بسم الله الرحمن الرحیم

الناصر لدين الله العباسي أحمد بن الحسن(553 - 622 هـ = 1158 - 1225 م)

الناصر لدين الله الأموي عبد الرحمن بن محمد(277 - 350 هـ = 890 - 961 م)
الناصر لدين الله الزيدي - أحمد بن يحيى بن الحسين(000 - 325)
الناصر لدين الله العباسي أحمد بن الحسن(553 - 622 هـ = 1158 - 1225 م)
السيد يوسف بن يحيى الصنعاني-صاحب نسمة السحر(1078 - 1121 هـ = 1668 - 1710 م)





الأعلام للزركلي (1/ 110)
الناصر لدين الله
(553 - 622 هـ = 1158 - 1225 م)
أحمد بن المستضئ بأمر الله الحسن بن المستنجد، أبو العباس، الناصر لدين الله: خليفة عباسي بويع بالخلافة بعد موت أبيه (سنة 575) وطالت أيامه حتى انه لم يل الخلافة من بني العباس أطول مدة منه. يوصف بالدهاء على ما في أطواره من تقلب، فبينما هو مهتم بشؤون قومه يطلق المكوس ويرفع عن الناس الضرائب، إذا به قد انقلب فانصرف إلى اللهو وأعاد ما رفع. ويقال إنه هو الّذي كاتب التتر وأطمعهم في البلاد لما كان بينه وبين خوارزم شاه من العداوة، أملا بأن يشغله بهم عن الزحف إلى العراق. وكان له اشتغال بالحديث، جمع كتابا فيه سماه (روح العارفين - خ -) في شستربتي (4730 / 6) واستمرت خلافته 46 سنة و 11 شهرا إلا يومين، وذهبت إحدى عينيه في آخر عمره وضعف بصر الثانية وفلج فبطلت حركته ثلاث سنين (1) .
__________
(1) ابن الأثير 11: 173 ثم 12: 168 والمختصر المحتاج إليه 179 ومستدركه 34 وتاريخ الخميس 2: 366 وابن دحية في النبراس 164 وكان معاصرا له، أثنى عليه، ومات في أيامه.
والسلوك للمقريزي 1: 217 وفيه ثناء عليه وذم لسيرته، قال: (خرب العراق في أيامه، وتفرق أهله في البلاد، فأخذ أملاكهم وأموالهم) ومختصر تاريخ الدول 421 وفيه: (لما عجز الناصر عن النظر في القصص استحضر امرأة بغدادية تعرف بست نسيم، وكانت تكتب خطا قريبا من خطه، وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة، وشاركها في ذلك خادم اسمه تاج الدين رشيق، فصارت المرأة تكتب في الأجوبة ما تريد، فمرة تصيب ومرارا تخطئ) إلى أن أفشى سرها الطبيب صاعد بن توما.






در اين كتاب با نظر مثبت به ناصر عباسي نگاه شده است:

الكتاب: مضمار الحقائق وسر الخلائق
المؤلف: محمد بن عمر المظفر بن شاهنشاه، الأيوبي، أبو المعالي، ناصر الدين، المنصور ابن المظفر (المتوفى: 617هـ)
المحقق: الدكتور حسن حبشي
الناشر: عالم الكتب - القاهرة

المَلِك المَنْصُور ( 567 - 617 هـ)
محمد بن عمر المظفر بن شاهنشاه، الأيوبي، أبو المعالي، ناصر الدين، المنصور ابن المظفر: صاحب حماة، وأحد العلماء بالتأريخ والأدب. سمع الحديث في الإسكندرية. وصار إليه ملك حماة بعد أبيه، فكان في خدمته بها قريب من مئتي عالم. وكانت له مع الفرنج حروب.
وصنف (مضمار الحقائق وسر الخلائق) في التاريخ، عشر مجلدات، جمع فيه جملة من التواريخ وأسماء من ورد عليه وأقام عنده، طبعت قطعة منه في مصر، لتاريخ الفترة سنة 575 - 584هـ و (طبقات الشعراء - خ) و (درر الآداب ومحاسن ذوي الألباب - خ) وجمعت أشعاره في (ديوان) وبنى (جسر المراكب) في حماة، ويعرف اليوم بجسر السرايا. ومن آثاره فيها (سوق المنصورية) المعروف اليوم بالسوق، و (حمام السلطان) توفي في قلعتها

نقلا عن : الأعلام للزركلييي







أعيان ‏الشيعة، ج‏2، ص: 506
حوائجهم و يسعفهم فيما أهمهم و يعفو عن جرائمهم (اه).
و قال اليافعي في مرآة الجنان. الخليفة الناصر [الدين‏] لدين الله كان فيه شهامة و اقدام و عقل و دهاء و كان مستقلا بالأمور بالعراق متمكنا من الخلافة يتولى الأمور بنفسه حتى انه كان يشق الدروب و الأسواق أكثر الليل و الناس يتهيبون لقاءه و ما زال في عز و جلالة و استظهار و سعادة عاجلة نسأل الله الكريم السعادة الآجلة (اه) و السعادة الآجلة مرجوة للناصر بولائه لأهل البيت الطاهر ع و قال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر و دخل تحت طاعته من كان من المخالفين و ذلت له العتاة و الطغاة و انقهرت لسيفه الجبابرة و فتح البلاد العديدة و ملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من السلاطين و الخلفاء و كان أسد بني العباس (اه).
و قال الموفق عبد اللطيف: أحيا هيبة الخلافة و كانت قد ماتت بموت المعتصم ثم ماتت بموته، و قال ابن واصل: كان مع ذلك ردي‏ء السيرة في الرعية مائلا إلى الظلم و العسف يفعل أفعالا متضادة و كان يتشيع و يميل إلى مذهب الامامية بخلاف آبائه حتى ان ابن الجوزي سئل بحضرته: من أفضل الناس بعد رسول الله ص فقال: أفضلهم من كانت ابنته تحته حكاه في شذرات الذهب و في نسمة السحر: كان خليفة فاضلا حازما أديبا سعيدا و كان من الشيعة الامامية و كان يرى نفسه نائبا للإمام المنتظر ع و بذلك ذكره الذهبي و عجب منه، و في أيامه استرجع بيت المقدس و سائر ساحل الشام- الا القليل- من ايدي الافرنج بعد ان ملكوه من أيام الآمر باحكام الله الفاطمي إلى وقته (اه).
اما ابن الأثير فلم يذكر من محاسنه شيئا بل قال: لم يطلق الناصر في مرضه شيئا كان أحدثه من الرسوم الجائرة و كان قبيح السيرة في رعيته ظالما فخرب في أيامه العراق و تفرق اهله في البلاد و أخذ املاكهم و أموالهم كان يفعل الشي‏ء و ضده عمل دور الضيافة للحجاج ثم أبطلها و أطلق بعض المكوس ثم أعادها و جعل همه في رمي البندق و الطيور المناسيب و سراويلات الفتوة و أبطل [و] الفتوة في جميع البلاد الا من يلبس منه سراويل و لبسها منه كثير من الملوك و منع الطيور المناسيب الا ما يؤخذ من طيوره،

این مطلب در نسمة السحر جلد ۱ صفحه ۲۵۳ آمده است: و من العجائب انه کان من الشیعة الامامیة فی الامامة و المعتقد و کان یری نفسه نائبا للامام المنتظر ع و بذلک ذکره الذهبی و عجب منه.انتهی

السيد يوسف بن يحيى الصنعاني-صاحب نسمة السحر(1078 - 1121 هـ = 1668 - 1710 م)




http://www.7479.ir/tag/%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%A8
حضرت آیت الله العظمی صافی گلپایگانی:
این وسعت نور اهل بیت علیهم السلام تا بدانجا رسید كه ناصر خليفه عباسي خودش را منتسب به امام زمان عجل الله تعالي فرجه الشريف می‌كرد. در کتاب «نسمة السحر فيمن تشيّع و شعر» نقل مي‌کنند که ناصر عباسی مدعي این بود که من نائب امام زمان هستم و با ایشان ارتباط دارم.



مجلة الراصد 1 - ----59 (53/ 19)
وهذه النيابة للفقهاء كانت خلافاً لما أراده الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان يعتبر نفسه الأحق بهذه النيابة بناء على بعض المنامات التي ادعاها، والأوامر التي ادعى أنه تلقاها من الإمام علي رضي الله عنه، ومن المهدي المزعوم للحرب وإقامة الدولة، وقد كان إسماعيل هذا يعتبر نفسه :نائب الله وخليفة الرسول والأئمة الاثنى عشر وممثل الإمام المهدي في غيبته"( ).
وتتحدث المصادر الشيعية عن أن الاختلاف حول من ينوب عن المهدي المزعوم، الحاكم أو الفقيه سبب جفاء بين الشاه إسماعيل والكركي، جعل الأخير يغادر إيران إلى النجف بالعراق، وظل كذلك إلى أن اعتلى طمهاسب الأول عرش الدولة الصفوية بعد وفاة إسماعيل.
فطمهاسب الذي تولى الحكم صغيراً "قرر أن يستعين بالفقهاء "نواب الإمام المهدي العامين" لكي يعزز من شرعيته الدستورية، ويضرب القزلباشية( ) المتصارعين حول السلطة"( ).
وظل الكركي في مرتبة لا تدانيها مرتبة خلال عهد طمهاسب رغم الخلافات التي نشبت مع بعض علماء الشيعة الآخرين، وظل الكركي الآمر الناهي في الدولة الصفوية حتى وفاته.







مضمار الحقائق وسر الخلائق (ص: 168)
سنة ثمانين وخمس مائة
.....
مضمار الحقائق وسر الخلائق (ص: 177)
محمد بن عمر المظفر بن شاهنشاه، الأيوبي، أبو المعالي، ناصر الدين، المنصور ابن المظفر (المتوفى: 617هـ)
وفي هذه السنة سألت أم الخليفة أن يؤذن لها في زيارة مشهد سر من رأى على ساكنه السلام ومشهد صندوديا فتقدم الخليفة إلى المخزن المعمور أن يعمل لها ما تحتاج من الإقامة وتقدم إلى ابن يونس الوكيل بباب الحجرة الشريفة أن يكون على عزم السفر وأن يتسلم جميع ما عمل للسفر وأن يتقدم إلى جميع العسكر والمماليك أن يكونوا في الخدمة وأن ينادي في جميع العسكر أن الخليفة في الصحبة للزيارة فأخرجت الخيم والمضارب والنوتيات وخرج الخليفة وأمه إلى الزيارة وكان يركب ويتصيد والعسكر في خدمته وهو غير متظاهر وكان الأمير عماد الدين طغرل معه وكان الخليفة يفرق كل يوم على الأمراء صناديق الحلاوات وأصناف المأكل والفاكهة وابن يونس يتولى ذلك جميعه وكان على ابن أبي الكتائب ويوسف بن عنبر وأبو العز ومحمد بن يحيى وأبو الحسن ابن الكرخي والطاهر شرف الدين أبو الفضل بن الطاهر نقيب الطالبيين وكان الخليفة يدخل للزيارة هو وأمه ولا يمكن أحد من الدخول إلى الزيارة إلا بعد خروجهما وأنفق من الأموال حدودا من عشرين ألف دينار وكان سعود الخادم متولي دجيل فكان ينفذ في كل يوم إلى العسكر إقامة من شعير وتبن وأغنام وأبقار وغير ذلك أشياء كثيرة وكان جميع من كان عند الخليفة منسوبا إلى أستاذ الدار ابن الصاحب يذكر جميع ما يجري يوما فيوما وساعة بساعة وعاد الخليفة دام ظله من تلك الزيارة ومن معه من الأصحاب والأمراء في السفن إلى تحت التاج من باب البشرى وكان جماعة من المماليك والأمراء يذمون ابن يونس ويقبحون ذكره لكونه كان الخليفة يأمره أن يعطي الناس فكان يعطي قليلا حتى إنه رد من صناديق الحلوى والأطعمة كثيرا فعلم الخليفة بذلك فأنكر عليه وفرق جميع ذلك على دور الأمراء والمماليك وأرباب الدولة وكان الخليفة قد تقدم إلى أستاذ الدار أن يعمر مشهد سر من رأى وأن يشيده وينفذ إليه فرشا وبسطا وجميع ما يحتاج إليه وكذلك أيضا فعل بمشهد صدوديا وأن يعطى جميع المجاورين بهذين المشهدين ثلاثة ألف دينار وأعطى مشهد موسى بن جعفر على ساكنه السلام ألف دينار لعمارته وخمس مائة دينار تفرق على ساكنيه






البدايةوالنهاية،ج‏13،ص:107
للإفطار في رمضان و دورا لضيافة الحجاج، ثم أبطل ذلك، و كان قد أسقط مكوسا ثم أعادها و جعل جل همه في رمى البندق و الطيور المناسيب و سراويلات الفتوة. قال ابن الأثير: و إن كان ما ينسبه العجم إليه صحيحا من أنه هو الّذي أطمع التتار في البلاد و راسلهم فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم. قلت، و قد ذكر عنه أشياء غريبة، من ذلك أنه كان يقول للرسل الوافدين عليه فعلتم في مكان كذا كذا، و فعلتم في الموضع الفلاني كذا، حتى ظن بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يكاشف أو أن جنيا يأتيه بذلك، و الله أعلم.







