حديث رجم



صحيح البخاري (8/ 169)
إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله "


فيض الباري على صحيح البخاري (6/ 363)
قوله: (فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله) ... إلخ وقد كان عمر أراد أن يكتبها في المصحف. فإن قلت: إنها إن كانت من كتاب الله، وجب أن تكتب، وإلا وجب أن لا تكتب، فما معنى قول عمر؟ قلت: أخرج الحافظ عنه: لكتبتها في آخر القرآن (1).
__________
(1) قلت: أخرجه عن سعيد بن المسيب عن عمر: لكتبتها في آخر القرآن، اهـ: ص 177 - ج 12 من أواخر "باب الاعتراف بالزنا"، وكان في مذكرتي: لكتبتها على الهامش، فراجعت "الفتح" فما وجدت فيه هذا اللفظ، ولكن فيه ما ذكرت لك الآن، فلذا غيرت لفظ الشيخ، على ما في مذكرتي، ووضعت بدله لفظ: آخر القرآن، كما وجدت، والأصرح فيه ما ذكره الشيخ، فمن وجده في "الفتح" فليصحح، فليتنبه.




الإتقان في علوم القرآن (3/ 85)
وقال في البرهان في قول عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني آية الرجم ظاهره أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب وقد يقال لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس، لأن مقالة الناس لا تصلح مانعا وبالجملة هذه الملازمة مشكلة ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر في " الينبوع " عد هذا مما نسخ تلاوته قال لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن
قال وإنما هذا المنسأ لا النسخ وهما مما يلتبسان والفرق بينهما أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه انتهى.
وقوله: " لعله كان يعتقد أنه خبر واحد مردود فقد صح أنه تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج الحاكم من طريق كثير بن الصامت قال: كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف فمرا على هذه الآية فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة " فقال عمر: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم
قال ابن حجر في شرح المنهاج فيستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها
قلت: وخطر لي في ذلك نكتة حسنة وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيا لأنه أثقل الأحكام وأشدها، وأغلظ الحدود وفيه الإشارة إلى ندب الستر.
وأخرج النسائي: أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت ألا تكتبها في المصحف؟ قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان ولقد ذكرنا ذلك فقال عمر: أنا أكفيكم، فقال: يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال: لا تستطيع قوله: "اكتب لي" أي ائذن لي في كتابتها أو مكني من ذلك.
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن يعلى بن حكيم عن زيد بن أسلم أن عمر خطب الناس فقال لا تشكوا في الرجم فإنه حق ولقد هممت أن أكتبه في المصحف فسألت أبي بن كعب فقال أليس أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعت في صدري وقلت تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر. قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى بيان السبب في رفع تلاوتها وهو الاختلاف.


فضائل القرآن للقاسم بن سلام (ص: 320)

حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن المبارك بن فضالة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قال لي أبي بن كعب: يا زر، كأين تعد؟ أو قال: كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: اثنتين وسبعين آية، أو ثلاثا وسبعين آية. فقال: «إن [ص:321] كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم» . قلت: وما آية الرجم؟ قال: (إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله. والله عزيز حكيم) "







مسند أحمد ط الرسالة (35/ 472)
21596 - حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت قال: كان سعيد (1) بن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة "، فقال عمر: لما أنزلت (2) أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة:، فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم (1)
__________
(1) رجاله ثقات رجال الشيخين غير كثير بن الصلت، فقد روى له النسائي، وهو ثقة.
وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال" 24/130 في ترجمة كثير بن الصلت من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (7145) ، والحاكم 4/360 من طريق محمدبن جعفر، به.
وأخرجه الدارمي (2323) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/229، والحاكم 4/360، والبيهقي 8/211 من طرق عن شعبة، به. مختصرا دون قصة عمر.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (7148) من طريق خالد بن الحارث، والبيهقي 8/211 من طريق ابن أبي عدي، كلاهما عن عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان - يعني ابن الحكم - وفينا زيد بن ثابت. قال زيد: كنا نقرأ: الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. فقال مروان: أفلا نجعله في المصحف؟ قال: لا، ألا ترى الشابين يرجمان.
وقال المزي في "تحفة الأشراف" 3/225: رواه يزيد بن زريع، عن ابن عون، عن محمد، قال: نبئت عن كثير بن الصلت.
وقول زيد: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان، قال الشيخ الفاضل محمد الصادق إبراهيم عرجون رحمه الله في كتابه "محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" 4/119: وهذا يفيد أن زيد بن ثابت لم يتحقق عنده أن ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول "الشيخ والشيخة" قرآن تجب كتابته في المصحف ولهذا جاء رده على مروان بأن هذا الكلام الذي يزعم أنه قرآن لا يتفق معناه مع واقع التشريع المجمع عليه في حد الثيب، سواء أكان شابا أم شيخا، فتخصيص الرجم بالشيخ والشيخة لا وجه له، وهذا يخرجه عن كونه قرآنا تجب كتابته في المصحف.==وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بعد أن قال له: أكتبني آية الرجم: "لا أستطيع" يشبه أن يكون قاطعا في أن ما يزعم من قولهم: "الشيخ والشيخة" قرآن نزل ثم نسخ، كلام لا يعتمد فيه على شبه دليل، لأن قول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبني أو اكتب لي، ومعناهما: ائذن لي أن أكتبها، وهذا بالقطع قبل أن تنسخ، لأنه لا يعقل من عمر ولا من غيره أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في كتابة ما نسخ، وإذا كان هذا الطلب من عمر قبل النسخ، فلماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أستطيع"، وفي رواية: كأنه كره ذلك.
ويستفاد من هذا الحديث: أن هذا الكلام "الشيخ والشيخة" ليس بقرآن منزل من عند الله، لأن إجماع الأمة على العمل بخلافه.
وقال الإمام البخاري في "صحيحه" (6829) في الحدود، باب الاعتراف بالزنى: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحمل أو الاعتراف. - قال سفيان، هو ابن عيينة: كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
قلنا: قال ابن حجر في "الفتح" 12/143: وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه، فقال بعد قوله: أو الاعتراف: وقد قرأناها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه، فسقط من رواية البخاري من قوله: "وقرأ" إلى قوله: "البتة" ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا، فقد أخرجه النسائي
(7156) عن محمد بن منصور، عن سفيان كرواية جعفر، ثم قال: لا أعلم أحدا ذكر في الحديث "الشيخ والشيخة" غير سفيان، وينبغي أن يكون وهم في ذلك، قال الحافظ: وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس==ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفاظ عن الزهري فلم يذكروها.
هذا وقد قال قوم من أهل العلم فيما نقله عنهم الإمام أبو بكر الباقلاني في "الانتصار" بأن آيات القرآن لا تثبت إلا بالتواتر، فهذا الحديث وأمثاله مما قيل فيه: إنه كان قرآنا ثم نسخ، هي أخبار آحاد ليست مشهورة فضلا عن أن تكون متواترة. ولا يقطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال العلامة الصادق عرجون تعليقا على رواية البخاري السالفة: فهذا الحديث وهو من أعلى وأرفع الأسانيد لم يذكر فيه "الشيخ والشيخة"، ومعناه كله منصب على إثبات حد الرجم للمحصن، وهو أمر مجمع عليه من الأمة سلفها وخلفها، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا طوائف من الخوارج والمعتزلة،
فإنهم أنكروا حد الرجم، وقالوا: لم يكن الرجم في كتاب الله، وقول عمر رضي الله عنه: فيضل بترك فريضة أنزلها الله، يحتمل أن المراد من إنزال الله إياها وحيه بها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحيا غير قرآني، فتكون فريضة الرجم ثابتة بوحي السنة، ويدل لذلك قول عمر رضي الله عنه: ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، بل يجب حمل كلام عمر على هذا الوجه السديد.
وهذه الحقيقة للرجم لا يلزم أن تكون ثابتة بنص قرآني، بل يكفي فيها أن تكون ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، كما يستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه".
وفي قول عمر رضي الله عنه: ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، ما يقوي ما ذهبنا إليه من فهم قوله: فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، لأن معناه: فيضلوا بترك فريضة أوحى بها الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بضرب من ضروب الوحي غير القرآني، فقام صلى الله عليه وسلم بتنفيذ ما أوحى به الله من حد الرجم، واتبعه من بعده الراشدون والمتقون من ولاة أمر أمته صلى الله عليه وسلم.