شروط عمرية



مسألة في الكنائس (ص: 134)
والشروط العُمرية (1) التي كانوا ملتزمين بها:
1- أن لا يتخذوا من مدائن الإسلام ديراً ولا كنيسة ولا قُليّة (2) ولا صومعة لراهب, ولا يجددوا ما خرب منها.
2- ولا يمنعوا كنائسهم التي عاهدوا عليها أن ينزلها المسلمون ثلاثة أيام، يُطعموهم, ويؤووهم.
__________
(1) نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأنه شرطها على أهل الكتاب في الشام بمحضر من المهاجرين والأنصار، وعليها العمل عند أئمة المسلمين الحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) . والحديث (اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر) ، فصار هذا إجماعاً من الصحابة الذين لا يجتمعون على ضلالة وقد ذكر هذه الشروط أئمة العلماء من أهل المذاهب المتبوعة في كتبهم واعتمدوها. وهذه الشروط ما زال يجددها عليهم -أي على النصارى - من وفقه الله تعالى من ولاة أمور المسلمين. كما جدد عمر بن عبد العزيز، وبالغ في اتباع سنة جده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وجددها هارون الرشيد، وجعفر المتوكل وغيرهم، وأمروا بهدم الكنائس التي ينبغي هدمها كالكنائس التي بالديار المصرية كلها.
وهذه الشروط ليست ظلماً لهم، ولكن لإذلالهم وإعزاز الدين ورفعه. ففي سنن أبي داود عن العرباض مرفوعاً (إن الله لم يأذن لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب أبشارهم، ولا أكل ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم) .
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -يقول: أذلوهم ولا تظلموهم.
وعن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب الرسول عن آبائهم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا من ظلم معاهداً وانتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة) مختصر من الفتاوى 28/651- 657.
وهي والله شروط تبين عزة الدين، وشموخه ورفعته، بإعزاز أهله له وقيامهم به حقاً وصدقاً، اللهم أرض عنهم وأجزل مثوبتهم واجمعنا بهم، وارحم يا مولانا حالنا وضعفنا وهواننا على الناس -آمين.
(2) في بعض الروايات ولا قلاية لراهب. قال في اللسان: ابن الأثير في حديث عمر-رضي الله عنه -لما صالح نصارى أهل الشام كتبوا له كتاباً: إنا لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا قلية ولا نخرج سعانين ولا باعوثاً. القلية كالصومعة، قال كذا وردت، واسمها عند النصارى، القلاية وهي تعريب كلاذة وهي من بيوت عبادتهم. والسعانين عيد للنصارى قبل عيد الفصح بأسبوع يخرجون فيه وأمامهم الصليب، والباعوث هو صلاة الاستسقاء للنصارى.





3- ولا يظهروا شِركاً ولا ريبة لأهل الإسلام.
4- ولا يعلوا على المسلمين في البنيان.
5- ولا يعلموا أولادهم القرآن.
6- ولا يركبوا الخيل ولا البغال, بل يركبوا الحمير باللُكف (1) عرضاً من غير زينة لها ولا قيمة. ويركبوا وأفخاذهم مثنية.
7- ولا يظهروا على عورات المسلمين.
8- ويتجنبوا أوساط الطرق؛ توسعة للمسلمين.
9- ولا ينقشوا خواتمهم بالعربية.
10- وأن يجذّوا مقادم رؤوسهم.
11- وأن يلزموا زيَّهم حيث ما كانوا (2) .
12- ولا يستخدموا مسلماً في الحمام, ولا في أعمالهم الباقية.
13- ولا يتسموا بأسماء المسلمين, ولا يتكنوا بكناهم, ولا يتلقبوا بألقابهم.
14- ولا يركبون (3) سفينة نوتيها مسلمٌ.
__________
(1) بالأكف عرضاً من المصرية , والأكف إكاف أو أكاف بكسر الهمزة وضمها , وهي شبه الرحال والأقتاب توضع على الحمير والبغال - أعزكم الله - كما في اللسان والقاموس مادة أكف , وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة 2/757: فأهل الذمة ممنوعون من ركوبهم السروج , وإنما يركبون الأكف. وهي البراذع عرضاً , ويكون أرجلهم جميعاً إلى جانب واحد كما أمرهم أمير المؤمنين عمر. وهو ابن الخطاب - رضي الله عنه - لئلا يلتبس بعمر بن عبد العزيز , فقد حدد هذا الأمر والذي يظهر أن الأكف هي ما يوضع على الحمير شبه السرج على الخيول. فالنسخة المصرية أصح من الأصل.
(2) والآن للأسف صار ضعاف الإيمان من المسلمين يقلدونهم في لباسهم وأكلهم وعاداتهم.
(3) في المصرية , ولا يركبوا بالعطف على المنصوب وهكذا ما بعدها.




15- ولا يشترون رقيقاً مما سباه مسلم.
16- ولا يشترون شيئاً مما خرجت عليه سهام المسلمين.
17- ولا يبيعون الخمور.
18- ومن زنى منهم بمسلمة قُتل.
19- ولا يلبسون عمامة صافية, بل يلبس النصراني العمامة الزرقاء عشرة أذرع, من غير زينة لها ولا قيمة.
20- ولا يشتركون مع المسلمين في تجارة, ولا بيع, ولا شراء.
21- ولا يخدمون الملوك, ولا الأمراء فيما يُجري أميرهم على المسلمين من كتابة, أو أمانة, أو وكالة, أو غير ذلك (1) .
__________
(1) هذه الشروط العمرية سبق النقل عن الشيخ في شهرتها وعمل الولاة بها في أول سياق الشروط. وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة 2/ 663: وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول أ. هـ. بعد أن ذكر طرفاً من أسانيدها، فمن ذلك:
قال عبد الله بن أحمد حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد حدثني عمر أبو اليمان وأبو المغيرة قال أخبرنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم - فكاتب عمر.
وكذا رواه الخلال في كتابه من أحكام أهل الملل، عن عبد الله فذكره. وقال الربيع بن ثعلب ثنا يحيى ابن عقبة بن أبي الفيرار عن الثوري والوليد بن نوح واليسرى بن مصرف يذكرون عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم.
وقال شيخ الإسلام 28/ 561، وهذه الشروط مروية من وجوه مختصرة ومبسوطة، ومنها ما رواه سفيان ابن مسروق عن عبد الرحمن بن عتبة قال كتبت عمر-رضي الله عنه - حين صالح نصارى الشام كتاباً وشرط عليهم فيه، فذكره أ. هـ 0 وانظر الصارم المسلول له ص 201 -216 ومواضع عديدة منه، وقد أفرد التقي السبكي باباً في ذكر شروط - عمر رضي الله عنه - على أهل الذمة، وذكر فيه عدة طرق ما نظرها في فتاواه 2/ 397-403.
هذا وإن جمع الطرق الواردة فيها الشروط والمقارنة بينها ودراسته رواتها وأحوالهم لعمل جليل يضيق عنه هذا المختصر-وعسى الله أن يعين عليه - مع أن اشتهارها وتلقي الأئمة لها بالقبول والعمل كما قال الشيخان: ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كاف في العمل بها واعتبارها.




وهذه الشروط التي وردت فيها الأحاديث النبوية شرّفها الله وأعزها. قال صلى الله عليه وسلم: "اليهود والنصارى خونة لا أعان الله من ألبسهم ثوب عز" (1) .
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم, ولا من خذلهم, حتى تقوم الساعة".
وكل من عرف سير الناس وملوكهم, رأى من كان أنصرَ لدين الله, وأعظم جهاداً لدين الله, ولأعدائه, وأقوم بطاعة الله ورسوله, أعظم نصرة وطاعة وحرمة, من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فمن خرج عن شرط من هذه الشروط فقد حل للمسلمين منهم ما حل بأهل المعاندة والشقاق (2) . ويتقدم حاكم المسلمين يطلب من يكون من أكابر النصارى، ويُلزمهم بهذه الشروط العُمرية, أعز الله أنصارها بمحمد وآله.
تمت المسألة وجوابها والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, صلاة دائمة إلى يوم الدين, آمين.
__________
(1) جاء في حاشية الأصل: وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام , وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه) . وهو عند مسلم في كتاب السلام - باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام رقم 2167.
(2) فقد جاء في بعض الروايات لسياق الشروط في آخرها [فإن خالفوا شيئاً مما أخذ عليهم فلا ذمة لهم , وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.