تاريخ مختصر الدول (1/ 237)
وفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة توفي الخليفة الناصر لدين الله ابو العباس احمد في ليلة عيد الفطر وكان عمره سبعين سنة ومدّة خلافته ستا وأربعين سنة واحد عشر شهرا.




سير أعلام النبلاء ط الرسالة (22/ 196)
قلت: أظنه كان مخدوما من الجن (2) .
قال: وأتى رسول خوارزم شاه برسالة مخفية وكتاب مختوم، فقيل: ارجع فقد عرفنا ما جئت به!
__________
(2) كذا قال الذهبي، وهو تفسير ساذج غيبي، وما أدرك شدة عناية الناصر بالمخابرات واكثاره من الجواسيس فقال هذه القالة.


سير أعلام النبلاء ط الرسالة (22/ 197)
قلت: ما تحت هذا الفعل طائل، فكل مخدوم وكاهن يتأتى له أضعاف ذلك (1) .



سير أعلام النبلاء ط الرسالة (22/ 198)
لقد كنت بمصر وبالشام في خلوات الملوك والأكابر إذا جرى ذكره خفضوا أصواتهم إجلالا له.




سير أعلام النبلاء ط الرسالة (22/ 200)
قال: وكان رديء السيرة في الرعية، مائلا إلى الظلم والعسف، فخربت في أيامه العراق وتفرق أهلها وأخذ أملاكهم، وكان يفعل أفعالا متضادة، ويتشيع بخلاف آبائه (3) .
__________
(3) قوله يتشيع بخلاف أبائه " نقل الذهبي معناها من مفرج الكروب بعد أزيد من صفحتين من كلامه السابق، قال ابن واصل: " وكان الناصر لدين الله يتشيع ويميل إلى مذهب الامامية، وهو خلاف ما كان عليه آباؤه من القادر إلى المستضئ فإنهم كانوا يذهبون مذهب السلف، وللقادر عقيدة مشهورة في ذلك ".





تاريخ الإسلام ت تدمري (40/ 58)
سنة ثمانين وخمسمائة
[جعل مشهد الكاظم أمنا]
فيها جعل الخليفة الناصر مشهد موسى الكاظم أمنا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلق، وحصل بذلك مفاسد [1] .



تاريخ الخلفاء (ص: 320)
وفي سنة ثمانين جعل الخليفة مشهد موسى الكاظم أمنًا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلق، وحصل بذلك مفاسد.




تاريخ الإسلام ت بشار (12/ 486)
-سنة ثمانين وخمسمائة
فيها جعل الخليفة الناصر مشهد موسى الكاظم أمنا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلق، وحصل بذلك مفاسد.




سير أعلام النبلاء ط الحديث (16/ 170)
وفي سنة ثمانين: جعل الخليفة مشهد والجواد أمنا لمن لاذ به، فحصل بذلك بلاء ومفاسد.





سير أعلام النبلاء ط الرسالة (22/ 205)
وفي سنة ثمانين: جعل الخليفة مشهد والجواد أمنا لمن لاذ به، فحصل بذلك بلاء ومفاسد.




تاريخ الإسلام ت تدمري (45/ 90)
وقال القاضي ابن واصل [1] : كان الناصر شهما، شجاعا، ذا فكرة صائبة وعقل رصين، ومكر ودهاء، وكانت هيبته عظيمة جدا، وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف، يطالعونه بجزئيات الأمور [2] ، حتى ذكر أن رجلا ببغداد عمل دعوة، وغسل يده قبل أضيافه، فطالع صاحب الخبر الناصر بذلك. فكتب في جواب ذلك: «سوء أدب من صاحب الدار، وفضول من كاتب المطالعة» .
قال [3] : وكان مع ذلك رديء السيرة في الرعية، مائلا إلى الظلم والعسف، فخربت في أيامه العراق، وتفرق أهلها في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل أفعالا متضادة، إلى أن قال [4] : وكان يتشيع، ويميل إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه،
__________
[1] في «مفرج الكروب» : 4/ 163 بتصرف.






تاريخ الإسلام ت تدمري (50/ 115)
ومولده بطوس يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى سنة 597 [1] .
__________
[1] قال صاحب الحوادث الجامعة، ص 183 «دفن (خواجه نصير) في مشهد موسى بن جعفر، عليه السلام، في سرداب قديم البناء، خال من الدفن. قيل إنه كان قد عمل للخليفة الناصر لدين الله، وكان فاضلا، عالما، كريم


سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (3/ 341)
المؤلف: محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ)
وربما خطر ببال العوام أن حبسها عنهم ببركة الجوار موجب لحبسها عنهم في الآخرة، مع اقتراف الأوزار، فاقتضى الحال البيان بلسان الحال الذي هو أفصح من لسان المقال. والنار مطهّرة لأدناس الذنوب وقد كان [ذلك] لاستيلاء الروافض حينئذ [على المسجد النبوي والمدينة] وكان القاضي والخطيب منهم، وأساءوا الأدب كما بسط ذلك ابن جبير في رحلته، ولذا وجد عقب الحريق على جدران المسجد:
لم يحترق حرم النّبيّ لريبة ... يخشى عليه وما به من عار
لكنّها أيدي الرّوافض لامست ... تلك الرّسوم فطهّرت بالنّار
ووجد أيضا:
قل للرّوافض بالمدينة ما بكم ... لقيادكم للذّمّ كلّ سفيه
ما أصبح الحرم الشّريف محرّقا ... إلّا لسبّكم الصّحابة فيه
ولم يسلم من الحريق سوى القبّة التي أحدثها الناصر لدين الله لحفظ ذخائر الحرم.



تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (2/ 375)
المؤلف: حسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (المتوفى: 966هـ)
ولم يسلم سوى القبة التى أحدثها الناصر لدين الله لكونها بوسط صحن المسجد وببركة المصحف الشريف العثمانى وعدة صناديق كبار*





البداية والنهاية ط إحياء التراث (13/ 313)
ودفن في مشهد موسى بن جعفر في سرداب كان قد أعد للخليفة الناصر لدين الله، وهو الذي كان قد بنى الرصد بمراغة






عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان (ص: 139، بترقيم الشاملة آليا)
توفى ببغداد في ثامن عشر ذي الحجة منها، وله خمس وتسعون سنة، ودفن في مشهد موسى بن جعفر في سرداب كان قد أد للخليفة الناصر لدين الله، وهو الذي كان قد بنى الرصد لمراغة






البداية والنهاية ط هجر (16/ 542)
[خلافة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء]
لما توفي أبوه في سلخ شوال من سنة خمس وسبعين وخمسمائة، بايعه الأمراء والوزراء والكبراء والخاصة والعامة، وكان قد خطب له على المنابر في حياة أبيه قبل موته بيسير، فقيل: إنه إنما عهد له قبل موته بيوم، وقيل: بأسبوع. ولكن قدر الله، عز وجل، أنه لم يختلف عليه اثنان بعد وفاة أبيه، ولقب بالخليفة الناصر لدين الله، ولم يل الخلافة من بني العباس قبله أطول مدة منه، فإن خلافته امتدت إلى سنة وفاته في سنة اثنتين وعشرين وستمائة ; وكان ذكيا شجاعا مهيبا، وسيأتي ذكر سيرته عند وفاته إن شاء الله تعالى.



فوات الوفيات (1/ 66)
الناصر لدين الله
أحمد بن الحسن أمير المؤمنين الإمام الناصر لدين الله، أبو العباس ابن الإمام المستنصر؛ ولد يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وبويع له في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين، وتوفي سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة، فكانت خلافته سبعاً (2) وأربعين سنة.


الكامل في التاريخ (10/ 301)
وهذه من جملة سعادات هذا البيت الشريف العباسي لم يقصده أحد بأذى إلا لقيه فعله، وخبث نيته، لا جرم لم يمهل خوارزم شاه هذا حتى جرى له ما نذكره مما لم يسمع، بمثله في الدنيا قديما ولا حديثا.



تاريخ الإسلام ت تدمري (45/ 92)
وصلى عليه ولده الظاهر بأمر الله بعد أن بويع، بايعه أولا أقاربه، ثم نائب الوزارة مؤيد الدين محمد القمي وولده فخر الدين أحمد، والأستاذ دار عضد الدولة أبو نصر ابن الضحاك، وقاضي القضاة محيي الدين ابن فضلان الشافعي، والنقيب قوام الدين أبو علي الموسوي. ودفن بصحن الدار، ثم نقل بعد شهرين إلى الترب [1] ، ومشى الخلق بين يدي جنازته. وأما بيعة الظاهر، فهي في سنة اثنتين [2] في الحوادث.



[الأمر بقراءة «مسند» الإمام أحمد]
وفيها أمر الخليفة بأن يقرأ «مسند» الإمام أحمد بمشهد موسى بن جعفر بحضرة صفي الدين محمد بن سعد الموسوي بالإجازة له من الناصر لدين الله [1] .





تاريخ الإسلام ت تدمري (45/ 87)
قلت: يجوز أن يكون للخليفة أو لبعض خواصه رئي من الجن، فيخبره بأضعاف هذا، والخطب في هذا سهل، فقد رأينا أنموذج هذا في زماننا بل وأكثر منه.


