، فهو أشبه بمنازل السعود، و ما هو منها منقوط، فهو منازل النحوس و الممتزجات؛ و ما كان منها له نقطة واحدة، فهو أقرب إلى السعود؛ و ما هو بنقطتين، فهو متوسط في النحوس، فهو الممتزج، و ما هو بثلاث نقط، فهو عام النحوس.
هكذا وجدته.
و الذي نراه في الحروف أنها ثلاثة عشر مهملة و خمسة عشر معجمة، إلا أن يكون كان لهم اصطلاح في النقط تغير في وقتنا هذا.
و أما المعاني المنتفع بها من قواها و طبائعها فقد ذكر الشيخ أبو الحسن علي الحرالي و الشيخ أبو العباس احمد البوني و البعلبكي و غيرهم، رحمهم الله، من ذلك ما اشتملت عليه كتبهم من قواها و تأثيراتها، و مما قيل فيها أن تتخذ الحروف اليابسة و تجمع متواليا، فتكون متقوية لما يراد فيه تقوية الحياة التي تسميها الأطباء الغريزية، أو لما يراد دفعه من آثار الأمراض الباردة الرطبة، فيكتبها، أو يرقي بها، أو يسقيها لصاحب الحمى البلغمية و المفلوج و الملووق. و كذلك الحروف الباردة الرطبة، إذا استعملت بعد تتبعها، و عولج بها رقية، أو كتابة أو سقيا، من به حمى محرقة، أو كتبت على ورم حار، و خصوصا حرف الحاء لأنها، في عالمها، عالم صورة. و إذا اقتصر على حرف منها كتب بعدده، فيكتب الحاء مثلا ثماني مرات، و كذلك ما تكتبه من المفردات تكتبه بعدده. و قد شاهدنا نحن ذلك في عصرنا، و رأينا، من معلمي الكتابة و غيرهم، من يكتب على خدود الصبيان، إذا تورمت، حروف أبجد بكمالها، و يعتقد أنها مفيدة، و ربما أفادت، و ليس الأمر كما اعتقد، و إنما لما جهل أكثر الناس طبائع الحروف، و رأوا ما يكتب منها، ظنوا الجميع أنه مفيد، فكتبوها كلها.


لسان العرب، ج‏1، ص: 16
و شاهدنا أيضا من يقلقه الصداع الشديد و يمنعه القرآن «1»، فيكتب له صورة لوح، و على جوانبه تاءات أربع، فيبرأ بذلك من الصداع. و كذلك الحروف الرطبة إذا استعملت رقى، أو كتابة، أو سقيا، قوت المنة و أدامت الصحة و قوت على الباه؛ و إذا كتبت للصغير حسن نباته، و هي أوتار الحروف كلها؛ و كذلك الحروف الباردة اليابسة، إذا عولج بها من نزف دم بسقي، أو كتابة، أو بخور، و نحو ذلك من الأمراض. و قد ذكر الشيخ محيي الدين بن العربي، في كتبه، من ذلك، جملا كثيرة. و قال الشيخ علي الحرالي رحمه الله: إن الحروف المنزلة أوائل السور وعدتها، بعد إسقاط مكررها، أربعة عشر حرفا، و هي: إنها يقتصر بها على مداواة السموم، و تقاوم السموم بأضدادها، فيسقى للدغ العقرب حارها، و من نهشة الحية باردها الرطب، أو نكتب له؛ و تجري المحاولة، في الأمور، على نحو من الطبيعة، فتسقى الحروف الحارة الرطبة للتفريح و إذهاب الغم؛ و كذلك الحارة اليابسة لتقوية الفكر و الحفظ، و الباردة اليابسة للثبات و الصبر، و الباردة الرطبة لتيسير الأمور و تسهيل الحاجات و طلب الصفح و العفو.
و قد صنف البعلبكي في خواص الحروف كتابا مفردا، و وصف لكل حرف خاصية يفعلها بنفسه، و خاصية بمشاركة غيره من الحروف على أوضاع معينة في كتابه، و جعل لها نفعا بمفردها على الصورة العربية، و نفعا بمفردها، إذا كتبت على الصورة الهندية، و نفعا بمشاركتهما في الكتابة؛ و قد اشتمل من العجائب على ما لا يعلم مقداره إلا من علم معناه.
