جنگ جمل
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 275)
هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن أئمة هذا الشأن، وليس فيما ذكره أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم من الأحاديث المختلفة على الصحابة والاخبار الموضوعة التي ينقولنها بما فيها، وإذا دعوا إلى الحق الواضح أعرضوا عنه وقالوا: لنا أخبارنا ولكم أخباركم، فنحن حينئذ نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 257)
فقامت عائشة رضي الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان، وذكرت ما افتات به أولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام، ولم يراقبوا جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سفكوا الدماء، وأخذوا الأموال.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 258)
فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له، فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له، فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان، لأنه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام.
وتلت قوله تعالى * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك بتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 261)
وقد كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان تدعوه إلى نصرتها والقيام معها فإن لم يجئ فليكف يده وليلزم منزله، أي لا يكون عليها ولا لها، فقال: أنا في نصرتك ما دمت في منزلك، وأبى أن يطيعها في ذلك، وقال: رحم الله أم المؤمنين أمرها الله أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل، فخرجت من منزلها وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحق بذلك منا، وكتبت عائشة إلى أهل اليمامة والكوفة بمثل ذلك (1) .
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 259)
وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة، ثم تحاجز الناس ورجع كل فريق إلى حوزته، وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة، فكثروا، وجاء حارثة (2) بن قدامة السعدي فقال: يا أم المؤمنين! والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة السلاح، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مكرهة فاستعيني بالناس في الرجوع وأقبل حكيم بن جبلة - وكان على خيل عثمان بن حنيف - فأنشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال، وجعل حكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا على فم السكة، وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، وحجز الليل بينهم، فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال، فاقتتلوا قتالا شديدا، إلى أن زال النهار، وقتل خلق كثير من أصحاب ابن حنيف، وكثرت الجراح في الفريقين،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 264)
فبعث علي القعقاع رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين.
فقال: أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني! الإصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت إنما جئت للإصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شئ يكون؟
فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن، فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 274)
وقد سألت عائشة عمن قتل معها من المسلمين ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحد منهم ترحمت عليه ودعت له، ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد
ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار.
فقال علي: صدقت والله كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
وسار علي معها مودعا ومشيعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم - وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين - وقصدت في مسيرها ذلك إلى مكة فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك ثم رجعت إلى المدينة رضي الله عنها.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 337)
وقد تقدم في حديث عبد الله بن شهاب عن علي ما يدل على أن عائشة استغربت حديث الخوارج ولا سيما خبر ذي الثدية كما تقدم، وإنما أوردنا هذه الطرق كلها ليعلم الواقف عليها أن ذلك حق وصدق وهو من أكبر دلالات النبوة، كما ذكره غير واحد من الأئمة فيها والله تعالى أعلم.
وقال: سألت عائشة رضي الله عنها بعد ذلك عن خبر ذي الثدية فتيقنته من طرق متعددة.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أنا أبو عبد الله، أنا الحسين بن الحسن بن عامر الكندي بالكوفة من أصل سماعه ثنا (1) محمد بن صدقة الكاتب، حدثني أحمد بن أبان فقرأت فيه حدثني الحسن بن عيينة، وعبد الله بن أبي السفر عن عامر الشعبي عن مسروق قالت عائشة: عندك علم عن ذي الثدية الذي أصابه علي في الحرورية: قلت! لا قالت: فاكتب لي بشهادة من شهدهم، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كل سبع ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها، قالت: أكل هؤلاء عاينوه؟ قلت.
لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه، فقالت: لعن الله فلانا فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكنت عبرتها قالت: رحم الله عليا لقد كان على الحق، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها (2) .
فتح الباري لابن حجر (9/ 331)
وقال النووي اتفق أهل العلم باللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وبن أخيه وبن عمه ونحوهم وأن الاختان أقارب زوجة الرجل وأن الأصهار تقع على النوعين اه وقد اقتصر أبو عبيد وتبعه بن فارس والداودي على أن الحمو أبو الزوجة زاد بن فارس وأبو الزوج يعني أن والد الزوج حمو المرأة ووالد الزوجة حمو الرجل وهذا الذي عليه عرف الناس اليوم وقال الأصمعي وتبعه الطبري والخطابي ما نقله النووي وكذا نقل عن الخليل ويؤيده قول عائشة ما كان بيني وبين علي إلا ما كان بين المرأة وأحمائها
تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 544)
تجهيز على ع عائشة رضي الله عنها من البصرة
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحه، قالا:
وجهز على عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع، وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهز يا محمد، فبلغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس وودعوها وودعتهم، وقالت: يا بني، تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، إنه والله ما كان بيني وبين على في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبى من الاخيار [وقال على: يا ايها الناس، صدقت والله وبرت، ما كان بيني وبينها الا ذلك، وانها لزوجه نبيكم ص في الدنيا والآخرة] .
وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثلاثين، وشيعها علي أميالا، وسرح بنيه معها يوما
الفتنة ووقعة الجمل (ص: 183)
المؤلف: سيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (المتوفى: 200هـ)
تجهيز علي عائشة وإرسالها إلى المدينة:
وجهز1 علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال: تجهز يا محمد فبلغها فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها وحضر الناس فخرجت على الناس وودعوها وودعتهم وقالت: يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه عندي على معتبتي من الاخيار وقال علي: يا أيها الناس صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة 36 هـ وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما.
[تمت نصوص رواية سيف بن عمر المتعلقة بمقتل عثمان ووقعة الجمل] .
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 264)
وسمع عمار رجلا يسب عائشة فقال: اسكت مقبوحا منبوحا، والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها، رواه
البخاري
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 261)
ويقال: أن أهل البصرة بايعوا طلحة والزبير، وندب الزبير ألف فارس يأخذها معه ويلتقي بها عليا قبل أن يجئ فلم يجبه أحد، وكتبوا بذلك إلى أهل الشام يبشرونهم بذلك، وقد كانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 273)
وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف (1) ، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 257)
ابتداء وقعة الجمل
لما وقع قتل عثمان بعد أيام التشريق، كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في هذا العام فرارا من الفتنة، فلما بلغ الناس أن عثمان قد قتل، أقمن بمكة بعدما خرجوا منها، ورجعوا إليها وأقاموا بها وجعلوا ينتظرون ما يصنع الناس ويتجسسون الأخبار فلما بويع لعلي وصار حظ الناس عنده بحكم الحال وغلبة الرأي، لا عن اختيار منه لذلك رؤس أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان، مع إن عليا في نفس الأمر يكرههم، ولكنه تربص بهم الدوائر، ويود لو تمكن منهم ليأخذ حق الله منهم، ولكن لما وقع الأمر هكذا واستحوذوا عليه، وحجبوا عنه علية الصحابة فر جماعة من بني أمية (2) وغيرهم إلى مكة، واستأذنه طلحة بن الزبير في الاعتمار، فأذن لهما فخرجا إلى مكة وتبعهم خلق كثير، وجم غفير، وكان علي لما عزم على قتال أهل الشام قد ندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليه، فطلب عبد الله بن عمر بن الخطاب وحرضه على الخروج معه، فقال: إنما أنا رجل من أهل المدينة، إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة، ولكن لا أخرج للقتال في هذا العام، ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة، وقدم إلى مكة أيضا في هذا العام يعلى بن أمية (3) من اليمن، - وكان عاملا عليها لعثمان -، ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم (4) ، وقدم لها عبد الله بن عامر من البصرة، وكان نائبها لعثمان، فاجتمع فيها خلق من سادات الصحابة، وأمهات المؤمنين،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 258)
وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب، وسار الناس قاصدين البصرة، وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عاشئة ابن أختها عبد الله ابن الزبير (2) ، ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات، وقد مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عاشئة قالت: ما اسم هذا المكان؟ قالوا الحوأب، فضربت بإحدى يديها على الأخرى وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أطنني إلا راجعة، قالوا: ولم؟ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه: " ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب "، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب، وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في دلائل النبوة كما سبق،
فأناخ الناس حولها يوما وليلة، وقل لها عبد الله بن الزبير: إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب (3) ، ثم قال الناس: النجا النجا، هذا جيش علي بن أبي طالب قد أقبل، فارتحلوا نحو البصرة،
__________
(3) جاء ابن الزبير بخمسين رجلا شهدوا عند عائشة هذا الماء ليس بماء الحوأب، فكانت هذه أول شهادة زور شهد بها في الاسلام.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 258)
وأم المؤمنين عاشئة تحمل في هودج على حمل اسمه عسكر، اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار، وقبل بثمانين دينارا، وقيل غير ذلك، وسار معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع، وتباكى الناس، وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب، وسار الناس قاصدين البصرة، وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عاشئة ابن أختها عبد الله ابن الزبير (2) ، ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات، وقد مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 258)
وكانت حفصة بنت عمر أم المؤمنين قد وافقت عاشئة على المسير إلى البصرة، فمنعها أخوها عبد الله من ذلك، وأبى هو أن يسير معهم إلى غير المدينة،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 266)
وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية، وقد سبق علي جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 266)
وجاء في غبون ذلك الأحنف بن قيس في جماعة فانضاف إلى علي - وكان قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير وكان قد بايع عليا بالمدينة وذلك أنه قدم المدينة وعثمان محصور فسأل عائشة وطلحة والزبير: إن قتل عثمان من أبايع؟ فقالوا بايع عليا فلما قتل عثمان بايع عليا قال: ثم رجعت إلى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع، حتى قال الناس هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان، فحرت في أمري لمن أتبع، فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغه أن الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال: " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة " (1) وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 267)
وكان في جملة من تبارز الزبير وعمار، فجعل عمار ينخره بالرمح والزبير كاف عنه، ويقول له، أتقتلني يا أبا اليقظان؟ فيقول: لا يا أبا عبد الله، وإنما تركه الزبير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقتلك الفئة الباغية " (3) وإلا فالزبير أقدر عليه منه عليه، فلهذا كف عنه،
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 268)
فلما ركب الجيشان وترآى الجمعان وطلب علي طلحة والزبير ليكلمهما، فاجتمعوا حتى التفت أعناق خيولهم، فيقال إنه قال لهما: إني أراكما قد جمعتما خيلا ورجالا وعددا، فهل أعددتما عذرا يوم القيامة؟ فاتقيا الله ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ألم أكن حاكما في دمكما تحرمان دمي وأحرم دمكما، فهل من حديث أحل لكما دمي؟ فقال طلحة: ألبت على عثمان.
فقال علي * (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) * [النور: 25] ، ثم قال: لعن الله قتلة عثمان، ثم قال: يا طلحة! أجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت؟ أما بايعتني؟ قال: بايعتك والسيف على عنقي.
وقال للزبير: ما أخرجك؟ قال: أنت، ولا أراك بهذا الأمر أولى به مني.
فقال له علي: أما تذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر إلي وضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه ليس بمتمرد لتقاتلنه وأنت ظالم له "؟ فقال الزبير: اللهم نعم! ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، ووالله لا أقاتلك.
وفي هذا السياق كله نظر، والمحفوظ منه الحديث، فقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي فقال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الدوري، حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي، عن جده عبد الملك عن أبي جرو (1) المازني.
قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير! أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنك تقاتلني وأنت ظالم "؟ قال: نعم! لم أذكره إلا في موقفي هذا، ثم
انصرف.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 268)
وقال عبد الرزاق: أنا معمر عن قتادة قال: لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال: " أتحبه يا زبير؟ فقال: وما يمنعني؟ قال: فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟ " قال: فيرون أنه إنما ولى لذلك.
قال البيهقي: وهذا مرسل وقد روي موصولا من وجه آخر.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (7/ 273)
وقد سأل بعض أصحاب علي عليا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليهم فطعن فيه السبائية وقالوا: كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟ فبلغ ذلك عليا فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال: لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبائية أيضا ونالوا منه من وراء وراء.
تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 472)
وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى أهل الكوفة مع رسولهم: أما بعد فإني أذكركم الله عز وجل والإسلام، أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه، اتقوا الله واعتصموا بحبله، وكونوا مع كتابه، فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده، فأجابنا الصالحون إلى ذلك، واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح، وقالوا: لنتبعنكم عثمان، ليزيدوا الحدود تعطيلا، فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر، فقرأنا عليهم: «ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم» فأذعن لي بعضهم، واختلفوا بينهم، فتركناهم وذلك، فلم يمنع ذلك من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح في أصحابي، وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصالحين، فرد كيدهم في نحورهم، فمكثنا ستا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده- وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حل دمه- فأبوا واحتجوا بأشياء، فاصطلحنا عليها، فخافوا وغدروا وخانوا، فجمع الله عز وجل لعثمان رضي الله عنه ثأرهم، فأقادهم فلم يفلت منهم إلا رجل، وارد انا الله، ومنعنا منهم بعمير ابن مرثد ومرثد بن قيس، ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد.