الفخرى،ص:308
ثمّ ملك بعده ابنه الإمام الناصر لدين الله أبو العبّاس أحمد بن المستضي‏ء بأمر الله‏
بويع بالخلافة في سنة خمس و سبعين و خمسمائة.
كان الناصر من أفاضل الخلفاء و أعيانهم، بصيرا بالأمور مجرّبا سائسا، مهيبا مقداما، عارفا شجاعا، متأيّدا حادّ الخاطر و النادرة، متوقّد الذكاء و الفطنة، بليغا غير مدافع عن فضيلة علم، و لا نادرة فهم، يفاوض العلماء مفاوضة خبير، و يمارس الأمور السّلطانيّة ممارسة بصير، و كان يرى رأي الإماميّة [1]، طالت مدّته، و صفا له الملك و أحبّ مباشرة أحوال الرعيّة بنفسه، حتّى كان يتمشّى في الليل في دروب بغداد ليعرف أخبار الرعيّة و ما يدور بينهم، و كان كلّ أحد من أرباب المناصب و الرّعايا يخافه و يحاذره بحيث كأنه يطلع عليه في داره، و كثرت جواسيسه و أصحاب أخباره عند السّلاطين و في أطراف البلاد، و له في مثل هذه قصص غريبة، و صنّف كتبا






أعيان‏الشيعة، ج‏2، ص: 505
الامام الناصر لدين الله‏
الخليفة العباسي أبو العباس احمد بن المستضي‏ء بامر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن المقتفي لامر الله محمد بن المستظهر بالله احمد بن المقتدي بامر الله عبد الله بن محمد بن القائم بامر الله عبد الله بن القادر بالله احمد بن الأمير اسحق بن المقتدر أبو الفضل جعفر بن المعتضد أبو العباس احمد بن أبي احمد الموفق بن المتوكل جعفر بن المعتصم أبو اسحق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي محمد بن منصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
ولد يوم الاثنين 10 رجب سنة 553 و توفي بالدوسنطاريا في أول شوال سنة 622 و عمره نحو سبعين سنة الا أشهرا أمه أم ولد تركية اسمها زمرد بويع له عند وفاة أبيه سنة 575 و هو ابن 23 سنة و مدة خلافته 46 سنة و 10 أشهر و 28 يوما و لم يل الخلافة من أهل بيته أطول مدة منه و كان في آبائه اربعة عشر خليفة.
و كان نقش خاتمه (رجائي من الله عفوه) و كان يتشيع و لم يكن في أهل بيته من يتشيع غيره سوى ما كان من المأمون و ما كان من المعتضد احمد بن الموفق كما سياتي في ترجمته كما انه لم يكن في بني حمدان أمراء حلب و الجزيرة من ليس بشيعي سوى ناصر الدولة الذي أظهر التسنن و ذهب إلى مصر و هو من نسل ناصر الدولة الحمداني الشهير أخي سيف الدولة و معاصر معز الدولة البويهي. و ذهبت احدى عيني الناصر في آخر عمره و بقي يبصر بالأخرى ابصارا ضعيفا و لا يشعر بذلك أحد و كان له جارية قد علمها الخط بنفسه فكانت تكتب مثل خطه فتكتب على التواقيع.
و كان الناصر عالما مؤلفا شجاعا شاعرا راويا للحديث و [بعد] يعد في المحدثين قال الذهبي أجاز الناصر لجماعة من الأعيان فحدثوا عنه منهم:
ابن سكينة و ابن الأخضر و ابن النجار و ابن الدامغاني و آخرون (اه) و سياتي قول ابن الطقطقي انه ألف كتبا و سمع الحديث النبوي و أسمعه.
و له كتاب في فضائل أمير المؤمنين ع رواه السيد ابن طاوس في كتابه اليقين عن السيد فخار بن معد الموسوي عن الناصر.
قال محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي في كتابه الآداب السلطانية: كان الناصر من أفاضل الخلفاء و أعيانهم بصيرا بالأمور مجربا سائسا مهيبا مقدما عارفا شجاعا متايدا حاد الخاطر و النادرة متوقد الذكاء و الفطنة بليغا غير مدافع عن فضيلة علم و لا نادرة فهم يفاوض العلماء مفاوضة خبير و يمارس الأمور السلطانية ممارسة بصير و كان يرى رأي الامامية طالت مدته و صفا له الملك و أحب مباشرة اعمال الرعية و ما يدور بينهم و كان كل أحد من أرباب الرعية و المناصب يخافه و يحاذره بحيث كأنه يطلع عليه في داره و كثرت جواسيسه و أصحاب اخباره عند السلاطين و في أطراف البلاد و له في مثل هذه قصص غريبة و صنف كتبا و سمع الحديث النبوي و أسمعه و لبس لباس الفتوة و البسه و تفتى له خلق كثير من شرق الأرض و غربها و رمى بالبندق و رمى له ناس كثير و كان باقعة زمانه و رجل عصره.
في أيامه انقرضت دولة آل سلجوق بالكلية و كان له من المبار و الوقوف ما يفوت الحصر و بنى من دور الضيافات و المساجد و الربط ما يتجاوز حد الكثرة و كان مع ذلك يبخل و كان وقته مصروفا إلى تدبير أمور المملكة و إلى التولية و العزل و المصادرة و تحصيل الأموال يقال عنه انه ملأ بركة من الذهب فرآه يوما و قد بقي يعوزها حتى تمتلئ شي‏ء يسير فقال ترى أعيش حتى املاها فمات قبل ذلك (اه).
و قال الذهبي و غيره كان ابيض اللون رقيق المحاسن و كان يعاني البندق و الحمام في شبيبته و كانت له عيون على كل سلطان يأتونه باخباره و إسراره حتى كان بعض الكبار يعتقد ان له كشفا و اطلاعا على المغيبات (اه).
و قال علي بن أنجب البغدادي المعروف بابن الساعي في كتابه مختصر اخبار الخلفاء على ما حكي عنه: لم يل الخلافة أحد أطول خلافة من الناصر فأقام فيها 47 سنة و لم يزل في عز و جلالة و قمع للاعداء و استظهار على الملوك و السلاطين في أقطار الأرض مدة حياته فما خرج عليه خارجي الا قمعه و لا مخالف الا دفعه و لا اوى اليه مظلوم مشتت الشمل الا جمعه و كان إذا أطعم أشبع و إذا ضرب أوجع و قد ملأ القلوب هيبة و خيفة فكان يرهبه أهل الهند و مصر كما يرهبه أهل بغداد و كان الملوك و الأكابر بمصر و الشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة و إجلالا و ملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من الخلفاء و الملوك و خطب له ببلاد الأندلس و بلاد الصين و كان أسد بني العباس تتصدع لهيبته الجبال و كان حسن الخلق لطيف الخلق كامل الظرف فصيح اللسان بليغ البيان له التوقيعات المسددة و الكلمات المؤيدة و كانت أيامه غرة في وجه الدهر و درة في تاج الفخر شجاعا ذا فكرة صائبة و عقل رصين و مكر و دهاء و كان مع ذلك ردي‏ء السيرة في الرعية مائلا إلى الظلم و العسف ففارق أهل البلاد بلادهم و أخذ أموالهم و املاكهم و كان يتشيع و يميل إلى مذهب الامامية بخلاف آبائه و قد جعل مشهد الامام موسى الكاظم ع و الرضوان امنا لمن لاذ به فكان الناس يلتجئون اليه في حاجاتهم و مهماتهم و جرائمهم فيقضي الناصر لهم‏
أعيان‏الشيعة، ج‏2، ص: 506
حوائجهم و يسعفهم فيما أهمهم و يعفو عن جرائمهم (اه).
و قال اليافعي في مرآة الجنان. الخليفة الناصر [الدين‏] لدين الله كان فيه شهامة و اقدام و عقل و دهاء و كان مستقلا بالأمور بالعراق متمكنا من الخلافة يتولى الأمور بنفسه حتى انه كان يشق الدروب و الأسواق أكثر الليل و الناس يتهيبون لقاءه و ما زال في عز و جلالة و استظهار و سعادة عاجلة نسأل الله الكريم السعادة الآجلة (اه) و السعادة الآجلة مرجوة للناصر بولائه لأهل البيت الطاهر ع و قال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر و دخل تحت طاعته من كان من المخالفين و ذلت له العتاة و الطغاة و انقهرت لسيفه الجبابرة و فتح البلاد العديدة و ملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من السلاطين و الخلفاء و كان أسد بني العباس (اه).
و قال الموفق عبد اللطيف: أحيا هيبة الخلافة و كانت قد ماتت بموت المعتصم ثم ماتت بموته، و قال ابن واصل: كان مع ذلك ردي‏ء السيرة في الرعية مائلا إلى الظلم و العسف يفعل أفعالا متضادة و كان يتشيع و يميل إلى مذهب الامامية بخلاف آبائه حتى ان ابن الجوزي سئل بحضرته: من أفضل الناس بعد رسول الله ص فقال: أفضلهم من كانت ابنته تحته حكاه في شذرات الذهب و في نسمة السحر: كان خليفة فاضلا حازما أديبا سعيدا و كان من الشيعة الامامية و كان يرى نفسه نائبا للإمام المنتظر ع و بذلك ذكره الذهبي و عجب منه، و في أيامه استرجع بيت المقدس و سائر ساحل الشام- الا القليل- من ايدي الافرنج بعد ان ملكوه من أيام الآمر باحكام الله الفاطمي إلى وقته (اه).
اما ابن الأثير فلم يذكر من محاسنه شيئا بل قال: لم يطلق الناصر في مرضه شيئا كان أحدثه من الرسوم الجائرة و كان قبيح السيرة في رعيته ظالما فخرب في أيامه العراق و تفرق اهله في البلاد و أخذ املاكهم و أموالهم كان يفعل الشي‏ء و ضده عمل دور الضيافة للحجاج ثم أبطلها و أطلق بعض المكوس ثم أعادها و جعل همه في رمي البندق و الطيور المناسيب و سراويلات الفتوة و أبطل [و] الفتوة في جميع البلاد الا من يلبس منه سراويل و لبسها منه كثير من الملوك و منع الطيور المناسيب الا ما يؤخذ من طيوره، و منع الرمي بالبندق الا من ينتمي اليه فأجابه الناس إلى ذلك الا رجل بغدادي يقال له ابن السفت هرب من العراق إلى الشام فرغبه في المال ليرمي عنه فلم يفعل، فليم على عدم أخذ المال فقال: يكفيني فخرا انه ليس في الدنيا أحد الا يرمي للخليفة الا انا، و ان كان ما ينسبه العجم اليه صحيحا من انه هو الذي أطمع التتر في البلاد و راسلهم فهو الطامة الكبرى (اه).
و أظن ان ستر محاسنه و إظهار معائبه لم يكن الا لتشيعه و ميله إلى مذهب الامامية فما زال هذا كافيا في ذلك عند الكثيرين، و كذلك تهمة العجم له بما سمعت التي يكذبها العقل و النقل و الله الحاكم بين عباده.
و ذكره القاضي نور الله في مجالس المؤمنين فقال: كان من أفاضل الخلفاء ذا خاطر وقاد متبحرا في العلوم شجاعا و تشيعه شائع ثم نقل عن المبارك بن إسماعيل بن احمد العباسي البغدادي المتطبب المعروف بابن الكتبي أنه ذكر في كتابه نوادر أشعار الملوك ان بعض معاصري الناصر طعن فيه بالتشيع، فقال في جوابه هذه الأبيات:
زعموا أنني أحب عليا صدقوا كلهم لدي علي‏

كل من صاحب النبي و لو طرفة عين فحقه مرعي‏
فلقد قل عقل كل غبي هو من شيعة النبي بري‏

و نقل أيضا عن الكتاب المذكور أن ابن عبيد الله نقيب الطالبيين بالموصل كتب إلى الناصر أنه بلغنا أنك عدلت عن مذهب التشيع إلى [التسنين‏] التسنن فان كان ذلك صحيحا فمروا باعلامي عن السبب فأجابه الناصر بهذه الأبيات:
يمينا بقوم أوضحوا منهج الهدى و صاموا و صلوا و الأنام نيام‏
أصاب بهم عيسى و نوح بهم نجا و ناجى بهم موسى و أعقب سام‏
لقد كذب الواشون فيما تخرصوا و حاشا الضحى أن يعتريه ظلام‏

و لما بويع الناصر بالخلافة أقر ابن العطار وزير أبيه أياما [بسيره‏] يسيرة ثم نكبه و حبسه ثم اخرج ميتا بعد أيام على رأس حمال فرجمه العامة و أخرجوه من التابوت و مثلوا به بما يقبح ذكره، ثم وزر له جلال الدين أبو المظفر عبد الله ثم معز الدين سعيد بن علي بن حديدة الأنصاري ثم مؤيد الدين أبو المظفر محمد بن احمد بن القصاب ثم نصير الدين ناصر بن مهدي العلوي الرازي ثم مؤيد الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم القمي، و في نسمة السحر ذكر الشيخ صلاح الدين الصفدي أن أبا يوسف يعقوب بن صابر المنجنيقي البغدادي الشاعر المشهور كتب إلى الامام الناصر يعرض بالوزير القمي «1» و كان يقال إنه شريف علوي:
خليلي قولا للخليفة احمد توق وقيت الشر ما أنت صانع‏
وزيرك هذا بين أمرين فيهما صنيعك يا خير البرية ضائع‏
فان كان حقا من سلالة احمد فهذا وزير في الخلافة طامع‏
و إن كان فيما يدعي غير صادق فاضيع ما كانت لديه الصنائع‏