و أما أعمالها في الطلسمات فإن لله سبحانه و تعالى فيها سرا عجيبا، و صنعا جميلا، شاهدنا صحة أخبارها، و جميل آثارها.
و ليس هذا موضع الإطالة بذكر ما جربناه منها و رأيناه من التأثير عنها، فسبحان مسدي النعمة، و مؤتي الحكمة، العالم بمن خلق، و هو اللطيف الخبير.
__________________________________________________
(1) قوله «القرآن» كذا بالنسخ و لعل الأظهر القرار.


لسان العرب، ج‏1، ص: 17
حرف الهمزة
نذكر، في هذا الحرف، الهمزة الأصلية، التي هي لام الفعل؛ فاما المبدلة من الواو نحو العزاء، الذي أصله عزاو، لأنه من عزوت، أو المبدلة من الياء نحو الإباء، الذي أصله إباي، لأنه من أبيت، فنذكره في باب الواو و الياء، و نقدم هنا الحديث في الهمزة.
قال الأزهري: اعلم أن الهمزة لا هجاء لها، إنما تكتب مرة ألفا و مرة ياء و مرة واوا؛ و الألف اللينة لا حرف لها، إنما هي جزء من مدة بعد فتحة. و الحروف ثمانية و عشرون حرفا مع الواو و الألف و الياء، و تتم بالهمزة تسعة و عشرين حرفا. و الهمزة كالحرف الصحيح، غير أن لها حالات من التليين و الحذف و الإبدال و التحقيق تعتل، فألحقت بالأحرف المعتلة الجوف، و ليست من الجوف، إنما هي حلقية في أقصى الفم؛ و لها ألقاب كألقاب الحروف الجوف، فمنها همزة التأنيث، كهمزة الحمراء و النفساء و العشراء و الخشاء، و كل منها مذكور في موضعه؛ و منها الهمزة الأصلية في آخر الكلمة مثل:
الحفاء و البواء و الوطاء و الطواء؛ و منها الوحاء و الباء و الداء و الإيطاء في الشعر. هذه كلها همزها أصلي؛ و منها همزة المدة المبدلة من الياء و الواو: كهمزة السماء و البكاء و الكساء و الدعاء و الجزاء و ما أشبهها؛ و منها الهمزة المجتلبة بعد الألف الساكنة نحو: همزة وائل و طائف، و في الجمع نحو كتائب و سرائر؛ و منها الهمزة الزائدة نحو: همزة الشمأل و الشأمل و الغرقى‏ء؛ و منها الهمزة التي تزاد لئلا يجتمع- ساكنان نحو: اطمأن و اشمأز و ازبأر و ما شاكلها؛ و منها همزة الوقفة في آخر الفعل لغة لبعض دون بعض نحو قولهم للمرأة: قولئ، و للرجلين قولأ، و للجميع قولؤ؛ و إذا وصلوا الكلام لم يهمزوا، و يهمزون لا إذا وقفوا عليها؛ و منها همزة التوهم، كما روى الفراء عن بعض العرب أنهم يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز. قال: و سمعت امرأة من غني تقول: رثأت زوجي بأبيات، كأنها لما سمعت رثأت اللبن ذهبت إلى أن مرثية الميت منها. قال: و يقولون لبأت بالحج و حلأت السويق، فيغلطون لأن حلأت يقال في دفع العطشان عن الماء، و لبأت يذهب بها اللبا. و قالوا: استنشأت الريح و الصواب استنشيت، ذهبوا به إلى قولهم نشأ السحاب؛ و منها الهمزة الأصلية الظاهرة نحو همز الخب‏ء و الدف‏ء و الكف‏ء و العب‏ء و ما أشبهها؛ و منها اجتماع همزتين في كلمة واحدة نحو همزتي الرثاء و الحاوئاء؛ و اما الضياء فلا يجوز همز يائه، و المدة الأخيرة فيه همزة أصلية من ضاء يضوء ضوءا. قال أبو العباس أحمد بن يحيى فيمن همز ما ليس بمهموز:
و كنت أرجي بئر نعمان، حائرا، فلوأ بالعينين و الأنف حائر
أراد لوى، فهمز، كما قال:
كمشترئ بالحمد ما لا يضيره‏


لسان العرب، ج‏1، ص: 18
قال أبو العباس: هذه لغة من يهمز ما ليس بمهموز، قال: و الناس كلهم يقولون، إذا كانت الهمزة طرفا، و قبلها ساكن، حذفوها في الخفض و الرفع، و أثبتوها في النصب، إلا الكسائي وحده، فإنه يثبتها كلها.
