کلمات ابن عربی در العواصم من القواصم


محمد بن عبد الله الإشبيلي المالكي أبو بكر ابن العربيّ(468 - 543 هـ = 1076 - 1148 م)
العواصم من القواصم




العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية (ص: 150)
[عاصمة]
[مجيء أصحاب الجمل إلى البصرة]
عاصمة أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه.
ولكن لأي شيء خرجوا؟ لم يصح فيه نقل، ولا يوثق فيه بأحد لأن الثقة لم ينقله، وكلام المتعصب لا يسمع. وقد دخل على المتعصب من يريد الطعن في الإسلام واستنقاض الصحابة.
فيحتمل أنهم خرجوا خلعًا لعلي لأمر ظهر لهم (1) وهو أنهم بايعوا لتسكين الثائرة، وقاموا يطلبون الحق.
ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان (2) .
ويمكن أنهم خرجوا في جمع طوائف المسلمين، وضم نشرهم، وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا. وهذا هو الصحيح، لا شيء سواه، وبذلك وردت صحاح الأخبار.
فأما الأقسام الأولى فكلها باطلة وضعيفة:
أما بيعتهم كرهًا فباطل قد بيناه (3) .
وأما خلعهم فباطل؛ لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع، فيمكن أن يولى واحد أو اثنان، ولا يكون الخلع إلا بعد الإثبات والبيان (4) .
_________
(1) وهذا الاحتمال بعيد عن هؤلاء الأفاضل الصالحين، ولم يقع منهم ما يدل عليه، بل الحوادث كلها دلت علي نزاهتهم عنه. وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13 - 41: 42) فنقل عن كتاب (أخبار البصرة) لعمر بن شبة قول المهلب: "إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة ".
(2) وهذا ما كانوا يذكرونه، إلا أنهم يريدون أن يتفقوا مع علي على الطريقة التي يتوصلون بها إلي ذلك. وهذا ما كان يسعى به الصحابي المجاهد القعقاع بن عمرو، ورضي به الطرفان كما سيأتي.
(3) في ص 143 - 144.
(4) انظر (التمهيد) للباقلاني ص 211 - 212 وص 232 في موضوع الخلع.


إلى:
العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية (ص: 161)---- وقد كتبت شهاداتكم بهذا الباطل وسوف تسألون (2) .



العواصم من القواصم ط دار الجيل (ص: 155)
عاصمة
مجيء أصحاب الجمل إلى البصرة لتأليف الكلمة وللتوصل بذلك إلى إقامة الحد على قتلة عثمان

أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه.
ولكن لأي شيء خرجوا؟ لم يصح فيه نقل، ولا يوثق فيه بأحد؛ لأن الثقة لم ينقله، وكلام المتعصب [غير مقبول] . وقد دخل مع المتعصب من يريد الطعن في الإسلام واستنقاص الصحابة:
فيحتمل أنهم خرجوا خلعًا لعلي لأمر ظهر لهم249، وهو أنهم بايعوا لتسكين الثائرة، وقاموا يطلبون الحق.
ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان250.
ويمكن أنهم خرجوا [لينظروا] في جمع طوائف المسلمين، وضم [تشردهم] ، وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا، وهذا هو الصحيح، لا شيء سواه. بذلك وردت صحاح الأخبار.
فأما الأقسام الأُوَل فكلها باطلة وضعيفة:
أما بيعتهم كرها فباطل [وقد بيناها] .
وأما خلعهم فباطل؛ لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع، فيمكن
__________
249 وهذا الاحتمال بعيد عن هؤلاء الأفاضل الصالحين، ولم يقع منهم ما يدل عليه، بل الحوادث كلها دلت على نزاهتهم عنه، وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 41: 13-42 فنقل عن كتاب "أخبار البصرة" لعمر بن شبة قول الملهب: "إن أحدًا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليًّا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة". "خ".
250 وهذا ما كانوا يذكرونه، إلا أنهم يريدون أن يتفقوا مع علي على الطريقة التي يتوصلون بها إلى ذلك، وهذا ما كان يسعى به الصحابي المجاهد القعقاع بن عمرو، وقبله الطرفان كما سيأتي. "خ".


إلى:
العواصم من القواصم ط دار الجيل (ص: 165)---- فليرجع إليه. "م"



العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية (ص: 161)
[عود إلى ذكر الحوأب ونقض الأسطورة عنه]
وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حوب (1) . ما كان قط شيء كما ذكرتم، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث، ولا جرى ذلك الكلام، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهاداتكم بهذا الباطل وسوف تسألون (2) .
_________
(1) الحوب: الإثم.
(2) تقدم في ص 148 بيان موضع الحوأب. وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة. وقد رأينا خبره عند الطبري (5: 170) فرأيناه يرويه عن إسماعيل بن موسى الفزاري (وهو رجل قال فيه ابن عدي: أنكروا منه الغلو في التشيع) ، ويرويه هذا الشيعي عن علي بن عابس الأزرق (قال عنه النسائي: ضعيف) وهو يرويه عن أبي الخطاب الهجري (قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: مجهول) وهذا الهجري المجهول يرويه عن صفوان بن قبيصة الأحمسي (قال عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: مجهول) . هذا هو خبر الحوأب. وقد بني على أعرابي زعموا أنهم لقوه في طريق الصحراء ومعه جمل أعجبهم فأرادوا أن يكون هو جمل عائشة فاشتروه منه وسار الرجل معهم حتى وصلوا إلى الحوأب فسمع هذا الكلام ورواه، مع أنه هو نفسه - أي الأعرابي صاحب الجمل - مجهول الاسم ولا نعرف عنه إن كان من الكذابين أو الصادقين. ويظهر لي أنه ليس من الكذابين ولا من الصادقين، لأنه من أصله - كالثاني عشر - موهوم لم يخلق، ولأن جمل عائشة واسمه ((عسكر)) جاء به يعلى بن أمية من اليمن وركبته عائشة من مكة إلى العراق، ولم تكن ماشية على رجليها حتى اشتروا لها جملًا من هذا الأعرابي الذي زعموا أنهم قابلوه في الصحراء، وركبوا على لسانه هذه الحكاية السخيفة ليقولوا إن طلحة والزبير - المشهود لهما بالجنة ممن لا ينطق عن الهوى - قد شهدا الزور. ولو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر خبرًا آخر نقله ياقوت في معجم البلدان (مادة حوأب) عن سيف بن عمر التميمي أن المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى بنت مالك الفزارية التي قادت المرتدين ما بين ظفر والحوأب فسباها المسلمون ووهبت لعائشة فأعتقتها، فقيلت فيها هذه الكلمة. وهذا الخبر ضعيف والخبر الذي أورده عن عائشة أضعف منه. وما برح الكذب بضاعة يتجر بها الذين لا يخافون الله.







النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم (ص: 300)---المحقق: الدكتور عمار طالبي
قاصمة:
روى قوم أن البيعة لما تمت لعلي، استأذن طلحة والزبير عليا في الخروج إلى مكة، فقال لهما علي: لعلكما تريدان البصرة والشام، فأقسما ألا يفعلا، وكانت، عائشة بمكة، وهرب عبد الله بن عامر، عامل عثمان على البصرة إلى مكة، ويعلى [و 105 أ] بن أمية (13)، عامل عثمان على اليمن، فاجتمعوا بمكة كلهم، ومعهم مروان بن الحكم، واجتمعت بنو أمية، وحرضوا على دم عثمان. وأعطى يعلى لطلحة والزبير وعائشة، أربعمائة ألف درهم، وأعطي لعائشة "عسكرا" جملا اشتراه باليمن بمائتي دينار، فأرادوا الشام فصدهم ابن عامر، وقال: لا ميعاد لكم بمعاوية، ولي بالبصرة صنائع، ولكن إليها، فجاءوا إلى ماء الحوأب (1)، ونبحت كلابه، فسألت (2) عائشة (3) فقيل لها: هذا الحوأب، فردت خطامها عنه، وذلك لما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب (4) التي تنبحها (5) كلاب الحوأب" (6) فشهد طلحة. والزبير أنه ليس هذا ماء (7) الحوأب (8)، وخمسون رجلا إليهم. وكانت أول شهادة زور، دارت في الإسلام.
وخرج علي إلى الكوفة، وتعسكر الفريقان والتقوا، وقال عمار وقد دنا من هودج عائشة: ما تطلبون؟ قالوا: نطلب دم عثمان. قال: قتل الله في هذا اليوم الباغي، والطالب لغير (9) الحق، والتقى علي والزبير، فقال (10) له علي: أتذكر (11) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لي: أنك تقاتلي؟ فتركه، ورجع، وراجعه ولده، فلم يقبل، وأتبعه الأحنف (12) من قتله. ونادى علي طلحة من بعد، ما تطلب؟ قال: دم عثمان. قال: قتل (13) الله أولانا بدم عثمان. ألم تسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - (14) يقول: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله" وأنت أول من بايعني (15) ونكث.