فلما وقف عليها الناصر كان ذلك سبب تغيره عليه و أمر فخرج اليه مملوكان مسرعين فهجما على الوزير في داره و ضرباه بدواته على رأسه و حملاه إلى المطبق فكتب إلى الخليفة:
القني في لظى فان احرقتني فتيقن ان لست بالياقوت‏
صنع النسيج كل من حاك لكن ليس داود فيه كالعنكبوت‏

فكتب إليه الناصر:
نسج داود لم يقد صاحب الغار و كان الفخار للعنكبوت‏
و بقاء السمند في لهب النار مزيل فضيلة الياقوت‏

و ابن خلكان نسب الجواب إلى ابن صابر و قال عن البيتين المذكورين أنه لا يعرف قائلهما فقال في ترجمة يعقوب بن صابر المذكور رأيت بالقاهرة كراريس فيها شعر ابن صابر و رأيت فيها البيتين المشهورين المنسوبين إلى جماعة و لا يعرف قائلهما على الحقيقة (القني في لظى) إلى آخر البيتين السابقين قال فعمل ابن صابر جوابهما فقال:
أيها المدعي الفخار دع الفخر لذي الكبرياء و الجبروت‏
نسج داود لم يفد ليلة الغار و كان الفخار للعنكبوت‏
و بقاء السمند في لهب النار مزيل فضيلة الياقوت‏
و كذاك النعام يلتقم الجمر و ما الجمر للنعام بقوت‏

و في نسمة السحر عن عمدة الطالب أنه ذكر فيه صحة نسب الوزير و شرح حاله و ان الناصر لما قبض عليه أرسل الوزير رقاع جميع ما له من النقود و الأموال إلى الناصر و قال ان هذا جميعه مما كسبته في خدمة مولانا و قد
أعيان‏الشيعة، ج‏2، ص: 507
عاد اليه حقه فأمر الناصر بإرجاع جميع ماله اليه و قال إن التدبير أوجب عزلك فاما مالك فلا حاجة لنا به قال و ذكر ابن عنبة عن الوزير ظلما و كبرا.
قال و زعم المنجمون ان الكواكب السبعة اجتمعت في أيام نوح (ع) في برج الحوت و هو مائي فأوجب ذلك الطوفان المائي و أنها اجتمعت في أيام الناصر في برج الميزان و هو هوائي فدل على حصول طوفان ريح يخرب أكثر المعمور و لو كان زحل معها كما وقع في قران نوح (ع) لعم طوفان الريح الأرض كما عمها في أيام نوح (ع) و الذي اجتمع في أيام الناصر الستة ما عداه و شاع ذلك و اجمع المنجمون عليه و شرع أكثر ملوك الأعاجم في اتخاذ الأسراب الكبار تحت الأرض و أعداد الأزواد و بالغوا في ذلك فلما كانت الليلة التي دل القرآن أن طوفان الرياح يقع فيها لم ير مثلها ركودا و لم تكد تهب ريح.
قال و ذكر العماد الكاتب في البرق الشامي قال: استدعاني السلطان صلاح الدين بن أيوب و هو يومئذ محاصر للافرنج على بعض قلاع الساحل فدخلت اليه و قد دخل المساء و أوقدت الشموع الكبار فلم يكد يهب نسيم و إلى ذلك أشار أبو عبد الله محمد سبط بن التعاويذي في قصيدته النونية الطويلة التي يمدح بها الامام الناصر بقوله:
قالوا القران و طوفان الهواء له بالشر عن كثب في الأرض طوفان‏
و ما لهم فيه برهان و طائرك الميمون فيه لدفع الشر برهان‏
و كيف تسطو الليالي أو يكون لها في عصر مثلك إرهاق و عدوان‏
سعادة لو أحاط الخارمي بها لعاد فيما ادعاه و هو خزيان‏

و الخارمي هذا هو أحد أكابر المنجمين في ذلك الوقت و هو منسوب إلى خارم بالخاء المعجمة و الألف و الراء و الميم مدينة من ساحل الشام. قال و رأيت في بعض التواريخ أن الناصر لما رأى إجماع المنجمين طلب فلانا المنجم و كان أجل منجم ببغداد فذكر له ما يقوله أهل النجامة فقال يا أمير المؤمنين لا أقول بقولهم و لكن أقول إن أعظم محل يجتمع فيه الناس تصيبه آفة سماوية فكثر خوف الناصر على بغداد و قال: ما في الدنيا اجمع للناس منها و أمر بإصلاح الجسور خشية من الغرق فاتفق ان الحجاج نزلوا مجتمعين [بمبنى‏] بمنى فجاءهم سيل لم ير مثله في جوف الليل فذهب بهم و بلغ الخبر الناصر فسري عنه و خلع على المنجم (اه).
و في مرآة الجنان أنه في سنة 622 جاء جلال الدين بن خوارزم شاه فوضع السيف في أهل دقوقا و أحرقها و عزم على هجم بغداد فانزع الخليفة الناصر فحصن بغداد و أقام المجانيق و أنفق ألف ألف دينار فاعلم ابن خوارزم شاه ان الكرج قد خرجوا على بلاده فساق إليهم (اه).
و الامام الناصر هو الذي بنى سرداب الغيبة في سامراء و جعل فيه شباكا من الآبنوس الفاخر أو الساج كتب على دائره اسمه و تاريخ عمله و هو باق لهذا الوقت و كأنما فرغ منه الصناع الآن و هذا صورة ما كتب عليه:
بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسالكم عليه اجرا [لا] إلا المودة في القربى و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور. هذا ما أمر بعمله سيدنا و مولانا الامام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس احمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين و خليفة رب العالمين الذي طبق البلاد إحسانه و عدله و عم العباد رأفته و فضله قرن الله أوامره الشريفة باستمرار النجح و النشر و ناطها بالتأييد و النصر و جعل لأيامه المخلدة حدا لا يكبو جواده و لآرائه الممجدة سعدا لا يخبو زناده في عز تخضع له الأقدار فيطيعه عواصيها و ملك تخشع له الملوك فيملكه نواصيها بتولي المملوك معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلدة و يتمنى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤبدة استجاب الله أدعيته و بلغه في أيامه الشريفة أمنيته من سنة ست و ستمائة الهلالية و حسبنا الله و نعم الوكيل و صلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين و على آله الطاهرين و عترته و سلم تسليما (و نقش) في خشب الساج داخل الصفة في ظهر الحائط ما صورته: بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله أمير المؤمنين علي ولي الله فاطمة الحسن بن علي الحسين بن علي علي بن الحسين محمد بن علي جعفر بن محمد موسى بن جعفر علي بن موسى محمد بن علي علي بن محمد الحسن بن علي القائم بالحق ع. هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد رحمه الله (اه).
و هذا السرداب هو سرداب الدار التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر و هم: الامام علي بن محمد الهادي و ولده الامام الحسن بن علي العسكري و ولده الامام محمد المهدي ع كما سكنوا أيضا في ذلك السرداب و تشرف بسكناهم فيه و لذلك تتبرك الشيعة و غيرها به و تصلي لربها فيه و تدعوه لبركته بسكنى آل رسول الله ص فيه و تشريفهم له و ليس في الشيعة من يعتقد أن المهدي موجود في السرداب أو غائب فيه كما يرميهم به من يريد التشنيع و ينسب إليهم في ذلك أمورا لا حقيقة لها مثل أنهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف و الخيول و ينادون اخرج إلينا يا مولانا، فان هذا كذب و افتراء حتى أن بعض من ذكر ذلك قال انه بالحلة، مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة، و بالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة الا تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت ع فيه و هذا الأمر لا يختص بالشيعة في تبركهم بالأمكنة الشريفة فليتق الله المرجفون.
و الامام الناصر هو الذي كتب اليه علي بن صلاح الدين الايوبي و كان أبوه أوصى اليه بالسلطنة و جعله ولي عهده و هو أكبر ولده و أخذ له البيعة على أخيه نجم الدين أبي بكر بن أيوب و على ابنه عثمان بن صلاح الدين و لما مات صلاح الدين و ثبا عليه و اغتصبا منه الملك فكتب إلى الامام الناصر بهذه الأبيات و هي مشهورة رواها عامة المؤرخين مع جوابها:
مولاي ان أبا بكر و صاحبه عثمان قد غصبا بالسيف حق علي‏
و هو الذي كان قد ولاه والده عليهما فاستقام الأمر حين ولي‏
فخالفاه و حلا عقد بيعته و الأمر بينهما و النص فيه جلي‏
فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي من الأواخر ما لاقى من الأول‏

فأجابه الامام الناصر يقول:
وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقا بالصدق يخبر ان أصلك طاهر
غصبوا عليا حقه إذ لم يكن بعد النبي له بيثرب ناصر
فاصبر فان غدا عليه حسابهم و ابشر فناصرك الامام الناصر

و الناصر هو الذي طلب الشريف قتادة أمير مكة ليحضر إليه فجاء حتى وصل إلى النجف و أخرج الخليفة العلماء و الأمراء و الأعيان للقائه و معهم أسد في سلسلة فتطير من ذلك و قال: ما لي و لأرض تذل فيها الأسود و رجع، فكتب إليه الناصر يعاتبه، فأجابه بهذه الأبيات:
أعيان‏الشيعة، ج‏2، ص: 508
بلادي و إن جارت علي عزيزة و لو أنني اعرى بها و أجوع‏
و لي كف ضرغام إذا ما بسطتها بها اشتري يوم الوغى و أبيع‏
معودة لثم الملوك لظهرها و في بطنها للمجدبين ربيع‏
أ أتركها تحت الرهان و ابتغي لها مخرجا اني إذا لرقيع‏
و ما أنا الا المسك في أرض غيركم اضوع، و أما عندكم فاضيع‏

و يقال: إنه لم يرسل له هذه الأبيات و إنما أجابه معتذرا عن الحضور إليه فأرسل الناصر إليه أميرا من الأتراك و معه هدايا و كتاب يطيب به خاطره و يطلب حضوره ثانيا و أراد أن يستدرجه بذلك ففطن الشريف لما أراد و جعل الذي جاء بالكتاب يستدرجه و يخدعه و يحثه على الذهاب إلى الخليفة فقال له الشريف انظر في ذلك ثم جمع بني عمه و عرفهم أن ذلك استدراج و مخادعة ثم غدا على الرسول و أنشده الأبيات فقال له: أنت ابن بنت رسول الله ص و الخليفة ابن عمك و أنا مملوك تركي و حاشا لله أن احمل هذه الأبيات عنك إلى الديوان فإنها إن بلغت الخليفة وجه جهده إليك فان كان خطر ببالك أنهم استدرجوك فلا تسر إليهم و قل جميلا: فما الرأي؟ قال ان تبعث أحد أولادك إليه و لا يقع (إن شاء الله) شي‏ء تكرهه فأعجبه قوله و بعث ولده و معه أشياخ من الأشراف فأكرمهم الناصر و عادوا إلى مكة و كان قتادة يقول: لعن الله أول رأى عند الغضب و لا أعدمنا عاقلا ناصحا يثبتنا عند ذلك و قيل: إن الأبيات لما بلغت الخليفة كتب إليه: أما بعد فإذا نزع الشتاء جلبابه و لبس الربيع اهابه قابلناكم بجنود لا قبل لكم بها و لنخرجكم منها أذلة و أنتم صاغرون فكتب قتادة إلى بني عمه بني حسين بالمدينة و أميرها الشريف سالم بن قاسم الحسيني:
بني عمنا من آل موسى و جعفر و آل حسين كيف صبركم عنا
بني عمنا انا كافنان دوحة فلا تتركوا ان يجتوي فنن منا
إذا ما أخ خلي أخاه لأكل بدا بأخيه الأكل ثم به ثنى‏

فاجتمع الحسنيون و الحسينيون على حرب الناصر فكف عنهم و كان قد وقع حرب بين قتادة و سالم قبل ذلك و فيه يقول قتادة:
مصارع آل المصطفى عدن مثلما بدأن و لكن صرن بين الأقارب‏

و في الامام الناصر يقول ابن أبي الحديد في آخر احدى علوياته التي ختمها برثاء الحسين ع:
بأبي أبو العباس احمد انه خير الورى من أن يطل و يمنع‏
فهو الولي لثارها و هو الحمول لعبئها إذ كل عود يضلع‏
و الدهر طوع و الشبيبة غضة و السيف عضب و الفؤاد مشيع‏




أعيان‏الشيعة، ج‏2، ص: 509
أبو العباس احمد بن الحسن بن يوسف الناصر لدين الله العباسي‏
مرت ترجمته في ج 8 و أعدناها لزيادة فيها طريفة. في شذرات الذهب: قال شمس الدين الجزري: كان الماء الذي يشربه الناصر تأتي به الدواب من فوق بغداد سبعة فراسخ و يغلى سبع غلوات كل يوم غلوة ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام ثم يشرب منه و مع هذا ما مات حتى سقي المرقد مرات و شق ذكره و أخرج منه الحصى ثم مات منه. و من لطائفه أن خادما له اسمه يمن كتب اليه ورقة فيها عتب فوقع فيها بمن يمن بمن ثمن يمن ثمن ثمن.




مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏5، ص: 73
أحمد الناصر لدين الله العباسي‏
مرت ترجمته في موضعها من (الأعيان) و نضيف هنا إلى ما هنا لك هذا البحث عن الوظائف الادارية في دولته مكتوبا بقلم صادق حسن السوداني:
يعتبر الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضي‏ء من أشهر خلفاء بني العباس و أطولهم حكما إذ حكم سبعا و أربعين سنة بين 575- 622 ه. و كان من المهتمين بشئون الدولة العباسية خاصة الادارية منها.
كانت دولة الناصر لدين الله تدار من قبل عدد كبير من الموظفين مختلفي المناصب و الرتب مختلفي الأسماء، لذا كثيرا ما نرى في وظائف هذه الدولة التشابه بين مهام وظيفة و أخرى و قد يتعدى صاحب الوظيفة حدود وظيفته إلى أخرى سواء أ قصد ذلك أم لم يقصده شعر بذلك أم لم يشعر لعدم وجود حدود لكل وظيفة تحدد مهامها و أين تتوقف الصلاحيات المنوطة بها و الموظف الذي يديرها.












مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 31
أحمد الناصر لدين الله [] بن المستضي‏ء بامر الله الحسن:
مرت ترجمته في مكانها من (الأعيان) و مر بحث عن الوظائف الادارية في دولته في المجلد الخامس من (المستدركات).
و ننشر هنا عنه بحثا للدكتور مصطفى جواد:
كانت أوائل القرن السادس للهجرة طلائع نهضة و استقلال‏
مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 32
للدولة العباسية في أواخر عصورها، و تلكم النهضة و ذلكم الاستقلال كانا حصيلة مجهود و كفاح جسيم بدأ بهما الخليفة المسترشد بالله (512- 529 ه) و ابنه الراشد بالله، و أخوه المقتفي لأمر الله (530- 555 ه) و ابنه المستنجد بالله (555- 566) ثم انتكست الخلافة العباسية بعض الانتكاس على عهد الخليفة المستضي‏ء بامر الله (566- 575 ه) فهيأ الله تعالى لها الخليفة الناصر لدين الله بن المستضي‏ء بامر الله (575- 622 ه)، و هو الخليفة الهمام الذي وحد العرب و غيرهم من المسلمين، و بلغ درجة التقديس عندهم، و بقيت سيرته من أعجب السير العالمية، و سياسته من مفاخر السياسات العربية، و أخباره من نوادر أخبار ذوي السلطان في الدنيا، لا يكاد التصديق يطور بساحتها لغرابتها و براعتها و أرابتها حتى يجدها من الأخبار الصحيحة، التي أجمع عليها المؤرخون و أيدتها الآثار و الأفعال و عضدها التواتر، و إذا نطق العمل صدق القول.
ولد بدار الخلافة العباسية بالجانب الشرقي من بغداد، يوم الثلاثاء عاشر رجب من سنة (553 ه) و أمه جارية تركية اسمها" زمرد" و تلقب بخاتون، و قد أدركت خلافته و عاشت من سنيها أربعا و عشرين سنة، قال ظهير الدين الكازروني الأصل البغدادي المؤرخ" كانت راغبة في الخير و الصدقة و أفعال البر، و لها من الصدقات و الوقوف ببغداد و غيرها شي‏ء كثير".
كان مولد الناصر لدين الله على عهد أبي جده الخليفة المقتفي لأمر الله، المشار إليه آنفا، قبل وفاته بسنتين، و قضى طفولته و صباه في عهد جده المستنجد بالله. فالمقتفي أتم محاولة أخيه المسترشد بالله، لاعادة سلطة الخلافة العباسية، و التخلص من هيمنة الدولة السلجوقية عليها، و الاستقلال في الحكم بالعراق، و هو أيامئذ من تكريت في الشمال إلى البصرة في الجنوب، و من عين التمر في الغرب إلى البندنيجين «1» في الشرق. و قطعت على عهده الخطبة ببغداد و العراق باسم السلطان السلجوقي في سنة 547 و هي سنة وفاة السلطان الجبار مسعود بن محمد بن ملك شاه السلجوقي الذي كان يخطب له بلقب السلطنة ببغداد بعد ذكر الخليفة الذي هو أمير المؤمنين و المقدم في الدين على الولاة و الأمراء و السلاطين، و بعد ذكر ولي عهده في الخطبة أيضا، كما جرت عادة الخلفاء العباسيين في عصورهم الأخيرة. و كان هذا السلطان الجبار قد واطا الإسماعيلية على اغتيال الخليفتين: المسترشد بالله و ابنه الراشد بالله، و شاركه في هذه المواطاة السلطان سنجر بن ملك شاه السلجوقي ملك خراسان و ما إليها، و هو يومئذ أكبر السلاطين السلجوقيين بالشرق، و كان سلاجقة كرمان و سجلاقة بلاد الروم دونه مقاما. و كان جد الخليفة الناصر لدين الله المستنجد بالله قد شارك أباه الخليفة المقتفي لأمر الله في النفاح عن استقلال الدولة العباسية، و كفاح أعدائها من سلجوقيين و أتباعهم من أمراء الأطراف و الأتباع و الولاة، و كان شديد الوطأة عليهم، غيورا على ناموس الدولة الذي أقامه هو و أبوه، و استعد للأحداث بجمع العساكر و حارب المفسدين و المعتدين، و أحكم الحصون التي على حدود العراق، و كثرت الحروب في أيامه، و كثر عدوان أتباع السلاجقة على بلاده، فاضطر إلى القسوة في الحرب و الاعدام، و إلى رمي الخارجين عليه بالتكفير و اللعن لهم على المنابر، فضلا عن حشد الجيوش لمقاومتهم. و كانت شبهتهم الكبرى في تنقص أطراف العراق و النهب للأموال في مدنه، هي وجوب اعادة السلطنة السلجوقية إلى العراق و الخطبة للسلطان ارسلان شاه بن طغرل الثاني بن محمد بن ملك شاه، و هو صبي يومئذ يتولى أتابكيته أي تربيته أمير تركي اسمه" ايلدكز" و يحكم في بلاد مملكته التي أهم مدنها أصفهان و الري و همذان و عدة مدن في آذربيجان من البلاد المعروفة اليوم بايران.
و تنافس الأمراء السلجوقيون في طلب الخطبة بالسلطنة ببغداد و العراق حتى قال ابن الأثير في حوادث سنة 563 ه:
" في هذه السنة أرسل آق سنقر الأحمديلتي صاحب مراغة إلى بغداد أن يخطب للملك الذي هو عنده و هو ولد السلطان محمد شاه. (بن محمود بن محمد بن ملك شاه) و يبذل انه لا يطأ أرض العراق و لا يطلب شيئا غير ذلك و بذل مالا يحمله (إلى الخليفة) إذا أجيب إلى ملتمسه، فأجيب بتطييب قلبه، و بلغ الخبر ايلدكز صاحب البلاد فساءه ذلك فجهز عسكرا كثيفا و جعل المقدم عليهم ابنه البهلوان و سيرهم إلى سنقر، فوقعت بينهم حرب أجلت عن هزيمة آق سنقر و تحصنه بمراغة، و نازله البهلوان و حصره و ضيق عليه ثم ترددت الرسل بينهم فاصطلحوا و عاد البهلوان إلى أبيه بهمذان".
و إذا كان نصف السياسية اختيار رجالها لا نجد بدأ من أن نذكر أن نهضة الدولة العباسية الأخيرة استندت فيمن استندت إليهم إلى عون الدين أبي المظفر يحيى بن هبيرة كاتب الخليفة المقتفي لأمر الله، ثم وزيره العالم السياسي المستيقظ المؤلف المتوفى سنة 561 ه على عهد المستنجد بالله. قال ابن الأثير في تاريخه:" كان حنبلي المذهب، دينا خيرا عالما يسمع حديث النبي- ص- و له فيه التصانيف الحسنة، و كان ذا رأي سديد، و نفق على المقتفي نفاقا عظيما حتى أن المقتفي كان يقول: لم يزد لبني العباس مثله. و لما مات قبض على أولاده و أهله." فهذا الوزير كتب و حسب و نظم و ساس و حارب و ألف و أنفق على العلم، و أيده ابناه عز
مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 33
الدين محمد و شرف الدين ظفر، فكان جزاؤه بعد موته و تمهيده استقلال الدولة العباسية أن قبض على ابنيه المذكورين و أعدما بطريقة الغدر [] و الاحتيال، و هذه الأفعال المنكرة أعني التنكيل بالمخلصين للدولة تدل على اختلال الحكم فيها.
إن الذي ارتكب هذه الجرائم باسم السياسة رجل دخل هو و أبوه في خدمة الدولة و تدرج في المراتب حتى صار أستاذ دار الخلافة بعد أبيه، و هو عضد الدين أبو الفرج محمد المعروف بابن رئيس الرؤساء و بابن المسلمة، و أيده أبناؤه. و كان الخلفاء العباسيون في عصورهم المتاخرة قد استحدثوا منصبا جديدا تحت الوزارة سموه" نيابة الوزارة" فاستناب الخليفة المستنجد بالله بعد موت الوزير الكبير ابن هبيرة قاضي القضاة أبا البركات جعفر بن عبد الواحد الثقفي. ثم رأى تحكم أستاذ الدار عضد الدين بن المسلمة المذكور في أمور الدولة فبحث عن وزير أيد حازم ضابط، فوجده و هو أحد ولاته و يدعى شرف الدين أحمد بن محمد بن البلدي. و كان ناظرا بواسط و ذا كفاية عظيمة.
قال ابن الأثير في حوادث سنة 563 ه:" في هذه السنة استوزر الخليفة المستنجد شرف الدين أبا جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدي. و كان عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء قد تحكم تحكما عظيما فتقدم «1»
الخليفة إلى ابن البلدي بكف يده و أيدى أهله و أصحابه ففعل ذلك"، و كان الخليفة المستنجد بالله راغبا في اتباع آثار الخلفاء الصالحين.
و أراد هذا الوزير أن يجري حكم الشريعة في السرقة و ينفذ حدودها، فقبض سنة 564 ه على أحد موظفي الدولة و اسمه الحسين بن محمد السيبي و على أخيه الأصغر- و كانا ابني عمة أستاذ الدار عضد الدين، فأمر بقطع يد الحسين و رجله و حمله إلى المارستان فمات فيه، قال ابن الأثير:" قيل انه كان عنده صنج يقبض بها، و يحمل إلى الديوان بالصنج الصحيحة. و كان الأصغر عامل المارستان". و بيان ذلك أنه كان عنده عيار أثقل من عيار الدولة الصحيح يستوفي به حقوق الدولة لأن الدنانير كانت تستوفي في الغالب بالوزن لا بالتعداد، و يحمل إلى بيت المال بالعيار الصحيح، و يستولي على الفرق. فلذلك عد سارقا، و طبقت عليه أغلظ العقوبات في حدود السرقة المعنية.
و الذي يبعث الأسى و الأسف على هذا الرجل السيي‏ء الحظ انه كان أديبا شاعرا.