فالزموا الرضا إلا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقه، ولا تخاصموا الخائنين ولا تمنعوهم، ولا ترضوا بذوي حدود الله فتكونوا من الظالمين.
فكتبت إلى رجال بأسمائهم فثبطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم، فإن هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان رضي الله عنه، وفرقوا بين جماعة الأمة، وخالفوا الكتاب والسنة، حتى شهدوا علينا فيما أمرناهم به، وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر، وقالوا لنا المنكر، فأنكر ذلك الصالحون وعظموا ما قالوا، وقالوا: ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم ص، أن أمرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة المسلمين! فعزموا وعثمان بن حنيف معهم على من أطاعهم من جهال الناس وغوغائهم على زطهم وسيابجهم، فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط، فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق وألا يحولوا بيننا وبين الحق فغدروا وخانوا فلم نقايسهم، واحتجوا ببيعة طلحة والزبير، فأبردوا بريدا فجاءهم بالحجة فلم يعرفوا الحق، ولم يصبروا عليه، فغادوني في الغلس ليقتلوني، والذي يحاربهم غيري، فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يهديهم إلي، فوجدوا نفرا على باب بيتي، منهم عمير بن مرثد، ومرثد بن قيس، ويزيد بن عبد الله بن مرثد، ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد، فدارت عليهم الرحا، فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم، وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة، فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وكتب عبيد بن كعب في جمادى.
تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 483)
ثم انطلق حتى أتى المنبر، وسكن الناس، وأقبل زيد على حمار حتى وقف بباب المسجد ومعه الكتابان من عائشة رضي الله عنها إليه وإلى أهل الكوفة، وقد كان طلب كتاب العامة فضمه إلى كتابه، فأقبل بهما ومعه كتاب الخاصة وكتاب العامة: أما بعد، فثبطوا أيها الناس واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فلما فرغ من الكتاب قال: أمرت بأمر وأمرنا بأمر، أمرت أن تقر في بيتها، وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة، فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به فقام إليه شبث بن ربعي فقال: يا عماني- وزيد من عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين- سرقت بجلولاء فقطعك الله، وعصيت أم المؤمنين فقتلك الله! ما أمرت إلا بما أمر الله عز وجل به بالإصلاح بين الناس، فقلت: ورب الكعبة، وتهاوى الناس
تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 539)
. دخول علي على عائشة وما أمر به من العقوبة فيمن تناولها
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا:
ودخل علي البصرة يوم الاثنين، فانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، ثم دخل البصرة، فأتاه الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته، فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة، وجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف مع عائشة، وصفية ابنة الحارث مختمرة تبكي، فلما
هذه العبارة (إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها) مع القسم و بدون القسم، اورده الحافظ ابن کثیر فی البدایة و النهایة فی موضعین:
البداية والنهاية(7/ 274)
وقد سألت عائشة عمن قتل معها من المسلمين ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحد منهم ترحمت عليه ودعت له، ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار. فقال علي: صدقت والله كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
البداية والنهاية(7/ 337)
...قالت عائشة: عندك علم عن ذي الثدية الذي أصابه علي في الحرورية: قلت! لا قالت: فاكتب لي بشهادة من شهدهم، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كل سبع ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها، قالت: أكل هؤلاء عاينوه؟ قلت. لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه، فقالت: لعن الله فلانا فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكنت عبرتها قالت: رحم الله عليا لقد كان على الحق، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها.
و لکن هذه العبارة صدرت مرتین بعد تمام الامر، و یا لیتها صدرت قبل وقعة الجمل، هل المقتولون في المعرکة لو کانوا یسمعون هذه العبارة قبل الوقعة هل کانوا یرضون بقتل انفسهم لهذه العلة؟ و ابن کثیر ینقل ما صدر قبل الوقعة:
البداية والنهاية(7/ 257)
فقامت عائشة رضي الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان، وذكرت ما افتات به أولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام، ولم يراقبوا جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سفكوا الدماء، وأخذوا الأموال.
