سایر شروح بخاری



باب کتابة العلم
شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 189)
وفى قول عمر: حسبنا كتاب الله، حين قال النبى (صلى الله عليه وسلم) : تمت ائتونى بكتاب أكتب لكم - فيه من فقه عمر وفضله أنه خشى أن يكتب النبى أمورا ربما عجز عنها فاستحق عليها العقوبة، وإنما قال: حسبنا كتاب الله، لقوله: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38] ، فعلم أن الله تعالى لا يتوفى نبيه حتى يكمل لهم دينهم، لقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) [المائدة: 3] ، فقنع عمر بهذا، وأراد الترفيه عن النبى (صلى الله عليه وسلم) ، لاشتداد مرضه وغلبة الوجع عليه. فعمر أفقه من ابن عباس حين اكتفى بالقرآن الذى أكمل الله فيه الدين، ولم يكتف بذلك ابن عباس، وسيأتى هذا المعنى أيضا فى باب النهى على التحريم إلا ما يعرف إباحته، فى كتاب الاعتصام، إن شاء الله. وفى قوله: تمت ائتونى بكتاب أكتب لكم - دليل على أن للإمام أن يوصى عند موته بما يراه نظرا للأمة، وفى تركه الكتاب إباحة الاجتهاد، لأنه أوكلهم إلى أنفسهم واجتهادهم.




شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 386)
قال المؤلف: فيه من الفقه أن المريض إذا اشتد به المرض أنه يجوز أن يقول لزوره قوموا عنى ويأمرهم بالخروج لينفرد بألطافه ويمرضه من يخف عليه مباشرته له من أهله وذوى رحمة، ولا يعد ذلك جفاء على الزائرين بل الجفاء منهم طول الجلوس عند المريض إذا اشتد مرضه، والصواب لهم تخفيف القعود عنده وترك إحراجه وأذاه، وقد تقدم فى كتاب العلم فى باب كتابه العلم وسيأتى فى كتاب الاعتصام فى باب النهى على التحريم إلا بما يعرف إباحتع إن شاء الله تعالى












المتواري على أبواب البخاري (ص: 412)
قلت: رضي الله عنك! قصد بهذه الترجمة التنبيه على أن المخالفة التي وقعت أحيانا لما طلب منهم لم تكن عدولا عن الاعتصام إذ لم يخالفوا واجبا ولم يؤثر عنهم ذلك.
وصور المخالفة فهموا فيها عدم العزم عليهم وتمكينهم من بعض الخيرة. وهذا في الحقيقة ليس خلافا، ولكنه إخبار لما كان لهم فيه خيار، وإن كان العلماء المحققون أنكروا اجتماع الطلبة والخيرة ولو كان الطلب ندبا، وعدوا ذلك تناقضا لا سبيل إليه شرعا، ولا يوجد من العلماء من أجاز ذلك وهو نفس البخاري. والله سبحانه وتعالى أعلم.









عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 169)
114 - حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده) قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: (عني ولا ينبغي عندي التنازع) . فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه..
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله: وهم ستة: الأول: يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد الجعفي الكوفي أبو سعيد، سكن مصر ومات بها سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين. الثاني: عبد الله بن وهب بن مسلم المصري. الثالث: يونس بن يزيد الأيلي. الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الخامس: عبيد الله بن عبد الله، بتصغير الابن وتكبير الأب ابن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الفقيه الأعمى، أحد الفقهاء السبعة. السادس: عبد الله بن عباس.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث بصيغة الجمع وصيغة الإفراد والإخبار بصيغة الإفراد والعنعنة. ومنها: أن فيه رواية التابعي عن التابعي. ومنها: أن رواته ما بين كوفي ومصري ومدني.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله، وفي الطب عن عبيد الله بن محمد كلاهما عن عبد الرزاق وفيه وفي الاعتصام عن ابن إبراهيم ابن موسى عن هشام بن يوسف كلاهما عن معمر عن الزهري. وأخرجه مسلم في الوصايا عن محمد بن رافع وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عنه. وأخرجه النسائي في العلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وفي الطب عن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم كلاهما عن عبد الرزاق عنه.
