عبد الله بن عباس(3 ق هـ - 68 هـ = 619 - 687 م)

عبد الله بن عباس(3 ق هـ - 68 هـ = 619 - 687 م)


الأعلام للزركلي (4/ 95)
ابن عبَّاس
(3 ق هـ - 68 هـ = 619 - 687 م)
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس: حبر الامة، الصح أبي الجليل.
ولد بمكة. ونشأ في بدء عصر النبوّة، فلازم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة. وشهد مع علي الجمل وصفين. وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها. له في الصحيحين وغير هما 1660 حديثا. قال ابن مسعود: نعم، ترجمان عباس. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام والعربية والأنساب والشعر. وقال عطاء: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما يشاؤون. وكان كثيرا ما يجعل أيامه يوما للفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازي، ويوما للشعر، ويوما لوقائع العرب. وكان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله ولا يدعو لذلك أحدا سواه.
وكان آية في الحفظ، أنشده ابن أبي ربيعة قصيدته التي مطلعها: " أمن آل نعم أنت غاد فمبكر " فحفظها في مرة واحدة، وهي ثمانون بيتا، وكان إذا سمع النوادب سد أذنيه بأصابعه، مخافة أن يحفظ أقوالهن. ولحسان بن ثابت شعر في وصفه وذكر فضائله. وينسب إليه كتاب في " تفسير القرآن - ط " جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه في كل آية فجاء تفسيرا حسنا.
وأخباره كثيرة (1) .
__________
(1) الإصابة، ت 4772 وصفة 1: 314 وحلية 1: 314 وذيل المذيل 21 وتاريخ الخميس 1: 167 ونكت الهميان 180 ونسب قريش 26 وفي المحبر 289 أنه كان ممن يرى المتعة.
وانظر فهرسته.







معجم ‏رجال ‏الحديث ج : 10 ص : 229
6943 - عبد الله بن العباس:
عده الشيخ (تارة) في أصحاب رسول الله ص (6). و (أخرى) في أصحاب أمير المؤمنين ع (3)، و (ثالثة) في أصحاب الحسين ع (15). قائلا: عبد الله و عبيد الله معروفان. و عده البرقي في أصحاب رسول الله ص. روى عن رسول الله ص و روى عنه عطاء بن أبي رباح، تفسير القمي، سورة محمد ص في تفسير قوله تعالى فهل ينظرون إلا الساعة

قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة 1، من الباب 2، من حرف العين: عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله ص كان محبا لعلي ع و تلميذه حاله في الجلالة و الإخلاص لأمير المؤمنين ع أشهر من أن يخفى. و قد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه و هو أجل من ذلك و قد ذكرناها في كتابنا الكبير و أجبنا عنها رضي الله تعالى عنه انتهى.

و ذكره ابن داود في القسم الأول (864)، و قال: عبد الله بن العباس (ل - ي) رضي الله عنه حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل و الجلالة و محبة أمير المؤمنين ع و انقياده إلى قوله. انتهى.

و له مفاخرة مع معاوية و عمرو بن العاص و قد ألقمهما حجرا رواها الصدوق في الخصال في باب الأربعة قول معاوية: إني لأحبك لخصال أربع، الحديث 35.
و قد شهد عند معاوية بأنه سمع رسول الله ص، قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم ذكر بعد ذلك علي بن أبي طالب و الحسن بن علي و الحسين و أولاده التسعة ع. الخصال باب الاثني عشر في أن الخلفاء و الأئمة بعد النبي اثنا عشر، الحديث 41.

ثم إن الكشي ذكر في عبد الله بن العباس (15) عدة روايات مادحة و هي كما تلي:
....
هذا و الأخبار المروية في كتب السير و الروايات الدالة على مدح ابن عباس و ملازمته لعلي و من بعده الحسن و الحسين ع كثيرة و قد ذكر المحدث المجلسي (قدس سره) مقدارا كثيرا منها في أبواب مختلفة من كتابه البحار من أراد الاطلاع عليها فليراجع سفينة البحار في مادة عبس.
و نحن و إن لم نظفر برواية صحيحة مادحة و جميع ما رأيناه من الروايات في أسنادها ضعف، إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في أسنادها، فمن المطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالا.

و بإزاء هذه الروايات روايات قادحة ذكرها الكشي و هي كما تلي: (15)
....
و هذه الرواية مضافا إلى ضعفها بالحسن بن العباس بن حريش آثار الوضع عليها ظاهرة فإن الظاهر من ضحك الباقر ع أن الأمر وقع قريبا و المفروض في الرواية أنه ع كان جالسا و عنده نفر فكانت هذه القصة زمان إمامته ع و لا أقل أنها كانت زمان كبره ع مع أن ابن عباس مات سنة ثمان و ستين و ولد أبو جعفر ع سنة سبع و خمسين فالقضية مكذوبة لا محالة.

و المتحصل مما ذكرنا أن عبد الله بن عباس كان جليل القدر مدافعا عن أمير المؤمنين و الحسنين ع كما ذكره العلامة و ابن داود.
روى عن رسول الله ص.
الفقيه: الجزء 4، باب النوادر و هو آخر أبواب الكتاب، الحديث 852.
و روى عنه عبد الله بن جعفر الطيار، الكافي: الجزء 1، كتاب الحجة 4، باب ما جاء في الاثني عشر و النص عليهم ع 126، ذيل الحديث 4.







مقاتل الطالبيين (ص: 73)
فصلّى بهم قيس بن سعد [بن عبادة] ، ثم خطبهم فقال:
أيّها الناس، لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع «أي الجبان» إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط، إن أباه عمّ رسول الله (ص) ، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، وإن أخاه ولّاه علي أمير المؤمنين على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين، فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال، وإن هذا ولّاه على اليمن، فهرب من بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوه، وصنع الآن هذا الذي صنع.







الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص: 420
استخلاف ابن عباس على البصرة
و روى الواقدي عن رجاله قال لما أراد أمير المؤمنين ع الخروج من البصرة استخلف عليها عبد الله بن العباس و أوصاه «1» و كان في وصيته له أن قال:
«يا ابن عباس عليك بتقوى الله و العدل بمن وليت عليه و أن تبسط للناس وجهك و توسع عليهم مجلسك و تسعهم بحلمك و إياك و الغضب فإنه طيرة من الشيطان و إياك و الهوى فإنه يصدك عن سبيل الله و اعلم أن ما قربك من الله فهو مباعدك من النار و ما باعدك من الله فهو مقربك من النار و اذكر الله كثيرا و لا تكن من الغافلين» «2».
و روى أبو مخنف لوط بن يحيى قال: لما استعمل أمير المؤمنين ع عبد الله بن العباس على البصرة خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال:
«يا «3» معاشر الناس قد استخلفت عليكم عبد الله بن العباس فاسمعوا له و أطيعوا أمره ما أطاع الله و رسوله فإن أحدث فيكم أو زاغ «4» عن الحق فأعلموني أعزله عنكم فإني‏
__________________________________________________
(1)- ق، ط: وصاه. قال في الدر النظيم ج 1 الورقة 128 «و استخلف عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، و جعل زياد بن أبيه كاتب عبد الله بن عباس، و جعل أبا الأسود الدؤلي على الشرطة».
(2)- الإمامة و السياسة ج 1 ص 85- 86، و نهج البلاغة ص 465 ك 76، و قارن بالأخبار الطوال ص 152، و مروج الذهب ج 2 ص 381.
(3)- ق.، ط:- يا.
(4)- «زاغ عن الطريق: إذا عدل عنه» لسان العرب ج 8 ص 432 (زيغ).
الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص: 421
أرجو أن أجده عفيفا تقيا ورعا و إني لم أوله عليكم إلا و أنا أظن ذلك به غفر الله لنا و لكم»
فأقام عبد الله «1» بالبصرة حتى عمل «2» أمير المؤمنين ع على «3» التوجه إلى الشام فاستخلف عليها زياد ابن أبيه و ضم إليه أبا الأسود الدؤلي و لحق بأمير المؤمنين ع حتى سار إلى صفين‏








رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال ؛ النص ؛ ص53
عبد الله بن عباس‏
102 و روى محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن سنان، عن موسى بن بكر الواسطي، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (ع) قال، سمعته يقول:
قال أمير المؤمنين (ع) اللهم العن ابني فلان‏ «1» و أعم أبصارهما كما عميت قلوبهما الإجلين في رقبتي‏ «2» و اجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما.
103 جعفر بن معروف، قال حدثنا يعقوب بن يزيد الأنباري، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (ع) قال‏ أتى رجل أبي (ع) فقال إن فلانا يعني عبد الله بن العباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت و فيم نزلت، قال فسله فيمن نزلت: و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا. و فيم نزلت: و لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم‏. و فيم نزلت: يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا. فأتاه الرجل.
و قال: وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله و لكن سله ما العرش و متى خلق و كيف هو فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال: و هل أجابك في الآيات قال لا، قال: و لكني أجيبك فيها بنور و علم غير المدعي و المنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه و أما الأخيرة فنزلت في أبي و فينا
______________________________
(1)- هما عبد الله بن عباس و عبيد الله بن عباس.
(2)- الأجل بالكسر: الوجع. و في الترتيب: الاكليم؟؟؟.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 54
و ذكر الرباط الذي أمرنا به بعد و سيكون ذلك من نسلنا المرابط و من نسله المرابط، فأما ما سألت عنه، فما العرش‏ «1»: فإن الله عز و جل جعله أرباعا لم يخلق قبله شيئا إلا ثلاثة أشياء الهواء و القلم و النور ثم خلقه من ألوان مختلفة من ذلك، النور الأخضر الذي منه اخضرت‏ «2» الخضرة و من نور أصفر اصفرت‏ «2» منه الصفرة و نور أحمر احمرت‏ «2» منه الحمرة و نور أبيض و هو نور الأنوار و منه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، و ليس من ذلك طبق‏ إلا يسبح بحمده‏ و يقدسه بأصوات مختلفة و ألسنة غير مشتبهة و لو سمع واحدا منها شي‏ء مما تحته لانهدم الجبال و المدائن و الحصون و لخسف البحار و لهلك ما دونه، له ثمانية أركان يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله‏ يسبحون الليل و النهار لا يفترون‏، و لو حس حس شي‏ء مما فوقه ما أقام لذلك طرفة عين، بينه و بين الإحساس الجبروت و الكبرياء و العظمة و القدس و الرحمة ثم العلم‏ «3»، و ليس وراء هذا «4»، لقد طمع الخائن في غير مطمع، أما إن في صلبه وديعة قد ذرئت لنار جهنم سيخرجون أقوام من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه، و ستصبغ الأرض بدماء الفراخ من فراخ آل محمد، تنهض تلك الفراخ‏ «5» في غير وقت و تطلب غير ما تدرك، و يرابط الذين آمنوا
______________________________
(1)- فما العرش- خ.
(2)- خلقت- خ.
(3)- ثم القلم- خ.
(4)- هذا مقال- خ.
(5)- الفرخ بالفتح: ولد الطائر و كل صغير من النبات و الحيوان و الجمع فراخ بالكسر.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 55
و يصبرون لما يرون‏ حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين‏.
4- 104 حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة، قال حدثنا الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، عن أحمد بن محمد بن زياد قال‏ جاء رجل إلى علي بن الحسين (ع) و ذكر نحوه.
105 محمد بن مسعود، قال حدثني جعفر بن أحمد بن أيوب، قال حدثني حمدان بن سليمان أبو الخير، قال حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد اليماني، قال حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي، عن أبيه الحسين، عن طاوس، قال‏: كنا على مائدة ابن عباس، و محمد بن الحنفية حاضر، فوقعت جرادة فأخذها محمد، ثم قال هل تعرفون ما هذه النقط السود في جناحها قالوا الله أعلم. فقال أخبرني أبي علي بن أبي طالب (ع) أنه كان مع النبي (ص) ثم قال: هل تعرف يا علي هذه النقط السود في جناح هذه الجرادة قال قلت الله و رسوله أعلم. فقال (ع) مكتوب في جناحها أنا الله رب العالمين‏، خلقت الجراد جندا من جنودي أصيب به من أشاء من عبادي، فقال ابن عباس: فما بال هؤلاء القوم يفتخرون علينا يقولون إنهم أعلم منا، فقال محمد ما ولدهم إلا من ولدني، قال، فسمع ذلك الحسن بن علي (ع) فبعث إليهما و هما بالمسجد الحرام، فقال لهما أما إنه قد بلغني ما قلتما إذ وجدتما جرادة، فأما أنت يا ابن عباس ففيمن نزلت‏ «1» ف لبئس المولى و لبئس العشير. في أبي أو في أبيك و تلا عليه آيات من كتاب الله كثيرا، ثم قال: أما و الله لو لا ما نعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو
______________________________
(1)- نزلت هذه الآية- خ.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 56
و ستعلمه، ثم إنك بقولك هذا مستنقص في بدنك و يكون الجرموز من ولدك، و لو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه و أنكروه.
106 حمدويه و إبراهيم، قالا حدثنا أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن سلام بن سعيد، عن عبد الله بن عبد ياليل‏ «1» رجل من أهل الطائف، قال‏: أتينا ابن عباس (رحمة الله عليهما) نعوده في مرضه الذي مات فيه، قال، فأغمي عليه في البيت فأخرج إلى صحن الدار، قال، فأفاق، فقال: إن خليلي رسول الله (ص) قال إني سأهجر هجرتين و إني سأخرج من هجرتي: فهاجرت هجرة مع رسول الله (ص) و هجرة مع علي (ع) و إني سأعمى: فعميت، و إني سأغرق: فأصابني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت ثم استخرجوني بعد، و أمرني أن أبرأ من خمسة: من الناكثين و هم أصحاب الجمل و من القاسطين و هم أصحاب الشام و من الخوارج و هم أهل النهروان و من القدرية الذين‏ «2» ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر و من المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله أعلم، قال، ثم قال: اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب و أموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب، قال، ثم مات فغسل و كفن ثم صلي على سريره، قال، فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى‏
______________________________
(1)- و في نسخة د، و ه، و الترتيب: عبد ثاليل.
(2)- و هم الذين- خ.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 57
الناس‏ «1» [فقالوا] إنما هو فقهه فدفن.
107 جعفر بن معروف، قال حدثني محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن ابن جريح‏ «2»، عن أبي عبد الله (ع) أن ابن عباس لما مات و أخرج:
خرج من كفنه طير أبيض يطير ينظرون إليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم، فقال: و كان أبي يحبه‏ «3» حبا شديدا، و كانت أمه تلبسه ثيابه و هو غلام فينطلق إليه في غلمان بني عبد المطلب، قال فأتاه بعد ما أصاب بصره‏ «4» فقال من أنت قال أنا محمد بن علي بن الحسين، فقال حسبك من لم يعرفك فلا عرفك.
108 جعفر بن معروف، قال حدثني الحسن بن علي‏ «5» بن نعمان، عن أبيه، عن معاذ بن مطر، قال سمعت إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال حدثني بعض أشياخي، قال‏: لما هزم علي بن أبي طالب (ع) أصحاب الجمل، بعث أمير المؤمنين (ع) عبد الله بن عباس (رحمة الله عليهما) إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل و قلة العرجة «6» قال ابن عباس فأتيتها و هي في قصر بني خلف في جانب البصرة قال فطلبت الإذن عليها فلم تأذن فدخلت عليها من غير
______________________________
(1)- الناس فقالوا- خ.
(2)- في نسخة ج: ابن شريح. و في الترتيب: شريح.
(3)- اى يحب ابن عباس ابى.
(4)- اصيبت بصره- خ.
(5)- في النسخة، و في ه: الحسين بن على.
(6)- عرج: لبث و وقف، و العرجة بالفتح و الضم: ما يقام عليه.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 58
إذنها، فإذا بيت قفار «1» لم يعد- لي فيه مجلس فإذا هي من وراء سترين، قال فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة، قال فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا و جلست على متاعنا بغير إذننا، فقال لها ابن عباس (رحمة الله عليهما) نحن أولى بالسنة منك و نحن علمنا «2» السنة، و إنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله (ص) فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشية «3» لدينك عاتية على ربك عاصية لرسول الله (ص) فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك و لم نجلس على متاعك إلا بأمرك، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة و قلة العرجة! فقالت رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب، فقال ابن عباس هذا و الله أمير المؤمنين و إن تزبدت‏ «4» فيه وجوه و رغمت فيه معاطس، أما و الله لهو أمير المؤمنين و أمس برسول الله رحما و أقرب قرابة و أقدم سبقا و أكثر علما و أعلى منارا و أكثر آثارا من أبيك و من عمر، فقالت أبيت ذلك، فقال أما و الله إن كان إباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكد «5»، و ما كان‏
______________________________
(1)- القفر و القفار بالفتح: الخالى. و الطنفسة: البساط و في شرح ابن أبي الحديد (ج 2 ص 82) فلم يوضع لي شي‏ء اجلس عليه فتناولت و سادة.
(2)- في سائر النسخ: علمناك.
(3)- غاشة- خ.
(4)- تزبد الرجل: غضب و تهدد. و تربد بالمهملة: تعبس و تغير.
و المعطس: الأنف و الجمع معاطس.
(5)- قليل الخير.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 59
إباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت لا تأمرين و لا تنهين و لا ترفعين و لا تضعين، و ما كان مثلك إلا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد، حيث يقول:
ما زال إهداء القصائد «1» بيننا شتم الصديق و كثرة الألقاب‏
حتى تركتهم كأن قلوبهم‏ في كل مجمعة طنين ذباب‏

قال، فأراقت دمعتها و أبدت عويلها و تبدى‏ «2» نشيجها، ثم قالت:
أخرج و الله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلي من بلد تكونون فيه! فقال ابن 0 عباس رحمه الله: فو الله‏ «3» ما ذا بلاءنا عندك‏ «4» و لا بضيعتنا [بصنيعنا] إليك، إنا جعلناك للمؤمنين أما و أنت بنت أم رومان و جعلنا أباك صديقا و هو ابن أبي قحافة، فقالت يا ابن عباس تمنون علي برسول الله! فقال و لم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به و نحن لحمه و دمه و منه و إليه، و ما أنت إلا حشية «5» من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لونا و لا بأحسنهن وجها و لا بأرشحهن عرقا و لا بأنضرهن ورقا «6» و لا بأطرإهن أصلا، فصرت تامرين فتطاعين و تدعين فتجابين، و ما مثلك إلا كما قال‏
______________________________
(1)- و في شرح ابن أبي الحديد: الصغائر.
(2)- ابدى: اظهر، و تبدى: ظهر.
(3)- فلم فو الله- خ.
(4)- في البحار (ج 8 ص 451 كمپانى) ما نافية اي ليس هذا جزاء نعمتنا.
(5)- الإحتشاء الإمتلاء و الحشية: الفراش المحشو.
(6)- روقا- خ.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 60
أخو بني فهر:
مننت على قومي فأبدوا عداوة فقلت لهم كفوا العداوة و الشكرا
ففيه رضا من مثلكم لصديقه‏ و أحج بكم أن تجمعوا البغي و الكفرا

قال: ثم نهضت و أتيت أمير المؤمنين (ع) فأخبرته بمقالتها و ما رددت عليها، فقال أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك.
109 قال الكشي: روى علي بن يزداد الصائغ الجرجاني، عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الأعلى الجزري، عن خلف المخرمي البغدادي، عن سفيان بن سعيد، عن الزهري، قال سمعت الحارث يقول: استعمل علي (ع) على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة و لحق بمكة و ترك عليا (ع) و كان مبلغه ألفي ألف‏ «1» درهم، فصعد علي (ع) المنبر حين بلغه ذلك فبكى، فقال هذا ابن عم رسول الله (ص) في علمه و قدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم و اقبضني إليك غير عاجز و لا ملول.
110 قال الكشي: قال شيخ من أهل اليمامة، يذكر عن معلى بن هلال، عن الشعبي، قال‏: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة و ذهب به إلى الحجاز:
كتب إليه علي بن أبي طالب: من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس، أما بعد: فإني قد كنت أشركتك في أمانتي و لم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق لمواساتي و مؤازرتي و أداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان‏
______________________________
(1)- في الترتيب: الف الف درهم.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 61
على ابن عمك قد كلب و العدو عليه قد حرب و أمانة الناس قد عرت‏ «1» و هذه الأمور قد فشت‏ «2»: قلبت لابن عمك ظهر المجن‏ «3» و فارقته مع المفارقين و خذلته أسوأ خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك و كأنك لم تكن على بينة من ربك و كأنك إنما كنت تكيد أمة محمد (ص) على دنياهم و تنوي غرتهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة أمة محمد ص أسرعت الوثبة و عجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزل‏ «4» رمية المعزى الكثير كأنك لا أبا لك إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك و أمك، سبحان الله! أ ما تؤمن بالمعاد أ و ما تخاف من سوء الحساب أ و ما يكبر عليك أن تشتري الإماء و تنكح النساء بأموال الأرامل و المهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد، اردد إلى قوم أموالهم! فو الله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن الله فيك، فو الله لو أن حسنا و حسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة «5» و لا لواحد منهما عندي‏
______________________________
(1)- اما من العزة بمعنى القلة و الضعف او من العرى بالمهملة بمعنى النزع و الإهمال.
(2)- و هذه الأمة قد فتنت- خ. و في النهج: و امانة الناس قد خزيت و هذه الأمة قد فنكت.
(3)- بكسر الأول و المجنة: الترس، يقال: قلب مجنه اي اسقط الحياء، و قلب ظهر المجن إذا تحول الى العداوة.
(4)- المعز الكبير- خ و الأزل: السريع الخفيف الوركين. و الرمية: الصيد.
و المعزى جمع معز بالكسر. و في النهج: دامية المعزى الكسيرة.
(5)- بالفتح: اللين و الرفق و الرخصة.




رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 62
فيه رخصه حتى آخذ الحق و أزيح الجور عن مظلومها، و السلام.
قال، فكتب إليه عبد الله بن عباس، أما بعد- فقد أتاني كتابك، تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة: و لعمري إن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت، و السلام.
قال، فكتب إليه علي بن أبي طالب (ع) أما بعد- فالعجب كل العجب من تزيين نفسك، إن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت و أكثر مما لرجل من المسلمين: فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الإثم و يحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله إنك لأنت العبد المهتدي إذا! فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا «1» تشتري مولدات مكة و الطائف تختارهن على عينك و تعطى فيهن مال غيرك، و إني لأقسم بالله ربي و ربك رب العزة: ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرو و أشد باغتباطك‏ «2» تأكله رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدى و عرضت على ربك و المحل الذي يتمنى الرجعة و المضيع‏ «3» للتوبة كذلك و ما ذلك‏ و لات حين مناص‏- و السلام.
قال فكتب إليه عبد الله بن عباس، أما بعد- فقد أكثرت علي فو الله لأن ألقى الله بجميع ما في الأرض من ذهبها و عقيانها أحب إلي أن ألقى الله‏
______________________________
(1)- بفتحتين و المعطن مبرك الإبل و مربض الغنم حول الماء.
(2)- اغتبط: كان في مسرة و حسن حال و في نسخة: فلا غرور اشد.
(3)- و المضيع للتوبة لذلك- خ. و في النهج: و يتمنى المضيع الرجعة.

رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، النص، ص: 63
بدم رجل مسلم.

________________________________________
كشى، محمد بن عمر، رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال، 1جلد، مؤسسة نشر دانشگاه مشهد - مشهد، چاپ: اول، 1409 ق.









شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ؛ ج‏16 ؛ ص169
اختلاف الرأي فيمن كتب له هذا الكتاب‏
و قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب فقال الأكثرون إنه عبد الله بن العباس رحمه الله و رووا في ذلك روايات و استدلوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب‏



شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏16، ص: 170
كقوله أشركتك في أمانتي و جعلتك بطانتي و شعاري و أنه لم يكن في أهلي رجل أوثق منك و قوله على ابن عمك قد كلب ثم قال ثانيا قلبت لابن عمك ظهر المجن ثم قال ثالثا و لابن عمك آسيت و قوله لا أبا لغيرك و هذه كلمة لا تقال إلا لمثله فأما غيره من أفناء الناس فإن عليا ع كان يقول لا أبا لك.
و قوله أيها المعدود كان عندنا من أولي الألباب و قوله لو أن الحسن و الحسين ع و هذا يدل على أن المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده.
و قد روى أرباب هذا القول‏ أن عبد الله بن عباس كتب إلى علي ع جوابا من هذا الكتاب قالوا و كان جوابه أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة و لعمري أن حقي في بيت المال أكثر مما أخذت و السلام.
قالوا فكتب إليه علي ع أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل واحد من المسلمين فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم و يحل لك المحرم إنك لأنت المهتدي السعيد إذا و قد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة و المدينة و الطائف تختارهن على عينك و تعطي فيهن مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك و تب إلى الله ربك و أخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت و تترك ما جمعت و تغيب في صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد قد فارقت الأحباب و سكنت التراب و واجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت و السلام.



شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏16، ص: 171
قالوا فكتب إليه ابن عباس أما بعد فإنك قد أكثرت علي و و الله لأن ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها و ذهبها و عقيانها و لجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم و السلام‏
. و قال آخرون و هم الأقلون هذا لم يكن و لا فارق عبد الله بن عباس عليا ع و لا باينه و لا خالفه و لم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع.
قالوا و يدل على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل علي ع و قد ذكرناه من قبل قالوا و كيف يكون ذلك و لم يخدعه معاوية و يجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين ع و استمالهم إليه بالأموال فمالوا و تركوا أمير المؤمنين ع فما باله و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس و لا اجتذبه إلى نفسه و كل من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي ع و ما كان يلقاه به من قوارع الكلام و شديد الخصام و ما كان يثني به على أمير المؤمنين ع و يذكر خصائصه و فضائله و يصدع به من مناقبه و مآثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك بل كانت الحال تكون بالضد لما اشتهر من أمرهما.
و هذا عندي هو الأمثل و الأصوب.
و قد قال الراوندي المكتوب إليه هذا الكتاب هو عبيد الله بن العباس لا عبد الله‏



شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏16، ص: 172
و ليس ذلك بصحيح فإن عبيد الله كان عامل علي ع على اليمن و قد ذكرت قصته مع بسر بن أرطاة فيما تقدم و لم ينقل عنه أنه أخذ مالا و لا فارق طاعة.
و قد أشكل علي أمر هذا الكتاب فإن أنا كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة فإنهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه و قد ذكر في أكثر كتب السير و إن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ع في حياته و بعد وفاته و إن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل أمير المؤمنين ع و الكلام يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله و بني عمه فأنا في هذا الموضع من المتوقفين‏
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏16، ص: 173
42 و من كتاب له ع إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي‏
و كان عامله على البحرين فعزله و استعمل النعمان بن عجلان الزرقي مكانه‏ أما بعد فإني قد وليت النعمان
________________________________________
ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبه الله، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 10جلد، مكتبة آية الله المرعشي النجفي - قم، چاپ: اول، 1404ق.














مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 129
24 كتابه عليه السلام إلى بعض عماله‏
أما بعد؛ فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك، بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك فارفع إلي حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس، والسلام. «1»
[أقول: نقله السيد رحمه الله كما ذكرنا من دون إيعاز إلى المكتوب إليه، و لكن ابن عبد ربه، و البلاذري صرحوا بأنه عبد الله بن عباس، ابن عمه و الوالي على البصرة من قبله.
و لا بأس بذكر جميع ما يتعلق بقصة ابن عباس في بيت مال البصرة، قال الطبري: مر عبد الله بن عباس على أبي الأسود، فقال: لو كنت من البهائم كنت جملا، و لو كنت راعيا ما بلغت المرعى، و لا أحسنت مهنته في المشي‏ «2»].
قال ابن أعثم: ثم بعث علي إلى عبد الله بن العباس، و هو عامله على البصرة، يأمره أن يخرج إلى الموسم فيقيم الحج للناس.
قال: فدعا عبد الله بن عباس بأبي الأسود الدؤلي فاستخلفه على صلاة البصرة، و دعا بزياد بن أبيه فجعله على الخراج، و تجهز عبد الله بن عباس، و خرج إلى الموسم.
______________________________
(1). نهج البلاغة: الكتاب 40، بحار الأنوار: ج 33 ص 515؛ أنساب الأشراف: ج 2 ص 397، العقد الفريد: ج 3 ص 346، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص 164، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 515 الرقم 537.
(2). تاريخ الطبري: ج 5 ص 141 و راجع: الكامل في التاريخ: ج 2 ص 432، أنساب الأشراف: ج 2 ص 396، العقد الفريد: ج 3 ص 346.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 130
قال: و جرت بين أبي الأسود و زياد بن أبيه منافرة، فهجاه أبو الأسود، و قال فيه هذه الأبيات:
ألا بلغا عني زيادا رسالة يحث إليه حيث كان من الأرض‏
فما لك من ورد إذا ما لقيتني‏ يقطع دوني طرف عيني كالمغضي‏
و ما لي إذا ما أخلف الود بيننا أمر القوى منه و تعمل في النقض‏
أ لم تر أني لا أكون شيمتي‏ يكون غول الأرض في الطول و العرض‏

قال: ثم بلغ أبا الأسود بعد ذلك أن زيادا يشتمه، و يقول فيه القبيح، فأنشأ يقول:
نبئت أن زيادا ظل يشتمني‏ و القول يكتب عند الله و العمل‏
لقد «1» لقيت زيادا ثم قلت له‏ من قبل ذلك ما جاءت به الرسل‏
حتام تذكرني في كل مجتمع‏ عرضا و أنت إذا ما شئت تنتقل‏
حتام تشتمني حتام تذكرني‏ و قد ظلمت و تستعفي و تنتصل‏
ثم تعود و تنسى ما يوافقني‏ و العذر يندم و النسيان و العجل‏

قال: و قدم عبد الله بن العباس من الحج، فأقبل إليه زياد بن أبيه، فشكى إليه أبا الأسود الدؤلي، و ذكر أنه قد هجاه، فأرسل إليه ابن عباس فدعاه، فقال: أما و الله، لو كنت من البهائم ...
فكتب- أبو الأسود- إلى علي بن أبي طالب:
أما بعد؛ فإن الله تبارك و تعالى قد جعلك يا أمير المؤمنين واليا مؤتمنا، و راعيا
______________________________
(1) في المصدر «قد» و الصحيح «و لقد».