عاصمة:
أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه، ولكن لأي شيء خرجوا؟ لم (1) يصح فيه نقل، ولا يوثق فيه بأحد، لأن الثقة لم ينقله (2)، وكلام المتعصب غير مقبول (3)، وقد دخل مع المتعصب من يريد الطعن في الإسلام، واستنفاص الصحابة [و 105 ب] فيحتمل أنهم خرجوا خلعا لعلي، لأمر ظهر لهم. وهو (4) أنهم بايعوا لتسكين النائرة (5)، وقاموا يطلبون الحق. ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان. ويمكن أنهم خرجوا لينظروا (6) في جمع طوائف المسلمين وضم تشردهم (7)، وردهم إلى قانون واحد، حتى لا يضطربوا فيقتتلوا، وهذا هو الصحيح لا شيء سواه، وبذلك وردت صحاح الأخبار.
فأما الأقسام الأول فكلها باطلة، وضعيفة، أما بيعتهم كرها فباطل، وقد (8) بيناها (9). وأما خلعهم فباطل، لأن الخلع لا يكون إلا بنظر من الجميع، فيمكن أن يولى واحد أو اثنان، ولا يكون الخلع إلا بعد الإثبات والبيان. وأما خروجهم في أمر قتلة عثمان فيضعف، لأن الأصل قبله تأليف الكلمة. ويمكن أن يجتمع الأمران، ويروى أن في تغيبهم قطعا (10)،للشغب (11)، بين الناس، فخرج طلحة، والزبير، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (12)، رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم، فيرعوا (13) حرمة نبيهم، واحتجوا عليها (14) بقول الله تعالى (1): {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114] وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلح، وأرسل فيه، فرجت المثوبة، واغتنمت الفرصة (2)، وخرجت حتى بلغت الأقضية مقاديرها. وأحسن (3) بهم أهل البصرة، فحرض من كان فيها (4) من المتألبين على عثمان الناس (5)، وقال: اخرجوا إليهم حتى تروا ما جاءوا إليه، فبعث عثمان بن حنيف (6)، حكيم بن جبلة، فلقي طلحة والزبير بالزابوقة (7)، فقتل حكيم، ولو خرج مسلما، مستسلما لا مدافعا، لما أصابه شيء، وأي خير كان له في المدافعة؟ وعن أي شيء كان يدافع؟ وهم ما جاءوا مقاتلين، ولا ولاة، وإنما جاءوا ساعين في الصلح، راغبين في تأليف الكلمة [و 106 أ]، فمن خرج إليهم فدافعهم (8)، وقاتلهم، دافعوه (9) عن مقصدهم، كما يفعل في سائر الأسفار والمقاصد. فلما وصلوا إلى البصرة، تلقاهم الناس بأعلى المربد (10)، مجتمعين، حتى لو رمي حجر، ما وقع إلا على رأس إنسان. فتكلم طلحة، وتكلمت عائشة رضي الله عنهما (11)، وكثر اللغط، وطلحة يقول: انصتوا، فجعلوا يركبونه، ولا ينصتون (12)، فقال: أف، أف، فراش نار (13)، وذباب (14) طمع (15)، وانقلبوا عن غير بيان، وانحدروا إلى بني نهد، فرماهم الناس بالحجارة، حتى نزلوا الجبل، والتقى طلحة، والزبير، وعثمان بن حنيف (1) عامل علي، على البصرة، وكتبوا بينهم أن يكفوا عن القتال، ولعثمان دار الإمارة، والمسجد، وبيت المال، وأن ينزل طلحة والزبير من البصرة، حيث شاءا (2)، ولا يعرض بعضهم لبعض (3)، حتى يقدم علي. وروى أن حكيم بن جبلة، عارضهم حينئذ، فقتل بعد الصلح. وقدم على البصرة، وتدانوا ليتراءوا (4)، فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء، واشتجر (5) بينهم (6) الحرب، وكثرت الغوغاء على البوغاء (7)، كل ذلك حتى لا يقع برهان، ولا تقف الحال على بيان، ويخفى (8) قتلة عثمان. وأن واحدا في جيش يفسد تدبيره (9)، فكيف بألف؟.
وقد روي أن مروان لما وقعت عينه في الاصطفاف، على طلحة، قال: لا أطلب (10) أثرا بعد عين، ورماه بسهم فقتله. ومن يعلم هذا، إلا علام الغيوب، ولم ينقله ثبت؟ وقد روى أنه (11) أصابه سهم بأمر مروان، لا (12) أنه رماه. وقد خرج كعب بن سور (13) بمصحف منشور بيده، يناشد (14) الناس أن لا يريقوا (15) دماءهم، فأصابه سهم غرب فقتله، ولعل طلحة مثله. ومعلوم أن عند الفتنة، و (16) في ملحمة القتال، يتمكن أولو الإحن والحقود، من حل العرى، ونقض العهود، وكانت آجالا حضرت، ومواعد (17) انتجزت.
فإن قيل: فلم خرجت [و 106 ب]، عائشة (1) وقد قال النبي (2) لهن في حجة الوداع: "هذه ثم (3) ظهور الحصر"؟ قلنا: حدث حديثين (4) امرأة، فإن أبت فأربعة. يا عقول النسوان! ألم أعهد إليكم ألا ترووا أحاديث البهتان، وقدمنا لكم على صحة خروج عائشة البرهان. فلم تقولون ما لا تعلمون؟ وتكررون ما وقع الانفصال عنه، كأنكم لا تفهمون، {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} [الأنفال: 22]. وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب (5)، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حوب (6)، ما كان قط شيء (7) مما ذكرتم. و (8) لا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الحديث، ولا جرى ذلك الكلام (9)، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهاداتكم بهذا الباطل، وسوف تسألون (10).