بيان اللغات: قوله: (لما اشتد) أي: لما قوي. قوله: (اللغط) ، بالتحريك: الصوت والجلبة. وقال الكسائي: اللغط، بسكون الغين، لغة فيه، والجمع ألغاط. وقال الليث: اللغط أصوات مبهمة لا تفهم. تقول: لغط القوم وألغط القوم مثل: لغطوا. قوله: (الرزيئة) ، بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة، وقد تسهل الهمزة وتشدد الياء، ومعناها: المصيبة. . وفي (العباب) الرزء المصيبة والجمع الارزاء وكذلك المرزية والرزيئة وجمع الرزيئة الرزايا وقد رزأته رزيئة أي أصابته مصيبة ورزأته رزأ بالضم ومرزئة إذا أصبت منه خيرا ما كان، ويقول: ما رزأت ماله، وما رزئته بالكسر أي: ما نقصته.
بيان الإعراب: قوله: (لما) ظرف بمعنى: حين. قوله: (وجعه) بالرفع فاعل: (اشتد) . قوله: (قال) جواب (لما) وقوله: (ائتوني) مقول القول. قوله: (اكتب) مجزوم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع للاستئناف. قوله: (كتابا) مفعول: (اكتب) . قوله: (لا تضلوا) نفي، وليس بنهي، وقد حذفت منه النون لأنه بدل من جواب الأمر، وقد جوز بعض النحاة تعدد جواب الأمر من غير حرف العطف، و: (بعده) نصب على الظرف. قوله: (إن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، غلبه الوجع) مقول قول عمر، رضي الله عنه، وغلبه الوجع، جملة من الفعل والمفعول، والفاعل وهو: الوجع، في محل الرفع لأنها خبر: إن. قوله: (كتاب الله) . كلام إضافي مبتدأ، و (عندنا) مقدما خبره، و: (الواو) ، للحال. قوله: (حسبنا) خبر مبتدأ محذوف أي: هو حسبنا. أي: كافينا. قوله: (فاختلفوا) تقديره: فعند ذلك اختلفوا. قوله: (وكثر اللغط) بضم الثاء المثلثة جملة معطوفة على الجملة الأولى، ويجوز أن تكون الواو للحال، والألف واللام في: اللغط، عوضا عن المضاف إليه، والتقدير: فاختلفوا والحال أنهم قد كثر لغطهم. قوله: (قوموا عني) أي: قوموا مبعدين عني، فهذا الفعل يستعمل باللام نحو: {قوموا لله} (البقرة: 238) وبإلى نحو: {إذا قمتم إلى الصلاة} (المائدة: 6) وبالباء نحو: قام بأمر كذا، وبغير صلة نحو: قام زيد. وتختلف المعاني باختلاف الصلات لتضمن كله صلة معنى يناسبها. قوله: (ولا ينبغي) من أفعال المطاوعة، تقول: بغيته فانبغى، كما تقول: كسرته فانكسر. وقوله: (التنازع) فاعله. قوله: (يقول) حال من ابن عباس. قوله: (كل الرزيئة) منصوب على النيابة عن المصدر، ومثل هذا يعد من المفاعيل المطلقة. قوله: (ما حال) في محل الرفع، لأنه خبر: إن. و: ما، موصولة، و: حال، صلتها أي: حجز أي: صار حاجزا.
بيان المعاني: قوله: (وجعه) أي: في مرض موته، وفي رواية البخاري في المغازي: (لما حضر) ، وفي رواية الإسماعيلي: (لما حضرت النبي، عليه الصلاة والسلام، الوفاة) . وفي رواية البخاري من رواية سعيد بن جبير: إن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل موته بأربعة أيام. قوله: (ائتوني بكتاب) فيه حذف لأن حق الظاهر أن يقال: ائتوني بما يكتب به الشيء: كالدواة والقلم. والكتاب بمعنى: الكتابة، والتقدير: ائتوني بأدوات الكتابة، أو يكون أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه نحو الكاغد والكتف. وقد صرح في (صحيح) مسلم بالتقدير المذكور حيث قال: (ائتوني بالكتف والدواة) ، والمراد بالكتف عظم الكتف، لأنهم كانوا يكتبون فيه. قوله: (اكتب لكم كتابا) أي: آمر بالكتابة. نحو: كسى الخليفة الكعبة، أي: أمر بالكسوة، ويحتمل أن يكون على حقيقته، وقد ثبت أن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كتب بيده. ولكن ورد في (مسند أحمد) من حديث علي، رضي الله عنه، أنه المأمور بذلك، ولفظه: أمرني النبي، عليه الصلاة والسلام، أن آتيه بطبق أي: كتف، يكتب ما لا تضل أمته من بعده. واعلم أن بين الكتابين جناس تام، ولكن أحدهما بالحقيقة، والآخر بالمجاز. قوله: (لا تضلوا) ويروى: (لن تضلوا) ، بفتح التاء وكسر الضاد من الضلالة ضد الرشاد، يقال: ضللت، بكسر اللام: أضل، بكسر الضاد وهي الفصيحة، وأهل العالية يقول ضللت بالكسر أضل بالفتح. وجاء: يضل بالكسر بمعنى ضاع وهلك.