البداية والنهاية(7/ 258)
فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له، فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له، فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان، لأنه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام. وتلت قوله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك بتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)
البداية والنهاية(7/ 264)
فبعث علي القعقاع رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين. فقال: أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني! الإصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت إنما جئت للإصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك
و اورد ابن کثیر کلاما لبعض الناس یشعر بذلك:
البداية والنهاية(7/ 261)
وقد كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان تدعوه إلى نصرتها والقيام معها فإن لم يجئ فليكف يده وليلزم منزله، أي لا يكون عليها ولا لها، فقال: أنا في نصرتك ما دمت في منزلك، وأبى أن يطيعها في ذلك، وقال: رحم الله أم المؤمنين أمرها الله أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل، فخرجت من منزلها وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحق بذلك منا، وكتبت عائشة إلى أهل اليمامة والكوفة بمثل ذلك.
البداية والنهاية(7/ 259)
وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة، ثم تحاجز الناس ورجع كل فريق إلى حوزته، وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة، فكثروا، وجاء حارثة بن قدامة السعدي فقال: يا أم المؤمنين! والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة السلاح، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مكرهة فاستعيني بالناس في الرجوع وأقبل حكيم بن جبلة - وكان على خيل عثمان بن حنيف - فأنشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال، وجعل حكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا على فم السكة، وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، وحجز الليل بينهم، فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال، فاقتتلوا قتالا شديدا، إلى أن زال النهار، وقتل خلق كثير من أصحاب ابن حنيف، وكثرت الجراح في الفريقين،
.
العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية (ص: 161)
[عود إلى ذكر الحوأب ونقض الأسطورة عنه]
وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حوب (1) . ما كان قط شيء كما ذكرتم، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث، ولا جرى ذلك الكلام، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهاداتكم بهذا الباطل وسوف تسألون (2) .
_________
(1) الحوب: الإثم.
(2) تقدم في ص 148 بيان موضع الحوأب. وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة. وقد رأينا خبره عند الطبري (5: 170) فرأيناه يرويه عن إسماعيل بن موسى الفزاري (وهو رجل قال فيه ابن عدي: أنكروا منه الغلو في التشيع) ، ويرويه هذا الشيعي عن علي بن عابس الأزرق (قال عنه النسائي: ضعيف) وهو يرويه عن أبي الخطاب الهجري (قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: مجهول) وهذا الهجري المجهول يرويه عن صفوان بن قبيصة الأحمسي (قال عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: مجهول) . هذا هو خبر الحوأب. وقد بني على أعرابي زعموا أنهم لقوه في طريق الصحراء ومعه جمل أعجبهم فأرادوا أن يكون هو جمل عائشة فاشتروه منه وسار الرجل معهم حتى وصلوا إلى الحوأب فسمع هذا الكلام ورواه، مع أنه هو نفسه - أي الأعرابي صاحب الجمل - مجهول الاسم ولا نعرف عنه إن كان من الكذابين أو الصادقين. ويظهر لي أنه ليس من الكذابين ولا من الصادقين، لأنه من أصله - كالثاني عشر - موهوم لم يخلق، ولأن جمل عائشة واسمه ((عسكر)) جاء به يعلى بن أمية من اليمن وركبته عائشة من مكة إلى العراق، ولم تكن ماشية على رجليها حتى اشتروا لها جملًا من هذا الأعرابي الذي زعموا أنهم قابلوه في الصحراء، وركبوا على لسانه هذه الحكاية السخيفة ليقولوا إن طلحة والزبير - المشهود لهما بالجنة ممن لا ينطق عن الهوى - قد شهدا الزور. ولو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر خبرًا آخر نقله ياقوت في معجم البلدان (مادة حوأب) عن سيف بن عمر التميمي أن المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى بنت مالك الفزارية التي قادت المرتدين ما بين ظفر والحوأب فسباها المسلمون ووهبت لعائشة فأعتقتها، فقيلت فيها هذه الكلمة. وهذا الخبر ضعيف والخبر الذي أورده عن عائشة أضعف منه. وما برح الكذب بضاعة يتجر بها الذين لا يخافون الله.
عمر دستور داد عایشه را در نوح بر پدرش بزنند
الطبقات الكبرى ط دار صادر (3/ 208)
قال: أخبرنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فبلغ عمر فجاء فنهاهن عن النوح على أبي بكر، فأبين أن ينتهين، فقال لهشام بن الوليد: أخرج إلي ابنة أبي قحافة، فعلاها بالدرة ضربات [ص:209]، فتفرق النوائح حين سمعن ذلك، وقال: تردن أن يعذب أبو بكر ببكائكن، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه»
الفائق في غريب الحديث (2/ 381)
ابن سيرين رحمه الله لم يكن على يظن في قتل عثمان وكان الذي يظن في قتله غيره فقيل: من هو قال: عبدا أسكت عنه.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج32، ص: 151
126 «2»- ج، الإحتجاج روي عن الصادق ع أنه قال: دخلت أم سلمة بنت أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله و صلت على نبيه ص ثم قالت يا هذه أنت سدة بين رسول الله و بين أمته و حجابه عليك مضروب و على حرمته و قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه و ضم ضفرك فلا تنشريه و اسكني عقيرتك فلا تصحريها إن الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بك فقد نهاك عن الفرطة في البلاد إن عمود الدين لن يثأب بالنساء إن مال و لا يرأب بهن إن انصدع حمادى النساء غض الأطراف و ضم الذيول و الأعطاف و ما كنت قائلة لو أن رسول الله ص عارضك في بعض هذه الفلوات و أنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل و منزل إلى منزل و لغير الله مهواك و على رسول الله ص تردين و قد هتكت عنك سجافه و نكثت عهده و بالله أحلف لو أن سرت مسيرك ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي صلى الله عليه و آله و سلم فاتقي الله و اجعليه حصنا وقاعة الستر منزلا حتى تلقينه أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه و أنصح ما تكونين لله ما لزمتيه و أنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه و بالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله ص لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة فقالت لها عائشة ما أعرفني بموعظتك و أقبلني لنصيحتك ليس مسيري على ما تظنين ما أنا بالمغترة و لنعم المطلع تطلعت فيه فرقت بين فئتين متشاجرتين فإن أقعد ففي غير حرج و إن أخرج ففي ما لا غناء عنه من الازدياد به في الأجر قال الصادق ع فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول
لو كان معتصما من زلة أحد- كانت لعائشة الرتبى على الناس
من زوجة لرسول الله فاضلة- و ذكر آي من القرآن مدراس
و حكمة لم تكن إلا لهاجسها- في الصدر يذهب عنها كل وسواس
يستنزع الله من قوم عقولهم- حتى يمر الذي يقضي على الرأس
و يرحم الله أم المؤمنين لقد- تبدلت لي إيحاشا بإيناس-
فقالت لها عائشة شتمتيني يا أخت فقالت لها أم سلمة لا و لكن الفتنة إذا أقبلت غطت عين البصير و إذا أدبرت أبصرها العاقل و الجاهل.
بيان: قولها و ضم ضفرك بالضاد قال الجوهري الضفر نسج الشعر و غيره عريضا و الضفيرة العقيصة يقال ضفرت المرأة شعرها و لها ضفيرتان و ضفران أيضا أي عقيصتان انتهى.
و العطاف بالكسر الرداء و عطفا كل شيء جانباه و قال الجوهري في الصحاح القعود من الإبل هو البكر حين يركب أي يمكن ظهره من الركوب و قال أبو عبيد القعود من البعير الذي يقتعده الراعي في كل حاجة و السجاف ككتاب الستر ما قصرت عنه الظاهر أن كلمة ما بمعنى ما دام فالضمير في عنه راجع إلى الأمر الذي أرادته أو إلى الرب أو إلى ترك الخروج فيكون عن بمعنى علي و الضمير في لزمتيه إما راجع إلى الله أي طاعته أو إلى ترك الخروج و لزوم البيت و الضمير في قولها ما قعدت عنه راجع إلى الدين أي نصره بالجهاد أو إلى النصر أو إلى الأمر الذي أرادت بين فئتين متشاجرتين أي متنازعتين و في بعض النسخ متناجزتين و في بعضها متناحرتين و المناجزة في الحرب المبارزة و التناحر التقابل.
و قال ابن أبي الحديد «1» فئتان متناجزتان أي يسرع كل منهما إلى نفوس الأخرى و من رواه متناحرتان أراد الحرب و طعن النحور بالأسنة رشقها بالسهام و الرتبى فعلى من الرتبة بمعنى الدرجة و المنزلة.
و في بعض الروايات العتبى و هو الرجوع عن الإساءة و بعد ذلك في سائر الروايات
كم سنة لرسول الله دارسة و تلو آي من القرآن مدراس.
يقال درس الرسم يدرس دروسا أي عفا و درسته الريح يتعدى و لا يتعدى و درست الكتاب درسا و دراسة و التلو كأنه مصدر بمعنى التلاوة.
و الهاجس الخاطر يقال هجس في صدري شيء يهجس أي حدث.