و بهذه الحادثة تحول التنافس الشديد بين أستاذ الدار عضد الدين و الوزير ابن البلدي إلى عداوة زرقاء، تراق فيها الدماء، و ترتكب فيها أسوأ الأسواء. و أخذ أستاذ الدار يهتبل الفرص للإيقاع بالوزير، فانضوى أولا إلى مقدم الجيوش العباسية أيامئذ و هو قطب الدين قايماز التركي الأصل، المقتفوي- نسبة إلى الخليفة المقتفي لأمر الله لأنه كان من مماليكه- و في سنة 566 ه مرض الخليفة المستنجد بالله مرض الموت، أو مرضا حادا. و كان قطب الدين قايماز و أستاذ الدار عضد الدين قد خافا منه أشد الخوف، و خشيا أعظم الخشية من تأييده الوزير ابن البلدي، فاتفقا على الائتمار به مع طبيبه المعروف بابن صفية ليقتلاه بشبهة الطب، فوصف له الطبيب دخول الحمام مع أنه كان مصابا بالحمى المحرقة أي التيفوئيد فأبى أن يدخل الحمام لضعفه، و لكنهم أدخلوه إياه مرغما، و أغلقوا عليه الباب فمات و كان ذلك في تاسع شهر ربيع الآخر من سنة 566 ه المذكورة آنفا.
قال ابن الأثير" كان المستنجد بالله من أحسن الخلفاء سيرة مع الرعية، عادلا فيهم، كثير الرفق بهم، و أطلق كثيرا من المكوس- يعني أبطلها- و لم يترك بالعراق شيئا منها، و كان شديدا على أهل العيث و الفساد و السعاية بالناس" و ذكر بعد ذلك حكاية نادرة تدل على شدة إنكاره للسعاية. و هكذا قضى نحبه هذا الخليفة العادل المتيقظ، فقد ائتمر به الخونة الغدرة من رجال الدولة فأسرعوا وفاته، قيل انه أمر وزيره ابن البلدي باستئصال زعيميهم، فتريث في ذلك و فاتته الفرصة، و قرع سنه ندما و دعي إلى دار الخلافة لمبايعة الخليفة الجديد و هو أبو محمد الحسن ابن المستنجد بالله فلما دخلها أدخله خصماه عضد الدين و قطب الدين في موضع منها، و أمرا رجالا مسلحين من أصحابهما بقتله و تقطيعه إربا إربا، ثم رموا أشلاءه في نهر دجلة، و استولى الخصمان المذكوران على جميع ما في داره، فرأيا فيها فيما رأيا أوامر من الخليفة المستنجد بالله يأمره فيها بالقبض عليهما و جوابه بالكف عنهما، و لكن العداوة لا تعرف الحدود.
يأبى النظام الوراثي في الحكم إلا أن ينتكس و ينعكس، و هكذا انتكست الدولة العباسية في نهضتها الأخيرة، و ولي خليفة مستضعف و لقب" المستضي‏ء بامر الله". و شرط المؤتمران بابيه أن يكون عضد الدين و هو أحدهما وزيرا، و يكون ابنه كمال الدين عبيد الله أستاذ دار الخلافة. و يكون قطب الدين قايماز مقدم الجيوش و هو المؤامر الآخر، و لبث الخليفة المستضي‏ء بامر الله كالمحجور عليه بدار الخلافة.
و اتفق في عهده انقراض الدولة الفاطمية بمصر سنة 567 و الخطبة باسمه فيها.
و لم تهدأ أحوال الخلافة العباسية، فقد بدأ النزاع بين المتأمرين الاثنين قطب الدين قايماز و عضد الدين محمد الوزير، فكل منهما يريد السلطة العليا و التحكم التام في‏
مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 34
الدولة. و قد كان الغلب لصاحب الجيش قطب الدين، فألزم الخليفة المستضي‏ء بامر الله بعزل الوزير فعزله و لم تمكنه مخالفته، و استنيب في الوزارة أبو الفضل يحيى بن عبد الله بن جعفر صاحب المخزن، و المخزن أيامئذ ديوان تجهيزات الدولة جميعها، و في سنة 569 ه أحس قطب الدين بان الخليفة المستضي‏ء يريد اعادة عضد الدين إلى الوزارة فحاصر دار الخلافة، و أجبر الخليفة إلى ترك ما أراده، و لم يقنع بذلك بل أراد إخراج عضد الدين من بغداد، ثم اجتزأ من ذلك (بما يسمى اليوم (فرض الإقامة الجبرية عليه مدة).
و قد شهد الناصر لدين الله و هو أمير جميع [هده‏] هذه الهزاهز و الاضطرابات و الائتمارات، و كانت تبدو منه امارات الشهامة، و علامة الشجاعة و الغيرة و التيقظ و التأثر الشديد بما يجرى على الخلافة و ما يقاسي أبوه من تحكم رجال الدولة و سوء تصرفهم في شئونها و ادارتها، و كأنه لما سمع بمحاصرة قطب الدين قايماز مقدم الجيوش لدار الخلافة رقي قبة عالية من قصر التاج و هو أحد قصور دار الخلافة الفخمة فسقط منها إلى أرض القصر و لكنه سلم و نجا. و كان معه مملوك له اسمه" نجاح".
فلما هوى الأمير أسقط المملوك نفسه معه فقيل له: لم ألقيت نفسك؟ فقال: ما كنت أريد البقاء بعد مولاي. فرعى له الأمير ذلك. و لما تولى الخلافة جعله شرابيا لنفسه، و لقبه بالملك الرحيم عز الدين و قدمه على الأمراء جميعهم.
و تقدم عند الخليفة المستضي‏ء رجل اسمه ظهير الدين منصور بن نصر الحراني المعروف بابن العطار، فرتبه صاحب المخزن. و هذه الوظيفة من أعلى الوظائف في الدولة العباسية في أواخر عصورها، فحصلت نفرة بينه و بين قطب الدين قايماز مقدم الجيوش. و كان ظهير الدين رجلا متعصبا لمذهبه تعصبا أعمى، لكنه مقرب من الخليفة المستضي‏ء جدا و له منه رعاية بالغة، فأرسل قطب الدين يستدعي ابن العطار ليحضر عنده فهرب و التجأ إلى دار الخلافة، فأحرق قطب الدين داره، و كان ذلك سنة" 570 ه" و حالف أغلب الأمراء في الجيش، و طلب منهم المساعدة و المظاهرة له و جمعهم و قصد دار الخلافة بالجانب الشرقي من بغداد، لعلمه أن ابن العطار ملتجئ إليها. فلما علم الخليفة المستضي‏ء بذلك، و رأى الغلبة صعد إلى سطح قصر من قصور دار الخلافة و ظهر للعامة- و كان نادر الظهور لهم- و أمر خادما من خدمه أن يصيح و يستغيث و يقول للعامة:" مال قطب الدين لكم، و دمه لي" يحضهم على نهب أمواله دون التعرض له بما يؤدي إلى قتله، فقصدت جموع الناس و خصوصا الرعاع و الغوغاء و العيارين دار قطب الدين لنهب ما فيها، و أيد الخليفة يومئذ مملوك" حبشي" من مماليك جده المقتفي اسمه عماد الدين صندل «1»، و كان أستاذ دار الخلافة إذ ذاك. و هو الرسول الذي حمل خلع الخليفة لنور الدين و صلاح الدين لما قرضا الدولة الفاطمية بمصر، فسار في جماعة من الجند و أحرق دار قطب الدين بقوارير النفط الطيار التي تقابل اليوم القنابر «2» المحرقة، فاضطر قطب الدين إلى الهرب من بغداد، و قصد إلى الموصل فتوفي قبل بلوغه إياها، و نجا ظهير الدين بن العطار من عدوه و كذلك عضد الدين محمد بن المسلمة، فاستدعاه الخليفة المستضي‏ء- أعني عضد الدين- و ولاه الوزارة ثانية، و بقي ظهير الدين في رتبته (صاحب المخزن) و زاد نفوذ كلمة الأمراء الأحباش كعماد الدين صندل المذكور و قرينه مجاهد الدين خالص و هو الذي رآه ابن جبير الأندلسي الرحالة في دخوله بغداد سنة 580 ه فقال:
" و رونق هذا الملك انما هو على الفتيان و الأحابيش المجابيب" منهم فتى اسمه (خالص) و هو قائد للعسكرية كلها، أبصرناه خارجا أحد الأيام و بين يديه و خلفه أمراء الأجناد من الأتراك و الديلم و سواهم، و حوله نحو خمسين سيفا مسلولة في أيدي رجال قد احتفوا به فشاهدنا من أمره عجبا في الدهر، و له القصور و المناظر على دجلة" و لم نعرف السبب في عجب ابن جبير فقد أجبر الخليفة المقتفي على شراء المماليك الأحباش.
و استتبت أحوال الخلافة العباسية بعد هذه الاضطرابات و الاشتباكات بعض الاستتباب. ثم ظهر استبداد ظهير الدين بن العطار بالتدريج و استؤنفت المنازعات بين أرباب الدولة ففي سنة 571 ه، قبض على عماد الدين صندل أستاذ الدار و ولي مكانه أبو الفضل هبة الله بن علي بن هبة الله المعروف بابن الصاحب، و هو من أبناء أسرة خدمت الدولة العباسية منذ ابتداء نهضتها على عهد الخليفة المسترشد بالله، و استؤنف تعدى أمراء الأطراف على العراق بشبهة استمرار الدولة العباسية على عدم الاعتراف بالدولة السلجوقية و ترك الخطبة لسلطانها ببغداد و العراق، و أرسلوا جماعة ففتكوا بالوزير عضد الدين بن المسلمة و هو بالجانب الغربي من بغداد و قد عزم على سلوك طريق الحج، و كان ذلك في رابع ذي القعدة من سنة 573 ه و تم استبداد ظهير الدين بن العطار بأمور الخلافة، و ظهرت الفتن المذهبية ببغداد، و ثار العوام على الحكام الطغام، و حدث غلاء و وباء، ثم عقب ذلك وفاة الخليفة المستضي‏ء بامر الله في ثاني ذي القعدة من سنة 575 ه.
خلف المستضي‏ء بامر الله من الأبناء اثنين أحدهما أبو العباس أحمد الذي مر ذكره غير مرة، و أبو منصور هاشم، و كان أحمد هو الأكبر و أرادت جماعة من رجال الدولة صرف‏
مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 35
الخلافة عنه إلى أخيه هاشم إلا أن حزب الناصر و فيهم حظية والدة السيدة (بنفشة) و أستاذ الدار مجد الدين هبة الله بن الصاحب، و القائد عماد الدين صندل حملوا والده المستضي‏ء على أن ينص عليه قبل وفاته، فبويع بالخلافة صبيحة يوم الأحد غرة ذي القعدة [] 575، على قول، أو ثاني ذي القعدة [] 575 على قول آخر، من سنة 575 ه.
و ظن رجال الدولة استمرار الضعف فيها طبيعيا كما كان على عهد أبيه، فانتقم بعضهم من بعض، و قبض على ظهير الدين منصور بن نصر بن العطار الحراني النائب في الوزارة، و قيد في دار الخلافة، و بحث عن أمواله و ودائعه ثم قتل و أخرج من دار الخلافة ثاني عشر ذي القعدة ميتا على رأس حمال سرا، فغمز به بعض الناس و ثارت به العامة فألقوا جثته عن رأس الحمال و كشفوا سوأته و شدوا بها حبلا و سحبوه ببغداد و كانوا يضعون بيده مغرفة قد غمسوها بالعذرة- تشبيها لها بالقلم- و هم يقولون" وقع يا مولانا" استهزاء و تهكما، لما رأوا منه من العسف و الجور و الظلم و التعصب الشنيع.