واختلف العلماء في الكتاب الذي هم صلى الله عليه وسلم بكتابته، قال الخطابي: يحتمل وجهين. أحدهما: أنه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفين. وقيل: أراد أن يبين كتابا فيه مهمات الأحكام ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه، ثم ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه به. وقال سفيان بن عيينة: أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف، ويؤيده أنه، عليه الصلاة والسلام، قال في أوائل مرضه، وهو عند عائشة، رضي الله عنها: (ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمني، ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) . أخرجه مسلم. وللبخاري معناه، ومع ذلك فلم يكتب. قوله: (قال عمر، رضي الله عنه: إن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا) . قال النووي: كلام عمر، رضي الله عنه، هذا مع علمه وفضله لأنه خشي أن يكتب أمورا فيعجزوا عنها، فيستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها. وقال البيهقي: قصد عمر، رضي الله عنه، التخفيف على النبي، عليه الصلاة والسلام، حين غلبه الوجع. ولو كان مراده، عليه الصلاة والسلام، أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم. وقال البيهقي: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم، قيل: إن النبي، عليه الصلاة والسلام، أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر، رضي الله عنه، ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله تعالى. وذلك كما هم في أول مرضه حين قال: وارأساه، ثم ترك الكتاب، وقال: يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم قدمه في الصلاة. وقد كان سبق منه قوله، عليه السلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر) . وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر، رضي الله عنه، دليل على استصوابه. فإن قيل: كيف جاز لعمر، رضي الله عنه، أن يعترض على ما أمر به النبي، عليه الصلاة والسلام؟ قيل له: قال الخطابي: لا يجوز أن يحمل قوله أنه توهم الغلط عليه أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحاله، لكنه لما رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب الوفاة خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلا إلى الكلام في الدين. وقد كانت الصحابة، رضي الله عنهم، يراجعون النبي، عليه الصلاة والسلام، في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها، كما راجعوه يوم الحديبية وفي الخلاف وفي الصلح بينه وبين قريش، فإذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي، وأجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد رفع درجته فوق الخلق كلهم، فلم يتنزه من العوارض البشرية، فقد سها في الصلاة، فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه، فيتوقف في مثل هذه الحال حتى يتبين حقيقته، فلهذه المعاني وشبهها توقف عمر، رضي الله عنه. وأجاب المازري عن السؤال بأنه: لا خلاف أن الأوامر قد تقترن بها قرائن تصرفها من الندب إلى الوجوب، وعكسه عند من قال: إنها للوجوب وإلى الإباحة، وغيرها من المعاني، فلعله ظهر من القرائن ما دل على أنه لم يوجب ذلك عليهم، بل جعله إلى اختيارهم، ولعله اعتقد أنه صدر ذلك منه، عليه الصلاة والسلام، من غير قصد جازم، فظهر ذلك لعمر، رضي الله عنه، دون غيره. وقال القرطبي: (ائتوني) أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر، رضي الله عنه، وطائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام: 38) وقوله تعالى: {تبيانا لكل شيء} (النحل: 89) ولهذا قال عمر: رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله. وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب، لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح، ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش، عليه الصلاة والسلامغ، بعد ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك. ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم، لأنه لم يترك التكليف لمخالفة من خالف. والله أعلم.