قال و إذا كانت الهمزة وسطى أجمعوا كلهم على أن لا تسقط.
قال و اختلف العلماء بأي صورة تكون الهمزة، فقالت طائفة: نكتبها بحركة ما قبلها و هم الجماعة؛ و قال أصحاب القياس: نكتبها بحركة نفسها؛ و احتجت الجماعة بأن الخط ينوب عن اللسان.
قال و إنما يلزمنا أن نترجم بالخط ما نطق به اللسان. قال أبو العباس و هذا هو الكلام.
قال: و منها اجتماع الهمزتين بمعنيين و اختلاف النحويين فيها. قال الله عز و جل: أ أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. من القراء من يحقق الهمزتين فيقرأ أ أنذرتهم، قرأ به عاصم و حمزة و الكسائي، و قرأ أبو عمرو آ أنذرتهم مطولة؛ و كذلك جميع ما أشبهه نحو قوله تعالى: آ أنت قلت للناس، آ ألد و أنا عجوز، آ إله مع الله؛ و كذلك قرأ ابن كثير و نافع و يعقوب بهمزة مطولة، و قرأ عبد الله بن أبي إسحق آ أنذرتهم بألف بين الهمزتين، و هي لغة سائرة بين العرب، قال ذو الرمة:
تطاللت، فاستشرفته، فعرفته، فقلت له: آ أنت زيد الأرانب؟
و أنشد أحمد بن يحيى:
خرق اذا ما القوم أجروا فكاهة تذكر آ إياه يعنون أم قردا؟
و قال الزجاج: زعم سيبويه أن من العرب من يحقق الهمزة و لا يجمع بين الهمزتين، و إن كانتا من كلمتين. قال: و أهل الحجاز لا يحققون واحدة منها.
و كان الخليل يرى تخفيف الثانية، فيجعل الثانية بين الهمزة و الألف و لا يجعلها ألفا خالصة. قال:
و من جعلها ألفا خالصة، فقد أخطأ من جهتين: إحداهما أنه جمع بين ساكنين، و الأخرى أنه أبدل من همزة متحركة، قبلها حركة، ألفا، و الحركة الفتح. قال: و إنما حق الهمزة، إذا تحركت و انفتح ما قبلها، أن نجعل بين بين، أعني بين الهمزة و بين الحرف الذي منه حركتها، فتقول في سأل سأل، و في رؤف رؤف، و في بئس بئس، و هذا في الخط واحد، و إنما نحكمه بالمشافهة.
قال: و كان غير الخليل يقول في مثل قوله «فقد جاء أشراطها» أن تخفف الأولى.
قال سيبوبه: جماعة من العرب يقرأون: فقد جاء أشراطها، يحققون الثانية و يخففون الأولى. قال و إلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء.
قال: و أما الخليل، فإنه يقرأ بتحقيق الأولى و تخفيف الثانية.
قال: و إنما اخترت تخفيف الثانية لاجتماع الناس على بدل الثانية في قولهم: آدم و آخر، لأن الأصل في آدم أأدم، و في آخر أأخر.


لسان العرب، ج‏1، ص: 19
قال الزجاج: و قول الخليل أقيس، و قول أبي عمرو جيد أيضا.
و أما الهمزتان، إذا كانتا مكسورتين، نحو قوله: على البغاء إن أردن تحصنا؛ و إذا كانتا مضمومتين نحو قوله: أولياء أولئك، فإن أبا عمرو يخفف الهمزة الأولى منهما، فيقول: على البغاء إن، و أولياء أولئك، فيجعل الهمزة الأولى في البغاء بين الهمزة و الياء و يكسرها، و يجعل الهمزة في قوله: أولياء أولئك، الأولى بين الواو و الهمزة و يضمها.