و جرت العادة عند انتقام بعض رجال الدول من بعض بتمهيد الطريق إلى الاستبداد و ما يسمى اليوم باستغلال الاستقلال، فلا غرابة في أن ينحو هذا النحو أستاذ دار الخلافة مجد الدين هبة الله بن الصاحب، و قد أخطا هذا الرجل خطا عظيما في تحكمه بشئون الدولة و كان عليه أن يدرس نفسية الخليفة الجديد، و يسبر غوره، و يختبر أمره، فقد كان الناصر لدين الله قوى النفس شجاعا ذكيا ألمعيا جريئا مدهش السياسة ظاهر الكياسة جميل الخلق و الخلق، عالما بحقيقة منصبه، عارفا بالواجب عليه للدين و للأمة الإسلامية، فمثل هذا الخليفة ينبغي أن لا يفتات عليه، و لا يقطع أمر دون موافقته و استئماره، و قد رآه ابن جبير عند قدومه بغداد سنة" 580 ه" قال:" و قد يظهر الخليفة في بعض الأحيان بدجلة راكبا في زورقه، و قد يصيد في بعض الأوقات في البرية، و ظهوره على حالة اختصار، تعمية لأمره على العامة، فلا يزداد أمره مع تلك التعمية إلا اشتهارا، و هو مع ذلك يحب الظهور للعامة، و يؤثر التحبب لهم و هو ميمون النقيبة عندهم قد استسعدوا بأيامه رخاء و عدلا و طيب عيش فالكبير و الصغير منهم داع له. أبصرنا هذا الخليفة «1» المذكور و هو أبو العباس أحمد الناصر لدين الله ابن المستضي‏ء بنور الله (كذا) أبي محمد الحسن ابن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف، و يتصل نسبه إلى أبي الفضل جعفر المقتدر بالله إلى السلف فوقه من أجداده الخلفاء- رضوان الله عليهم- بالجانب الغربي أمام منظرته، و قد انحدر عنها صاعدا في الزورق إلى قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط، و هو في فتاء من سنه، أشقر اللحية صغيرها، كما اجتمع بها وجهه، حسن الشكل، جميل المنظر، أبيض اللون، معتدل القامة، رائق الرداء، سنه نحو الخمس و عشرين سنة، لابسا ثوبا أبيض شبه القباء برسوم ذهب فيه، و على رأسه قلنسوة مذهبة مطوقة بوبر أسود من الأوبار الغالية القيمة، المتخذ للباس الملوك مما هو كالفنك «2» و أشرف، متعمدا بذلك زي الأتراك، تعمية لشأنه، لكن الشمس لا تخفى و ان سترت و ذلك عشية يوم السبت السادس لصفر سنة ثمانين و خمسمائة".
و قال ظهير الدين الكازروني في مختصر التاريخ" قال من شاهده يوم المبايعة: رأيته و هو شاب أبيض مترك الوجه، مليح العينين، أقنى الأنف، رقيق المحاسن، خفيف العارضين، نقش خاتمه:" رجائي من الله عفوه"، و كان قبل المبايعة قد أهلك الناس الجدب و غلو الأسعار و قلة المعاش و كثرة الأمراض و الوباء، فلما بويع بالخلافة زال ذلك ببركة بيعته حتى درت الأمطار، و تراخت الأسعار، و هنا الناس بعضهم بعضا ببركته .. فجمع الله شمل الإسلام و المسلمين ببره و جوده ثم انه عمر المساجد و جدد المشاهد.
وجد الناصر لدين الله العباسي أن عليه أن يصلح أمور الدولة الداخلية أولا ثم يسيطر على العالم العربي و العالم الإسلامي لتوحيدهما، فنظم ادارة الدولة أحسن تنظيم و أحكم قواعدها أحسن أحكام، و لما رأى إصرار أستاذ الدار مجد الدين ابن الصاحب على استبداده بأمور الدولة و اعتماده على الطائفية المذهبية أمر بقتله فقتل. قال ابن الأثير" كان مجد الدين ابن الصاحب متحكما في الدولة ليس للخليفة معه حكم، و كان هو القيم بالبيعة، و ظهر له أموال عظيمة أخذ جميعها". و جاء في عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ما يدل على أنه خنق ثريا فاخذ ماله.
و كانت سياسة الناصر لدين الله تعتمد على إحسان انتخاب الرجال للأعمال، فادخل في خدمة الدولة طائفتين كانتا متعاديتين بينهما و معاديتين للدولة العباسية، و هما الشيعة و الحنابلة، و قطع دابر الطائفية من دولته، و أزال آثار الأعاجم التي تذكر الشعب بسلطتهم و سلطانهم، حتى لقد رأى لوحا كان السلطان مسعود السلجوقي قد أمر بالصاقه على جدار، و كتب فيه أبطالا لبعض المكوس، فقال الناصر" اقلعوه فلا حاجة لنا بآثار الأعاجم" و أمر بنقض دار السلطنة السلجوقية في شمالي بغداد الشرقي ليزيل أثر الاستعباد من البلاد.
مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 36
و صرف همته إلى تجنيد الجنود و تحشيد الحشود، فألف جيشا كبيرا كان يخرج منه في احتفال العيد حسب" مائة و خمسون ألف جندي"، و أمر السلطان تكش الملقب بخوارزمشاه بان يزحف إلى السلطان السلجوقي" طغرل الثالث" و يزيل سلطنته، فزحف اليه سنة" 590" و قتله و حمل رأسه إلى بغداد. و وسع أطراف مملكته، و احتل خوزستان و أصفهان و الري و همذان، و جهز جيشه لارساله إلى بلاد الشام للتعاون مع صلاح الدين لطرد الصليبيين من بقية بلاد الشام و لكن صلاح الدين رفض ذلك و سالم الصليبيين و اتفق معهم على محاربة جيش الناصر إذا تقدم إلى بلاد الشام مؤثرا مصالحه الشخصية على مصالح الأمة، لأنه اعتقد أنه إذا جاء جيش الناصر و انتصر على الصليبيين فسيكون الحكم للناصر و يكون هو تابعا له. و جدد نظام الفتوة في العالمين العربي و الإسلامي و أدخل أغلب السلاطين و الملوك و الأمراء فضلا عن الرعايا فيها، و كان هو رئيس الفتوة في جميع البلاد، و نشا للبلاد الإسلامية جيلا قويا شجاعا يجمع بين الديانة و الصيانة و المتانة. و وضع جهازا و مؤسسة للاستخبارات في داخل العراق و خارجة، و استعمل أنواع حمام الزاجل لنقل الأخبار.
حتى كان لا تخفى عليه خافية في الداخل و الخارج، و لا يغبى عليه سر من أسرار الدول، بحيث ظن الناس أن الجن كانت تنقل اليه الأخبار، كما ذكر شمس الدين الذهبي في تاريخه، و تدل أنباء استخباراته على أن الدول العصرية التي افتنت أعظم افتنان في التجسس لم تبلغ ما بلغه هو في الاطلاع على أخفى الأمور و أكتم الشؤون في أدنى الأرض و أقصاها.
و عنى بنشر الثقافة و العلم و أنشا لوالدته مدرسة و رباطا للصوفية بجانب تربتها المعروفة اليوم بقبر الست زبيدة في مقبرة معروف الكرخي بالجانب الغربي من بغداد، و وضع ألوف الكتب في المدرسة النظامية و في قصره الذي ذكره ابن جبير المعروف قديما بدار المسناة و حديثا بالقصر العباسي، و في رباط المأمونية المنسوب إلى والدته. و ألف كتابا في الحديث النبوي سماه" روح العارفين" رواه عن شيوخه الثقات الإثبات و أجاز للعلماء المشهورين روايته في مشارق الأرض و مغاربها و شرحه جماعة من المشتغلين بالحديث.
و جدد نظام الرمي في مذهب الفتوة، و وضع له القواعد و الأحكام و أوضح أصناف الطيور التي تصطادها الرماة الفتيان و هي المسماة تارة طيور الواجب و تارة" الطير الجليل". و قد جدد الناصر شباب الأمة الإسلامية بتجديد الفتوة.
و عاصرت خلافته الطويلة الأمد ظهور جنكيز خان ملك المغول السفاح المجتاح، فكان على البعد يخشى من الخليفة الناصر، و يطبع اسمه على نقوده حتى تروج بين العالمين، و لما خرج عليه قطب الدين محمد بن تكش الملقب بخوارزمشاه، و حرك المغول على العالم الإسلامي بسوء سياسته و كثرة عدوانه، و سمع الناصر بتقدم المغول إلى الغرب استكثر من الجنود، و جدد المواضع الضعيفة من سور بغداد، و لا سيما باب سورها الشرقي المعروف بباب الحلبة، و قد عرف بين الناس بباب الطلسم، لوجود صورة رجل مسيطر على ثعبانين في جانبيه و كانت عمارة هذا الباب سنة 618 ه و كان هذا الباب من أجمل المباني التحصينية، و قد نسفه الأتراك العثمانيون بالبارود الذي كان مخزونا فيه ليلة احتلال الإنكليز لبغداد في اليوم الحادي عشر من آذار سنة 1917 م.
توفي الناصر لدين الله، سنة 622 و قد دامت خلافته" 47" سنة و هي أطول خلافة لبني العباس، و ترك من المآثر و الآثار ما لا يحصى كثرة، و لا يستقصي وفرة، و لو لا نزق سلطان خوارزم لنجا العالم الإسلامي من طوفان المغول و طغيانهم و مجازرهم البشرية و عدوانهم و عيثهم و إفسادهم إلا أن ذلك السلطان الأحمق جنى بخروجه على خليفة المسلمين على نفسه و مملكته و العالم الإسلامي. قال جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء و قال قبله ابن نباته في كتابه الاكتفاء بتاريخ الخلفاء نقلا عن تاريخ محب الدين محمد المعروف بابن النجار و كان معاصرا للناصر لدين الله" دانت له السلاطين، و دخل في طاعته من كان من المخلفين و ذلت العتاة و الطغاة، و انقهرت بسيفه الجبابرة و البغاة، و اندحض أعداؤه و أضداؤه، و كثر أنصاره و أولياؤه، و فتح البلاد العديدة، و ملك من الممالك ما لم يملكه من بعده من الخلفاء و الملوك، و خطب له ببلاد الأندلس و بلاد الصين، و كان أسد بني العباس، تتصدع لهيبته الجبال، و تذل لسطوته الأقيال، و كان حسن الخلق، لطيف الخلق. كامل الظرف، فصيح اللسان، له التوقيعات المسددة، و الكلمات. المؤيدة، و كانت أيامه غرة في وجه الدهر، و درة في تاريخ الفخر".
و قد ذكرت آنفا قول ظهير الدين الكازروني في مختصر التاريخ" انه عمر المساجد، و جدد المشاهد" و قال بعد ذلك:
" و بنى الأربطة و المدارس و أثر الآثار الجميلة .. ثم انه جدد عزيمته في قطع سلاطين السلجوقية و غيرهم عن بغداد، و محا آثارهم و ملك خوزستان بجيوشه التي أنفذها إليها، و ملك بلد دقوقا و قلعة تكريت و قلعة الحديثة، و له من الفتوح شي‏ء كثير كولاية همذان و غيرها، و قتل طغرلبك السلجوقي و حمل رأسه إلى بغداد .. ثم انه عمر دار المضيف للصادر و الوارد من الحاج و غيرهم للفطور في شهر رمضان و وقف الكتب المفيدة الفقهية، و غيرها في خزائن الكتب، و جعلها لمن عساه يشتغل بالعلم، و أنشأ الرباط الذي بمشرعة الكرخ و التربة المجاورة له،
مستدركات‏أعيان‏الشيعة، ج‏7، ص: 37
و دفن فيه جهته (1) الجهة عندهم أيامئذ كناية عن الزوجة المحترمة و لم نقل" الزوج" خشية الالتباس. السعيدة سلجوقي خاتون ابنة قلج أرسلان ملك الروم و كانت صالحة محبة لأفعال البر و القرب- رحمها الله-".