قوله: (عندي) . وفي بعض النسخ: (عني) أي: عن جهتي. قوله: (ولا ينبغي عندي التنازع) فيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر، وإن كان ما اختاره عمر، رضي الله عنه، صوابا. قوله: (فخرج ابن عباس يقول) ظاهره أن ابن عباس، رضي الله عنه، كان معهم، وأنه في تلك الحالة خرج قائلا هذه المقالة، وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر، بل قول ابن عباس إنما كان يقول عند ما يتحدث بهذا الحديث، ففي رواية معمر في البخاري في الاعتصام وغيره، قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول، وكذا لأحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد، ووجه رواية حديث الباب أن ابن عباس لما حدث عبيد الله بهذا الحديث، خرج من المكان الذي كان به، وهو يقول ذلك، ويدل عليه ما رواه أبو نعيم في (المستخرج) ، قال عبيد الله: فسمعت ابن عباس يقول ... الخ، وإنما تعين حمله على غير ظاهره لأنه عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها، لأنه ولد بعد النبي، عليه الصلاة والسلام، بمدة طويلة، ثم سمعها من ابن عباس بعد ذلك بمدة أخرى.
بيان استنباط الأحكام: الأول: فيه بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله، عليه الصلاة والسلام، بالإمامة، لأنه لو كان عند علي، رضي الله عنه، عهد من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، لأحال عليها. الثاني: فيه ما يدل على فضيلة عمر، رضي الله عنه، وفقهه. الثالث: في قوله: (ائتوني بكتاب أكتب لكم) دلالة على أن للإمام أن يوصي عند موته بما يراه نظرا للأمة. الرابع: في ترك الكتاب إباحة الاجتهاد، لأنه وكلهم إلى أنفسهم واجتهادهم. الخامس: فيه جواز الكتابة، والباب معقود عليه.





عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 298)
قوله: (يوم الخميس) ، خبر المبتدأ المحذوف، أو بالعكس نحو: يوم الخميس يوم الخميس، نحو: أنا أنا، والغرض منه تفخيم أمره في الشدة والمكروه. قوله: (وما يوم الخميس؟) أي: أي يوم يوم الخميس؟ وهذا أيضا لتعظيم أمره في الذي وقع فيه. قوله: (حتى خضب) ، أي: رطب وبلل. قوله: (فتنازعوا) ، وقد مر في كتاب العلم في: باب كتابة العلم بعض هذا الحديث عن ابن عباس. . وفيه: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغظ، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع) الحديث وهذا يوضح معنى قوله: فتنازعوا. قوله: (ولا ينبغي عند نبي تنازع) ، قال الكرماني: لفظ: ولا ينبغي، إما قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم وإما قول ابن عباس، والسياق يحتملهما، والموافق لسائر الروايات الأولى. قلت: لا حاجة إلى هذا الترديد لأنه صلى الله عليه وسلم صرح في الحديث الذي سبق في كتاب العلم بقوله: (ولا ينبغي عندي التنازع) ، والعجب منه ذلك مع أنه قال: ومر شرح الحديث في: باب كتابة العلم. قوله: (أهجر) ، ويروى: هجر، بدون الهمزة، أطلق بلفظ الماضي، لما رأوا فيه من علامات الهجرة عن دار الفناء، وقال ابن بطال: قالوا: هجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي: اختلط، وأهجر إذا أفحش. وقال ابن التين: يقال: هجر العليل إذا هذى يهجر هجرا بالفتح، والهجر بالضم الإفحاش. وقال ابن دريد: يقال: هجر الرجل في المنطق إذا تكلم بما لا معنى له، وأهجر إذا أفحش. قلت: هذه العبارات كلها فيها ترك الأدب والذكر بما لا يليق بحق النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أفحش من أتى بهذه العبارة، فانظر إلى ما قال النووي: أهجر؟ بهمزة الاستفهام الإنكاري، أي: أنكروا على من قال: لا تكتبوا، أي: لا تجعلوه كأمر من هذي في كلامه، وإن صح بدون الهمزة فهو أنه لما أصابته الحيرة والدهشة لعظم ما شاهد من هذه الحالة الدالة على وفاته وعظم المصيبة، أجرى الهجر مجرى شدة الوجع، وقال الكرماني: وأقول: هو مجاز لأن الهذيان الذي للمريض مستلزم لشدة وجعه، فأطلق الملزوم وأريد اللازم. قلت: لو كان بتحسين العبارة لكان أولى. قوله: (دعوني) ، أي: اتركوني ولا تنازعوا عندي، فإن الذي أن فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله تعالى والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما تدعوني إليه من الكتابة ونحوها. قوله: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ، أخرجوا: أمر من الإخراج، ولم يتفرغ أبو بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه لذلك، فأجلاهم عمر، رضي الله تعالى عنه قيل: كانوا أربعين ألفا ولم ينقل عن أحد من الخلفاء أنه أجلاهم من اليمن، مع أنها من جزيرة العرب.






عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 62)
والحديث مضى في كتاب العلم في باب كتابة العلم من غير هذا الوجه ومضى أيضا في الجهاد في باب جوائز الوفد فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن ابن عيينة إلى آخره ومضى الكلام فيه هناك ولنذكر بعض شيء قوله " يوم الخميس " مرفوع على أنه خبر للمبتدأ المحذوف أي هذا يوم الخميس ويجوز العكس قوله " وما يوم الخميس " مثل هذا يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة والتعجب منه وزاد في الجهاد من هذا الوجه ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى قوله " اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم  - وجعه " زاد في الجهاد يوم الخميس فهذا يدل على تقدم مرضه عليه قوله " ائتوني " أي بكتاب وكذا هو في كتاب العلم قوله " ولا ينبغي عند نبي " قيل هذا مدرج من قول ابن عباس والصواب أنه من الحديث المرفوع ويؤيده ما في كتاب العلم ولا ينبغي عندي التنازع قوله " أهجر " بهمزة الاستفهام الإنكاري عند جميع رواة البخاري وفي رواية الجهاد هجر بدون الهمزة وفي رواية الكشميهني هناك هجر هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - بتكرار لفظ هجر وقال عياض معنى هجر أفحش ويقال هجر الرجل إذا هذى وأهجر إذا أفحش قلت نسبة مثل هذا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم  - لا يجوز لأن وقوع مثل هذا الفعل عنه - صلى الله عليه وسلم  - مستحيل لأنه معصوم في كل حالة في صحته ومرضه لقوله تعالى {وما ينطق عن الهوى} ولقوله - صلى الله عليه وسلم  - " إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا " وقد تكلموا في هذا الموضع كثيرا وأكثره لا يجدي والذي ينبغي أن يقال إن الذين قالوا ما شأنه أهجر أو هجر بالهمزة وبدونها هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام ولم يكونوا عالمين بأن هذا القول لا يليق أن يقال في حقه - صلى الله عليه وسلم  - لأنهم ظنوا أنه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية إذا اشتد الوجع على واحد منهم تكلم من غير تحر في كلامه ولهذا قالوا استفهموه لأنهم لم يفهموا مراده ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتى أنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم  - بقوله ولا ينبغي عند نبي التنازع وفي الرواية الماضية ولا ينبغي عندي تنازع ومن جملة تنازعهم ردهم عليه وهو معنى قوله " فذهبوا يردون عليه " ويروى يردون عنه أي عما قاله فلهذا قال دعوني أي اتركوني والذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله عز وجل فإنه أفضل من الذي تدعونني إليه من ترك الكتابة ولهذا قال ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب وقال ابن التين قوله " فذهبوا يردوا عليه " كذا في الأصول يعني بحذف النون ثم قال وصوابه يردون يعني بنون الجمع لعدم الجازم والناصب ولكن ترك النون بدونهما لغة بعض العرب قوله " وأوصاهم " أي في تلك الحالة بثلاث أي بثلاث خصال (الأولى) قوله " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " وهي من العدن إلى العراق طولا ومن جدة إلى الشام عرضا قوله " وأجيزوا " هي (الثانية) من الثلاث المذكورة وهو بالجيم والزاي معناه أعطوا الجائزة وهي العطية ويقال أن أصل هذا أن ناسا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجها فسميت عطية من يفد على الكبير جائزة ويستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على مدحه ونحو ذلك قوله بنحو ما كنت أجيزهم أي بمثله وكانت جائزة الواحد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم  - أوقية من فضة وهي أربعون درهما والضمير المنصوب في أجيزهم يعود إلى الوفد المذكور تقديرا وهو مفعول قوله أجيزوا أي أجيزوا الوفد وقد حذف لدلالة أجيزوا عليه من حيث اللفظ والمعنى قوله " وسكت عن الثالثة " أي عن الخصلة الثالثة قيل القائل ذلك هو سعيد بن جبير وقد صرح الإسمعيلي في روايته بأنه هو سفيان بن عيينة وفي مسند الحميدي من طريقه وروى أبو نعيم في المستخرج قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها وهذا هو الأظهر الأقرب واختلفوا في الثالثة ما هي فقال الداودي الوصية بالقرآن وبه قال ابن التين وقال المهلب تجهيز جيش أسامة وبه قال ابن بطال ورجحه وقال عياض هي قوله لا تتخذوا قبري وثنا يعبد فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود وقيل يحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله الصلاة وما ملكت أيمانكم قوله " أو قال فنسيتها " شك من الراوي -


عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 63)
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور.