قال: و جملة ما قاله في مثل هذه ثلاثة أقوال: أحدها، و هو مذهب الخليل، أن يجعل مكان الهمزة الثانية همزة بين بين، فإذا كان مضموما جعل الهمزة بين الواو و الهمزة. قال: أولياء أولئك، على البغاء إن؛ و أما أبو عمرو فيقرأ على ما ذكرنا؛ و أما ابن أبي إسحق و جماعة من القراء، فإنهم يجمعون بين الهمزتين؛ و أما اختلاف الهمزتين نحو قوله تعالى: كما آمن السفهاء ألا، فأكثر القراء على تحقيق الهمزتين؛ و أما أبو عمرو، فإنه يحقق الهمزة الثانية في رواية سيبويه، و يخفف الأولى، فيجعلها بين الواو و الهمزة، فيقول: السفهاء ألا، و يقرأ من في السماء أن، فيحقق الثانية؛ و أما سيبويه و الخليل فيقولان:
السفهاء و لا، يجعلان الهمزة الثانية واوا خالصة. و في قوله تعالى: أ أمنتم من في السماء ين، ياء خالصة، و الله اعلم.
قال و مما جاء عن العرب في تحقيق الهمز و تليينه و تحويله و حذفه، قال أبو زيد الأنصاري: الهمز على ثلاثة أوجه: التحقيق و التخفيف و التحويل. فالتحقيق منه أن تعطى الهمزة حقها من الإشباع، فإذا أردت أن تعرف إشباع الهمزة، فاجعل العين في موضعها، كقولك من الخب‏ء: قد خبأت لك بوزن خبعت لك، و قرأت بوزن قرعت، فأنا أخبع و أقرع، و أنا خابع و خابئ و قارئ نحو قارع، بعد تحقيق الهمزة بالعين، كما وصفت لك؛ قال: و التخفيف من الهمز إنما سموه تخفيفا لأنه لم يعط حقه من الإعراب و الإشباع، و هو مشرب همزا، تصرف في وجوه العربية بمنزلة سائر الحروف التي تحرك، كقولك:
خبات و قرات، فجعل الهمزة ألفا ساكنة على سكونها في التحقيق، إذا كان ما قبلها مفتوحا، و هي كسائر الحروف التي يدخلها التحريك، كقولك: لم يخبإ الرجل، و لم يقرإ القرآن، فكسر الألف من يخبإ و يقرإ لسكون ما بعدها، فكأنك قلت لم يخبيرجل و لم يقريلقرآن، و هو، يخبو و يقرو، فيجعلها واوا مضمومة في الإدراج؛ فان وقفتها جعلتها ألفا غير أنك تهيئها للضمة من غير أن تظهر ضمتها، فتقول: ما أخبأه و أقرأه، فتحرك الألف بفتح لبقية ما فيها من الهمزة كما وصفت لك؛ و أما التحويل من الهمز، فإن تحول الهمز إلى الياء و الواو، كقولك: قد خبيت المتاع فهو مخبي، فهو يخباه، فاعلم، فيجعل الياء ألفا حيث كان قبلها فتجة نحو ألف يسعى و يخشى لأن ما قبلها مفتوح.
قال: و تقول رفوت الثوب رفوا، فحولت الهمزة واوا كما ترى، و تقول لم يخب عني شيئا فتسقط موضع اللام من نظيرها من الفعل للإعراب، و تدع ما بقي على حاله متحركا؛ و تقول ما أخباه، فتسكن الألف المحولة كما أسكنت الألف من قولك ما أخشاه و أسعاه.
قال: و من محقق الهمز قولك للرجل: يلؤم، كأنك قلت يلعم، إذا كان بخيلا، و أسد يزئر كقولك يزعر؛ فإذا أردت التخفيف قلت للرجل: يلم، و للأسد يزر على أن القيت الهمزة من قولك يلؤم و يزئر، و حركت ما قبلها بحركتها على الضم و الكسر، إذا كان ما قبلها- ساكنا؛ فإذا أردت‏


لسان العرب، ج‏1، ص: 20
تحويل الهمزة منها قلت الرجل يلوم فجعلتها واوا ساكنة لأنها تبعت ضمة، و الأسد يزير فجعلتها ياء للكسرة قبلها نحو يبيع و يخيط؛ و كذلك كل همزة تبعت حرفا ساكنا عدلتها إلى التخفيف، فإنك تلقيها و تحرك بحركتها الحرف الساكن قبلها، كقولك للرجل: سل، فتحذف الهمزة و تحرك موضع الفاء من نظيرها من الفعل بحركتها، و أسقطت ألف الوصل، إذ تحرك ما بعدها، و إنما يجتلبونها للإسكان، فإذا تحرك ما بعدها لم يحتاجوا إليها. و قال رؤية:
و انت يا با مسلم وفيتا

ترك الهمزة، و كان وجه الكلام: يا أبا مسلم، فحذف الهمزة، و هي أصلية، كما قالوا لا أب لك، و لا أبا لك، و لا با لك، و لاب لغيرك، و لا با لشانئك. و منها نوع آخر من المحقق، و هو قولك من رأيت، و أنت تأمر: إرأ، كقولك إرع زيدا، فإذا أردت التخفيف قلت: رزيدا، فتسقط ألف الوصل لتحرك ما بعدها.