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 131
مسئولا، و لقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة، ناصحا للرعية، توفر عليهم حقوقهم، و تزجر نفسك عن دنياهم، و لا تأكل أموالهم و لا ترتشي في أموالهم، و إن ابن عمك هذا قد أكل مال الله بغير حق، فلم يسعني كتمانك ذلك، فانظر رحمك الله فيما هاهنا، و اكتب إلي برأيك فيما أحببت من ذلك- إن شاء الله-.
[فلما وصل كتاب أبي الأسود عليا عليه السلام و قرأه‏] فكتب إليه علي رضى الله عنه:
كتابه عليه السلام لأبي الأسود الدؤلي‏
«أما بعد؛ فمثلك نصح الإمام والأمة، ودل على الحق، وقد كتبت إلى صاحبك فيما ذكرت من أمره ولم أعلمه بكتابك إلي، فلا تدعن إعلامي بما يكون بحضرتك ما فيه النظر لأمة محمد صلى الله عليه و آله، فإنه واجب عليك في دينك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» «1».
[أقول: كتب علي عليه السلام إلى ابن عباس الكتاب المتقدم، و قال ابن أعثم: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن عباس:]
صورة أخرى من كتابه إلى ابن عباس:
«أما بعد؛ يابن العباس فقد بلغني عنك أمور، الله أعلم بها، فإن تكن حقا فلست أرضاها لك، وإن تكن باطلا فإثمها على من اقترفها، فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعلمني في جوابه ما أخذت من مال البصرة، من أين أخذته، وفيم وضعته» «2».
______________________________
(1). الفتوح: ج 4 ص 240 و راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 141، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 433، العقد الفريد:
ج 3 ص 346، أنساب الأشراف: ج 2 ص 397.
(2). الفتوح: ج 4 ص 242.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 132
[فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس كتب إليه عليه السلام‏]
أما بعد؛ فإن كل الذي بلغك باطل، و أنا لما تحت يدي ضابط، و عليه حافظ، فلا تصدق علي الظنين. «1» [صورة أخرى على رواية ابن أعثم:]
أما بعد؛ فقد علمت الذي بلغك عني، و أن الذي أبلغك الباطل، و إني لما تحت يدي لضابط و حافظ، فلا تصدق أقوال الوشاة ما لم يكن، و أما تعظيمك مرزأة ما رزأته‏ «2» من هذه البلدة، فو الله لئن ألقى الله عز و جل بما في الأرض من لجينها و عقيانها، و على ظهرها من طلاعها أحب إلي من أن ألقاه و قد أرقت دماء الأمة؛ فابعث إلى عملك من أحببت فإني معتزل عنه، و السلام‏ «3». «4» فكتب علي عليه السلام:
كتابه عليه السلام إلى ابن عباس‏
«أما بعد؛ فإنه لا يسعني تركك حتى تعلمني ما أخذت من الجزية من أين أخذته، وما وضعت منها أين وضعته.
فاتق الله، فيما ائتمنتك عليه، واسترعيتك إياه، فإن المتاع بما أنت رازمه‏ «5»
______________________________
(1). العقد الفريد: ج 3 ص 346 و راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 141، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 433، أنساب الأشراف: ج 2 ص 397.
(2) رزأ المال: إذا أصاب منه شيئا.
(3). الفتوح: ج 4 ص 242.
(4) و خلط ابن أعثم بين هذا الكتاب و الكتاب الذي تقدم عن العقد الفريد و أنساب الأشراف و تاريخ الطبري، و بين ما يأتي.
(5) رازمه: أي جامعه.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 133
قليل، وتبعاته وبيلة لا تبيد. والسلام».
فلما رأى أن عليا غير مقلع عنه، كتب إليه:
أما بعد؛ فإنه بلغني تعظيمك علي مرزئة مال بلغك أني رزأته‏ «1» أهل هذه البلاد، وايم الله، لأن ألقى الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها «2» ومخبئها، وبما على ظهرها من طلاعها ذهبا، أحب إلي من أن ألقى الله وقد سفكت دماء هذه الأمة لأنال بذلك الملك والإمرة. ابعث إلى عملك من أحببت، فإني ظاعن. والسلام. «3» فلما أراد عبد الله- بن عباس- المسير من البصرة دعا أخواله من بني هلال بن عامر بن صعصعة ليمنعوه، فجاء الضحاك بن عبد الله الهلالي، فأجاره، ومعه رجل منهم يقال له: عبد الله بن رزين وكان شجاعا بئيسا، فقالت بنو هلال:
لا غنى بنا عن هوازن، فقالت هوازان: لا غنى بنا عن بني سليم.
ثم أتتهم قيس، فلما رأى اجتماعهم له حمل ما كان في بيت مال البصرة، وكان فيما زعموا ستة آلاف ألف، فجعله في الغرائر.
قال: فحدثني الأزرق اليشكري، قال: سمعنا أشياخنا من أهل البصرة قالوا: لما وضع المال في الغرائر ثم مضى به، تبعته الأخماس كلها بالطف، على أربع فراسخ من البصرة، فوافقوه.
فقالت لهم قيس: والله، لا تصلوا إليه ومنا عين تطرف.
______________________________
(1) يقال: رزأ المال رزاء ومرزئة، إذا أصاب منه شيئا.
(2) العقيان: الذهب.
(3). العقد الفريد: ج 3 ص 346 وراجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 141، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 433، أنساب الأشراف: ج 2 ص 899؛ رجال الكشي: ج 1 ص 280.




مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 134
فقال ضمرة، وكان رأس الأزد: والله إن قيسا لإخوتنا في الإسلام، وجيراننا في الدار، وأعواننا على العدو، إن الذي تذهبون به المال، لو رد عليكم لكان نصيبكم منه الأقل، وهم خير لكم من المال.
قالوا: فما ترى؟
قال: انصرفوا عنهم.
فقالت بكر بن وائل، وعبد القيس: نعم الرأي رأي ضمرة، واعتزلوهم.
فقالت بنو تميم: والله، لا نفارقهم حتى لنقاتلهم عليه.
فقال الأحنف بن قيس: أنتم والله، أحق إلاتقاتلوهم عليه، وقد ترك قتالهم من هو أبعد منكم رحما.
قالوا: والله لنقاتلنهم فقال: والله لا نعاونكم على قتالهم، وانصرف عنهم فقدم عليهم ابن المجاعة، فقاتلهم.
فحمل عليه الضحاك بن عبد الله فطعنه في كتفه فصرعه، فسقط إلى الأرض بغير قتل، وحمل سلمة بن ذؤيب السعدي على الضحاك فصرعه أيضا، وكثرت بينهم الجراح من غير قتل.
فقال الأخماس الذين اعتزلوا: والله ما صنعتم شيئا. اعتزلتم قتالهم وتركتموهم يتشاجرون. فجاؤوا حتى صرفوا وجوه بعضهم عن بعض، وقالوا لبني تميم:
والله، إن هذا اللؤم قبيح، لنحن أسخى أنفسا منكم حين تركنا أموالنا لبني عمكم، وأنتم تقاتلونهم عليها، خلوا عنهم وأرواحهم، فإن القوم فدحوا.
فانصرفوا عنهم، ومضى معه ناس من قيس، فيهم الضحاك بن عبد الله وعبد الله بن رزين، حتى قدموا الحجاز، فنزل مكة، فجعل راجز لعبد الله بن عباس يسوق له في الطريق ويقول:



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 135

صبحت من كاظمة القصر الخرب‏ مع ابن عباس بن عبد المطلب‏

وجعل ابن عباس يرتجز، ويقول:
آوي إلى أهلك يا رباب‏ آوي فقد حان لك الإياب‏

وجعل أيضا يرتجز، ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننك لميسا

فقيل له: يا أبا العباس، أمثلك يرفث في هذا الموضع؟
قال: إنما الرفث ما يقال عند النساء.
قال أبو محمد: فلما نزل مكة اشترى من عطاء بن جبير مولى بني كعب، من جواريه ثلاث مولدات حجازيات، يقال لهن: شاذن، وحوراء، وفتون. بثلاثة آلاف دينار.
و قال سليمان بن أبي راشد، عن عبد الله بن عبيد، عن أبي الكنود، قال:
كنت من أعوان عبد الله بالبصرة، فلما كان من أمره ما كان أتيت عليا فأخبرته، فقال:
«واتل عليهم نبأ الذى ءاتينه ءايتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطن فكان من الغاوين» «1».
ثم كتب معه إليه: أما بعد؛ فإني كنت أشركتك في أمانتي ... إلى آخر ما نقله المصنف رحمه الله في‏ معادن الحكمة، فكتب إليه ابن عباس ما نقله المصنف، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام ما نقله المصنف. «2»
______________________________
(1) الأعراف: 175.
(2). العقد الفريد: ج 3 ص 347- 349 و راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 142، الكامل في التاريخ: ج 3 ص 433، أنساب الأشراف: ج 2 ص 389، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص 167؛ نهج البلاغة: الكتاب 41، تذكرة الخواص: ص 151، رجال الكشي: ج 1 ص 279، بحار الأنوار: ج 33 ص 499 ح 705، معادن الحكمة:
ج 1 ص 235- 238.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 136
قال ابن عبد ربه، بعد نقل ما ذكرنا من الكتب: فكتب إليه ابن عباس في جوابه:
و الله، لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملنه إلى معاوية يقاتلك به، فكف عنه علي. «1»
الأقوال في القصة و ما يتلوها:
قال الطبري: و حدثني أبو زيد، قال: زعم أبو عبيدة و لم أسمعه منه، أن ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى قتل علي عليه السلام، فشخص إلى الحسن، فشهد الصلح بينه و بين معاوية، ثم رجع إلى البصرة، و ثقله بها، فحمله و مالا من بيت المال قليلا؛ و قال: هي أرزاقي.
قال أبو زيد: ذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره و زعم أن عليا قتل و ابن عباس بمكة، و أن الذي شهد الصلح بين الحسن و معاوية عبيد الله بن عباس. «2» قال العلامة في خلاصته: عبد الله بن العباس، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله، كان محبا لعلي عليه السلام، و تلميذه، حاله في الجلالة و الإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، و قد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه، و هو أجل من ذلك، و قد ذكرناها في كتابنا الكبير، و أجبنا عنها. «3» و قال العلامة المجلسي رحمه الله في شرح حديث: و يحتمل أن يكون كناية عن ابن عباس فإنه قد انحرف عن أمير المؤمنين عليه السلام، و ذهب بأموال البصرة إلى الحجاز،
______________________________
(1). العقد الفريد: ج 3 ص 349، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 520.
(2). تاريخ الطبري: ج 5 ص 143 و راجع: أنساب الأشراف: ج 2 ص 402.
(3). خلاصة الأقوال: ص 190 الرقم 586، جامع الرواة: ج 1 ص 449.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 137
و وقع بينه عليه السلام و بينه مكاتبات تدل على شقاوته و ارتداده. «1» و قال وكيع في أخبار القضاة: قال أبو بكر: و لما خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى البصرة استخلف عبد الله بن عباس ... فولى عبد الله بن عباس على القضاء عبد الرحمن بن يزيد الحداني ... و قيل استقضى ابن عباس أبا الأسود الدؤلي ... عزله و استقضى الضحاك بن عبد الله الهلالي ... و قال أبو عبيدة: كان ابن عباس يفتي الناس و يحكم بينهم، و إنه خرج إلى علي، و معه أبو الأسود الدؤلي و غيره من أهل البصرة، فاستقضى الحارث بن عبد عوف بن أصرم بن عمرو الهلالي، ثم قدم ابن عباس فأقر الحارث، و ابن عباس يتولى عامة الأحكام بالبصرة، ثم كان بعد ذلك كلما شخص عن البصرة استخلف أبا الأسود، فكان هو المفتي، و القاضي يومئذ يدعى المفتي، فلم يزل كذلك حتى قتل علي عليه السلام في سنة أربعين ... و قال أبو عبيدة: لم ينزح ابن عباس من البصرة حتى قتل علي عليه السلام، فشخص إلى الحسن بن علي، و شهد الصلح بينه و بين معاوية، ثم رجع إلى البصرة و ثقله بها، فحمله و مالا من مالها، و قال: هي أرزاقي اجتمعت.
و أنكر المدائني ذلك، و زعم أن عليا عليه السلام قتل، و ابن عباس بمكة، و أن الذي شهد الصلح عبيد الله بن عباس. «2»
عبيد الله بن عباس‏
عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أخو عبد الله بن عباس، ابن عم النبي صلى الله عليه و آله و الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. ولد على عهد النبي صلى الله عليه و آله. «3»
______________________________
(1). بحار الأنوار: ج 69 ص 225.
(2). أخبار القضاة: ج 1 ص 287- 289.
(3). سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 512 الرقم 121.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 138
و قيل: إنه سمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله في صغره، و حفظه، و حدث به، و كان مشهورا بالسخاء. «1» ولاه الإمام عليه السلام على اليمن‏ «2»، و فر بعد غارة بسر بن أرطاة عليها «3»، و عثر بسر على طفليه الصغيرين فذبحهما «4». و عاد عبيد الله إليها بعد أن غادرها بسر. «5» جعله الإمام الحسن عليه السلام على مقدمة الجيش الذي أنفذه إلى معاوية، و لكنه خان، و انخدع بمال معاوية، و من ثم التحق به. «6» و توفي بالمدينة في أيام معاوية و يقال: إنه كف بصره. «7» في‏ الغارات‏ عن أبي روق: كان الذي هاج معاوية على تسريح بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز و اليمن، أن قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون قتله لم يكن لهم نظام و لا رأس، فبايعوا لعلي عليه السلام على ما في أنفسهم، و عامل علي عليه السلام يومئذ على صنعاء عبيد الله بن العباس، و عامله على الجند «8» سعيد بن نمران، فلما اختلف الناس على علي عليه السلام بالعراق، و قتل محمد بن أبي بكر بمصر،
______________________________
(1). ذخائر العقبى: ص 394؛ الدرجات الرفيعة: ص 144.
(2). أنساب الأشراف: ج 4 ص 79، تاريخ الطبري: ج 5 ص 92 و ص 155، تاريخ خليفة بن خياط: ص 151؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 179، الغارات: ج 2 ص 621.
(3). الغارات: ج 2 ص 62؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 139، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 513 الرقم 121، اسد الغابة:
ج 03 ص 52 الرقم 3470، تاريخ خليفة بن خياط: ص 151.
(4). الغارات: ج 2 ص 621؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 140، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 513 الرقم 121، اسد الغابة: ج 3 ص 520 الرقم 3470.
(5). اسد الغابة: ج 3 ص 520 الرقم 3470، تاريخ خليفة بن خياط: ص 151.
(6). رجال الكشي: ج 1 ص 330 الرقم 179، مقاتل الطالبيين: ص 73.
(7). أنساب الأشراف: ج 4 ص 79، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 514 الرقم 121، تاريخ خليفة بن خياط: ص 171.
(8) الجند: شمالي تعز، و هي عن صنعاء ثمانية و أربعون فرسخا. (تقويم البلدان: ص 91).