الزام الناصب الجزء الأول (27/ 1)
السابع عشر: الناصر لدين الله أحمد ابن المستضئ بنور الله من الخلفاء العباسية، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل الصفة التي فيه شباكا من خشب صاج منقوش عليه:



كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار (4/ 2)
التاسع عشر:
الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله من خلفاء العباسية، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل على الصفة التي فيه شباكاً من خشب ساج منقوش عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم





مجلة لغة العرب العراقية (1/ 144)
صاحب امتيازها: أَنِسْتاس ماري الألياوي الكَرْمِلي، بطرس بن جبرائيل يوسف عوّاد (المتوفى: 1366هـ)
المدير المسؤول: كاظم الدجيلي
وبجنب البئر جدار حاجز بين الصحن المذكور وصحن قبة (غيبة الصاحب ابن الحسن العسكري) الذي تدعي الشيعة انه غاب عن الأبصار وهو حي يرزق وانه يظهر بعد حين. الأمر الذي ينكره السنة كل الإنكار. وقد اتفق الفريقان على ولادته واختلفا في وفاته واسم هذا الإمام الأصلي محمد المهدي. وله أسماء وألقاب كثيرة منها: صاحب الزمان، والقائم، والحجة، والمنتظر، وصاحب العصر، وخليفة الله في الأرض، وصاحب الأمر وغيرها.
ولذلك المحل أيضاً حضرة ذات صحن صغير وهو عبارة عن صفة أو طارمة عرضها ما يقرب من سبعة أمتار وطولها 15 متراً وسمكها مثل عرضها. ثم تدخل رواقاً على مثال الصفة أو الطارمة المسنمة. ثم تنزل إلى سرداب فيه 13 دركة. ثم تمشي مسافة قدرها عرض 5 درجات ثم تنحدر منها 6 دركات فتهوى إلى فرجة بين عقدين. ثم تسلك في برزخ وتأتي بهواً صغيراً فتجد هناك باب مخدع من خشب الصندل مكتوب حفراً على إطاره مما يلي الأرض من يمينك ما هذا نقل نصه بالحرف الواحد:
(بسم الله ارحمن الرحيم. قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى. ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً. وان الله غفور شكور.)
ثم تجد كتابة تبتدئ من اسفل الإطار وتصعد إلى أعلاه ثم تنحدر إلى أسفله. وهذا حرفها:
(هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس احمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين. الذي طوى البلاد إحسانه وعدله. وغمر البلاد فضله. قرن الله أوامره الشريفة باستمرار النجح والنشر. وبإظهاره التأييد والنصر وجعل لأيامه المخلدة حداً لا يكبو جواده. ولآرائه الممجدة سعداً لا يخبو زناده في عز تخضع له الأقدار فتطيعه عواصيها. وملك تخشع له الملوك فتملكه نواصيها. يتولى المملوك معد ابن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحيوة في أيامه المخلدة ويتمنى أنفاق بقية عمره في الدعاء لدولته المؤبدة. استجاب الله ادعيته. وبلغه في أيامه الشريفة أمنيته).
وترى على العتبة محفوراً أيضاً ما هذا إعادة نصه: (من سنة 606 هلالية. وحسبنا الله ونعم الوكيل. وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين). وفي عتبة باب المخدع عن يمينك مما يلي الأرض ثقب بقدر ما يدخل فيه الكف. ويروي عنه أن الناصر لدين الله هو الذي ثقبه لكي يلقى فيه من يريد أن يوصل عريضة إلى صاحب الزمان وهو اليوم على حالته الأولى.
....
(للبحث صلة)
م. كاظم الدجيلي


مجلة الرسالة (922/ 24، بترقيم الشاملة آليا)
4 - الشيخ كاظم الدجيلي شاعر عراقي، واسع الإطلاع كثير المعرفة؛ اشتغل في بغداد بالصحافة قبل الحرب العالمية الأولى. وهو يحب الرحلة والتنقل، ويميل إلى التحقيق العلمي. قد رأينا فيما قرأناه له من شعر، قوة نزوع للحياة وشدة اندفاع للحرية، وهو يعتقد بأن لا بد للحق من قوة تعضده وإلا فهو ضائع





الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم (34/ 9)
قال الخليفة القاضي العباسي:
والراقصات وسعيهن إلى منى ... قسما بمكة والحطيم وزمزم
تبدو على جبهات أولاد الزنا ... بغض الوصي علامة مكتوبة
سيان عند الله صلى أو زنى ... من لا يوالي في البرية حيدرا




الكنى والالقاب (94/ 5)
[233]
(الناصر لدين الله)
أبوالعباس احمد بن المستضئ، ولد 10 رجب سنة 553 بويع له عند وفاة ابيه سنة 575 وهوابن 23 سنة، ومدة خلافته 46 سنة و 10 أشهر و 28 يوما، ولم يل الخلافة من اهل بيته اطول مدة منه.
وكان في آبائه اربعة عشر خليفة، وكان نقش خاتمه رجائي من الله عفوه وكان يتشيع ويميل إلى مذهب الامامية.
قال ابن الطقطقي: كان الناصر من افاضل الخلفاء وأعيانهم، بصيرا بالامور مجربا سائسا مهيبا مقداما عارفا شجاعا.
وكان يرى رأي الامامية، طالت مدته وصفى له الملك، وأحب مباشرة احوال الرعية بنفسه حتى كان يتمشى في الليل في دروب بغداد ليعرف اخبار الرعية ومايدور بينهم، وصنف كتبا وسمع الحديث النبوي صلوات الله على صاحبه واسمعه ولبس لباس الفتوة وألبسه.
وكان باقعة زمانه ورجل عصره، في ايامه انقرضت دولة آل سلجوق بالكلية، وكان للناصر من المبار والوقوف مايفوت الحصر، وبنى دور الضيافات والمساجد والربط مايتجاوز حد الكثرة إنتهى ملخصا.
وفي اعيان الشيعة ماملخصة: وكان الناصر عالما مؤلفا شجاعا شاعرا، راويا للحديث، ويعد في الحدثين.
قال الذهبي: اجاز الناصر لجماعة من الاعيان فحدثواعنه، منهم ابن سكينة وابن الاخضر وابن النجار وابن الدامغاني وآخرون إنتهى.
وله كتاب في فضائل امير المؤمنين عليه السلام رواه السيد ابن طاووس في كتابه اليقين عن السيد فخار بن معد الموسوي عن الناصر حكي انه ذهبت إحدى عيني الناصر في آخر عمره وبقي يبصر بالاخرى ابصارا ضعيفا ولا يشعر بذلك احد،
[234]
وكانت له جارة علمهاالخط بنفسه، فكانت تكتب مثل خطه، فتكتب على التواقيع.
وعن تاريخ مختصر الخلفاء لابن الساعي قال: لم يل الخلافة احد اطول خلافة من الناصر فأقام فيها 47 سنة ولم يزل في عز وجلالة وفمع للاعداء واستظهار على الملوك والسلاطين في اقطار الارض مدة حياته، فماخرج عليه خارجى إلا قمعه، ولامخالف إلا دفعه ولا آوى اليه مظلوم مشتت الشمل إلا جمعه وكان إذا اطعم اشبع وإذا ضرب اوجمع، وقد ملا القلوب هيبة وخيفة، فكان يرهبه اهل الهند ومصر كمايرهبه اهل بغداد.
وكان الملوك والاكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا اصواتهم هيبة وإجلالا. وملك من الممالك مالم يملكه احد ممن تقدمه الخلفاء والملوك، وخطب له ببلاد الاندلس وبلاد الصين. وكان أسد بني العباس تصدع لهيبته الجبال، إلى ان قال: وكان يتشيع وجعل مشهد الامام موسى الكاظم عليه السلام أمنالمن لاذبه، فكان الناس يلتجئون اليه في حاجاتهم ومهماتهم وجرائمهم فيقضي النصر لهم حوائجهم، ويعفوعن جرائمهم، إنتهى.
ومما ينسب اليه قوله:
قسسامكة والحطيم وزمزم * والراقصات ومشيهن إلى منى
بغض الوصي علامة مكتوبة * تبدو على جبهات أولاد الزنا
من لم يوالي في البرية حيدرا * سيان عند الله صلى أز زنى
وحكي ابن عبيدالله نقيب الطالبيين بالموصل كتب إلى الناصر بلغنا انك عدلت عن مذهب التشيع إلى التسنن، فان كان ذلك صحيحا فمروا باعلامي عن السبب فأجابه الناصر بهذه الابيات:
يمينا بقوم أوضحوا منهج الهدى * وصاموا وصلوا والانام نيام
[235]
أصاب بهم عيسى ونوح بهم نجا * وناجى بهم موسى وأعقب سام
لقد كذب الواشون فيما تخرصوا * وحاشا الضحى ان يعتريه ظلام
والناصر هوالذي كتب اليه الملك الافل علي بن صلاح الدين يوسف بن ايوب وكان أبوه اوصى اليه بالسلطنة وجعله ولى عهده وهو اكبر ولده، وأخذ له البيعة على اخيه نجم الدين ابى بكر بن ايوب وعلى ابنه عثمان بن صلاح الدين، ولمامات صلاح الدين وثباعليه واغتصبا منه الملك فكتب إلى الامام الناصر بهذه الابيات وهي مشهورة وواها عامة المؤرخين مع جوابها:
مولاي ان ابابكر وصاحبه * عثمان قد غصبا بالسيف حق علي
وهو الذي كان قدولاه والده * عليهما فاستقام الامر حين ولي
فخالفاه وحلا عقد بيعته * والامر بينهما والنص فيه جلي
فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي * من الاواخر مالاقى من الاول
فأجابه الناصر يقول:
وافى كتابك ياابن يوسف ناطقا * بالصدق بخير ان اصلك طاهر
غصبواعليا حقه إذ لم يكن * بعد النبي له بيثرب ناصر
فاصبر فان غدا عليه حسابهم * وابشر فناصرك الامام الناصر
وفي اعيان الشيعة ايضا، والامام الناصر الذي بني سرداب الغيبة في سامراء وجعل فيه شباكامن الآبنوس الفاخر أو الساج، كتب على دائره اسمه وتاريخ عمله وهو باق لهذا الوقت وكأنمافرغ منه الصناع الآن. وهذاصورة ماكتب عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم قل لا اسألكم عليه اجرا إلاالمودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) هذاما أمر بعمله سيدنا ومولانا الامام المفترض طاعته على جميع الانام (أبوالعباس احمد الناصر لدين الله) الخ.
ونقش في خشب الساج داخل الصفة في ظهر الحائط ماصورته:
[236]
(بسم الله الرحمن الرحيم)
محمد رسول الله أمير المؤمنين علي ولي الله فاطمة الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمدبن على، جعفر بن محمد موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمدبن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي، القائم بالحق عليهم السلام، هذاعمل علي بن محمدولي آل محمد رحمه الله إنتهى)، وهذا السرداب هو سرداب الدار التي سكنهاثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر، وهم: الامام علي بن محمد الهادي وولده الامام الحسن بن علي العسكري وولده الامام المهدي عليهم السلام، كماسكنوا ايضا في ذلك السرداب وتشرف بسكناهم فيه وجرت لهم فيه الكرامات والمعجزات، وغاب المهدي عليه السلام، بعد ماسكنه ولذلك تتبرك الشيعة وغيرهابه، وتصلي لربهافيه وتدعوه وتطلب منه حوائجها طلبا لبركته بسكنى آل رسول الله فيه وتشريفهم له.
وليس في الشيعة من يعتقد ان المهدي موجود في السرداب، أوغائب فيه كمايرميهم به من يريد التشنيع، وينسب اليهم في ذلك أمورا لاحقيقة لها مثل انهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول وينادون اخرج الينا يا مولانا، فان هذاكذب وافتراء، حتى ان بعض من ذكر ذلك
قال: انه بالحلة، مع ان السرداب في سامراء لافي الحلة، وبالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة إلا تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة اهل البيت (ع) فيه، وهذا الامر لايختص بالشيعة في تبركهم بالامكنة الشريفة، فليتق الله المرجفون إنتهى. توفى الناصر أول شوال سنة 622.