قال ابو زيد: و سمعت من العرب من يقول: يا فلان نويك على التخفيف، و تحقيقه نؤيك، كقولك إبغ بغيك، إذا أمره أن يجعل نحو خبائه نؤيا كالطوق يصرف عنه ماء المطر.
قال: و من هذا النوع رأيت الرجل، فإذا أردت التخفيف قلت: رايت، فحركت الألف بغير إشباع همز، و لم تسقط الهمزة لأن ما قبلها متحرك، و تقول للرجل ترأى ذلك على التحقيق. و عامة كلام العرب في يرى و ترى و أرى و نرى، على التخفيف، لم ترد على أن القت الهمزة من الكلمة، و جعلت حركتها بالضم «1» على الحرف الساكن قبلها.
قال أبو زيد: و اعلم ان واو فعول و مفعول و ياء فعيل و ياء التصغير لا يعتقبن الهمز في شي‏ء من الكلام، لأن الأسماء طولت بها، كقولك في التحقيق: هذه خطيئة، كقولك خطيعة، فإذا أبدلتها إلى التخفيف قلت: هذه خطية، جعلت حركتها ياء للكسرة؛ و تقول: هذا رجل خبوء، كقولك خبوع، فإذا خففت قلت: رجل خبو، فتجعل الهمزة واوا للضمة التي قبلها، و جعلتها حرفا ثقيلا في وزن حرفين مع الواو التي قبلها؛ و تقول: هذا متاع مخبوء بوزن مخبوع، فإذا خففت قلت: متاع مخبو، فحولت الهمزة واوا للضمة قبلها.
قال أبو منصور: و من العرب من يدغم الواو في الواو و يشددها، فيقول: مخبو. قال أبو زيد:
تقول رجل براء من الشرك، كقولك براع، فإذا عدلتها إلى التخفيف قلت: براو، فتصير الهمزة واوا لأنها مضمومة؛ و تقول: مررت برجل براي، فتصير ياء على الكسرة، و رأيت رجلا يرايا، فتصير ألفا لأنها مفتوحة.
و من تحقيق الهمزة قولهم: هذا غطاء و كساء و خباء، فتهمز موضع اللام من نظيرها من الفعل لأنها غاية، و قبلها ألف ساكنة، كقولهم: هذا غطاع و كساع و خباع، فالعين موضع الهمزة، فإذا جمعت الاثنين على سنة الواحد في التحقيق، قلت: هذاان غطاآن و كساآن و خباآن، كقولك غطاعان‏
__________________________________________________
(1) قوله «بالضم» كذا بالنسخ التى بايدينا و لعله بالفتح.


لسان العرب، ج‏1، ص: 21
و كساعان و خباعان، فتهمز الاثنين على سنة الواحد؛ و إذا أردت التخفيف قلت: هذا غطاو و كساو و خباو، فتجعل الهمزة واوا لأنها مضمومة؛ و إن جمعت الاثنين بالتخفيف على سنة الواحد قلت: هذان غطاأن و كساأن و خباأن، فتحرك الألف، التي في موضع اللام من نظيرها من الفعل، بغير إشباع، لأن فيها بقية من الهمزة، و قبلها ألف ساكنة، فإذا أردت تحويل الهمزة قلت: هذا غطاو و كساو، لأن قبلها حرفا ساكنا، و هي مضمومة؛ و كذلك الفضاء: هذا فضاو، على التحويل، لأن ظهور الواو ههنا أخف من ظهور الياء، و تقول في الاثنين، إذا جمعتها على سنة تحويل الواو: هما غطاوان و كساوان و خباوان و فضاوان.