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 139
و كثرت غارات أهل الشام تكلموا، ودعوا إلى الطلب بدم عثمان، و منعوا الصدقات و أظهروا الخلاف، فبلغ ذلك عبيد الله بن العباس فأرسل إلى ناس من وجوههم فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم؟
قالوا: إنا لم نزل ننكر قتل عثمان و نرى مجاهدة من سعى عليه، فحبسهم، فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند و أظهروا أمرهم، و خرج إليهم من كان بصنعاء، و انضم إليهم كل من كان على رأيهم، و لحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة.
فذكر من حديث أبي روق قال: و التقى عبيد الله و سعيد بن نمران و معهما شيعة علي، فقال ابن عباس لابن نمران: و الله، لقد اجتمع هؤلاء و إنهم لنا لمقاربون و لئن قاتلناهم لا نعلم على من تكون الدائرة، فهلم فلنكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بخبرهم و عددهم و بمنزلهم الذي هم به، فكتبا إلى علي عليه السلام:
أما بعد، فإنا نخبر أمير المؤمنين أن شيعة عثمان وثبوا بنا و أظهروا أن معاوية قد شيد أمره، و اتسق له أكثر الناس، و إنا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين و من كان على طاعته، و إن ذلك أحمشهم و ألبهم، فتعبوا لنا و تداعوا علينا من كل أوب، و نصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم، ممن سعى إلينا إرادة أن يمنع حق الله المفروض عليه، و قد كانوا لا يمنعون حقا عليهم و لا يؤخذ منهم إلا الحق فاستحوذ عليهم الشيطان، فنحن في خير، و هم منك في قفزة، و ليس يمنعنا من مناجزتهم إلا انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام الله عزه و أيده و قضى بالأقدار الصالحة في جميع اموره، و السلام.
فلما وصل كتابهما ساء عليا عليه السلام و أغضبه فكتب إليهما:
«من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن العباس و سعيد بن نمران،



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 140
سلام عليكما، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنه أتاني كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة، و تعظمان من شأنها صغيرا، و تكثران من عددها قليلا، و قد علمت أن نخب أفئدتكما و صغر أنفسكما و شتات رأيكما، و سوء تدبيركما، هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عنكما نائما، و جرأ عليكما من كان عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما، فامضيا إلى القوم حتى تقرءا عليهم كتابي إليهم، و تدعواهم إلى حظهم و تقوى ربهم؛ فإن أجابوا حمدنا الله و قبلنا منهم، و إن حاربوا استعنا عليهم بالله، و نبذناهم على سواء
«إن الله لايحب الخآئنين» «1».
و السلام عليكما» «2».
و عن أبي الوداك: كنت عند علي عليه السلام حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه و على عبيد الله ألا يكونا قاتلا بسرا، فقال سعيد: و الله قاتلت، و لكن ابن عباس خذلني و أبى أن يقاتل، و لقد خلوت به حين دنا منا بسر، فقلت: إن ابن عمك لا يرضى مني و لا منك إلا بالجد في قتالهم، و ما نعذر.
قال ابن أعثم: ثم اعتزل ابن عباس عمل البصرة، و قعد في منزله، فكتب إليه علي بن أبي طالب رضى الله عنه بكتاب يعذله فيه على غضبه، و يكذب من سعى به إليه، و أعاده إلى عمله. «3» و روى الكشي عن الزهري، عن الحارث يقول: استعمل علي عليه السلام على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة، و لحق بمكة، و ترك عليا عليه السلام، و كان مبلغه ألفي ألف درهم. فصعد علي عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى،
______________________________
(1) الأنفال: 58.
(2). الغارات: ج 2 ص 592؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 3.
(3). الفتوح: ج 4 ص 242.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 141
فقال:
«هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه و آله في علمه وقدره يفعل مثل هذا، فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول. «1»
و قال اليعقوبي: و كتب أبو الأسود الدؤلي، و كان خليفة عبد الله بن عباس بالبصرة، إلى علي عليه السلام يعلمه أن عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب إليه يأمره بردها، فامتنع، فكتب يقسم له بالله لتردنها، فلما ردها عبد الله بن عباس، أو رد أكثرها، كتب إليه علي عليه السلام:
«أما بعد، فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، واجعل همك لما بعد الموت. والسلام» «2».
و قال المأمون في رسالته إلى بني هاشم في أمير المؤمنين عليه السلام: ... ثم لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولي أمور المسلمين، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس تعظيما لحقه، و صلة لرحمه، و ثقة به، فكان من أمره الذي يغفر الله له. «3» و قال ابن الزبير في خطبته بمكة على المنبر و ابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر: إن هاهنا رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره، يزعم أن متعة النساء
______________________________
(1). رجال الكشي: ج 1 ص 279 الرقم 109، بحار الأنوار: ج 42 ص 152 ح 21.
(2). تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 205 و راجع: نهج البلاغة: الكتاب 22، خصائص الأئمة عليهم السلام: ص 95، تحف العقول:
ص 200، بحار الأنوار: ج 33 ص 495؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 42 ص 503، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15 ص 140.
(3). الطرائف: ص 278، بحار الأنوار: ج 49 ص 210.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 142
حلال من الله و رسوله، و يفتي في القملة و النملة و قد احتمل بيت مال البصرة بالأمس، و ترك المسلمين بها يرتضخون النوى، و كيف ألومه في ذلك و قد قاتل أم المؤمنين، و حواري رسول الله صلى الله عليه و آله، و من وقاه بيده.
فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة:
استقبل بي وجه ابن الزبير و ارفع من صدري، و كان ابن عباس قد كف بصره، فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير، و أقام قامته، فحسر عن ذراعيه، ثم قال: يا بن الزبير، ... أما حملي المال، فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، و بقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله، فأخذناها بحقنا. «1» و حينما فر عبيد الله بن العباس إلى معاوية فخرج أمير الجند بعده قيس بن سعد بن عبادة، و صلى بالناس و خطب، فقال: ... و إن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة، فسرق مال الله و مال المسلمين، فاشترى به الجواري، و زعم أن ذلك له حلال. «2» و اختار الأكثر كما صرح به ابن أبي الحديد، أنه أخذ بيت مال البصرة، و فارق عليا عليه السلام، و مال إليه ابن الأثير في‏ الكامل في التاريخ‏، و أسد الغابة، و البلاذري في‏ أنساب الأشراف‏. «3» و قال ابن أبي الحديد في شرح الكتاب المتقدم- فإني كنت أشركتك في أمانتي-: و قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب، فقال الأكثرون: إنه‏
______________________________
(1). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 129- 130.
(2). مقاتل الطالبيين: ص 73.
(3) راجع: الكامل في التاريخ: ج 2 ص 432، أسد الغابة: ج 3 ص 293 الرقم 3037 في ترجمة عبد الله، أنساب الأشراف: ج 2 ص 903.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 143
عبد الله بن العباس رحمه الله، و رووا في ذلك روايات، و استدلوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب، كقوله‏
«أشركتك في أمانتي، وجعلتك بطانتي، وشعاري، وأنه لم يكن في أهلي رجل أوثق منك»،
و قوله:
«على ابن عمك قد كلب»،
ثم قال ثانيا:
«قلبت لابن عمك ظهر المجن»،
ثم قال ثالثا:
«ولابن عمك آسيت»،
و قوله:
«لا أبا لغيرك»،
و هذه كلمة لا تقال إلا لمثله، فأما غيره من أفناء الناس، فإن عليا عليه السلام كان يقول:
«لا أبا لك».
و قوله:
«أيها المعدود كان عندنا من أولي الألباب»،
و قوله:
«لو أن الحسن والحسين عليهما السلام»،
و هذا يدل على أن المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده.
و قد روى أرباب هذا القول أن عبد الله بن عباس كتب إلى علي عليه السلام جوابا من هذا الكتاب، قالوا: و كان جوابه:- فنقل الكتب المتقدمة-.
و قال آخرون و هم الأقلون: هذا لم يكن، و لا فارق عبد الله بن عباس عليا عليه السلام، و لا باينه و لا خالفه، و لم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي عليه السلام.
قالوا: و يدل على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل علي عليه السلام، و قد ذكرناه من قبل، قالوا:
و كيف يكون ذلك و لم يخدعه معاوية، و يجره إلى جهته، فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين عليه السلام و استمالهم إليه بالأموال، فمالوا و تركوا أمير المؤمنين عليه السلام، فما باله و قد علم النبوة التي حدثت بينهما، لم يستمل ابن عباس، و لا اجتذبه إلى نفسه؛ و كل من قرأ السير، و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي عليه السلام، و ما كان يلقاه به من قوارع الكلام، و شديد الخصام، و ما كان يثني به على أمير المؤمنين عليه السلام، و يذكر خصائصه و فضائله،



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 144
و يصدع به من مناقبه و مآثره، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك، بل كانت الحال تكون بالضد لما اشتهر من أمرهما.
و هذا عندي هو الأمثل و الأصوب.
و قد قال الراوندي: المكتوب إليه هذا الكتاب هو عبيد الله بن العباس، لا عبد الله؛ و ليس ذلك بصحيح، فإن عبيد الله كان عامل علي عليه السلام على اليمن، و قد ذكرت قصته مع بسر بن أرطاة فيما تقدم، و لم ينقل عنه أنه أخذ مالا، و لا فارق طاعة.
و قد أشكل علي أمر هذا الكتاب، فإن أنا كذبت النقل، و قلت: هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام، خالفت الرواة، فإنهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه، و قد ذكر في أكثر كتب السير.
و إن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما أعلمه من ملازمته، لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته و بعد وفاته.
و إن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل أمير المؤمنين عليه السلام، و الكلام يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله و بني عمه، فأنا في هذا الموضع من المتوقفين. «1» و قال ابن ميثم في الشرح: المشهور أن هذا الكتاب إلى عبد الله بن عباس حين كان واليا له على البصرة، و ألفاظ الكتاب‏
«فإني كنت أشركتك في أمانتي ...»،
تنبه على ذلك- ثم بعد نقله ما تقدم نقله في المعادن قال:- و أنكر قوم ذلك، و قالوا: إن عبد الله بن عباس لم يفارق عليا عليه السلام، و لا يجوز أن يقول في حقه‏
______________________________
(1). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص 169- 172، بحار الأنوار: ج 33 ص 500- 503.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 145
ما قال القطب الراوندي رحمه الله، يكون المكتوب إليه هو عبيد الله، و حمله على ذلك أشبه، و هو به أليق.
و اعلم أن هذين القولين لا مستند لهما: أما الأول فهو مجرد استبعاد أن يفعل ابن عباس ما نسب إليه، و معلوم أن ابن عباس لم يكن معصوما، و علي عليه السلام لم يكن ليراقب في الحق أحدا، و لو كان أعز أولاده كما تمثل بالحسن و الحسين عليهما السلام في ذلك، فكيف بابن عمه، بل يجب أن يكون الغلظة على الأقرباء في هذا الأمر أشد.
ثم إن غلظته عليه و عتابه له لا يوجب مفارقته إياه، لأنه كان إذا فعل أحد من أصحابه ما يستحق به المؤاخذة أخذه به، سواء كان عزيزا أو ذليلا، قريبا منه أو بعيدا، فإذا استوفى حق الله منه، أو تاب إليه مما فعل عاد في حقه إلى ما كان عليه ... و أما القول الثاني، فإن عبيد الله كان عاملا له عليه السلام باليمن و لم ينقل عنه مثل ذلك. «1»
أبو الأسود الدؤلي‏
هو ظالم بن عمرو «2»، المعروف بأبي الأسود الدؤلي‏ «3». أحد الوجوه البارزة و الصحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. «4» أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله، لكنه لم يحظ برؤيته‏ «5». و هو من المتحققين بمحبة علي‏
______________________________
(1). شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 5 ص 89- 90.
(2) قد اختلف في اسمه كما اختلف في اسم أبيه و جده، و المشهور ما ورد في المتن، و الذي يسهل الأمر أنه مشهور بكنيته و لقبه، و لم يختلف في كنيته أحد.
(3). الطبقات الكبرى: ج 7 ص 99، المعارف لابن قتيبة: ص 434، تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 176 و فيه «ديلي» بدل «دؤلي».
(4). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 195، اسد الغابة: ج 3 ص 102 الرقم 2652.
(5). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 184، سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 82 الرقم 28، البداية و النهاية: ج 8 ص 312.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 146
و محبة ولده‏ «1». و يمكن أن نستشف هذا الحب من أشعاره الحسان‏ «2».
الذين ترجموا له ذكروه بعناوين متنوعة منها: علوي‏ «3»، شاعر متشيع‏ «4»، من وجوه الشيعة «5».
شهد أبو الأسود حروب الإمام عليه السلام ضد مساعير الفتنة في الجمل‏ «6»، و صفين‏ «7». و عينه الإمام عليه السلام قاضيا على البصرة عند ما ولى عليها ابن عباس‏ «8».
و كان ابن عباس يقدره، و حينما كان يخرج من البصرة، يفوض إليه أعمالها «9»، و كان ذلك يحظى بتأييد الإمام عليه السلام أيضا «10». و وسع أبو الأسود علم النحو بأمر الإمام عليه السلام الذي كان قد وضع اسسه و قواعده‏ «11»، و أقامه و رسخ دعائمه‏ «12»، و هو
______________________________
(1). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 188.
(2). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 188 و ص 200، الأغانى: ج 12 ص 372، الكامل للمبرد: ج 3 ص 1125.
(3). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 184.
(4). الطبقات الكبرى: ج 7 ص 99.
(5). سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 82 الرقم 28، الأغانى: ج 12 ص 346.
(6). سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 82 الرقم 28، تاريخ الإسلام للذهبي: ج 5 ص 278 الرقم 124، تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 184.
(7). المعارف لابن قتيبة: ص 434، وفيات الأعيان: ج 2 ص 535 الرقم 313.
(8). تاريخ الطبري: ج 5 ص 93، تاريخ الإسلام للذهبي: ج 5 ص 276 الرقم 124.
(9). الطبقات الكبرى: ج 7 ص 99، المعارف لابن قتيبة: ص 434؛ وقعة صفين: ص 117، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 205.
(10). الطبقات الكبرى: ج 7 ص 99.
(11). سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 82 الرقم 28، تاريخ الإسلام للذهبي: ج 5 ص 278 الرقم 124، الأغاني: ج 12 ص 347، تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 189، البداية و النهاية: ج 8 ص 312.
(12) يدور كلام كثير حول إرساء دعائم علم النحو: فالاول لم يترددوا في دور الإمام عليه السلام و أبي الأسود فيه. أما المتأخرون من الدارسين و الباحثين العرب فقد تأثر بعضهم بآراء بعض المستشرقين الذين ترددوا فيه. راجع:
دائرة المعارف بزرگ اسلامى (بالفارسية): ج 5 ص 180- 191، و توفر بعض الكتاب على انتقاد آراء اخرى في سياق تثبيتهم دور الإمام عليه السلام و أبي الأسود فيه.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 147
أول من أعجم القرآن الكريم و أشكله‏ «1».
و له في الأدب العربي منزلة رفيعة؛ فقد عد من أفصح الناس‏ «2». و تبلور نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الذي رثى به الإمام عليه السلام، و هو آية على محبته للإمام، و بغضه لأعدائه.
و لم يدخر وسعا في وضع الحق موضعه، و الدفاع عن علي عليه السلام، و مناظراته مع معاوية «3» دليل على صراحته و شجاعته و ثباته و استقامته في معرفة «خلافة الحق» و «حق الخلافة» و مكانة علي عليه السلام العلية السامقة.
و خطب بعد استشهاد الإمام عليه السلام خطبة حماسية من وحي الألم و الحرقة، و أخذ البيعة من الناس للإمام الحسن عليه السلام بالخلافة «4».
فارق أبو الأسود الحياة سنة 69 ه «5».
في ربيع الأبرار: سأل زياد بن أبيه أبا الأسود عن حب علي فقال: إن حب علي يزداد في قلبي حدة، كما يزداد حب معاوية في قلبك؛ فإني اريد الله و الدار الآخرة بحبي عليا، و تريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية، و مثلي و مثلك كما قال أخو مذحج:
______________________________
(1). الأغاني: ج 12 ص 347، الإصابة: ج 3 ص 455 الرقم 4348، تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 192 و 193، وفيات الأعيان: ج 2 ص 537.
(2). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 190.
(3). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 177.
(4). الأغاني: ج 12 ص 380.
(5). سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 86 الرقم 28، تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 210، الأغاني: ج 12 ص 386.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 148

خليلان مختلف شأننا اريد العلاء و يهوى اليمن‏
احب دماء بني مالك‏ و راق المعلى بياض اللبن‏ «1»

و في العقد الفريد: لما قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة «2»، قال له معاوية: بلغني يا أبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين، فما كنت تحكم به؟
قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين و أبناء المهاجرين، و ألفا من الأنصار و أبناء الأنصار، ثم ناشدتهم الله: المهاجرين و أبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء؟
قال له معاوية: لله أبوك! أي حكم كنت تكون لو حكمت! «3» و في‏ تاريخ مدينة دمشق‏: كان أبو الأسود ممن صحب عليا، و كان من المتحققين بمحبته و محبة ولده، و في ذلك يقول:
يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا ينسى عليا
احب محمدا حبا شديدا و عباسا و حمزة و الوصيا
فإن يك حبهم رشدا اصبه‏ و ليس بمخطئ إن كان غيا

و كان نازلا في بني قشير بالبصرة، و كانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعلي و ولده، فإذا أصبح فذكر رجمهم، قالوا: الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون، لو رجمني‏
______________________________
(1). ربيع الأبرار: ج 3 ص 479.
(2) عام الجماعة: هو العام الذي سلم فيه الإمام الحسن عليه السلام الأمر لمعاوية، و ذلك في جمادى الاولى سنة (41 ه) (جواهر المطالب: ج 2 ص 199).
(3). العقد الفريد: ج 3 ص 342، تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 180 عن سعيد عن بعض أصحابه نحوه و ليس فيه سؤال معاوية.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 149
الله لأصابني، و أنتم ترجمون فلا تصيبون‏ «1».
و في‏ سير أعلام النبلاء عن أبي الأسود: دخلت على علي، فرأيته مطرقا، فقلت:
فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أضع كتابا في اصول العربية.
فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا! فأتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها: الكلام كله: اسم، و فعل، و حرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى، و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، و الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل. ثم قال لي: زده و تتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه‏ «2».
و في‏ الأغاني‏: قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم- يعنون به النحو-؟
فقال: أخذت حدوده عن علي بن أبي طالب عليه السلام‏ «3».
و في: «الأربعون حديثا» عن علي بن محمد: رأيت ابنة أبي الأسود الدؤلي و بين يدي أبيها خبيص‏ «4»، فقالت: يا أبه، أطعمني، فقال: افتحي فاك. قال: ففتحت، فوضع فيه مثل اللوزة، ثم قال لها: عليك بالتمر؛ فهو أنفع و أشبع.
فقالت: هذا أنفع و أنجع؟
______________________________
(1). تاريخ مدينة دمشق: ج 25 ص 188، الكامل للمبرد: ج 3 ص 1125، الأغاني: ج 12 ص 371 عن ابن عائشة عن أبيه و كلاهما نحوه مع زيادة في الأبيات، وفيات الأعيان: ج 2 ص 535 و ليس فيه الأبيات.
(2). سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 84 الرقم 28، تاريخ الإسلام للذهبي: ج 5 ص 279 و راجع الأغاني: ج 12 ص 347 و وفيات الأعيان: ج 2 ص 535، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 20.
(3). الأغاني: ج 12 ص 348، وفيات الأعيان: ج 2 ص 537 و فيه «لقنت» بدل «أخذت».
(4) الخبيص: حلواء معمول من التمر و السمن، يخبص [أي يخلط] بعضه في بعض (راجع: تاج العروس: ج 9 ص 265).



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 150
فقال: هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حب علي بن أبي طالب عليه السلام.
فقالت: قبحه الله! يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر؟ تبا لمرسله و آكله! ثم عالجت نفسها و قاءت ما أكلت منه، و أنشأت تقول باكية:
أ بالشهد المزعفر يا بن هند نبيع إليك إسلاما و دينا
فلا و الله ليس يكون هذا و مولانا أمير المؤمنينا «1»


عبد الله بن عباس‏
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس القرشي الهاشمي، من المفسرين و المحدثين المشهورين في التاريخ الإسلامي‏ «2» ولد بمكة في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين‏ «3». و ذهب إلى المدينة سنة 8 ه، عام الفتح‏ «4». كان عمر يستشيره في أيام خلافته‏ «5». و عند ما ثار الناس على عثمان، كان مندوبه في الحج. «6» و لما آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام كان صاحبه، و نصيره، و مستشاره، و أحد ولاته و أمرائه العسكريين.
كان على مقدمة الجيش في معركة الجمل‏ «7»، ثم ولي البصرة «8» بعدها. و قبل‏
______________________________
(1). الأربعون حديثا لمنتجب الدين بن بابويه: 81.
(2). أنساب الأشراف: ج 4 ص 39، حلية الأولياء: ج 1 ص 314، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 331 الرقم 51.
(3). المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 615 ح 6277، تاريخ بغداد: ج 1 ص 173 الرقم 14، تاريخ مدينة دمشق: ج 29 ص 289، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 332 الرقم 51.
(4). سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 333 الرقم 51.
(5). تاريخ بغداد: ج 1 ص 173 الرقم 14.
(6). أنساب الأشراف: ج 4 ص 39، تاريخ الطبري: ج 4 ص 448، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 349 الرقم 51.
(7). الجمل: ص 319؛ العقد الفريد: ج 3 ص 314، الإمامة و السياسة: ج 1 ص 90.
(8). أنساب الأشراف: ج 4 ص 39، تاريخ الطبري: ج 5 ص 93، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 353 الرقم 51؛ الجمل: ص 420.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 151
أن تبدأ حرب صفين، استخلف أبا الأسود الدؤلي على البصرة و توجه مع الإمام عليه السلام لحرب معاوية «1».
كان أحد امراء الجيش في الأيام السبعة الاولى من الحرب‏ «2». و لازم الإمام عليه السلام بثبات على طول الحرب.
اختاره الإمام عليه السلام ممثلا عنه في التحكيم، بيد أن الخوارج و الأشعث عارضوا ذلك قائلين: لا فرق بينه و بين علي عليه السلام‏ «3».
حاور الخوارج مندوبا عن الإمام عليه السلام في النهروان مرارا. و أظهر في مناظراته الواعية عدم استقامتهم، و تزعزع موقفهم، كما أبان منزلة الإمام الرفيعة السامية.
كان واليا على البصرة عند استشهاد الإمام عليه السلام‏ «4».
بايع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام‏ «5»، و توجه إلى البصرة من قبله‏ «6». و لم يشترك مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء. و علل البعض ذلك بعماه.
لم يبايع عبد الله بن الزبير حين استولى على الحجاز، و البصرة، و العراق.
و محمد بن الحنفية لم يبايعه أيضا، فكبر ذلك على ابن الزبير حتى هم بإحراقهما «7»
______________________________
(1). أنساب الأشراف: ج 4 ص 39، تاريخ بغداد: ج 1 ص 173 الرقم 14، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 353 الرقم 51؛ الجمل: ص 421، وقعة صفين: ص 117.
(2). وقعة صفين: ص 221؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 13، مروج الذهب: ج 2 ص 388.
(3). وقعة صفين: ص 499؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 51، الأخبار الطوال: ص 192، الفتوح: ج 4 ص 198.
(4). تاريخ الطبري: ج 5 ص 155؛ الإرشاد: ج 2 ص 9.
(5). الإرشاد: ج 2 ص 8؛ الفتوح: ج 4 ص 283.
(6). الإرشاد: ج 2 ص 9.
(7). الطبقات الكبرى: ج 5 ص 100 و 101، تاريخ مدينة دمشق: ج 54 ص 338 و 339، سير أعلام النبلاء:
ج 3 ص 356 الرقم 51، البداية و النهاية: ج 8 ص 306.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 152
كان ابن عباس عالما له منزلته الرفيعة العالية في التفسير، و الحديث، و الفقه.
و كان تلميذ الإمام عليه السلام في العلم‏ «1» مفتخرا بذلك أعظم افتخار.
توفي ابن عباس في منفاه بالطائف سنة 68 ه و هو ابن إحدى و سبعين‏ «2»، و هو يكثر من قوله: اللهم إني أتقرب إليك بمحمد و آله، اللهم إني أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب‏ «3» و في رواية: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال: اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب‏ «4».
خلفاء بني العباس من ذريته و أخبر الإمام عليه السلام بهذا في خطابه لابن عباس أبا الأملاك.
في‏ المستدرك على الصحيحين‏ عن الزهري: قال المهاجرون لعمر بن الخطاب:
ادع أبناءنا كما تدعو ابن عباس.
قال: ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا سئولا، و قلبا عقولا «5».
و في‏ أنساب الأشراف‏: إن ابن عباس خلا بعلي حين أراد أن يبعث أبا موسى فقال: إني أخاف أن يخدع معاوية و عمرو أبا موسى فابعثني حكما و لا تبعثه‏
______________________________
(1). رجال العلامة الحلي: ص 103؛ مختصر تاريخ مدينة دمشق: ج 12 ص 301 الرقم 154، البداية و النهاية: ج 8 ص 298.
(2). المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 626 ح 6309 و ص ج 615 ص 6277، التاريخ الكبير: ج 5 ص 3 ح 5، أنساب الأشراف: ج 4 ص 71، مروج الذهب: ج 3 ص 108، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 359 الرقم 51.
(3). كفاية الأثر: ص 22، بشارة المصطفى: ص 239، المناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 200؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 2 ص 662 الرقم 1129 و ليس في الثلاثة الأخيرة «اللهم إني أتقرب إليك بمحمد و آله».
(4). فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 2 ص 662 الرقم 1129؛ بشارة المصطفى: ص 239، العمدة: ج 272 ص 429، المناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 200، نهج الحق: ص 221.
(5). المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 621 ح 6298، مختصر تاريخ مدينة دمشق: ج 12 ص 304، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 345 الرقم 51.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 153
و لا تلتفت إلى قول الأشعث و غيره ممن اختاره فأبى، فلما كان من أمر أبي موسى و خديعة عمرو له ما كان، قال علي:
«لله در ابن عباس إن كان لينظر إلى الغيب من ستر رقيق» «1».
و في‏ مختصر تاريخ مدينة دمشق‏ عن المدائني: قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عباس:
«إنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق لعقله وفطنته بالامور» «2».
و عن أبي نصر بن أبي ربيعة: ورد صعصعة بن صوحان على علي بن أبي طالب رضى الله عنه من البصرة، فسأله عن عبد الله بن عباس، و كان على خلافته بها، فقال صعصعة: يا أمير المؤمنين، إنه آخذ بثلاث و تارك لثلاث: آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، و بحسن الاستماع إذا حدث، و بأيسر الأمور إذا خولف. تارك للمراء، و تارك لمقاربة اللئيم، و تارك لما يعتذر منه. «3» و في‏ رجال الكشي‏ عن الشعبي: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة و ذهب به إلى الحجاز، كتب إليه علي بن أبي طالب:
«من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس، أما بعد، فإني قد كنت أشركتك في أمانتي، ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمؤاساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، وأمانة الناس قد خربت، وهذه الامور قد قست، قلبت لابن عمك‏
______________________________
(1). أنساب الأشراف: ج 3 ص 121.
(2). مختصر تاريخ مدينة دمشق: ج 12 ص 305، عيون الأخبار لابن قتيبة: ج 1 ص 35، المناقب للخوارزمي:
ج 197 ص 238 و ليس فيهما «لعقله و فطنته بالامور».
(3). شعب الإيمان: ج 6 ص 352 ح 8483، البداية و النهاية: ج 8 ص 300.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 154
ظهر المجن‏ «1»، وفارقته مع المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين.
فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد امة محمد صلى الله عليه و آله على دنياهم، وتنوي غرتهم‏ «2»، فلما أمكنتك الشدة في خيانة امة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزل‏ «3» رمية المعزى الكسير.
كأنك- لا أبا لك- إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وامك، سبحان الله! أ ما تؤمن بالمعاد؟! أ وما تخاف من سوء الحساب؟! أ وما يكبر عليك أن تشتري الإماء، وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد؟!
اردد إلى القوم أموالهم، فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن الله فيك، فوالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل ما فعلت، لما كان لهما عندي في ذلك هوادة، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة، حتى آخذ الحق، وازيح الجور عن مظلومها، والسلام».
قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد، فقد أتاني كتابك، تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، و لعمري إن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت، و السلام.
قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام:
______________________________
(1) ظهر المجن: هذه كلمة تضرب مثلا لمن كان لصاحبه على مودة أو رعاية ثم حال عن ذلك (النهاية: ج 1 ص 308).
(2) الغرة: الغفلة (النهاية: ج 3 ص 354).
(3) الأزل: بتشديد اللام: السريع الجري.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 155
«أما بعد، فالعجب كل العجب من تزيين نفسك، أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت، وأكثر مما لرجل من المسلمين، فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل، وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الإثم، ويحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله أنك لأنت العبد المهتدي إذا.
فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا «1»، تشتري مولدات مكة والطائف، تختارهن على عينك، وتعطي فيهن مال غيرك، وإني لأقسم بالله ربي وربك رب العزة، ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرو، وأشد باغتباطك تأكله رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدى، وعرضت على ربك، والمحل الذي يتمنى الرجعة، والمضيع للتوبة كذلك وما ذلك، ولات حين مناص! والسلام».
قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد، فقد أكثرت علي، فو الله لأن ألقى الله بجميع ما في الأرض من ذهبها و عقيانها، أحب إلي أن ألقى الله بدم رجل مسلم‏ «2».
و في‏ تاريخ الطبري‏: خرج عبد الله بن العباس من البصرة، و لحق مكة في قول عامة أهل السير، و قد أنكر ذلك بعضهم، و زعم أنه لم يزل بالبصرة عاملا عليها من قبل أمير المؤمنين علي عليه السلام حتى قتل، و بعد مقتل علي حتى صالح الحسن معاوية، ثم خرج حينئذ إلى مكة «3»
______________________________
(1) العطن: مبرك الإبل، المراح (النهاية: ج 3 ص 258).
(2). رجال الكشي: ج 1 ص 279 الرقم 110؛ أنساب الأشراف: ج 2 ص 400، العقد الفريد: ج 3 ص 348 عن أبي الكنود، الأوائل لأبي هلال: 196 كلها نحوه.
(3). تاريخ الطبري: ج 5 ص 141، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 432.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 156
تحقيقات و ملاحظات:
لا نجد بعد التحقيق و التدقيق في حياة عبد الله بن العباس في زمان خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، مدة فارق فيها عبد الله عليا عليه السلام و ذهب إلى مكة، على ما نقل في هذه القصة:
لأن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل عثمان وقعت سنة 35 ه. ق، و كان ابن عباس وقتئذ بالمدينة، و هو عنده عليه السلام ليلا و نهارا، يخدمه و يناصحه، و كان من الذين كانوا يتفانون فيه. «1» و لما خرج علي عليه السلام إلى البصرة خرج ابن عباس معه، و لما بلغ ذا قار بعثه علي عليه السلام إلى الكوفة لاستنفار الناس إلى حرب الجمل مع محمد بن أبي بكر أو مع الأشتر «2»، و رجع إلى علي عليه السلام بذي قار، و ارتحل معه حتى نزل البصرة «3»، و أرسله أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائشة و طلحة و الزبير. «4» فلما انتهت الحرب جعله أمير المؤمنين عليه السلام عاملا على البصرة، و كان ذلك سنة ست و ثلاثين. «5» و حج في تلك السنة بالناس لأمير المؤمنين عليه السلام. «6»
______________________________
(1) راجع: تاريخ الطبري: ج 4 ص 427- 441، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 302- 307، الإصابة: ج 4 ص 468، أسد الغابة: ج 4 ص 106، مروج الذهب: ج 2 ص 358.
(2) راجع: تاريخ الطبري: ج 4 ص 482- 487، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 327، أنساب الأشراف: ج 3 ص 29 و 31، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14 ص 10 و 18 و 19؛ بحار الأنوار: ج 32 ص 86 و 87.
(3) راجع: أنساب الأشراف: ج 3 ص 31، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14 ص 18 و 19، البداية و النهاية:
ج 7 ص 237.
(4) راجع: العقد الفريد: ج 3 ص 314، الفتوح: ج 2 ص 486، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 162 و 163 و 165 و 169؛ الجمل: ص 314 و 316 و 317، رجال الكشي: ج 1 ص 277.
(5) راجع: تاريخ الطبري: ج 4 ص 543، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 347، أنساب الأشراف: ج 3 ص 62، مروج الذهب: ج 2 ص 381.
(6) راجع: تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 213.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 157
و لما أراد عليه السلام المسير إلى صفين، كتب إلى ابن عباس كتابا يأمره فيه بالشخوص إليه مع المؤمنين المسلمين من أهل البصرة، و كان سنة ست و ثلاثين.
و جمع الطبري بينهما بأن ابتداء الحرب كان سنة ست و ثلاثين و آخرها كان سنة سبع و ثلاثين، و على كل حال كان ابن عباس في تلك المدة و حتى انقضاء الحرب عند علي عليه السلام، و له مواقف كريمة مشكورة و خطب جليلة فيها. إلا ما كان من حجة للناس من قبل أمير المؤمنين عليه السلام. «1» فلما انقضت الحرب بمكر ابن النابغة، و ابن هند، و جهالة قراء العراق، و فتنة الأشعث و تدبيره، و كذا سائر مخالفي علي عليه السلام الموجودين بين أهل العراق من عيون معاوية و جواسيسه، حتى انتهى الأمر إلى التحكيم، و اختار معاوية و أهل الشام عمرو بن العاص لعنه الله تعالى، و اختلف أهل العراق، و قال لهم علي عليه السلام:
«اختاروا أحد الرجلين، عبد الله بن عباس أو الأشتر»،
و ذلك لوثوقه بهما و اعتماده عليهما، و لكن القراء أبوا ذلك، و مالوا إلى أبي موسى الأشعري المخالف لعلي عليه السلام. «2» و كان ذلك سنة سبع و ثلاثين، لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر، كما تقدم. «3» و قال الواقدي، و المسعودي، و اليعقوبي: أنه كان سنة ثمان و ثلاثين. «4»
______________________________
(1) راجع: وقعة صفين: ص 116؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 78، مروج الذهب: ج 2 ص 384، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 187، جمهرة رسائل العرب: ج 1 ص 404 الرقم 429.
(2) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 51 و 67، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 387، مروج الذهب: ج 2 ص 402، الفتوح: ج 4 ص 198، البداية و النهاية: ج 7 ص 276؛ وقعة صفين: ص 499، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 189.
(3) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 57، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 376- 398، أنساب الأشراف: ج 3 ص 111.
(4) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 71، مروج الذهب: ج 2 ص 406 و 407؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 190.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 158
فلما خرج الحكمان إلى دومة الجندل بعث علي عليه السلام شريح بن هاني على أربعمائة إلى دومة الجندل، و بعث معهم عبد الله بن العباس ليصلي بهم، و معهم أبو موسى، فكان ابن عباس هناك يصلي بهم و يراقب الأمور، و يلتقي مع أبي موسى و يحذره، و له في ذلك مواقف مشرفة و كريمة، حتى انقضى أمر الحكمين بانخداع الأشعري و شقائه، بخداع عمرو بن العاص لعنهما الله تعالى. «1» قال البلاذري: لما أهل (هلال) شهر رمضان سنة سبع و ثلاثين، خرج معاوية من دمشق في أربعمائة حتى نزل دومة الجندل، و سرح يزيد بن الحر العبسي إلى علي يعلمه نزوله دومة الجندل، و يسأله الوفاء، فأتى عليا، فحثه على الشخوص، و قال: إن في حضورك هذا الأمر صلاحا و وضعا للحرب و إطفاء للنائرة.
فقال علي: «يا بن الحر، إني آخذ بأنفاس هؤلاء، فإن تركتهم و غبت عنهم كانت الفتنة في هذا المصر أعظم من الحرب بينهم و بين أهل الشام، و لكني أسرح أبا موسى، فقد رضيه الناس، و أسرح ابن عباس، فهو يقوم مقامي، و لن أغيب عما حضره، ففعل ذلك فبعث إلى ابن عباس، فأقدمه من البصرة. «2» كان ابن عباس بعد كتابة كتاب الصلح و إلى حضوره في دومة الجندل في البصرة، كما صرح به البلاذري في كلامه المتقدم، بأنه: «بعث إلى ابن عباس فأقدمه من البصرة»، فهو رجع من الشام إلى عمله بالبصرة، و بقي فيها إلى أن كتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام، و استقدمه.
______________________________
(1) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 67، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 394 و 395، مروج الذهب: ج 2 ص 402، أنساب الأشراف: ج 3 ص 120، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 244؛ وقعة صفين: ص 533، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 190.
(2). أنساب الأشراف: ج 3 ص 120.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 159
و قال ابن الأثير: فلما خرجت الخوارج و هرب أبو موسى إلى مكة و رد علي ابن عباس إلى البصرة، قام في الكوفة فخطبهم فقال: ... «1» و لما رجع أمير المؤمنين عن الشام إلى الكوفة، و فارقه الخوارج و لم يدخلوا الكوفة، و أتوا قرية يقال لها حروراء، فنزلوا بها و هم اثنا عشر ألفا، و قالت الشيعة:
في أعناقنا بيعة ثانية، نحن أولياء من واليت، و أعداء من عاديت.
فقالت الخوارج: استبقتم أنتم و أهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا و كرهوا، و بايعتم أنتم عليا على أنكم أولياء من و الى و أعداء من عادى.
فقال لهم زياد بن النضر: و الله، ما بسط علي يده فبايعناه قط، إلا على كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله، و لكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته، فقالوا: نحن أولياء من واليت، و أعداء من عاديت، و نحن كذلك، و هو على الحق و الهدى، و من خالفه ضال مضل، و بعث علي ابن عباس إليهم. «2»
25 كتابه عليه السلام إلى قدامة بن عجلان‏
[قدامة- بضم القاف كثمامة- بن عجلان- بفتح العين كشعبان- لم أجد ترجمته في الكتب الموجودة عندي إلا أن الطبري فقد ذكر قدامة بن عجلان الأزدي فيمن شهد حجر بن عدي رحمه الله‏ «3»].
______________________________
(1) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 77، الكامل في التاريخ: ج 2 ص 400، أنساب الأشراف: ج 2 ص 140.
(2). تاريخ الطبري: ج 5 ص 64 و 73 و راجع: الكامل في التاريخ: ج 2 ص 393، الطبقات الكبرى: ج 3 ص 32؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 191.
(3) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 270.



مكاتيب الأئمة عليهم السلام، ج‏2، ص: 160
في‏ أنساب الأشراف‏: كتب عليه السلام إلى قدامة بن عجلان، عامله على كسكر:
«أما بعد، فاحمل ما قبلك من مال الله، فإنه في‏ء للمسلمين، لست بأوفر حظا فيه من رجل منهم، ولا تحسبن يابن أم قدامة أن مال كسكر مباح لك كمال ورثته عن أبيك وأمك، فتعجل حمله، وأعجل في الإقبال إلينا، إن شاء الله». «1»
قدامة بن عجلان الأزدي‏
كان من ولاة الإمام عليه السلام على منطقة كسكر «2». و يستشف من كتاب الإمام عليه السلام إليه‏ «3» أنه كان قد أفرط في التصرف ببيت المال، فانتقده الإمام عليه السلام على ذلك. و لم نحصل على معلومات أكثر حول حياته.
في‏ أنساب الأشراف‏: قدامة بن عجلان عامله (أي علي عليه السلام) على كسكر «4».
26 كتابه علي
________________________________________
احمدى ميانجى، على،


مكاتيب الأئمة عليهم السلام، 7جلد، دار الحديث - قم، چاپ: اول، 1426ق.