جعل معاوية تواتر دروغين براي قتل عثمان


                        شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏2، ص: 71
خيرا] «1» إنه قد أتاك في طلب البيعة خير أهل العراق و من عند خير الناس في أنفس الناس و دعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد و رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي و هو عدو لجرير المرسل إليك فابعث إليه و وطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان و ليكونوا أهل رضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب و إن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشي‏ء أبدا.
فكتب إلى شرحبيل أن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر مفظع فاقدم.
و دعا معاوية يزيد بن أسد و بسر بن أرطاة و عمرو بن سفيان و مخارق بن الحارث الزبيدي و حمزة بن مالك و حابس بن سعد الطائي و هؤلاء رءوس قحطان و اليمن و كانوا ثقات معاوية و خاصته و بني عم شرحبيل بن السمط فأمرهم أن يلقوه و يخبروه أن عليا قتل عثمان فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل و هو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي و هو صاحب معاذ بن جبل و ختنه و كان أفقه أهل الشام فقال يا شرحبيل بن السمط إن الله لم يزل يزيدك خيرا منذ هاجرت إلى اليوم و إنه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من الناس و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم إنه قد ألقي إلى معاوية أن عليا قتل عثمان «2» و لهذا يريدك فإن كان قتله فقد بايعه المهاجرون و الأنصار و هم الحكام على الناس و إن لم يكن قتله فعلام تصدق معاوية عليه لا تهلكن نفسك و قومك فإن كرهت أن يذهب بحظها جرير فسر إلى علي فبايعه عن «3» شامك و قومك فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية فكتب إليه عياض الثمالي و كان ناسكا
__________________________________________________
 (1) من كتاب صفين.
 (2) في كتاب صفين: «إنه قد ألقى إلينا قتل عثمان، و أن عليا قتل عثمان».
 (3) صفين: «على شامك و قومك».
                        شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏2، ص: 72
         يا شرح يا ابن السمط إنك بالغ             بود علي ما تريد من الأمر «1»
             و يا شرح إن الشام شامك ما بها             سواك فدع عنك المضلل من فهر «2»
             فإن ابن هند ناصب لك خدعة             تكون علينا مثل راغية البكر «3»
             فإن نال ما يرجو بنا كان ملكنا             هنيئا له و الحرب قاصمة الظهر
             فلا تبغين حرب العراق فإنها             تحرم أطهار النساء من الذعر
             و إن عليا خير من وطئ الثرى             من الهاشميين المداريك للوتر «4»
             له في رقاب الناس عهد و ذمة             كعهد أبي حفص و عهد أبي بكر
             فبايع و لا ترجع على العقب كافرا             أعيذك بالله العزيز من الكفر
             و لا تسمعن قول الطغاة فإنهم             يريدون أن يلقوك في لجة البحر
             و ما ذا عليهم أن تطاعن دونهم             عليا بأطراف المثقفة السمر
             فإن غلبوا كانوا علينا أئمة             و كنا بحمد الله من ولد الطهر
             و إن غلبوا لم يصل بالخطب غيرنا             و كان علي حربنا آخر الدهر
             يهون على عليا لؤي بن غالب             دماء بني قحطان في ملكهم تجري‏
             فدع عنك عثمان بن عفان إنما             لك الخبر لا تدري بأنك لا تدري‏
             على أي حال كان مصرع جنبه             فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو
.
قال فلما قدم شرحبيل على معاوية أمر الناس أن يتلقوه و يعظموه فلما
__________________________________________________
 (1) شرح: مرخم شرحبيل.
 (2) صفين: «فدع عنك المضلل».
 (3) راغية البكر، يريد رغاء البكر، فوضع راغية موضع المصدر؛ يشير إلى ما كان من رغاء بكر؟؟؟، رغا فيهم فأهلكوا، فضربته العرب مثلا في الشؤم، و أكثرت فيه. انظر الكامل للمبرد 1: 22- بشرح المرصفى.
 (4) الوتر: الثأر و الذحل.
                        شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏2، ص: 73
دخل على معاوية تكلم معاوية فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا شرحبيل إن جرير بن عبد الله قدم علينا يدعونا إلى بيعة علي و علي خير الناس لو لا أنه قتل عثمان بن عفان و قد حبست نفسي عليك و إنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا و أكره ما كرهوا.
فقال شرحبيل أخرج فأنظر فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فكلهم أخبره «1» أن عليا قتل عثمان فرجع مغضبا إلى معاوية فقال يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان و الله إن بايعت له لنخرجنك من شامنا أو لنقتلنك فقال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلا رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق و أن الشام كله مع شرحبيل و كتب إلى علي ع ما سنورده فيما بعد إن شاء الله تعالى‏