قوله: (لما حضر) ، بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة، على صيغة المجهول يقال: حضر فلان واحتضر إذا دنا موته، وقال ابن الأثير: وروي بالخاء المعجمة، وقيل: هو تصحيف. قوله: (وفي البيت رجال) ، أي: والحال أن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم رجال من الصحابة، ولم يرد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (لا تضلوا) ، ويروى: لا تضلون بنون الجمع على اختلاف كلمة: لا فإن كانت: لا، الناهية فتترك النون، وإن كانت: لا، للنفي فبالنون. قوله: (قوموا) ، أي: قوموا عني، وهكذا هو في رواية ابن سعد. قوله: (إن الرزية) ، بفتح الراء وكسر الزاي وتشديد الياء: المصيبة. قوله: (ولغطهم) اللغط بفتح الغين المعجمة وبالطاء المهملة: الصوت والصياح.





منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (1/ 208)
84 - معنى الحديث: يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " اشتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعه " أي اشتدت عليه آلام الحمى في مرضه الأخير الذي توفي فيه، " فقال: اتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً " هكذ الرواية بجزم " أكتب " لوقوعه في جواب الطلب. أي أحضروا لدي أدوات الكتابة من قلم وقرطاس ونحوه لكي آمر بعض أصحابي بتحرير كتاب هام " لن تضلوا بعده " يعني لكي يكون هذا الكتاب هادياً لكم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، فلا تميلوا بعده عن جادة الحق ولا تنحرفوا عن منهج الصواب، والظاهر أنّ هذا الكتاب كان يتعلق بأمر الخلافة ومن يليها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعهد فيه لمن يكون بعده خليفة للمسلمين " قال عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غلبه الوجع " قال ابن الجوزي: إنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حالة غلبة المرض عليه فيجد المنافقون سبباً إلى الطعن في ذلك المكتوب " وعندنا كتاب الله حسبنا " أي يكفينا كتاب الله، وإنما لم يتمم عمر هذا الكتاب لأمرين: أولهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد غلبه الوجع. وثانيهما: أنه رأى أن أمره - صلى الله عليه وسلم - هذا إنما كان توجيهاً وإرشاداً وليس على سبيل الوجوب.
قال ابن عباس رضي الله عنهما " فاختفوا وكثر اللغط " أي كثر الكلام وارتفعت الأصوات " قال قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع " لأن حالته المرضية لم تعد تسمح له بسماع الكلام الكثير والضجيج والأصوات العالية.
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: مشروعية كتابة العلم، لأن ما أراده النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - داخل في ذلك مهما كان مضمونه، سواء كان الكتاب في بيان بعض الأحكام الشرعية، أو في بيان أسماء الخلفاء من بعده. ثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوصِ لأحد بالخلافة من بعده، ولم يوجد هناك أي نص أو وثيقة شرعية عهد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد أن يكون خليفة عنه بعد وفاته، وإنما تمت الخلافة لأبي بكر عن طريق الانتخاب والشورى وإجماع الصحابة على مبايعته بالخلافة، حتى أن علي بن أبي طالب نفسه قد بايعه بالخلافة كما أَجمع على ذلك المؤرخون وأهل السير. الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي. والمطابقة: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أكتب لكم كتاباً ".