قال أبو زيد و سمعت بعض بني فزارة يقول: هما كسايان و خبايان و فضايان، فيحول الواو إلى الياء.
قال: و الواو في هذه الحروف أكثر في الكلام.
قال: و من تحقيق الهمزة قولك: يا زيد من أنت، كقولك من عنت، فإذا عدلت الهمزة إلى التخفيف قلت: يا زيد من نت، كأنك قلت مننت، لأنك أسقطت الهمزة من أنت و حركت ما قبلها بحركتها، و لم يدخله إدغام، لأن النون الاخيرة ساكة و الأولى متحركة؛ و تقول من أنا، كقولك من عنا على التحقيق، فإذا أردت التخفيف قلت: يا زيد من نا، كأنك قلت: يا زيد منا، أدخلت النون الأولى في الآخرة، و جعلتهما حرفا واحدا ثقيلا في وزن حرفين، لأنهما متحركان في حال التخفيف؛ و مثله قوله تعالى: لكنا هو الله ربي، خفقوا الهمزة من لكن أنا، فصارت لكن نا، كقولك لكننا، ثم أسكنوا بعد التخفيف، فقالوا لكنا.
قال: و سمعت أعرابيا من قيس يقول: يا أب أقبل و ياب أقبل و يا أبة أقبل و يابة أقبل، فألقى الهمزة من «1» ...
و من تحقيق الهمزة قولك إفعوعلت من وأيت: إيأوأيت، كقولك إفعوعيت، فإذا عدلته إلى التخفيف قلت: ايويت وحدها، و ويت، و الأولى منهما في موضع الفاء من الفعل، و هي ساكنة، و الثانية هي الزائدة، فحركها بحركة الهمزتين قبلها «2». و ثقل ظهور الواوين مفتوحتين، فهمزوا الأولى منهما؛ و لو كانت الواو الأولى واو عطف لم يثقل ظهورها في الكلام، كقولك: ذهب زيد و وافد، و قدم عمرو و واهب.
قال: و إذا أردت تحقيق مفعوعل من وأيت قلت: موأوئي، كقولك موعوعي، فإذا عدلت إلى التخفيف قلت: مواوي، فتفتح الواو التي في موضع الفاء بفتحة الهمزة التي في موضع العين من الفعل، و تكسر الواو الثانية، و هي الثابتة، بكسر الهمزة التي بعدها.
قال أبو زيد و سمعت بعض بني عجلان من قيس يقول: رأيت غلاميبيك، و رأيت غلاميسد، تحول الهمزة التي في أسد و في أبيك إلى الياء، و يدخلونها في الياء التي في الغلامين، التي هي نفس الإعراب، فيظهر ياء ثقيلة في وزن حرفين، كأنك قلت رأيت غلاميبيك و رأيت غلاميسد.
__________________________________________________
(1) كذا بياض النسخ التي بأيدينا و لعل الساقط بعد من «باب و بابة» كما بهامش نسخة.
(2) قوله «الهمزتين قبلها» كذا بالنسخ أيضا و لعل الصواب الهمزة بعدها كما هو المألوف في التعريف، و قوله فهمزوا الأولى أي فصار رويت أويت كرميت و قوله و هي الثابتة لعله و هي الزائدة.


لسان العرب، ج‏1، ص: 22
قال و سمعت رجلا من بني كلب يقول: هذه دأبة، و هذه امرأة شأبة، فهمز الألف فيهما و ذلك أنه ثقل عليه إسكان الحرفين معا، و إن كان الحرف الآخر منهما متحركا. و أنشد الفراء:
يا عجبا! لقد رأيت عجبا: حمار قبان يسوق أرنبا،
و أمها خاطمها أن تذهبا

قال أبو زيد: أهل الحجاز و هذيل و أهل مكة و المدينة لا ينبرون. وقف عليها عيسى بن عمر فقال:
ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر و هم أصحاب النبر؛ و أهل الحجاز إذا اضطروا نبروا. قال: و قال أبو عمر الهذلي قد توضيت فلم يهمز و حولها ياء، و كذلك ما أشبه هذا من باب الهمز. و الله تعالى أعلم.


لسان العرب، ج‏1، ص: 23
أ
فصل الهمزة
أبأ: